هيومن رايتس ووتش: إساءات للسريلانكيات في لبنان والخليج

عاملة تعرضت للضرب في إحدى الدول المعنية بالتقرير
عاملة تعرضت للضرب في إحدى الدول المعنية بالتقرير


إهانات لفظية وجسدية تصل إلى الاغتصاب.. وسرقة مستحقاتهن المالية

بالأمس، ومن سريلانكا بالذات نشرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمام العالم بأسره «غسيل» ممارسات بعضنا المسيئة لحقوق الإنسان تجاه العاملات الأجنبيات في كل من لبنان والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. عدد التقرير الذي أطلقته المنظمة من سريلانكا الإهانات اللفظية والجسدية التي تصل حدود الإيذاء بالضرب، وصولاً إلى الاغتصاب، مشيراً إلى أن حجز حرية العاملات وأوراقهن ورواتبهن احتلت المرتبة الأولى في سلم الانتهاكات.

وإذا كان تقرير «هيومن رايتس ووتش» الذي حمل عنوان «التصدير ثم الإساءة»، متناولاً أوضاع العاملات السريلانكيات في المنازل، لم يكشف جديداً على صعيد كشف الإهانات والممارسات المسيئة التي تتعرض لها العاملات الأجنبيات في الدول التي شملها، إلا أنه يرسم خطاً بياناً مأساوياً لمسيرة هؤلاء النساء المناضلات بدءاً من بلدهن الأم، وبالتحديد من استغلال سماسرة المكاتب في قراهن البعيدة عن العاصمة كولومبو، مروراً بمكاتب الاستخدام السريلانكية التي يصل عددها الشرعي إلى 1985 مكتباً مسجلاً، فيما يعمل على الأرض ما بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف مكتب من دون تراخيص، وفق التقرير.

يقع تقرير «هيومن رايتس ووتش» في 131 صفحة وبُنيت معطياته على مقابلة 170 شخصاً في سريلانكا موزعين على عاملات خدمنَ في لبنان والسعودية والكويت والإمارات، وبعض المسؤولين الحكوميين ووكلاء توظيف في سريلانكا والشرق الأوسط. وتم اختيار لبنان والسعودية والكويت والإمارات، لأنها الدول التي تستوعب تسعين في المئة من أكثر من ستمئة وستين ألف امرأة سريلانكية تعملن في الخارج كخادمات، تساهمن في حوالى عشرة في المئة من الدخل القومي لسريلانكا، حيث بلغت مجمل تحويلات العاملات السريلانكيات المهاجرات إلى بلادهن في العام 2006 ما مجمله ملياران و33 مليون دولار أميركي، وفق التقرير.

بناء على ذلك كله، لم يكتف التقرير بتوصيف المشكلة بل وضع أسساً للمتابعة يمكن أن تكون خطوات أولى نحو التخفيف من معاناة السيدات السريلانكيات المهاجرات، مقترحاً صيغاً قانونية تؤمن الحماية لهن وتدرج حقوقهن ضمن قوانين العمل. وبالإضافة إلى الدول المضيفة، خصّت المنظمة الحكومة السريلانكية، المستفيدة الأساس من تحويلات مواطنيها، بسلسلة مقترحات لإعداد العاملات وتدريبهن قبل إرسالهن واتخاذ الإجراءات القانونية التي من شأنها ضبط عمل مكاتب الاستخدام على أراضيها والحؤول دون استغلالهن أوضاع العاملات وانتهاك حقوقهن، بالإضافة إلى التنسيق والتعاون ومتابعة أوضاعهن في البلدان المضيفة.

ويضع التقرير الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها في هذه القضية وبالتحديد مقررها الخاص المعني بحقوق المهاجرين الإنسانية، وكذلك منظمة العمل الدولية والمانحين الدوليين مطالباً بتوفير دعم مالي ومؤسسي أكبر للمنظمات غير الحكومية المحلية ومنظمات المجتمع المدني لدعم الجهود والخدمات المبذولة والممنوحة للخادمات المهاجرات، ومساعدة النساء أنفسهن عبر منحهن قروضاً صغيرة تؤمن لهن الاستمرار.

لبنان

ووزعت «هيومن رايتس ووتش»، أمس، تقريرها في لبنان معتبرة «أن الحكومة اللبنانية، مثل باقي حكومات الشرق الأوسط، فشلت في الحد من الإساءات الخطيرة بحق الخادمات السريلانكيات في المنازل، حيث هناك ما يقدر بثمانين ألف امرأة سريلانكية، وهي المجموعة الأكبر من الخادمات في لبنان، يعملن دون الحماية القانونية الأساسية».

ويوضح التقرير «كيف فشلت الحكومة السريلانكية والحكومات في الشرق الأوسط في توفير الحماية لهؤلاء النسوة»، كما قال الباحث نديم حوري لـ«السفير» معتبراً «أن جديد التقرير هو في تقديم الحلول القانونية والإنسانية لحماية العاملات».

وتقول المنظمة في تقريرها إن «السلطات اللبنانية فشلت في تأمين أبسط الحقوق للخادمات المنزليات السريلانكيات كضمان يوم راحة أسبوعية لهنّ، وكذلك الحد من ساعات العمل وحرية التنقل وغيرها من الحقوق المتوافرة لغالبية العمال الآخرين». وتابع قائلاً: «يفلت الكثير من أرباب العمل المسيئين وسماسرة التوظيف الفاسدين من العقاب جراء استغلال الخادمات».

وقد خلُصت «هيومن رايتس ووتش» إلى أن سماسرة ووكلاء التوظيف في سريلانكا يتقاضون رسوماً مُبالغ في تقديرها تتسبب في مديونية المهاجرات بديون ثقيلة وكثيراً ما يضللونهن بشأن وظائفهن. وما إن تصبح الخادمات المنزليات بالخارج، حتى يعملن في أغلب الأحوال من 16 إلى 21 ساعة يومياً، دون ساعات راحة أو أيام عطلة، وهذا مقابل أجور زهيدة للغاية تتراوح من 15 إلى 30 سنتاً أميركياً في الساعة.

وقد وجدت «هيومن رايتس ووتش» أن أرباب العمل يصادرون بشكل منهجي جوازات سفر الخادمات المنزليات، ويقومون بتحديد إقامتهن في مقر العمل، وفي الكثير من الحالات يقومون بالحد من اتصالاتهن، حتى بسفاراتهن. كما أن بعض أرباب العمل يتحفظون على الأجور لشهور وسنوات. وفي أسوأ الحالات يتسبب هذا المزيج من الممارسات في حصار الخادمات المنزليات السريلانكيات وقيامهن بالعمل جبراً.

وقابلت هيومن رايتس ووتش خادمات منزليات كثيرات رفض أرباب عملهن إعادة جوازات السفر إليهن ومنعوا عنهن الأجور التي يدينون لهن بها حتى لا يتمكنّ من العودة إلى بلدهن أثناء حرب يوليو/تموز 2006 في لبنان.

وروت بعض الخادمات المنزليات لـ«هيومن رايتس ووتش» كيف تعرضنّ للإقامة القسرية والحرمان من الطعام والإساءة البدنية واللفظية والعمل الجبري والمضايقات الجنسية والاغتصاب على أيدي أرباب عملهن.

وقال نديم حوري: «لا تحقق السلطات اللبنانية مع من ينتهكون القانون بالإساءة إلى الخادمات المنزليات المهاجرات، ولا هي تلاحقهم قضائياً». وأضاف قائلاً: «أما الخادمات المنزليات اللاتي يتقدمن بالشكوى ضد صاحب العمل المسيء فينتهي بهن الأمر في العادة بتوجيه التهم إليهن بالسرقة أو بعض الجرائم الأخرى».

وقوانين العمل في لبنان، كما هو الحال في السعودية والكويت والإمارات، تنكر على الخادمات المنزليات المهاجرات الحصول على الحقوق الأساسية، مثل أيام الراحة الأسبوعية، وتحديد ساعات العمل، ومنح إجازات مدفوعة الأجر وتعويضات ومكافآت العمل. وقوانين كفالة المهاجرين تقيد من قدرة الخادمات المنزليات على تغيير أرباب العمل، حتى في حالات الإساءة.

وأشار تقرير المنظمة إلى تشكيل «لجنة توجيهية من ممثلي قوات الأمن الداخلي والأمن العام ووزارات العمل والخارجية والشؤون الاجتماعية والعدل ونقابة المحامين ببيروت واللجنة الأفرو ـ آسيوية للمهاجرين، وكاريتاس، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة العمل الدولية ووكالات التوظيف، وتم تشكيلها في أوائل عام 2006 بغية تحسين الوضع القانوني للعمال المهاجرين في لبنان. وفشلت في تقديم أي إصلاحات عملية حتى الآن.

وقد دعت هيومن رايتس ووتش الحكومة اللبنانية إلى:

÷ مراجعة قوانين العمل الوطنية وتنفيذها بحيث توفر الحماية القانونية للخادمات المنزليات على قدم المساواة مع الحماية الممنوحة لغيرهم من العاملين، بما في ذلك إضافة أحكام حول ساعات العمل، ودفع الأجور وأيام العطلات وتعويض الخادمات.

÷ تسهيل نقل الكفالة، مثلاً بجعل تأشيرات الخادمات المغتربات غير مرتبطة برب العمل، بحيث يتمكنّ من تغيير أرباب العمل دون فقدان الوضع القانوني في لبنان.

÷ ضمان الملاحقة القضائية لأرباب العمل المسؤولين عن الإساءات الجنسية والبدنية والخاصة بانتهاك حقوق العمال والتي تنتهك بالفعل القوانين الوطنية القائمة.

÷ سن آليات لتسهيل التقدم بالشكاوى والتعويض في حالات عدم تقاضي الأجور وغيرها من الإساءات المتعلقة بالعمل والشكاوى الجنائية.

--------------------------------------

شهادات مختارة لسريلانكيات من التقرير

«لم يسمحوا لي بالعودة إلى بلدي أثناء الحرب. اتصل بي زوجي وقال لي أن أعود مرة تلو الأخرى... وقالت لي ربة العمل: «إذا كنا سنموت فسوف تموتين معنا، لا يمكنك الذهاب إلى سريلانكا». وكنا في منطقة الحرب في بيروت. وكنت خائفة وظننت أنني لن أرى سريلانكا ثانية».

أوبيكشا ر. (ليس اسمها الحقيقي)، 22 عاماً، خادمة منزلية سابقة في لبنان، 6 تشرين الثاني .2006

«تكلمت إلى سيدة الدار وقلت لها إنني وقعت اتفاقاً جاء فيه أن أتقاضى 150 دولاراً، لكنكم تدفعون لي مئة دولار فقط. وقالت لي: رغم أنك وقعت على عقد براتب 150 دولاراً، فليست لديك أية خبرة ومستوى دخل الخادمات من غير ذوات الخبرة حالياً هو 100 دولار، وراتب الخادمات الخبيرات 125 دولاراً».

ساثي ر. (ليس اسمها الحقيقي)، 25 عاماً، خادمة منزلية سابقة في لبنان، 15 تشرين الثاني .2006

«في لبنان لم تكن متاحة لي حرية المغادرة، ليلاً أو نهاراً حين يخرجون يقفلون عليّ الباب ويأخذون المفتاح، وأضطر للبقاء بالداخل. والأحوال في السعودية مماثلة».

كريشنان س. (ليس اسمها الحقيقي)، 42 عاماً، خادمة منزلية سابقة في لبنان والسعودية، 13 تشرين الثاني .2006

«جاء رب الأسرة إلى حجرتي. لم يكن بالبيت سوى ابنه.... حاول أن يعانقني وأن يلامس ثديي. قلت له إنني لم آت هنا لأصادقك؛ بل للعمل وبناء بيت».

ساثي ر. (ليس اسمها الحقيقي)، 25 عاماً، خادمة منزلية سابقة في لبنان، تشرين الثاني .2006

تعليقات: