«مياه الجنوبي» تطلق معركة الوزاني ــ الحاصباني

ضاهر: استثمار حق لبنان من النهرين يحتاج إلى قاعدة متينة تؤمّن دعماً سياسياً من جميع الأفرقاء (هيثم الموسوي)
ضاهر: استثمار حق لبنان من النهرين يحتاج إلى قاعدة متينة تؤمّن دعماً سياسياً من جميع الأفرقاء (هيثم الموسوي)


بعد «نفاد صلاحية» نهر الليطاني مصدراً لمياه الشفة بسبب التلوث والتعديات، تحولت الأنظار إلى نهري الحاصباني والوزاني بديلاً لتوفير الرصيد المضمون للجنوب من المياه. بين يوم أمس في بيروت، واليوم في الخيام، تفتح مؤسسة «مياه لبنان الجنوبي» صفحة النهرين اللذين لم تلحظهما مخططات الدولة، لا قبل مخطط العدو الإسرائيلي لاجتياح الليطاني والوزاني والحاصباني ضمناً، ولا بعده. المؤسسة تخطو الخطوة الأولى نحو فتح معركة تحصيل حقوق لبنان من النهرين

أعادت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي المعركة مع العدو الإسرائيلي إلى واحد من ميادينها الأولى: الأحواض المائية الجوفية والسطحية في جنوب لبنان. أمس، في مؤتمر «نهر الحاصباني - الوزاني، الحاجات والحقوق في ضوء متطلبات التنمية والاتفاقيات الدولية»، أطلقت بالتعاون مع المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، معركة انتزاع حق لبنان بالمياه في حوض الوزاني - الحاصباني، استباقاً لعام 2050 حينما ستقف المنطقة أمام تحدي المياه. لكن في الخمسينيات، صدّقت الدولة على استراتيجية إبراهيم عبد العال للاستفادة من نهر الليطاني، ولمّا يبصر بعض بنودها النور حتى الآن. فهل تحتمل استراتيجية «مياه لبنان الجنوبي» مماطلة وتأجيلاً؟

لماذا هذا المؤتمر الآن؟ في حديث لـ«الأخبار»، قال المدير العام للمؤسسة وسيم ضاهر، إن استثمار حق لبنان من مياه نهري الحاصباني والوزاني «يحتاج إلى قاعدة متينة تستطيع أن تؤمّن دعماً سياسياً من جميع الأفرقاء». لا يوجد في أيٍّ من إدارات الدولة أيّ قانون يتعلق بهذين النهرين وينظم آلية وسبل استثمار مياههما وكمياتها. يؤسس المؤتمر الأرضية لقاعدة بيانات تنتج قوانين واستراتيجيات تنظم النهرين، كما نظم الليطاني قبل عقود من خلال مراسيم وقوانين ومشاريع ومؤسسات. لكن الأمر لن يكون سهلاً. يستذكر ضاهر كيف اندلعت حرب شعواء عام 2002 ضد قرار الحكومة اللبنانية بضخّ أربعة ملايين متر مكعب سنوياً من نبع الوزاني المجاور للحدود بين فلسطين والجولان المحتلين. هدد العدو الإسرائيلي، فلاقاها البعض في الداخل اللبناني، مطالباً بالتراجع عن مشروع تشغيل محطة ضخ الوزاني بذريعة عدم استدراج حرب إسرائيلية. بعد 17 عاماً، ماذا ينتظر «مياه الجنوبي» عندما تبدأ بتشييد محطة ضخّ جديدة ملاصقة للمحطة القديمة عند الوزاني لتضخ 12 مليون متر مكعب في السنة، ثم 80 مليوناً في سنوات لاحقة وربما أكثر، إلى جانب محطة ضخ عند الحاصباني؟ «من خلال هذا المؤتمر وما سيتبعه من مؤتمرات وحلقات، سنقدم للدولة قاعدة البيانات العلمية التي تبرر سحبنا لعشرات الملايين من حوض الوزاني - الحاصباني، نشهرها أمام المعترضين في الداخل والخارج».

من أصل 4 ملايين متر مكعب، لا يضخّ لبنان إلا مليوناً، بسبب الأعطال وانقطاع الكهرباء

تعمل المؤسسة على مدّ قرى بنت جبيل وحاصبيا ومرجعيون، بمياه الحوض، الأمر الذي يستلزم تطوير المشاريع ومحطات الضخ بشرط حُسن تشغيلها. فمحطة الوزاني التي خاض لبنان معركة شرسة لتدشينها وضخّ أربعة ملايين متر مكعب سنوياً، لا يضخ منها إلا مليوناً فقط بسبب الأعطال المتكررة في محطة الضخ والانقطاع المتكرر للكهرباء! و من أجل الحفاظ على النصر إذا تحقق، تقرن المؤسسة مشاريعها المستقبلية بتشغيلها على الطاقة الشمسية. هذا بالنسبة إلى مياه الشفة. أما بالنسبة إلى مياه الري، فجزء من الأراضي التي تقع فوق الحوض مشمولة بمشاريع الري من الليطاني. أما المناطق غير المشمولة، فلا يتوافر فيها مشروع لريها من الحاصباني والوزاني. وفق ممثلة وزارة الزراعة ماجدة مشيك، الريّ يعتمد على الآبار أساساً، والشبكات والبرك والأقنية تعاني من تسرب هائل للمياه. ضاهر أشار إلى أن المؤسسة تدرس اقتطاع كميات من مياه الحوض لأغراض الريّ. مشيك حذرت قبل انطلاق المعركة من المساعدة في ضبط فوضى استخدام المبيدات من قبل المزارعين في منطقة الحوض، إضافة إلى ملوثات الصرف الصحي ومعاصر الزيتون، ما يلوث التربة والآبار، ويؤثر بنوعية المياه الجوفية الموعودة.

استراتيجية العدو: الاستيلاء على المياه السطحية والجوفية

في التقديم للمؤتمر، يربط المنظمون نهر الحاصباني - الوزاني بأزمة تقاسم الحصص المائية في حوض الحاصباني - الوزاني الذي يتشاركه إلى لبنان، سوريا والأردن، فضلاً عن الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالنهران ينبعان في لبنان ويسير كل منهما مسافة معينة (الحاصباني 24 كلم والوزاني 5 كلم) يلتقيان على بعد 4 كيلومترات من الحدود مع فلسطين المحتلة ويدخلان إليها حيث يلتقيان مع روافد نهر الأردن. ثم تمشي الأنهر معاً بطول مسافة طولها 251 كلم لتصبّ في البحر الميت. ما يعني أن مصالح لبنان وفلسطين والأردن تتشابك. ذلك التشابك تنبه له لبنان وفلسطين عام 1926 عندما عقدا اتفاقية حسن جوار التي أقرت بما كرسته النصوص والعادات المحلية في استعمال مياه الأنهار. قبلهما، تنبه أرباب اتفاقية سايكس - بيكو، بريطانيا وفرنسا عام 1920 عندما أبرما الاتفاقية البريطانية الفرنسية التي قضت بأن يكتفي لبنان وسوريا من المياه قبل السماح بجريانها إلى فلسطين. وبين 1913 و1964، أُحصي 20 مشروعاً خصصت لتقاسم مياه نهر الأردن وروافده/ أبرزها وفق نائب المدير العام للمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق محمد طي، مشروع جونستون 1954، نسبة إلى السفير إريك جونستون الذي كلفه الرئيس الأميركي أيزنهاور وضع برنامج إقليمي شامل لتطوير نهر الأردن وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من طريق توفير الموارد. جونستون حدد حصة لبنان من الحوض وروافده بـ35 مليون متر مكعب سنوياً (قُدرت لريّ 35 ألف دونم) في مقابل 132 مليوناً لسوريا و400 مليون لإسرائيل و720 مليوناً للأردن. أما المشروع العربي الذي وضعته اللجنة الفنية في جامعة الدول العربية عام 1960، وكفل لكل دولة ضمن حدودها الانتفاع بريّ الأراضي الصالحة للزراعة. لكن العدو ذهب بعيداً في وضع استراتيجيات حول «وجود خزانات جوفية مشتركة بين لبنان وفلسطين، ولم يكتفِ بما كان يستخدم في فلسطين من النهر، بل يضخ خارج الحوض لريّ أراضٍ بعيدة مثل النقب»، وفق طي. الولايات المتحدة ساعدت العدو بمده بنظريات «أعطت الأحقية للاستيلاء الأول، أي إن من استخدم المياه أولاً أحقّ بها من الآخرين، وهي نظرية طرحها بعض الصهاينة لمنع الآخرين من الاستفادة من روافد نهر الأردن في سوريا ولبنان». في المعركة المقبلة، يمكن لبنان الاستناد إلى اتفاقيات دولية عدة كفلت الحق في المياه، منها اتفاقية الأمم المتحدة عام 1997 حول الأنهار الدولية المستخدمة في الأغراض غير الملاحية، واتفاقية سيداو التي نصت على التمتع بظروف معيشية ملائمة، ولا سيما في ما يتعلق بالإسكان والمرافق الصحية والإمداد بالكهرباء والماء.

ثلوج لبنان تغذّي حوض النهرين

كشف الخبير في قضايا المياه أحمد الحاج، عن حوض إضافي مرتبط بحوض الوزاني - الحاصباني، انطلاقاً من خراج بلدة رميش (بنت جبيل)، ويمتد لنحو 89 كيلومتراً مربعاً. الاكتشاف نبّه العميد المتقاعد أمين حطيط إلى سبب إصرار اسرائيل خلال ترسيم الخط الأزرق عام 2000 على تغيير الحدود عند رميش. «يريدون أن يضعوا أيديهم على مياه الحوض الجديد، في مقابل الاستفادة الكبيرة من مياه الوزاني التي تحوَّل إلى بحيرة طبرية». الحاج أسف لأزمة المياه التي يعاني منها المقيمون في منطقة الحوض. «نصيب الفرد 18 ليتراً من المياه سنوياً، ما يضطر الناس إلى الاعتماد على الآبار الخاصة». أما الخبير بسام جابر، فلفت إلى مشروع سد إبل السقي الذي وضعته وزارة الطاقة والمياه ضمن خطة السدود ولا يزال قيد الدرس. يسع السد 50 مليون متر مكعب تستفيد منه بلدات مرجعيون وحاصبيا. حتى إنجازه، لا يستخدم لبنان من مياه الحوض سوى 7 ملايين متر مكعب سنوياً، فيما يتدفق منه إلى فلسطين ما بين 145 و160 مليون متر مكعب سنوياً. من جهته، لفت رئيس المركز الإقليمي للمياه والبيئة وجدي نجم، إلى أن الثلوج التي تتساقط في الجهة اللبنانية من الحوض يعود إليها الفضل بمدّه بكميات كبيرة من المياه. 32 في المئة من مساحة الحوض تغطيها الثلوج سنوياً التي تنزل فوق أرض طبيعتها كارستية (تمتص المياه) تمتد على مساحة 390 كيلومتراً مربعاً من مساحة الحوض، أي 74 في المئة منه.

برنامج المؤتمر

نظمت فعاليات اليوم الأول من مؤتمر «نهر الحاصباني - الوزاني، الحاجات والحقوق في ضوء متطلبات التنمية والاتفاقيات الدولية» في فندق رمادا بلازا – السفير في الروشة. في افتتاحها، كانت كلمة للمدير العام لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر، وكلمة لرئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، الذي قال إن المؤتمر «يفتح الباب واسعاً أمام نقاش متشعب، يستحضر قضايا الصراع مع إسرائيل والتأخر التنموي ومشاكل البيئة والتحولات المناخية». الجلسة الأولى من اليوم الأول تمحورت حول الخصائص الطبيعية للأحواض المائية في جنوب لبنان الشرقي والمزاعم بوجود أحواض مشتركة أو تسرب مياه من بعض المجاري المائية، وأهمية إدارة الأحواض في ظل النزاع القائم. قدم للجلسة النائب حسين الحاج حسن، وتحدث فيها الباحث مصطفى مروة حول العلاقة بين الأحواض السطحية والجوفية جنوباً، وأستاذ علوم المياه في معهد الهندسة العالي في بيروت، سليم كتفاغو، حول الخصائص الجيولوجية لحوض الحاصباني – الوزاني. أما رئيس المركز الإقليمي للمياه والبيئة، وجدي نجم، فقد تحدث عن الخصائص الجيوفيزيائية للأحواض المشتركة في الجنوب والشرق، وتحدث الأستاذ في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية أحمد الحاج عن الإدارة المتكاملة للحوض. وزير الاقتصاد منصور بطيش قدم للجلسة الثانية، متحدثاً عن الاستعمالات التاريخية للنهرين وحاجات لبنان منها. ثم حاضر ضاهر عن حاجات مياه الشفة في منطقة الحوض، فيما استعرضت المهندسة في وزارة الزراعة ماجدة مشيك حاجات الريّ. وقدم الخبير بسام جابر للاستعمالات التاريخية اللبنانية لمياه النهرين. أما الأستاذة في جامعة السوربون الفرنسية، ليلى غانم، فقد تلت رسالة الخبير الدولي في قضايا الاقتصاد والمياه ريكاردو بتريلا، حول دور نهر الأرن وروافده في التنمية المستدامة. الجلسة الختامية كانت حول حقوق لبنان في النهرين استناداً إلى الاتفاقيات الدولية، قدم لها النائب محمد خواجة، وتحدث فيها نائب المدير العام للمركز، محمد طي، حول تحويل العدو المياه الفائضة خارج حوض الأردن ومشاكله القانونية. فيما تحدث رئيس لجنة الموارد المائية في نقابة المهندسين السورية عرسان عرسان عن اعتداءات العدو على مياه الجولان. أما محمد علوان، فقد استعرض الاستعمالات التاريخية لنهر الأردن، بصفته مصباً للحاصباني. وختام الجلسة كان مع الأستاذة في جامعة مومباي نيلوفر باغاوات، حول مشكلة المياه في لبنان ومحيطه ومطامع إسرائيل استناداً إلى القانون الدولي. فعاليات اليوم الثاني والختامي للمؤتمر تستكمل اليوم في قاعة بلدية الخيام، حيث تنظم طاولة مستديرة حول النتائج والخلاصات والمشاريع المستقبلية لاستثمار الحوض، يشارك فيها خبراء وهيئات والنائبان علي فياض وقاسم هاشم وممثلون عن مجلسي الجنوب والإنماء الإعمار ووزارتي الطاقة والزراعة.

تعليقات: