«دور القضاء في إحقاق العدالة».. ندوة في الخيام لقاضيين من كبار قضاة لبنان


سَرْياً على عادته بإحياء النشاطات الثقافية الرَّامية إلى تعزيز الإنتماء الوطني، قام نادي الخيام الثقافي نهار السبت الماضي الواقع فيه 1342019 بإحياء ندوة بعنوان «دور القضاء في إحقاق العدالة».

وقد تفضَّل بقبول المشاركة في هذه الندوة قاضيان من كبار قضاة لبنان وهما، حضرة المستشار في المحكمة العليا، محكمة التمييز في بيروت، الرئيس جون قزي، وحضرة رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت العميد الركن حسين عبدالله، ممَّا جعل هذه الندوة مُمَيَّزة لكونها تشرَّفت بمشاركة قاضٍ ينتمي للقضاء العدلي وقاضٍ ينتمي للقضاء العسكري.

بعد افتتاح الندوة بالنشيد الوطني ثم الترحيب بالحضور،

وللتأكيد على أهميَّة موقع القضاء ومكانته ودوره في الدولة بصفته أحد أعمدة الدولة الرئيسية، استهلَّت المحامية وداد يونس تقديمها لهذه الندوة بالتذكير بقصة رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشرشل" أثناء الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي، حين طلبت منه القوات الحربية إيقاف الحكم الصادر عن المحكمة البريطانية القاضي بنقل مطار حربي قريب من إحدى المدارس إلى مكان أخر، وكان مشغولاً في إدارة المعارك الحربية الضارية ضد هتلر وجيوشه، فرفض ذلك الطلب، وأمر بنقل المطار على الفور، وقال قوله الشهير:

"أهون أن نخسر الحرب من أن يخسر القضاء البريطاني هيبته"

وبقصة الرئيس الفرنسي " شارل ديغول"، رمز فرنسا الحُرَّة، حين دخل باريس بعد تحرير بلاده من الغزو الألمانى، وسأل عن أحوال البلاد ومؤسساتها فأخبروه أنها بأسوأ حال.. فسأل سؤاله الشهير: هل القضاء بخير؟ فقالوا له نعم. فقال قولته الأشهر:

"إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير. فهو الدعامة الأساسية للنهوض بالدولة"

ثمَّ استطردت قائلة:

ولأنَّ الغاية من القضاء هي تحقيق العدالة بين الناس.

ولإنَّ القضاة هم الجهة المختصة بأمر القضاء. وهم من يقع على عاتقهم أمرُ البتِّ والفصلِ في دماء وأموال وأعراض الناس لإعطاء كل ذي حق حقه، تلك المسؤولية الشاقة المضنية، فقد قيل:

"إنَّ تحقيق العدل بين الناس منوطٌ بضمانات القاضي التي، وبالإضافة إلى العلم بالأسس والقواعد القانونية المكتوبة، هي تلك التي يستمدُّها من قرارة نفسه، وخير حصنٍ يلجأ اليه هو ضميره. فالنصوص لن تصنع منه قاضياً إن لم تتوفَّر لديه عِزَّة القاضي، وكرامة القاضي، وغضبة القاضي لسلطانه واستقلاله، هذه الحصانة الذاتية، هذه العصمة النفسية، هي أساس استقلال القاضي، لا تخلقها نصوص ولا تقررها قوانين. وعدم توفُّر تلك الضمانات لدى القاضي هو كارثة تصيب الناس والدولة في نفس الآن.

وأبلغ ما دوَّنه التاريخ حول تلك الضمانات هي العبارة الواردة في "نهج البلاغة"، في مضمون رسالة الإمام "علي بن أبي طالب" عليه السلام إلى "مالك الأشتر" حين ولاَّه على مصر، والتي تقول:

"أشْعِرْ قلبَكَ الرحمة للرَّعِيَّة، والمحبّةَ لهم، واللُّطف بهم، ولا تكونَنَّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنمُ أكلهم.. فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق...".

هذه العبارة التي، وعلى سبيل التذكير، كان قال الأمين العام السابق للأُمم المتحدة "كوفي عنان" بأنَّها يجب أن تُعَلَّق على جميع المؤسسات الحقوقية في العالم، واعتُمِدَت في الأمم المتحدة كونها تُعْتَبَرُ من أوائل الرسائل الحقوقية التي تُحَدِّد الحقوق والواجبات بين الدولة والشعب.

بعد ذلك قدَّم حضرة المستشار في محكمة التمييز الرئيس جون قزي مداخلته التي استهلَّها بالتعبير عن إعجابه الشديد بالإمام علي عليه السلام مستشهداً بعدد من أقواله الواردة في "نهج البلاغة"، ثمَّ تحدَّث بإسهاب عن دور القاضي في تحقيق العدالة وقال: لما كان الله عزَّ وجلَّ هو الذي يحدِّد ويفصل في أمور الخلق، ولمَّا كانت مهمة القاضي هي الفصل في أمور الناس، ما يعني إنَّ القاضي قد أُعْطِيَ سلطة إلهية مقدسة، لذلك فإنَّه يتوجب على القاضي أن يجتهِدَ في النَّص ويحكم ضميره كي يحقق العدل بين الناس، بعد ذلك تناول في حديثه عدداً من القضايا التي أصدر فيها أحكاماً، والتي كان يمكِن لها أن تنتهي بقرارات غير عادلة لو كان اعتمد فيها على تطبيق النَّصِّ القانوني الحرفي وحسب بعيداً عن الإجتهاد وإحكام الضمير.

أما حضرة رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن حسين عبدالله فقد تحدَّث في مداخلته عن قانون القضاء العسكري وعن أهم القوانين التي يستند إليها قضاة المحكمة العسكرية، والتي، بالإضافة إلى قانون القضاء العسكري، هي: قانون أصول المحاكمات الجزائية، قانون العقوبات العام، قانون الإرهاب، قانون المخدرات، وقانون الأسلحة والذخائر. ثمَّ قدَّم شرحاً وافياً، عبر الشاشة، عن الوظائف والمهام التي يقوم بها قضاة المحاكم العسكرية، وعن كيفية العمل ضمن نطاق هذه المحاكم، منوِّهاً بالتعاون القائم ما بين قضاة المحكمة العسكرية وغيرهم من قضاة المحاكم المدنية.
























تعليقات: