هانـي عســاف: خسائر مضاعفة

هانـي عســاف: خسائر مضاعفة
هانـي عســاف: خسائر مضاعفة


حين التحقت بكلية التربية في الجامعة اللبنانية العام 1969ـ 1970، كان هاني عساف يتابع ممثلاً طلاب «الحزب الشيوعي» ومسؤولاً عنهم، ورشة متكاملة من المهام، فهو، أولاً، كان شارك، بكفاءة عالية، في لجان تأسيس «الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية». كانت هذه اللجان تضم ممثلي القوى السياسية الناشطة في الجامعة، بالإضافة الى عدد من المستقلين البارزين. لم يكن النقاش من دون خلافات. بعضها بين تيارات اليسار نفسه حول طبيعة الاتحاد العتيد: هل تقتصر عضويته على المهتمين، كما كان يطالب بعض «اليسار الجديد»، أم تشمل عضويته جميع الطلاب المسجلين، كما كانت تدعو أكثرية المشاركين في النقاش ومن بينها ممثلو الشيوعي. كانت لهاني عساف مساهمات حاسمة، خصوصاً في الجمعيات العمومية التي كانت تعقد في الكليات لكسب تأييد الطلاب الى هذه الجهة او تلك، وترجيحاً لهذه الوجهة او لنقيضها.

وكان هاني يتابع أيضا، ورشة صراع فكري وسياسي مع تيارات «اليسار الجديد»، في الوقت الذي كان مدعواً فيه، لاعادة بناء منظمات الحزب في كليات الجامعة اللبنانية، وسواها، وخصوصا في ضوء نتائج المؤتمر الثاني الذي انهى أعماله قبل سنة، وشكلت تحولاته وقراراته منعطفا تاريخياً في مسار «الحزب الشيوعي اللبناني».

وكان هاني عساف ثالثاً، يشارك، ودائما بمتابعة قيادية وبمشاركة، من صديقه جوزيف بو عقل، في عملية تأسيس «اتحاد الشباب الديموقراطي» الذي انطلق رسميا بعد سنة من ذلك التاريخ، ليشكل موقعاً محورياً في نضالات الحركة الطلابية في مرحلتها الذهبية في النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي.

كان هاني عساف ينتقل من اجتماع الى اجتماع، وحتى ساعة متأخرة من الليل، وفي كل نشاطه، كانت تتجدد وتتجذّر مؤهلاته القيادية. يساعده في ذلك، تصميم لا يلين، واسبقيته في الخبرة والسن، ومزاج مثابر هو خليط من الثقة بالنفس والإيمان بالهدف والأريحية في المتابعة والعلاقات. كذلك كانت لهاني قدرات «طبيعية»، من نوع الشكل الكاريزماتي والصوت القوي والجهوري... وكان من السهل ان يوصف في ائتلاف الشكل والمضمون، بأنه «رجل صلب» وواثق وموح بالثقة وقادر على الإقناع وتحقيق المهمات.

لكن ذلك كان يخفي ايضا روحا ودودة، بل انه كان في سهرات الليل المتأخرة، في مطعم، او منزل، او قاعة طال فيها الاجتماع، اول من يبادر الى الغناء مطلقاً صوتاً جميلاً يتصل تماماً، من حيث قوته، بصوته اثناء «الشريعة» والنقاش الحاد، فيما يختلف عنه في الرقة والعذوبة والرخامة. اذ يردد: «ياما علينا الناس حكيو يا من....»، هاني «الصلب» هذا، كان أيضا يطلب اللباقة في التعبير ويعجب بها اعظم الإعجاب. فكم كان يطرب بفكرة جرى «تمريرها» بأسلوب هادئ وودود. وكم كان يدور أحيانا كثيرة حول الفكرة الصعبة او الاختلاف الحاد، باحثا عن صيغ لطيفة للإقناع او للتراجع او حتى للمساومة!

هاني عساف الذي تقدمنا في الانتساب الى الجامعة وفي خوض معارك تأسيسية متعددة، تقدمنا أيضا في التخرج العام 1972. اذ ذاك بدأ مرحلة جديدة من التماس المباشر مع العمل الحزبي ـ التنظيمي التي شابها الكثير من التعقيدات والالتباسات، وخصوصاً بعد اندلاع الحرب الأهلية ابتداء من ربيع العام 1975.

يجب القول ان تلك التعقيدات لم تكن جميعها طبيعية! بل ان بعضها كان مصدره الحذر من هاني او حتى التحامل عليه. وهكذا فقد ادى ذلك الى عدم حلوله في المكان الذي بلغه سواه ممن كان مسؤولاً عنهم او متقدماً عليهم في المؤهلات والخبرة والمثابرة والتضحية!

لم تنفع بعض المحاولات التي بذلت في تدارك الأمر. وظل السؤال عن هاني «كيفو وينو؟» من قبل زملائه ورفاقه وعارفيه، محاطاً بالنسبة إليّ شخصيا، على الأقل، بأكبر قدر من الإحراج!

بيد ان هاني، وفي الموقع الذي «أرسل إليه»، اثبت قدرات قيادية وإنتاجية استثنائية، هذا ينطبق بشكل خاص على تجربته في إدارة مؤسسة «النجدة الشعبية اللبنانية». وأذكر، ومن قبيل الحقيقة، انني دخلت في خلاف معه حول مرحلة عمله الأخيرة في تلك المؤسسة. كانت التحولات قد تركت أثرها على القناعات والعلاقات. وكان فعل الالتباسات والإقصاء قد تضخم أثره مع الزمن. حصل خلاف انتهى الى إقصائه مجدداً عن معقله الوحيد. كان ذلك قاسياً بالنسبة إليه، ولم يكن سهلاً، للأمانة، أبداً بالنسبة إليّ والى آخرين من الرفاق.

تروي سيرة هاني عساف صفحات مضيئة من تجربة الحزب الشيوعي في نشاطاته الجماهيرية، كما تكرر سلبيات قاتلة أحيانا، في بعض علاقاته الداخلية.

لم أجد بدا من الإدلاء بهذه الشهادة المحدودة، مأخوذ الذهن دائماً بوقفات رجولة وكفاءة ومقدرة واخلاص من كفاح هاني، مقدراً للفقيد ما أحاطني به من تعاون وتشجيع وتوجيه، جعلت عملي معه وبجانبه وبقيادته، متعة لن أنساها أبداً. واستناداً الى كل ما كنت أكنه له من احترام وتقدير ولو حصل بيننا خلاف حول مسائل بدت في مرحلة ما أساسية، فقد سعيت في السنتين الأخيرتين الى تجديد الحوار معه في لقاءات من اجل استكشاف إمكانية استعادة الثقة والتعاون فيما بيننا حيال أمور وأزمات عميقة وواسعة وتشمل كل العناوين تقريباً. تعددت لقاءاتنا في الجنوب وفي بيروت. وكانت تعد، رغم تراكم الحذر، بشيء ايجابي كنت ابحث عن سبل تطويره وتعميقه بكل الطاقة... الى ان كان اللقاء الأخير في مستشفى «الروم» برفقة «جوزيف» و«أسعد». يومها ادركت ان الفاجعة تقترب على غير ما نتوقع او نشتهي، وان بعض ما بدأناه لن يستمر، وان فرص تدارك ما فات لن تقررها إرادات مصممة أو نوايا حسنة: انها خسارة لا تعوض. هاني، هو بشكل عام، خسارة لا تعوض!

التعويض الوحيد يبقى في الاستفادة من تجاربنا واخطائنا لكي لا تتكرر الخسائر. لا تبدو هذه المهمة سهلة، لا بالأمس، ولا اليوم، انها خسائر مجانية من جانب منها، لكنها شديدة الكلفة وبأثر لا يمكن محوه غالباً!

--------------------------------------------------------------------

الشيوعي ينعى هاني عساف

نعى الحزب الشيوعي اللبناني، أمس، احد قادته والمناضلين في صفوفه منذ أواسط ستينيات القرن العشرين، هاني خليل عساف، عضو اللجنة المركزية السابق وأحد مؤسسي النجدة الشعبية اللبنانية واتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني.

وجاء في بيان النعي: «كان عساف قد بدأ حياته النضالية في الجامعة اللبنانية متقدما الصفوف. كما عمل في الِشأن التربوي، ثم انتقل إلى مجال العمل الاجتماعي الصحي حيث برز بشكل خاص إبان الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982 وبعده في مساعدة المهجرين وتقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين».

ونعى عساف المؤسسة الوطنية للرعاية الاجتماعية والتأهيل المهني، وهيئة تنسيق الجمعيات الأهلية العاملة في التجمعات الفلسطينية.

موضوع أسعد رشيدي: "الخيام تُفجع برحيل إبنها المناضل هاني عسّاف"

موضوع عزت رشيدي: "هاني عسّاف.. هكذا يرحل الكبار"

موضوع: "المرحوم هاني عساف.. يوارى الثرى في بلدته الخيام..."

موضوع محمد صفاوي: "باسل وهاني.. رجلان مكافحان ومعطاءان خسرتهما الخيام"

موضوع فدوى الأمين: "رحيل الأحباب يزيد من آلامنا آلاما ومن اوجاعنا اوجاعا"

موضوع: "هانـي عســاف: خسائر مضاعفة"

موضوع سعيد الضاوي: "إلى الحبيب والصديق والرفيق...هاني عساف"

موضوع ادوار العشي: "هاني عساف.. إلى مثواه الأخير..."

سجل التعازي بالمناضل الراحل هاني عسّاف

تعليقات: