«لأن الحـرب الأهليـة أقسـى مـن إسرائيـل» «حسـن نصـر اللـه» يطلـب الهجـرة إلى... بلجيكـا

حسن نصر الله يتوسط محمد (الى اليمين) وبلال نصر الله (حسن عبد الله)
حسن نصر الله يتوسط محمد (الى اليمين) وبلال نصر الله (حسن عبد الله)


بعلبك :

«حسن نصر الله؟» يأتي السؤال من أحد عناصر الكوماندوس الإسرائيلي. يجيب صاحب محل السمانة وبيع أسلحة الصيد: «نعم، أنا حسن نصر الله». يتفقد عنصر ثان من نحو خمسين اقتحموا المنزل، لائحة الأسماء المطلوبة، على جهاز الكتروني في يده، ويعلنها بالتتابع بلهجة عربية بيضاء: «محمد جعفر، علي دياب، حسن البرجي، حسن نصر الله وأحمد العوطة».

يروي حسن نصر الله: «أخرجونا من منزل أختي في حي العسيرة في بعلبك، حيث كنا نحتمي في غرفة المؤونة، أرغمونا جميعنا على الركوع، رفعنا نحن الخمسة أيدينا الى الأعلى بناء على طلبهم، ثم كبّلوا أيدينا بشريط بلاستيكي سميك، اعتقلونا وطلبوا من النسوة والأطفال السير نزولا باتجاه المدينة».

كان ذلك في ليلة الإنزال الكبير على بعلبك، ليل الأول من آب .2006

بعد سنة على الأسر وإطلاق السراح، ينجح حسن نصر الله برواية تفاصيل الرحلة الشاقة من المنزل الى أعالي الجرود وصولا الى الطائرة التي أقلت الأسرى إلى «اسرائيل».

ما زال يحفظ كل حركة قاموا بها، كيف عصبوا أعينهم، وعدد المرات التي تعثروا فيها في الجبال بعد السير لأكثر من ساعة ونصف الساعة شبه حفاة. «وصلنا الى الطائرة، صعدنا جميعاً باستثناء ابني محمد (13 سنة)، الذي قرروا إطلاق سراحه بعد استشارات مع قياداتهم».

في فلسطين المحلتة، اعتقلنا في «روشبينا، بين العفولة والناصرة، لمدة 21 يوما، في غرفة واحدة. كنت أسمع هيصات وأسئلة الجنود الاسرائيليين: «ياي انت هَسَن؟ واو، انت نصغو الله؟».

كان الاستجواب اليومي يمتد لخمس ساعات متواصلة وكان العنف النفسي بديلا عن العنف الجسدي إذ كان جنود العدو يكررون على مسمعه أن «لبنان دمر بالكامل».

طبعا، «لم يسمحوا لنا بإجراء أي اتصال هاتفي. وسألنا محقق بملامح أوروبية يتحدث العربية أسئلة من نوع «مين في بالعسيرة؟ بتعرفوا الاسم الرباعي للحد؟» بتعرفوا محمد يزبك؟ «مين نبيه بغي (بري)»؟

ويقول نصر الله انه في اليوم السادس عشر من الاعتقال، «زارتنا محامية من منظمة حقوق الإنسان تدعى ليئا تسيمل، وحاولت أن تقدم لنا كل دعم ممكن».

بعد مرور الأيام العصيبة، حل موعد إطلاق السراح، «خرجنا من السجن عند الساعة التاسعة صباحا». وعند الثانية عشرة ظهراً، وصل الاسرى إلى الناقورة حيث سلّموا إلى الصليب الاحمر الدولي، ثم الى قوات الطوارئ الدولية وأخيراً الى الجيش اللبناني.

يقول حسن «في البداية ظننا أن عملية تبادل قد حصلت، وظننت أنني لن أجد لبنان، لأنهم أوحوا لنا أنه قصف بالسلاح النووي».

يجلس محمد، يتابع سرد والده لما حصل قبل عام، ويتذكر بدوره اللحظات التي تلت إطلاق سراحه قبل إقلاع الطائرة الإسرائيلية.

يقول الشاب، الذي ينهي السنة صفه الرابع المتوسط، ان ما عاشه في المرتفعات وحيدا في ذلك المساء هو أصعب ما عاشه في حياته.

وكيف نجا بنفسه؟ يرسم ابتسامة طفولية على شفتيه ويقول بلهجة بعلبكية «ما حسيت بشي بالاول.. نزلت تحت السيارات، واختبأت».

كان القصف متواصــــلا، في طريق محمد الى بـــيت العائلة، «كنت أرى بيوتا تنهار أمامي، وتهدم تماما».

كان الملجأ الأخير هو «حفرة تحت شجرة، نزلت فيها وغفيت لساعات.. كنت خائفا، وكنت أفكر بأهلي.. قرأت كثيرا من الآيات القرآنية». نجا محمد، نسي العالم في الحفرة، وفكر بأمه، فقام مع انبلاج الضوء، وركض الى المدينة بثياب ممزقة ومبللة، حتى وجدها عند أحد الاقارب.

هي لم تكن تعرف أنه أطلق سراحه.

تقول الأم ان التجربة جعلت محمد أقوى، ويقول هو ان التجربة «جعلتني مشهورا بين أصدقائي». كانت ليالي محمد خلال الأشهر الماضية مليئة بالكوابيس، إلا أنه ما زال يحلم. وهو اليوم يحلم أن ينتسب للجيش، ليقاتل اسرائيل التي كرهها أكثر، و«لأقاتل فتح الإسلام».

بعد سنة على الحرب، يثقل التعب قلب حسن نصر الله. «لقد تعبت، أريد أن أهاجر. قلبي في لبنان ولكن الحرب الأهلية أقسى.. أريد أن أهاجر الى بلجيكا». أما محمد، فلا يعرف ان كان عليه ان يبتسم أو يحزن عندما يكرر والده الحديث عن الهجرة.

تعليقات: