قمة دمشق.. دراما مملة

طقوس احتفالية يجتهد بها السيد عمرو موسى
طقوس احتفالية يجتهد بها السيد عمرو موسى


قمة دمشق.. دراما مملة

من منا لا يتذكر المسلسلات الأمريكية والمكسيكية الطويلة التي كانت تذاع اسبوعيا علي شكل حلقات يمضي الإنسان سنوات من عمره منتظرا النهاية، ليفاجأ بعد هذه السنوات أن نهايتها فاترة باهتة رتيبة لا تشبع تأملاته ومتابعته لها، ولا تضاهي السنوات التي أمضاها بمشاهدة هذه الحلقات الرتيبة المملة، أو لحظات الترقب التي كان يقضيها كلما اقترب موعد الحلقة الاسبوعيه ليكتشف أن المؤلف والمخرج معا شكلا فريق ممل، فريق لصوصي سارق لوقت المشاهد وانتباهه لفترة طويلة من الزمن.

وما ينطبق علي هذه المسلسلات ينطبق علي المسلسل العربي الطويل مع اختلاف في الممثلين والمخرج والمؤلف ومسرح العرض، مسلسل عنوانه قمم العرب التي بدأ بثه منذ انطلاق جامعة الدول العربية التي كانت تقدم لنا حلقاتها بشكل غير منتظم وإنما حسب إملاءات الحالة السياسية ومتطلباتها، ومن ثم أخذ شكل الانتظام السنوي ليزيد من رتابته وتفاهته وملله.

كنت قد كتبت قبل انعقاد القمة السابقة مقال بعنوان "القمة العربية رحم عاقر لا يلد" واكتشفت بعد عام بأنني كنت مخطئا كليا فهذه القمم لا رحم لها في الأصل، ولا جنس، ولا تنتمي لأي نوع من الكائنات، ولا معني لها بقواميس اللغة ومفرداتها، وإنما هي تعريف نكره.

لم تفلح أي قمة عربية في علاج أي من الملفات التي أدرجت علي أجندتها وجدول أعمالها، سواء كان ملف مركزي أو ملف ثانوي، ولم تنجح هذه القمم في إنجاز أي مهمة، بل أنها تقدم لنا في أعقاب كل مؤتمر قمة كارثة جديدة، وحتى لا نبغضها الحق فهي تحقق منجز واحد فقط في أعقاب كل قمة بأنها تفسح المجال للموظفين الإداريين في جامعة الدول العربية من نفض غبار الروتين وإعادة تنشيط ذواتهم من خلال أرشفة البيان الختامي وتوثيقة وتأريخه مع مداخلات ومداولات أصحاب السمو والفخامة.

مع اقتراب انعقاد قمة دمشق كثر الجدل حول فشل ونجاح القمة، ودرجة التفاؤل والتشاؤم حولها فهناك من يعول على قمة دمشق بالنجاح، دون معرفة ما هي المقاييس التي يعول عليها أوي قاس من خلالها درجات النجاح، وما هي المتغيرات الجديدة في المناخ السياسي السائد ونوعيته الزعماء الذين سيجتمعون في القمة؟أو طبيعة الملفات والقضايا التي ستطرح علي أجندة القمة الدمشقية القادمة؟

فالقمم العربية فشلت سابقا في معالجة أي ملف عربي تم طرحة وتداوله، وكل ما صدر عنها قرارات وبرامج لم تري النور حتى راهن اللحظة وإنما لا زالت متكدسة في دائرة الأرشيف المركزي بمقر الجامعة العربية في القاهرة تتآكل بفعل الغبار، ولا أعتقد إنها ستري النور عن قريب فما دواعي التفاؤل إذن ؟!

قمة دمشق تعتبر من أكثر القمم عرضة للفشل وهذا ليس تشاؤما ولكنه واقعا يفرضه حجم الملفات والقضايا المطروحة عربيا وخاصة أن هذه الملفات جميعها مصيرية بدءا من الملف المركزي والرئيسي وهو الملف الفلسطيني الذي أزداد تعقيدا عن السابق نظرا للمستجدات التي طرأت على الساحة الفلسطينية من خلافات داخلية، تتطلب العمل باتجاهين الأول السعي لحل الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، والثاني البحث في مجابهة ومقاومة الاحتلال وحصاره وممارساته ضد الشعب الفلسطيني.

وما ينطبق على الملف الفلسطيني ينطبق علي الملف العراقي الذي لا يقل أهمية ومركزية عن الملف الفلسطيني بما أنه يتجه الآخر صوب المنحي الفلسطيني سواء من ناحية الخلافات الداخلية، ومجابهة المحتل الأمريكي.

وكلا الملفان الفلسطيني والعراقي يشهدا انقساما علي الساحة العربية عامة، فهناك من انقسام في مواقف الأنظمة فمنها من يستضيف القواعد الأمريكية ويحاول التطبيع مع اسرائيل، ويمارس سياسة فرق تسد بين القوي الداخلية المتنازعة، وأخري تقف في الاتجاه المعاكس وتتبني شعارات المقاومة والمجابهة والدعم لما يسمي المقاومة، وهو ما انعكس علي أجواء القمة العربية قبيل انعقادها من خلال تخفيض بعض الدول لمستوي تمثيلها في مشاركتها.

وبعيدا عن الملفان العراقي والفلسطيني يطرح الملف اللبناني الذي أصبح ملف في غاية التعقيد وتتجاذبه نزاعات داخلية وخارجية يعيش من خلالها لبنان أزمة دستورية خطيرة تتمثل في فشله انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية مما يعرض النظام الرسمي اللبناني للخطر.

وكذلك العديد من الملفات التي لا تقل تعقيدا عن سابقاتها متمثلة بالملف السوداني والصومالي وملفات الأزمات التنموية الداخلية والخلافات العربية – العربية.

إذ كانت القمم العربية السابقة التي كانت تعقد في مناخ وبيئة أكثر قابلية للنجاح قد فشلت في علاج أي ملف قد طرح علي طاولة أعمالها، فهل ستنجح في ظل هذه الأجواء والبيئة في النجاح؟!

كما هل نتوقع نجاح زعماء بحجم زعمائنا من فشلوا علي مدار تاريخهم وقيادتهم للأنظمة في تحقيق أي تنمية اجتماعية أو اقتصادية وحولت شعوبها لشعوب مطحونة جوعا وفقرا وبطالة واستبداد وظلم، في علاج قضايا الأمة العربية بحجم هذه الملفات والقضايا ؟!

قممنا العربية مسلسلات بايخه مملة رتيبة ممثلوها أكثر ملل ورتابة، لا يمتلكوا من السمات القيادية سوي لغة البزنس بالإنسان والأرض والاستثمار بسعادة الإنسان لصالح شهواتهم فأين التفاؤل بالنجاح من هؤلاء ؟

إنها طقوس احتفالية يجتهد بها السيد عمرو موسي في صياغة وإعداد البيان الختامي الذي لا يسوي ثمن الحبر الذي يخط به.

فلا تعولوا على قمة يقودها زعماء لا يمتلكوا شيئا من الإرادة والسيادة والاستقلال... ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

هل ستكون هذه القمة غير سابقاتها؟
هل ستكون هذه القمة غير سابقاتها؟


تعليقات: