الفوالق الزلزالية في لبنان

لتسونامي يهدّد برج حمود والذوق والمرفأ والواجهة البحرية للضاحية
لتسونامي يهدّد برج حمود والذوق والمرفأ والواجهة البحرية للضاحية


لا ترابط أو صلة بين المناطق التكتونية. فزلزال اليابان لن يؤثر على تحرك الفوالق من لبنان ولا داعي لتخويف السكان من ترددات زلزال اليابان على الوضع الجيولوجي في الشرق الأوسط".

يقول الخبير اللبناني مدير قسم الحد من الكوارث في منظمة الاونيسكو بدوي رهبان "إن كل ليرة تنفق لتدارك الكوارث توفر عشر ليرات من كلفة اعادة التأهيل والاعمار. ويجب إبراز ثقافة تدارك الأخطار في عصرنا كفرضية أولى، كما ان الوقاية تتطلب ارادة سياسية تضع الأطر وقوانين هذه الثقافة والوقاية وتجسيدها.

ويعود الى الدول المعرضة الى كوارث طبيعية المباشرة من دون تأخر في تقييم الاخطار التي يمكن أن تتعرض لها وتحديد الاماكن المعرضة للكوارث ووضع الخطط للحد من اخطار هذه الكوارث بدءاً من الحي مروراً بالمدارس وصولاً الى المدينة والوطن.

عادة ما تضع السلطات في المناطق المعرضة للهزات والتي تشمل نشاطاً زلزالياً بعض الاحكام لضمان توفير الخدمات الأساسية بسرعة، كتنظيم عمل المستشفيات والاتصالات، والمساعدات الحيوية، وهذا يشكل أمراً حيوياً لادارة الكارثة. كما ان تدريب الموظفين بشكل جيد واللامركزية في مجال ادارة الكوارث واتباع تدابير وقاية على المستوى المحلي من الشروط المهمة للحد من عدد الضحايا.

الوضع في لبنان

ان حدوث كارثة طبيعية او صناعية مهمة في لبنان أمر غير مستحيل وغير مستبعد، وينبغي على السلطات اللبنانية الاحتراس لهذه الكوارث رغم انه من المستحيل التكهن او التنبؤ بموعد حصولها او مكان حدوثها، حتى في البلدان الأكثر تطوراً والأفضل تجهيزاً في هذا المجال، مثل الولايات المتحدة واليابان. وجل ما يمكن عمله هو انذار مبكر لحوادث تسونامي بعد وقوع الزلزال.

تعرض لبنان والمنطقة المجاورة خلال التاريخ لكوارث طبيعية، من هزات ارضية وأمواج تسونامي وفيضانات وحرائق وتفجيرات صناعية وانزلاقات أرضية. ويعود الى السلطات اللبنانية والمجتمعات الأهلية ان تكون جاهزة لمواجهتها وهي ضرورية وممكنة للمحافظة على السكان والوطن.

وفي شكل عام يمكن القول علمياً أن الزلزال والتسونامي يحدثان في المناطق عينها التي حدثت فيها زلازل خلال التاريخ، ولبنان ليس في منأى عن هذه الأخطار إذا عدنا الى التاريخ.

ويقترن اسم العاصمة بيروت منذ العهد الفينيقي بهزات أرضية رهيبة هدمت المدينة مرات عدة، وفق ما تشير بعض الدراسات، العام 349 و494 و502 و551 و555 ميلادية، وكان أكبرها هزة العام 551 حين غمرت موجة عارمة من البحر المدينة كلها، وذكر ان أكثر من 30 الف نسمة لاقوا حتفهم بعدما تحطمت الأبنية وشبت الحرائق.

وحصل زلزال في الاعوام 1157 و1170 و1202 وهدمت مدن في كل نحاء سوريا وصمر وأدى زلزال 1202 الى انخساف في السواحل وغرق العديد من الجزر الصغيرة التي كانت قائمة على طول الساحل اللبناني ولم يبقَ منها سوى جزيرة الأرانب قبالة طرابلس.

وفي خريف 1759 دمر زلزال بدرجة 7,5 على مقياس ريشتر مدينة بيروت كما حصل زلزال العام 1918 وآخر العام 1956 ما زال البيروتيون واللبنانيون عامة يذكرونه. وما زالت ضرائب التعمير تدفع مع رسوم كثيرة في لبنان حتى يومنا هذا.

70 في المئة من مناطق لبنان الساحلية ضربتها خلال التاريخ زلازل عدة. وفي حال حصول زلزال أو أمواج تسونامي مماثلة لما حصل في التاريخ، فستكون كارثة وطنية. ويعود ذلك الى الكثافة السكانية المركزة في المدن الساحلية الممتدة من صور الى طرابلس، مرورا ببيروت، وأي كارثة طبيعية قد تحدث تهدد الكيان اللبناني كله لأن مساحة لبنان صغيرة وأي زلزال قد يضرب منطقة يضر بلبنان كله.

يقول بدوي رهبان "حان الوقت لاعتماد استراتيجية تدارك الكوارث واستباقها، لكن في لبنان لا يوجد حتى الآن أي خدمات دائمة للتعامل مع الاخطار الطبيعية، والكوارث التي قد تخلفها ويتم انشاء وحدات لادارة الازمات عند الحاجة الملحة. أما في شأن البناء فان المعايير الزلزالية موجودة في لبنان منذ زمن بعيد، غير انه لا يوجد موجب داخل القانون للقيام بدراسة تصميم زلزالي للمباني قبل بدء البناء ومراقبة التنفيذ.

هناك مرسوم يعود تاريخه الى العام 2005 في هذا المعنى غير أنه لا يطبق فعليا. وقد تمت ترجمة المعايير الفرنسية للبناء المقاوم للزلزال أخيراً بهدف وضع قانون لتصاميم أبنية مقاومة للزلزال، غير أن ذلك يحتاج الى التجربة، وهذه التجربة غير موجودة سوى في البلدان التي تتعرض لزلازل قوية ومتكررة كاليابان وكاليفورنيا، وتستمد عادة بقية البلدان من هذه المعايير لسنّ قوانين خاصة بها.

أما على مستوى الوعي السكاني ومن دون الوقوع في التجاوزات وخلق حالة من الذعر فينبغي ان يوضع حد أدنى من المعلومات عما يجب القيام به في حال وقوع زلزال، وهذه ليست الحال في لبنان. ويمكن الاعتبار في هذا السياق ان الاخطار ليست مرتفعة، غير أن التوعية ستبقى ضرورية. وعلى سبيل المثال يتم اجراء عمليات تجارب مع التلامذة داخل المدارس ومع الموظفين في أماكن عملهم، وحتى في المناطق السكنية لتجنب الحد الاقصى من الخسارة في الارواح.

قواعد حماية

أثناء الزلزال المهم حماية النفس والابتعاد من المباني والشواطئ، لأن الهزات الارضية تؤدي أحيانا الى موجات مدّ عارمة. أما اذا كان الشخص داخل بناء فيجب حماية الرأس من خلال وضع نفسه تحت طاولة والمحافظة على الهدوء، في انتظار انتهاء الهزة للخروج. بعد وقوع زلزال الانتظار قليلا قبل العودة الى المنزل لأن حدوث هزات أقل أو أكثر قوة من الاولى أمر ممكن والتوجه الى نقاط التجمع التي حددتها السلطات.

الاجراءات التي ينبغي اتخاذها في لبنان

يقول بدوي رهبان انه يجب اجراء "تقييم للإخطار وانشاء نظام مراقبة الاخطار، ووضع خرائط للأماكن الآهلة وفق خطورتها، ونظام انذار مبكر".

ويضيف: "من الضروري تدعيم الابنية الموجودة والتي لم تُبنَ وفقا لمعايير تحمل الزلازل، واجراء مسح أولي للأبنية الاساسية والحساسة، كالمدارس والمستشفيات والمراكز الصناعية ومحطات توليد الطاقة والسدود وأماكن العبادة ومراكز القرار السياسي والاقتصادي". ويدعو الى "إنشاء جهاز او ادارة مركزية حكومية تكون المسؤولة تجاه الحكومة وتناط بها مسؤولية العمليات المذكورة أعلاه".

اما الاعلام والتوعية فهما من العوامل الاساسية التي يمكنها المحافظة على الارواح في حال حدوث زلزال"، وفق رهبان. ويتابع انه يقتضي "تحديد جدول زمني على المديين القصير والبعيد لتنفيذ اجراءات وتدابير الحماية، ومباشرة العمل لدعم البنى داخل المدارس والمستشفيات والمراكز المهمة".

ويضيف "وضع سيناريوات عدة لما يمكن توقعه في حال حدوث كارثة طبيعية".

وفي هذا الاطار يجب مشاركة البلديات والمجتمع المدني لوضع معايير هندسية جديدة واتباع تدابير خاصة بالوضع في لبنان وخصوصياته، يقرها البرلمان اللبناني وتدخل في اسرع وقت حيز التنفيذ. ويشير الى ان كلفة البناء المقاوم للزلازل لا تزيد باكثر من عشرة في المئة من كلفة البناء الاجمالية. ودخول هذا القانون حيز التنفيذ ضروري بعدما شهد لبنان في الفترة الاخيرة قيام مجمعات ضخمة وابراج سكنية عالية قد تتأثر اكثر من غيرها بالزلزال، وعدم متانة البناء قد تؤدي الى مزيد من عدد الضحايا.

والجهات المعنية بالاجراءات هي وزارة التربية والاعلام والدفاع والاشغال العامة والتخطيط المدني والداخلية و(الدفاع المدني) والصحة العامة والمواصلات والموارد المائية والكهربائية والبيئة... وباختصار ان جسم الدولة بمجمله مدعو الى تنفيذ هذه الاجراءات لحماية سلامة المواطن اللبناني في حال تعرض لبنان لهزات ارضية. وشدد بدوي "على ان منظمة الاونيسكو تقف على استعداد لدعم جهود لبنان في مجال الوقاية".

اما التدابير الفاعلة حاليا في لبنان فهي الهيئة العليا للاغاثة والجيش والصليب الاحمر والدفاع المدني.

الفوالق التكتونية في لبنان

يقع لبنان على مفترق ثلاث صفائح تكتونية: الصفيحة العربية والصفيحة التركية والصفيحة الافريقية، وهناك ثلاثة فوالق رئيسية كبيرة تقطع لبنان من اقصاه الى اقصاه:

فالق اليمونة على طول سلسلة جبال لبنان الغربية ويتحرك هذا الفالق مرة وفق دراسة جيولوجية كل 800 الى 900 سنة، وهو اكبرها واخطرها، ويعد من اكبر فوالق منطقة البحر المتوسط، ويشق لبنان نصفين. وبوسع تحرك هذا الفالق احداث زلزال كبير. وكان آخر زلزال على هذا الفالق عام 1202 وقد ادى الى تدمير طرابلس وبعلبك، ويتوقع العلماء تحركه من جديد، مع استحالة امكان التنبؤ بتاريخ مثل هذا التحرك.

فالق سرغايا، على مقربة من الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، وهو يتحرك كل 1500 الى 2000 سنة تقريبا وتحركه الاخير كان عام 1759، وهذا يعني انه لن يتحرك قبل الف سنة على الاقل.

فالق الروم، او فالق جبل لبنان، يتفرع من فالق اليمونة جنوبا باتجاه البحر الابيض المتوسط. واشارت دراسة تمت اخيرا الى فرضية ان يمتد هذا الفالق شمالا في البحر بموازاة المدن الساحلية اللبنانية. وتحرك هذا الفالق سيتسبب بامواج تسونامي على طول الشواطئ اللبنانية، وقد يكون التحرك الاخير لهذا الفالق عائدا الى العام 551، مما يعني ان موعد تحركه الجديد مرتقب ايضا.

ويشير العلماء الى ان امواج تسونامي حصلت في لبنان، وقد تحصل في المستقبل، وقد يبلغ ارتفاع الامواج بضعة امتار او عشرات السنتيمترات، وهذا كاف لاغراق بعض احياء بيروت وطرابلس وجبيل... الخ.

وكما هي الحال في بعض البلدان الاخرى المعرضة للزلازل، قد نجد في لبنان بعض الفوالق الثانوية المجهولة حتى تاريخه اذ لم يتم بعد التعرف عليها.

تعليقات: