هل نجحنا بالقيام بواجبنا تجاه أهلنا في الخيام وفي المنطقة؟


أيها الإخوة والأخوات

لقد عرفته عن كثب، وذلك خلال سنوات الدراسة الإبتدائية والتكميلية التي جمعتنا، ولاحقاً في ميدان العمل، حيث أشرف على المركز الصحي الإجتماعي التابع لمؤسسة عامل في بلدة الخيام.

لقد حاول الدكتور حليم القسيس في مسيرته الطويلة ترجمة قناعاته التغييرية إلى واقع ملموس، مع انحياز واضح إلى الفئات الشعبية ومقارعة الحرمان حيث وجد.

إن الدكتور حليم، ابن الخيام، قد عايش نكبة فلسطين والحرمان وتسلط الإقطاع ، فكان إلتزامه نابعاً من المعاناة وهموم الناس، مؤدياُ إلى معادلة جديدة، كرستها اليوم الشعوب العربية من تونس ومصر إلى كافة الدول العربية، معادلة تؤكد أن الحق هو للناس وليس للسلطات، وهو حالة إبداع غير محصورة في الزمان والمكان، بقدر تمحورها حول القضية، إي الالتزام بقضايا الوطن والإنسان، وجميع القضايا العادلة.

من هنا وعبر هذا العنوان، يعتبر الدكتور حليم القسيس، ممن بقي نهجه فينا، حاضراَ كان ام غائباً، وإن كنا قد إعتدنا الغرق في الحزن لوداع شخص، إلا أننا اليوم نستذكر قامته المشرقة وفرحه الدائم في أحلك الظروف.

لقد كان الدكتور قسيس مصلحاً اجتماعياً، يتبنى مفاهيم إجتماعية متقدمة، تقدم بها على جيله، من حيثُ التصدي للجهل والفقر والظلم وكل مظاهرهم، وتجنب التطرّف والرفض خلال سنين نضاله الطويل، لذا فإنك ترى على وجهه المكافح صورة الخيام والجنوب والوطن والإنسان، وترى أيضاً صورة مؤسسة عامل، التي كان من أركانها، والتي اليوم تفتقد حضور المناضل الصلب، والعامل الأصيل المتجدد.

لقد حاول الدكتور من خلال عمله، أن يطبق العمل الإنساني بمضمونه الحقيقي، الإلتزام السياسي الذي يدعو إلى العدالة في المجتمع والمساواة بين الناس، كما وعمل على مد جسور الحوار بين الناس وإستشراق الجوانب المضيئة داخل كل شخص، فكان يشغل الناس بما يجمعهم وليس ما يفرقهم، هذا ما عودنا عليه الدكتور حليم...

كما حاول ان يبرهن عملياً انه عبر إقترانه بزوجته أم سلام ومن خلال ممارساته اليومية أنه يحارب الممارسات السياسية الطائفية التي لم تسمح للبنانيين منذ القرن التاسع عشر، إرساء قواعد المواطنية الصالحة التي تأجج اليوم رياح الثورات الشعبية في العالم العربي، ونأمل، أن ينال لبنان نصيباُ منها، وهذا ما تسعى إليه منظمات المجتمع المدني بالرغم من جميع الصعوبات.

أيها الأخوة والأخوات

الدكتور حليم، ابن الخيام الجنوبية، والجنوب يختصر القضية الكبرى في تاريخنا القومي، من الخيام العزيزة التي لنا شرف الانتماء إليها، من هذا الجنوب .. من تلك البلدات الطيبة التي نالت النصيب الأكبر قتلاً وتهجيراً وتدميراً، إلا أن الزنود القوية قد عادت ترمم وتبني ما تهدم ..

فالشريط الحدودي قد زال ومعتقل الخيام قد تحرر وإن ذكر شهداء مجزرة الخيام، وكل شهداء المقاومة يجب أن يبقى شعلة دائمة، وعبرة لنا وحافزاً للعمل من أجل انتصار الحق، فبوركت أيدي المقاومين، وتبقى المقاومة هي الأساس لتوحيد الوطن محرراً من الاحتلال الإسرائيلي، وإن الجميع معني بها والجميع مقاتل على ساحتها بما يملك من سلاح حربي أو فكري أو فني أو اجتماعي أو إنساني، إلى آخر ما يمكن الإسهام به في مسيرة التحرير وبناء الوطن الموحد المنيع، بناء لبنان العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.

ومؤسسة عامل، والتي أنشئت بعد العدوان الإسرائيلي عام 1978، وبتأثير من مأساة الخيام. من تلك المعاناة وبضغط من تحديات المرحلة، فكانت منذ تأسيسها والتي كان الدكتور حليم من الجيل المؤسس، من صميم أهدافها أهلنا المنكوبين بالقهر الصهيوني وبالحرمان في المناطق الشعبية.

أيها الأخوة والأخوات

إن العلاقات السائدة بين أهل الخيام تشكل قدوة ونموذجاً يحتذى به في التآلف الاجتماعي، وعائلة المرحوم الدكتور حليم من أبرزها، والعيش المشترك في ظل الصراع الدموي الذي ساد خلال الحرب الطويلة، كان المجتمع في الخيام نموذجاً للمحبة والتآلف وما زال، فبعض العائلات تقاسمت الشقة الواحدة خلال سنوات المحنة.

هناك الكثير لنحكيه عن بلدتنا، نحكيه بفخر، كما هي عائلة المرحوم الدكتور حليم، فالمستقبل في الخيام يبنى عبر العلم والتقدم. ان روحية التضامن والعيش المشترك، واللهفة على الغير وحسن المعشر تتمظهر في المناسبات العامة خاصة الحزينة منها، بدرجة كبيرة الى حد يعيد الانتماء العميق لبعض الذين غادروا البلدة في سن مبكرة او ولدوا في الخارج ، اوليس هذا دلالة على وعي وتطور الخيامين ؟

قد تتنافس وتتعارض هذه الطاقات الكبيرة والخيرة ، في الاجتهاد او الرؤية السياسية وهذا حق طبيعي ومشروع للإنسان، ولكن ليس ثمة ما يحول دون توظيف هذا التنافس البناء، الذي يسعى إلى إسعاد الغير وتخفيف المعاناة عنهم.

أيها الإخوة والأخوات

لقد اكتشف الدكتور القسيس من خلال عمله الميداني الطويل، وفي أحلك الظروف الأمنية والسياسية، وجود عصبية فكرية، تعيق تبني الحقيقة دون سواها، والتعامل مع الأخر من منطق الصراع الدائم بين الملائكة والشياطين، فإختار منذ دخوله الشأن العام، أن يسعى دائما على تجميع الطاقات وتقريب وجهات النظر، وذلك لخدمة قضية الجنوب المقاوم، على مبدأ أن الإشخاص لا بد أن يكونوا دون الوطن وليس فوقه، وأن جميع المصالح الذاتية يجب أن تزول أمام واجب الدفاع عن الوطن وأهله!!

ينبغي ان نسأل انفسنا أيها الصديق، في ظل تجربتك التي شاركناك فيها، هل نجحنا بالقيام بواجبنا تجاه أهلنا في الخيام وفي منطقة مرجعيون وحاصبيا، وفي الجنوب، وفي كافة أرجاء الوطن؟ وهل نجحنا في تغليب المصلحة العامة على مصالحنا الخاصة؟

وفي الختام أيها الصديق، إن الحصاد في النهاية ثقيل، وثمن الانتماء للأرض غال، وقد بقيت أنت في صميم هذه القضية شمعة تضيئ مسارنا.

وها نحن نرى بأعين أم سلام، والدكتور سلام والمهندسة كارلا والمهندس رامي والمهندسة إيفا، مواصلة مسيرتك الكفاحية.

نم قرير العين أيها الصديق، إن رياح الثورة المصرية هي بداية عاصفة عربية عاتية ستهز جميع العروش وستدفع بعضها إلى السقوط وبعضها الآخر إلى إجراء إصلاحات جذرية طال انتظارها، إن الزلزال الراهن سيعبّد الطريق نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي كنت تبشر بها في البلاد العربية.

إن ما نشهده اليوم من أحداث، لا بد أن يجعلنا على ثقة بأن ثورة شاملة ستعم العالم العربي. لقد بدأت الشعوب العربية ثورتها السياسية الحديثة بواسطة الطموح المقهور والمهان والمهمش في مواجهة النظام المستبد الخاوي من أي معنى، العاجز عن إدارة المجتمع وحل مشكلاته الوطنية والإنسانية. هذه هي مقدمات الثورة الديمقراطية التي ستنتج ثقافة سياسية قادرة على إعادة العرب إلى موقع فاعل في العالم والتاريخ. للثورة معنى أكبر من أن تحيط به الوصفات المسبقة ومن أن تختصر بالشعارات

للمرحوم الدكتور حليم القسيس الرحمة ولعائلته الصبر والسلوان.

..

* ألقى الكلمة الدكتور كامل مهنا، رئيس مؤسسة عامل الدولية، ومنسق عام تجمع الهيئات الأهلية في لبنان، بمناسبة تكريم الدكتور حليم القسيس. 27-02-2011 في الخيام.

مشهد فيديو للشاعر هنري زغيب في رثاء الدكتور حليم القسيس

ألبومات صور الحفل التأبيني في مركز الطويل

تقرير الإعلامي جورج العشي حول الحفل التأبيني

كلمة المهندس أسعد رشيدي في الحفل التأبيني

كلمة الدكتور كامل مهنا في الحفل التأبيني

كلمة الدكتور ماهر حمزة في الحفل التأبيني

كلمة الأستاذ سعدالله مزرعاني في الحفل التأبيني

مقتطفات من كلمة الاستاذ عزات رشيدي التي القيت في حفل تابين الدكتور حليم القسيس






تعليقات: