إسقاط ميشال عون مهما كلّف الأمر

سليمان يفقد دوره التوافقي
سليمان يفقد دوره التوافقي


يوم الحسم. لا أحد يملك توصيفاً أكثر دقّة.

والأمر لا يتصل فقط بالحسابات الانتخابية الداخلية، بل تتطلّب الأجندة الخارجية التعامل مع انتخابات لبنان غداً، على أنها «الحدث» لهذه الفترة.

وثمّة انشغال غير عادي، بل قد لا يعرف اللبنانيون الذين يأكل بعضهم بعضاً باسم الطوائف والمذاهب والشعارات على أنواعها، أن هذه الانتخابات تمثّل لمن حولنا وللعالم نقطةَ تحوُّل تبرِّر لهذه العواصم الكثير من المداخلات القائمة من العواصم المعنية بملف لبنان التي تجاوزت كل حد، أو كل قدرة على التخمين.

وإذا كان يصعب على العاقلين في لبنان، تفهُّم هذه الضراوة وهذا الابتذال في استخدام كل ما هو غير أخلاقي للفوز بمقعد هنا أو هناك، فإن من يريد الاحتجاج لا يملك غداً سوى الابتعاد عن صناديق الاقتراع، معلناً من دون أوراق أنه غير موافق على ما يجري. لكنّ هذا الحياد السلبي يظلّ سلوكاً فرديّاً، حتى إذا ما انطلق النقاش العام، لا يبقى أحد خارجه، ومن يدّعِ أنه ليس صاحب موقف، فسيكون كمن ترك لغيره استخدام اسمه. لذلك وجبت العودة إلى الأجندة الخارجية التي تترك تأثيراً غير مسبوق على ما يجري عندنا.

فعلى سبيل المثال:

ـــــ لن يستغرب اللبنانيّون أن تكون دمشق مهتمة بما يحصل، أو أنّها كلّفت فريقاً أمنياً وسياسياً ودبلوماسياً العمل لمساعدة قسم من حلفائها في عدد من الدوائر للفوز بوجه خصومها من فريق 14 آذار. ولن يستغرب اللبنانيون أن تكون دمشق معنية بالقيام بكل ما يلزم لفوز حلفائها في المعارضة، وأنها ستستخدم نفوذها حيث يجب، وستدخل على قاموسها مبدأ الترغيب الذي ظل لعقود محصوراً بأصحاب النفوذ والمال؟

ـــــ لن يستغرب اللبنانيون أنه أُنشئت «خلايا أزمة» في كل من دمشق والرياض والقاهرة وعمّان وباريس وواشنطن لمتابعة هذا الحدث، وأن السعودية وحدها أنفقت حتى الآن أكثر من 300 مليون دولار أميركي، تُصرف نقداً لتمويل الحملة الانتخابية لفريق 14 آذار، وأن هذا التمويل يشمل المرشحين والمفاتيح ووسائل الإعلام وإعلاميين، وإداريين وموظفين، ويشمل تمويل عملية نقل لنحو 15 ألف ناخب لبناني من دول عدة في أوروبا وأميركا والعالم العربي.

ـــــ لن يستغرب اللبنانيون أن السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان ومعه العاملون في مكتب لبنان في وزارة الخارجية الأميركية، إضافة إلى «مجموعة عمل» تتبع لجهاز الأمن القومي وفريق السفارة المعزز في بيروت، لديهم برنامج عمل يومي، دبلوماسي وسياسي وإعلامي، وحتى أمني، لضمان عدم خسارة 14 آذار للانتخابات، وأن هذه المجموعة تحصل يومياً على نتائج الاستطلاعات وتقديرات المؤسسات الأمنية الرسمية وتقديرات الجهات السياسية على اختلافها، وتحدد أين يجب أن تتدخل، وأين يجب أن تضغط، وأين يجب أن تلفت نظر صاحب المال إلى وجوب الإنفاق وخلافه.

ـــــ لن يستغرب اللبنانيون أن برنامج عمل الجانبين الأميركي والسعودي، وقد انضم إليهما أخيراً الجانب المصري، يحتوي شقّاً تهويلياً يشمل لقاءات واتصالات مع رجال أعمال ومع مفاتيح عامة ورجال دين وشخصيات على صلة باللبنانيين، وهم يتولون الحديث عن أن فوز المعارضة يعني تسلّم حزب الله البلاد، ويعني أن لبنان سيواجه مصير قطاع غزة.

كذلك لن يستغرب اللبنانيون أن إدارة الاستخبارات العامة في السعودية، بالتعاون مع الجانب المصري، تعمل على عدة خطوط وأهداف، وأن الأولوية الآن ليست لفوز فريق 14 آذار فحسب، بل لتحقيق هدف يمكن استثماره في حالتي الفوز والخسارة، وهو الذي يقوم على ضرورة فوز تيار «المستقبل» بجميع المقاعد السنّية، وأن يحصل على نسبة من الأصوات تتيح له على وجه التحديد إسقاط كل القيادات السنية في المعارضة من الشمال إلى الجنوب إلى البقاع وبيروت.

ـــــ لن يستغرب اللبنانيون أن الدبلوماسية والأجهزة الأمنية السعودية باشرت قبل نحو ستة أشهر برنامجاً لخدمة جماعتها من خلال شراء وسائل إعلامية بصورة دائمة أو باتفاق يستمر على الأقل حتى الانتخابات، وأنه اشتُريت ذمم جهات ومؤسسات وشخصيات فاعلة كي تكون ضمن المعركة، أو أقلّه كي تقف على الحياد، وخصوصاً في المناطق التي يحظى فيها العماد ميشال عون بنفوذ قوي، وأن الهدف الوحيد والمباشر هو إسقاط عون مهما كلف الأمر.

ولأنّ الأمر كذلك وأكثر، فإنّ من يقف خلف الحلف الجهنمي لفريق 14 آذار لا يمكن أن يستنفد فرصة أو حلفاً.

لكنّ الخطأ الكبير جاء هذه المرّة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي قبل أن يتحوّل، خلال أيّام قليلة، إلى أداة بيد صغار 14 آذار، وإن غلّف الطلب له بعلبة أميركية ورسائل وُد سعودية. فقد قضى سليمان على دوره التوافقي، بما يوجب ـــــ ربّما ـــــ على المعارضين لفريق 14 آذار أن يرفعوا منذ الآن شعاراً واضحاً: قصِّروا ولاية سليمان إلى الثامن من حزيران!

تعليقات: