فـاتحة عصـرٍ جديـد

في هذا الظرف بالذات الذي تعيشه الأمة العربية، وهي تنظر بعجز قلَّ نظيره الى استفراد السفاح شارون بالشعب الفلسطيني، تأتي الذكرى الاولى لتحرير الجنوب اللبناني لتؤكد لنا أن هزيمة الاحتلال الاسرائيلي إنما هي مسألة وقت برغم جسامة التضحيات التي يقدمها أهلنا في الارض المحتلة.

إن المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني اليوم كانت آتية لا محاولة نظرا للطابع الاستيطاني للمشروع الصهيوني، وكان يمكن ان تخاض بظروف افضل بكثير لولا الاوهام حول امكانية تسوية سريعة مع كيان غاصب يرى مصيره ومستقبله في بقاء المستوطنات وتمددها على حساب مالك الارض الاصلي.

وهذه الاوهام العربية والفلسطينية بالتسوية السريعة جعلت خيارات الشعب الفلسطيني قليلة جدا وشددت الحصار عليه وتركت له خيارا وحيدا هو مواجهة الآلة العسكرية الاسرائيلية الضخمة بجدار من الاجساد والحجارة والدم وما تيسر من سلاح خفيف. ولا أشك لحظة واحدة في ان انتصار المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان وتراث الشعب الفلسطيني الطويل من الانتفاضات منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، كانا النقطة المضيئة في نهاية النفق الذي يعبره الفلسطينيون اليوم في طريقهم الى الاستقلال وقيام دولتهم المستقلة.

إن النموذج الذي قدمته المقاومة في لبنان يشكل اليوم عامل استنهاض حقيقي للشعب الفلسطيني، يزوده بالنهج والامل، نهج الاعتماد على الذات والتمسك بالحقوق من دون انتقاص والامل اليقيني بالانتصار مهما كانت الظروف غير مؤاتية ومهما كان ميزان القوى مختلا.

إن محاولة الفصش بين الانتصار الذي تحقق في لبنان ومسار الانتفاضة في الاراضي الفلسطينية لن تصل الى نتيجة لأن المقاومين والمنتفضين يقفون على ارضية واحدة، هي مواجهة غاصب واحد ومشروع عدواني واحد. فأي انتصار هنا سينعكس لا محالة هناك.

لقد اوجدت معركة تحرير جنوب لبنان ردعاً من نوع جديد للعدو الاسرائيلي الى درجة نستطيع معها القول ان الارض اللبنانية هي اليوم الاكثر مناعة تجاه اي نوايا ومشاريع عدوانية اسرائيلية، فالامر لم يعد يتعلق بميزان قوى تتفوق به اسرائيل على كل الدول العربية المحيطة بها. انها مواجهة تعطل اسلحة التفوق الاستراتيجي وتنقل المواجهة الى حيث تستطيع الشعوب ان تتدبر امر الدفاع عن نفسها بأقل الموارد الممكنة.

وها هو الشعب الفلسطيني يقول لشارون افعل ما تشاء، ولكنك لن تستطيع ان تحطم ارادتنا.

تستطيع ان تحتل المناطق القليلة التي خرجت منها، ولكننا سنعيد الصراع العربي الاسرائيلي وليس الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وحسب الى مربعه الاول... تماما كما اعادت المقاومة اللبنانية الصراع مع اسرائيل، كما كان يجب ان يكون منذ 1948، اي الى المربع الاول حيث لا تستطيع انظمة ان تفصل بين شعوبها ومعركة التحرير.

ان تهديد اسرائيل بشنّ حرب جديدة ضد لبنان وسوريا يقلقنا ولكنه بالتأكيد لا يخيفنا، فالمقاومة والانتفاضة جعلتا للأمة العربية خط دفاع اول لا يمكن تجاوزه وخلقتا ردعاً للعدو لا يستطيع تجاهله مهما هدد بحروب جديدة من الجو والبحر لن تفعل سوى تعميق مأزقه ما دام لا يستطيع تكريس انتصاراته على الارض.

تحية للمقاومة في ذكرى انتصارها الاولى... وتحية للشعب اللبناني الذي فتح عصرا جديدا في المنطقة يستكمل صورته الآن بالانتفاضة.

تعليقات: