النساء ينتصرن على فحول المــجلس النيابي في لبنان

قانون العنف الأسري: خطوة إلى الأمام (مروان طحطح)
قانون العنف الأسري: خطوة إلى الأمام (مروان طحطح)


قطع «مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري» شوطا مهمّا الى الامام بعد اقراره في اللجان النيابية المشتركة. ولكن ما تمّ إقراره أمس هو «مشروع قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري».

قطع «مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري» شوطا مهمّا الى الامام بعد اقراره في اللجان النيابية المشتركة. ولكن ما تمّ إقراره أمس هو «مشروع قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري». ورغم تأكيد النائب غسان مخيبر أنّ هذه الصيغة تؤدّي دورها في حماية المرأة، تعرب منظمات المجتمع المدنيّ عن تفاؤل ولكن حذر في الوقت ذاته. لكن الأكيد أنّ المعركة لم تنته بعد

في 4 تموز الماضي قرّرت ريم زكريا وزينب عواضة، الهاربتان من زوجيهما، أن تظهرا، من دون أي «ستار» يغطّي وجهيهما، لتخبرا قصّتيهما في مؤتمر صحافي نظّمته منظّمة «كفى عنف واستغلال». عرّضت السيدتان حياتهما للخطر، لكنّهما كانتا على قدر كبير من الجرأة، جعلهما لا تأبهان بالخطر على حياتهما، فقامتا بهذه الخطوة من أجل حقوقهما وحرّيتهما، ومن أجل تشجيع النساء الأخريات على التبليغ وفضح معنّفيهنّ. لكن ما لم تكن تعرفه زينب أو ريم، أنّهما لم تكونا ترويان قصّتهما لوسائل الإعلام وناشطات مدنيّات فقط، إنّما تسلّلت بين الحضور مندوبة من المجلس النيابي، كُلّفت برفع تقرير عن المؤتمر إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما تروي الناشطة في «كفى» فاتن ابو شقرا. بعد يومين من ذاك المؤتمر، في السادس من تموز، قام بري بإدراج مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري بنداً أول على جدول أعمال اللجان النيابيّة المشتركة، وأمس، تمّ إقرار مشروع القانون من قبل هذه اللجان. تفاعل بري بهذه السرعة مع المؤتمر الصحافي شكّل مفاجأة أكبر من إقرار المشروع نفسه أمس، إذ كانت قد وصلته من قبل رسائل من نساء معنّفات، يائسات، حالهنّ لا يختلف عن حال زينب التي ناشدته مباشرة في المؤتمر، فوعد بأن يهتمّ بقضاياهنّ عبر تواصل مستشاره علي حمدان مع الجمعيات المعنيّة، لكن الأخير لم يفعل شيئا! فما الذي تغيّر يا ترى؟ هل كان نداء زينب أقوى من نداء الأخريات؟ خاصة عندما خاطبت بري قائلة إنّ معنّفها مدعوم ومحمي، وانها تستحق الحماية ايضا؟

أغلب الظنّ أنّ بري أو غيره من السياسيين لم يتأثروا باستغاثة ريم أو زينب وإلّا لكانوا سمعوا استغاثات مئات النساء من قبلهنّ، وبعضهنّ خسرن حياتهنّ من دون أن تلتفت الدولة اليهن. لكن الناشطات في قضايا المرأة يقلن إنّه لو كان هناك شيء نفخر به الآن، بعد إقرار المشروع في اللجان، الذي تطاله الكثير من الملاحظات، هو أنّ الجهود والضغوط الشعبيّة وعمل منظّمات المجتمع المدني على الارض ومع الكتل النيابيّة، هي وحدها التي أدّت إلى هذا التطوّر. وإن كان لم يرجّح أمس، أن يرفض أو يعيد اجتماع اللجان النيابية المشتركة، مشروع القانون إلى اللجان الفرعيّة، فذلك بسبب موجة الاستنكار والغضب التي أعقبت موت رولا يعقوب، بعد العنف الذي مارسه عليه زوجها. لكن هل بإقرار مشروع القانون في اللجان النيابية المشتركة تنتهي القضيّة؟ أم أنّ السؤال الأهم الآن، هو أيّ مشروع تمّ إقراره أمس؟

الناشطات اعتصمن أمس في ساحة رياض الصلح بدعوة من منظمة «كفى عنف واستغلال»، تزامناً مع انعقاد اجتماع اللجان في محاولة للضغط على السياسيين لإقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري. بعد إقرار القانون، ورغم التحفّظات العديدة، التي سجّل بعضها النائب إيلي كيروز بعد انتهاء انعقاد اجتماع اللجان، رأت «كفى» أنّه «تمّ بجهودنا جميعاً اجتياز محطة أساسية من مشوارنا الطويل نحو الإقرار النهائي لمشروع حماية النساء من العنف الأسري في الهيئة العامة لمجلس النواب». فيما رأت الناشطة في مجموعة «نسويّة» نادين معوّض «أنّه لا يجب شكر النوّاب على شيء بعد، فالخطوة الحقيقية هي في التشريع وليست في انتقال مشروع القانون من مرحلة إلى أخرى. كما أنّ الإنجاز الذي نحقّقه اليوم ليس إلا بالضغط الشعبي، الذي دفع في السنتين الأخيرتين، لإقرار قانون يحمي النساء. كما أنّنا لم ننسَ أنّ هذا المجلس غير شرعي وهو المسؤول عن كلّ حالات العنف التي تجتاح البلد». الحسّ الاحتفائي غاب أيضاً عن رئيسة اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة فهميّة شرف الدين، فمع أنّ شرف الدين رأت في إقرار القانون خطوة نحو الأفضل، إلّا أنّها أضافت «مطلبنا الأساسي هو في أن يكون هذا القانون لحماية المرأة، وليس قانوناً للأسرة. إذ إنّ قوانين الدولة كلّها تحمي الرجل، كما أنّ لبنان وقّع على اتفاقية حقوق الطفل، بينما بقيت المرأة وحدها خارج معادلة الحماية. حاليا سنقبل بهذا القانون لكننا سنسعى في الوقت ذاته إلى تعديله وتطويره». هذا ما تعد به جميع المنظّمات التي عملت على إقرار هذا القانون. العمل مستمر لتحقيق نصر حقيقي يتمثّل بإعادة تعديل القانون في ضوء الملاحظات التي تقدمت بها «كفى» على القانون المقرّ. فما هي أبرز هذه الملاحظات؟

أولى الملاحظات تطال العنوان الذي أقرّ تحته المشروع. فبينما كان عنوانه «قانون حماية النساء من العنف الأسري»، تحوّل العنوان بعد مروره على اللجنة الفرعيّة إلى «مشروع قانون لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» وما يختزنه ذلك من تغيير في المضمون. إذ لم ينتبه أعضاء اللجنة الفرعيّة، المكلّفون دراسة مشروع القانون، أن يقوموا بدورهم في حماية أفراد الأسرة إلّا من خلال مشروع القانون هذا. وشملوا الأطفال وكبار السنّ في العائلة، كما الرجال طبعاً بالحماية من خلال القانون. فتذكر «كفى» في ملاحظتها على العنوان «ان ذكر النساء في العنوان هو شكلي لإيهام الناس أن اللجنة قامت بواجب حماية النساء. لكن الحقيقة أن ذكر النساء في العنوان دون أن ينسحب ذلك على المضمون، من شأنه أن ينقص من فاعلية الحماية للنساء. نحن نتمسك باسم المشروع ومضمونه «حماية النساء من العنف الأسري» لأن آليات الحماية الموجودة في نصوصه وضعت وفقاً لدراسة حاجة النساء وازالة العقبات من أمامهن اذا ما اخترن اللجوء الى القضاء». كما سجّلت المنظّمة اعتراضها على التعديل الذي طال الفقرة الخاصة بإكراه الزوجة على الجماع، والتي تحوّلت في صيغة مشروع القانون المعدّلة إلى: «من أقدم بقصد استيفائه للحقوق الزوجية في الجماع أو بسببه على ضرب زوجه إو إيذائه عوقب بإحدى العقوبات المنصوص عنها في المواد 554 إلى 559 من قانون العقوبات. في حال معاودة الضرب والإيذاء، تشدد العقوبة وفقاً لأحكام المادة 257 عقوبات. إن تنازل الشاكي يسقط دعوى الحق العام في الدعاوى التي تطبق عليها المواد 554 و 555 من قانون العقوبات». رأت «كفى» أنّ «هذا النص لزوم ما لا يلزم لأن تجريم الضرب والإيذاء منصوص عليه في قانون العقوبات ولا يشترط تبيان السبب الذي أدى الى التسبب بالضرب والإيذاء... المطلوب تجريمه هو انتهاك حرمة الجسد وفعل الإكراه بحد ذاته، وهو ما لم يجرم». النائب غسان مخيبر الذي كان من اللجنة الفرعيّة لإقرار القانون والتي قامت بهذه التعديلات عليه رأى أنّ «مشروع القانون كما صار إلى تعديله هو أفضل من الصيغة التي وردت عن الحكومة. كما أنّ نص القانون هذا حافظ على حمايته الجديّة للمرأة وأنا أدعو إلى الإسراع في إقراره، والممارسة والتطبيق ستكونان المؤشّر لمعرفة إذا ما كان هناك ثغر في القانون يجب تعديلها أو لا».

تعليقات: