«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة

النازحون في شبعا زادوا عن عدد سكانها (علي لمع)
النازحون في شبعا زادوا عن عدد سكانها (علي لمع)


في العام 2000، وقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قرب الحدود مع فلسطين، معلناً أن «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». في العام 2006، لم تكن إسرائيل قد نسيت هذه العبارة. بعد 33 يوماً على العدوان، فشلت بجيشها الذي «لا يقهر» بالوصول إلى ملعب بنت جبيل حيث ألقى نصر الله خطابه الشهير. لا يبعد الملعب أكثر من كيلومترين عن الحدود، لكن غرز العلم الإسرائيلي في أرضه بدا لها هدفاً بعيد المنال. حتى النصر الرمزي فشلت في تحقيقه. قامت بإنزال بعيد عن الملعب. رفع أحد جنودها العلم الإسرائيلي، موحياً، عبر «الزوم إن»، أن الراية رفعت في قلب الملعب. كانت المزحة أسخف من أن تصدق، فهزأت منها وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها.

بعد ثماني سنوات على النصر الممهور بدماء الشهداء، صار المشهد مختلفاً. أبناء الجنوب مطمئنون إلى مستقبلهم. يقولون «طالما المقاومة بخير.. نحن بخير». يفاخرون بأن منطقتهم هي الأكثر أمناً في لبنان. هذه الأيام، يعيش أبناء الجنوب على إيقاع الأحداث البعيدة عنهم وإن كانوا يعرفون أنهم معنيون بها مباشرة. عين على غزة الصامدة وعين على سوريا ومصيرها وعين على رجال «حزب الله» الذين يعود بعضهم إلى قراهم محمولين على الأكتاف. عين على عرسال الجريحة وعين على الإرهاب يطرق أبواب لبنان.

في الذكرى الثامنة لانتصار تموز، جالت «السفير» على قرى المواجهة من شبعا إلى الناقورة، مستطلعة آراء الناس وأوضاعهم، هواجسهم وهمومهم. ماذا بقي من آثار العدوان، وكيف يتفاعلون مع الأحداث المحيطة بهم؟

22 بلدة حدودية زارتها «السفير»: شبعا، حاصبيا، الهبارية، الخيام، مرجعيون، القليعة، كفركلا، حولا، ميس الجبل، العديسة، عيترون، مارون الراس، بنت جبيل، عيناثا، عين إبل، عيتا الشعب، مروحين، يارين، البساتين والناقورة.

الصمود سر ينطق به الجميع. عنوان منطقة تعيش على رؤية فلسطين كيفما تنقل أهلها. الهواء المقاوم الذي تتنفسه يوحد أهلها، المؤيدين لـ«حزب الله» والمعارضين له. فالمقاومة ليست ترفاً يلجأ إليه جيران فلسطين، هي حاضرة في كل قرية، حتى تلك التي تختلف مع الحزب وخياراته.

الشريط الشائك الذي يفصل لبنان عن فلسطين لم يعد مكاناً للخوف. بعد العام 2006، صار الجنوبيون يفاخرون أن الإسرائيلي يخشاهم. الأبنية والمنازل الملاصقة للشريط الحدودي صارت أمراً عادياً في القرى الحدودية التي كسرت حاجز الخوف بعد انتصار العام 2006. في المقلب الآخر من النادر أن يظهر مستوطن أو جندي علناً.

إذا كانت الحرب السورية تباعد بين الجنوبيين كما بين اللبنانيين، فإن حرب غزة توحدهم. يتعايشون مع النصر الغزاوي بوصفه نصرهم، والعدو.. عدوهم، ولا يقيمون وزناً للأصوات التي تخرج من بينهم، شاتمة أو شامتة.

عندما تحضر المقارنات يحضر الفخر. إذا كان القطاع المحاصر ذو الأرض المنبسطة والمساحة الصغيرة قد أذل العدو، فماذا سيكون مصيره لو فكر بالعدوان مجدداً إلى لبنان؟ يجيبون: هنا ستكون مقبرة الإسرائيليين إذا تجرؤوا على الاعتداء علينا ثانية. هذا لا يعني أن الجنوبيين يتوقعون حرباً قريبة. هم متأكدون أن دماء غزة ستحمي لبنان.

شجاع: المقاومة تصنع المستقبل

في حاصبيا عاصمة القضاء، كل شيء هادئ. وحده القلق من الكارثة التي تنتظر المواسم الزراعية يأخذ حيزاً من يوميات الأهالي. نهر الحاصباني وصل إلى مستوى لا يتذكر أحد أنه وصل إليه قبلاً. معظم منابعه جفت، بعد أن انخفض منسوبه 30 في المئة في أسبوع. السمك النهري يموت والزيتون والتفاح «مش حاملين». يقول أحد المزارعين أن الأم (الشجرة) لا تستطيع حمل الثمر من شدة ضعفها وشح المياه.

في السياسة، حاصبيا بخير طالما العلاقة بين النائبين وليد جنبلاط وطلال ارسلان بخير. إذا اختلفا تزداد حدة التشنج بين أهلها، لكن الأمور لا تخرج عن نطاقها.

في الذكرى الثامنة لحرب تموز، تعيش البلدة على وقع الحدث الغزاوي كما على وقع الحدث العرسالي. النازحون السوريون موجودون، كما في كل القرى، لكن في قضاء حاصبيا يبقى الثقل في شبعا.

يتذكر كبير مشايخ البياضة الشيخ فندي جمال الدين شجاع عندما زاره ضابط مخابرات في الجيش في اليوم الرابع عشر من حرب تموز 2006. قال شجاع لضيفه حينذاك: نستطيع أن نعلن أن المقاومة انتصرت. سأله الضابط: أليس من المبكر قول ذلك؟ فأجاب: من يصمد 14 يوماً يستطع أن يصمد أكثر، وقد انتصرنا بالفعل في صراع الإرادات.

بالنسبة لشجاع فإن الانتصارات تراكمية من «حرب الجبل» (1983) وصولاً إلى حرب غزة، وقبلها حرب تموز و«التحرير»: صرنا في مرحلة جديدة من الصراع العربي الإسرائيلي تبشر بنصر واضح برغم الكلفة العالية من دماء الفلسطينيين «وهي أثمن من كل المال العربي» يقول شجاع. ويضيف: المقاومة تصنع مستقبل الأمة العربية ولا حياد في الصراع العربي الاسرائيلي.

أكثر من ذلك، يعلن شجاع أنه لو فكر «حزب الله» بفتح الجبهة ليخفف الضغط عن غزة سندعمه. يضيف: الدم السوري غال أيضاً ولا بد من وضع حد للنزف هناك.

الجزء الأول من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

الجزء الثاني من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

الجزء الثالث من "«السفير» تجول على القرى الحدودية.. من العرقوب إلى الناقورة"

تعليقات: