حصة وازنة لمنطقة إقليم الخروب في مباراة الدرك: سجالات المناطق تتجدد

هل فعلاً نجح هؤلاء أم هناك واسطة (مصطفى جمال الدين)
هل فعلاً نجح هؤلاء أم هناك واسطة (مصطفى جمال الدين)


أتى إعلان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن أسماء الأشخاص المقبولين في مباراة التطوع بصفة دركي لتصب الزيت على النار. فقد تبين أن غالبية المقبولين، من الحصة السنّية، هم من أبناء إقليم الخروب. وفي الوقت الذي عبّر فيه الأهالي عن فخرهم بانضمام أبنائهم إلى قوى الأمن الداخلي، غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالأسئلة والاتهامات. كيف يُعقل أن ينجح هذا العدد الكبير من الإقليم؟ وهل هي مصادفة أم ثمرة "واسطة سياسية"؟

في مباراة التطوع للدرك التي جرت أخيراً، بلغ عدد الناجحين نحو 1030 بين ذكورٍ وإناث، نصفهم من المسيحيين (515)، في حين توزّع الباقون بين المسلمين والدروز والعلويين. وبين حوالي 200 ناجح سني، حصلت منطقة إقليم الخروب على حصة الأسد، بما يزيد عن مئة متطوع.

هذا العدد بدا لافتاً لجميع اللبنانيين. وتضاعف الجدل لأن وزير الداخلية أحمد الحجار ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله، كلاهما من شحيم، من قلب الإقليم نفسه. وتلاقي الرأسين السياسي والأمني من المنطقة أثار انطباعاً بأن "البيئة أثّرت على القرار"، وأن أبناء الإقليم استفادوا من هذا التلاقي. لكن آخرين يرون أن هذه القراءة تختزل الصورة، لأن النجاح في هذه المؤسسات هو نتيجة تراكم كفاءات، لا توزيع هبات سياسية. فبالنسبة لأبناء المنطقة نجاح هذا العدد ليس مفاجئاً؛ بل انعكاسٌ لتاريخٍ طويل من العمل في مؤسسات الدولة. فالإقليم لطالما كان موضع تنافسٍ سياسيٍّ بين الزعامات، لا على أرضه؛ بل على رضى أهله.

ملاذ آمن؟

الإقليم، الممتد من الساحل إلى الجبل، من شحيم إلى كترمايا وداريا، ليس مجرد منطقة سنّية عادية. هنا، الدولة ملاذ آمن لأبناء المنطقة. منذ عقود، شكّلت الوظيفة العامة باباً للعيش الكريم ومتنفساً للفقراء، ومجالاً ليثبت أبناء الإقليم أنفسهم. في الإدارة والقضاء والجيش، يكثر أبناء الإقليم لأنهم رأوا في الانضباط الرسمي فرصة للترقّي الاجتماعي، وللهروب من الفقر والتهميش. ويقول الوزير السابق وابن المنطقة طارق الخطيب لـِ "المدن" إن الإقليم "موردٌ مهم للدولة، سواء في الإدارة أو القضاء أو الجيش"، والسبب ليس النفوذ؛ بل "الفقر والبحث عن أمان، والذكاء والعلم والكفاءة الشخصية". أبناء الإقليم يعبرون عن منطقتهم بعلمهم وباستعدادهم لخدمة الدولة والناس، لأنهم لا يملكون بديلاً عنها، وفق الخطيب.

في المقابل، يدرك الجميع أن لا نظام تعيين في لبنان يخلو من المداخلات. ويستدرك الخطيب بالقول: "من المؤكد أنَّه حصلت مداخلات، ولا شكّ أن هناك من نجح ولم يكن يستحقّ النجاح، وآخرين سقطوا ولم يكن ينبغي أن يسقطوا، لكن هذا يحدث في كل المناطق. فإذا وُجد موظّف قادر على التأثير في التعيينات، فمن الطبيعي أن يتعاطف مع أبناء منطقته. نحن لسنا في مدينة أفلاطون."

حتى في المؤسسات الرسمية التي يُفترض أنها الأكثر نزاهة، كمجلس الخدمة المدنية، يُلاحق أبناء الإقليم بالريبة نفسها. فرئيسة المجلس القاضية نسرين مشموشي، هي أيضاً من الإقليم، لكنّ الخطيب يوضح أن " نعم، هناك تدخّلات، لكن من ينجح عبر مجلس الخدمة المدنية أو في الدورات الأمنية، ينجح بجهده ومثابرته". ويزيد "نسرين مشموشي لا تتدخل لا مع ابن الإقليم ولا مع غيره. الذي ينجح، ينجح بكفاءته، لا الوزير ولا اللواء ولا حتى رئيسة المجلس لها فضل عليه".

بين الاتهام والتوازن

في كل مرة ينجح فيها أبناء الإقليم بأعدادٍ لافتة، تُفتح معركة التوازنات داخل الطائفة السنية نفسها. فالإقليم يُصوَّر أحياناً كمنطقةٍ "تُنازع" المناطق السنية الأخرى على حصصها، في حين أنَّ الحقيقة، كما يراها أبناؤه، أن بعض حقوقهم تُسلب عمداً لإحداث توازنٍ مصطنع. هنا المفارقة، حين ينجح الإقليم يُتَّهم بالغلبة، وحين يُهمَّش يُقال إنه نال "ما يكفيه".

باقي المناطق اللبنانية

صباح إعلان نتائج دورة الدرك لم يكن عادياً في البقاع الأوسط. في بلدة طاريا، عمّت الزغاريد والسجالات معاً. عشرة من أبناء عائلة"حمية" نجحوا دفعةً واحدة. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، بين من اعتبره فخراً للعائلة والمنطقة، ومن رآه دليلاً إضافياً على "الواسطة" التي تتحكم بمفاصل الدولة. فيما تساءل آخرون عن معايير الاختيار وآلية التصحيح، وعن سرّ تفوّقٍ بهذا الحجم لعائلة واحدة.

في العاصمة، كان المشهد مختلفاً. عدد المتقدّمين قليل، وعدد الناجحين ستة فقط. مصادر أمنية أوضحت أن الإقبال من أبناء بيروت على الوظائف العسكرية تراجع منذ الأزمة الاقتصادية، إذ باتت هذه الوظائف "خارج اهتمامات الجيل البيروتي الجديد".

أما في الشمال، فقد تحوّلت النتائج إلى قضية رأي عام. اللواء أشرف ريفي كتب "أتمنى من معالي وزير الداخلية مراجعة نتائج دورة التطوّع في قوى الأمن الداخلي، بعد ورود شكاوى عديدة من مواطنين ورتباء متقاعدين وعسكريين، عن ظلمٍ لحق بأبنائهم رغم كفاءتهم".

وطالب ريفي بـ"مزيد من التدقيق في العلامات لضمان العدالة والمساواة بعيداً عن المحسوبيات"، داعياً إلى "فتح باب الانتساب لعناصر جدد تحتاجهم المؤسسة الأمنية"، معلناً "ثقته بالوزير الحجار واللواء رائد عبدالله، وحرصهما على إنصاف المظلومين وصَون كرامة المؤسسة".

تعليقات: