النص الكامل لكلمة السيد حسن نصرالله: في يوم القدس العالمي


نحن في الموقع الصحيح من المحور المنتصر ونحن اقرب ما نكون من القدس..

اعتبر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن المفاوضات المباشرة التي انطلقت في العاصمة الاميركية واشنطن بين الفلسطينيين وكيان العدو وُلدت ميتة وليس لها نتيجة سوى اعطاء المزيد من العمر للاحتلال.

السيد نصرالله وفي كلمة له في مراسم احياء يوم القدس العالمي في الاحتفال الذي اقامه حزب الله في مجمع سيد الشهداء بضاحية بيروت الجنوبية رأى في يوم القدس مناسبة عالمية لتسليط الضوء على ما تتعرض له المدينة ومسجدها الأقصى من مخاطر التهويد، داعياً الى الأخذ بكل أشكال التضامن مع المقاومة التي يتوقف عليها الرهان لتحرير القدس. واعتبر السيد نصر الله أن الانسحاب الاميركي من العراق هو عنوان فشل وهزيمة واتهم الاسرائيليين والاستخبارات الاميركية بالوقوف وراء التفجيرات التي تستهدف المدنيين هناك.

وشدد الامين العام لحزب الله اننا وفي يوم القدس نشعر بأننا في المقاومة، في لبنان في الموقع الصحيح من المحور المنتصر، واننا اليوم عام 2010 أقرب ما نكون من القدس بعد 62 عاماً. واكد سماحته على ان المسألة بيننا وبين المشروع الصهيوني كحركات مقاومة في المنطقة هي مسألة وقت ليس أكثر، وان هذا الكيان قَدَره بحسب السنن الإلهية والتاريخية وطبائع الأمور ومعادلات الصراع هو الزوال.

كما واعتبر سماحته ان ما حصل في منطقة برج أبي حيدر في العاصمة اللبنانية بيروت من حادث هو خسارة صافية بكل المقاييس، واستنكر قيام البعض وقوى سياسية في لبنان بمحاولة اشعال نار الفتنة بدل اطفائها.

وفي موضوع المحكمة الدولية، جدد الأمين العام لحزب الله قوله نحن غير معنيين بالتحقيق الدولي ولا بالمحكمة الدولية وبالتالي نحن غير معنيين بالردّ على طللبات المحكمة.

السيد نصر الله تمنى أن يكون موضوع تسليح الجيش وطني جدي أخلاقي وصادق بعيد عن المناكفات السياسية، مجدداً مطالبة مجلس الوزراء بتشكيل وفود وزارية لطلب المساعدة العربية، منتقداً منتقدي هذه الدعوة وواضعي الشروط على المساعدة الايرانية.

وفي قضية الامام المغيب السيد موسى الصدر ورفيقيه، دعا السيد نصر الله القضاء الللبناني الى تحمل مسؤولياته عن اختطاف مواطنين لبنانيين واحجازهم في بلد عربي، كاشفاً عن عروض مالية لمعالجة هذه القضية .

وهنا نص كلمة سماحته كاملة:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين.

السادة العلماء، السادة النواب، السادة الوزراء، الإخوة جميعاً والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنني في البداية أرحب بكم جميعاً في هذا الحفل الذي نحيي من خلاله مناسبة جليلة وعظيمة ومقدسة في واقع وحياة وماضي ومستقبل هذه الأمة.

آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك الذي هو بلا شك أفضل يوم في أفضل شهر، وبكل ما يعنيه ويحمله من مضامين سماوية وأرضية ومعنوية وإيمانية ودينية وجهادية وإنسانية وأخلاقية أعلنه الإمام الخميني قدس سره الشريف قبل أكثر من 30 عاماً يوماً عالمياً للقدس.

في الكثير من المناسبات السابقة تحدثنا عن هذا الربط، عن هذا الانتخاب والاختيار للزمان ومعانيه وأبعاده فلا نُعيد. ولكن أهمية هذا اليوم تتضح سنة بعد سنة، ومع تطور الأحداث والمؤامرات والاخطار والتهديدات التي تواجهها القدس وتواجهها فلسطين تتأكد أهمية الإعلان عن هذا اليوم قبل 30 عاماً وأهمية التأكيد على هذا اليوم حتى بعد رحيل الإمام الخميني (قدس سره الشريف) عندما جدد وأكد سماحة الإمام السيد الخامنئي (دام ظله) الاستمرار في نفس النهج في نفس الطريق وفي نفس الالتزام تجاه القدس وفلسطين وقضية الصراع مع العدو الإسرائيلي ومواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في منطقتنا.

دائما هناك نوع من القضايا مهما كانت كبيرة وعظيمة وجليلة يُخشى عليها من الوقت، من مضي الزمان، كما في القضاء هناك هذا النوع من القوانين ـ طبعاً ليس بالقضاء الشرعي ـ في القضاء المدني مضي زمن ما يجعل قضية منتهية، نحن أمام قضية يخشى من الزمان عليها، من الزمان من التواطؤ، من التخاذل، من التخلي، من التآمر الدولي، من الإحباط، من اليأس، من الوهن، من الضعف، وبالتالي نكون أمام قضية بحجم قضية فلسطين والقدس تتهاوى وتندثر وتزول مع الزمان.

هذه القضية لا يمكن لأمتنا أن تتجاهلها أو تنساها لأنها جزء من ديننا، من التزامنا الديني، جزء من ثقافتنا، جزء من حضارتنا، جزء من أخلاقنا وقيمنا، جزء من ماضينا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ولذلك يجب إعادة التذكير بها دائماً وفي كل مناسبة واستحداث المناسبات لتكون حاضرة في وعي الأمة، في وجدان الأمة، في مسؤولية الأمة، في برامج الأمة، في تحرك الأمة حكومات وشعوب، وهذا الهدف المركزي الذي قصده الإمام الخميني قدس سره الشريف.

يوم القدس هو يوم التأكيد على الثوابت وليس إعلان الثوابت. الثوابت معلنة وقدّم من أجلها الكثير من الشهداء والدماء والتضحيات والآلام والأسرى والجرحى والبيوت المهدمة والملايين المهجرة، اليوم يوم القدس هو يوم تأكيد الثوابت، يوم تكرار الحق. كما إننا في شهر رمضان نعيد تلاوة كتاب الله، نعيد نفس الأدعية، نفس الأذكار التي تعلمناها منذ 1400 سنة، يوم القدس هو يوم تكرار الثوابت على مسامع العالم لنقول لهم إن التحديات والأخطار والصعوبات والآلام لم تغيّر حرفاً واحداً في هذه الثوابت، وإن تغيّر البعض أو سقط في منتصف الطريق.

الثوابت التي تقول إن فلسطين من البحر إلى النهر هي ملك الشعب الفلسطيني، حق الشعب الفلسطيني، وحق الأمتين العربية والإسلامية، ولا يحق لأحد أن يتنازل عن شبر واحد من أرضها ولا حبّة تراب من ترابها المقدس، ولا عن قطرة ماء من مياهها ولا حتى عن حرف من اسمها.

يوم القدس هو يوم إعلان هذا الثابت العقائدي الإنساني القانوني التاريخي الحقيقي، الذي ما عداه (هو) كذب وتضليل وتزوير وتحريف للتاريخ وللحقائق، إعلان أن القدس لا يمكن أن تكون، ولا شارع من شوارعها ولا حي من أحيائها ـ وليس كل القدس ـ أن تكون عاصمة أبدية لدولة تسمى إسرائيل. القدس هي عاصمة فلسطين وكما قلنا سابقا هي عاصمة الأرض وعاصمة السماء بمعنى من المعاني.

من الثوابت أن إسرائيل هذه دولة غير شرعية، غير قانونية، غير إنسانية، غير أخلاقية، دولة كيان قام على الاغتصاب والقتل والمجازر وبالتالي لا يمكن أن تكتسب شرعية لو اعترف بها من اعترف وأقر بها من أقر.

هذا منطق يوم القدس، منطق الحق، منطق أن تقول الحق بدون مجاملات، بدون ملاحظات، بدون خضوع للظروف الإقليمية والدولية، بدون خضوع أو تأثر بإرهاب المتخاذلين، الإرهاب الفكري للمتخاذلين والمتساقطين.

ويوم القدس أيضا كما هو يوم لتأكيد الثوابت هو مناسبة عالمية لتسليط الضوء على ما تتعرض له القدس وفلسطين وشعب فلسطين، ما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر نسمع بها في كل يوم، ما تتعرض له القدس كمدينة مقدسة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية من تهويد، ما يتعرض له سكان القدس من تشريد وطرد وهدم منازل ومصادرة أراضي، ما تتعرض له الضفة الغربية من زحف استيطاني لن توقفه حتى المفاوضات التافهة التي بدأت بالأمس، ما تتعرض له أراضي ال48 من محاولة أمريكية إسرائيلية غربية لفرضها دولة يهودية صافية، ما تتعرض له غزة وأهلها وشعبها من حصار وتجويع وظلم، وما يتعرض له ملايين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم وأرضهم وحقولهم في الشتات. (هو) مناسبة لوضع هذه العناوين أمام الرأي العام العالمي والإسلامي والعربي ليتحمل الجميع مسؤولياتهم.

يأتي يوم القدس هذا العام وبين أيدينا حدثان مهمان:

الحدث الأول: الإعلان عن ما يسمى بالمفاوضات المباشرة في واشنطن

والحدث الثاني: الانسحاب الأمريكي من العراق

البعض اعتبر أن الاحتلال انتهى من العراق وطبعا هذا غير صحيح، والبعض سمّاه انسحاب جزئي، وأنا اعتبر أن في هذا قليل من التنقيص من حق المقاومة العراقية التي حققت هذا الانجاز، وأفضل أن نسميه (انسحاب نصفي أو ثلاث رباعي) ونبحث عن مصطلح يعبر أكثر عن الحقيقة.

في النقطة الأولى: هذه المفاوضات ولدت ميتة. استهدافاتها السياسية والإعلامية واضحة. التوظيف السياسي الأمريكي والحاجة السياسية الانتخابية الأمريكية لها واضحة. الحاجة الإسرائيلية لها واضحة. للأسف إن الحاجة العربية، بعض الحاجة العربية الرسمية، لها واضحة. وآخر من تعنيه هذه المفاوضات وترجع له هذه المفاوضات هي فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.

أقول إن هذه المفاوضات ولدت ميتة. الأغلبية الساحقة من الفصائل الفلسطينية أعلنت رفضها وتنديدها واستنكارها، حتى الفصائل التي ليس لها نقاش في المبدأ. تعرفون حتى نحن كقوى سياسية في العالم العربي هناك في هذه النقطة رأيان:

هناك أناس لديهم موقف من المبدأ، مبدأ التفاوض مع العدو الإسرائيلي، ونحن منهم.

وهناك ناس ليس لديهم موقف من المبدأ، وإنما يناقشون بالمرجعيات والأسقف والتوقيت والتمثيل وما شاكل. حتى الفصائل التي ليس لها نقاش بالمبدأ أعلنت رفضها لهذه المفاوضات، وكل استطلاعات الرأي التي تداولتها وسائل الإعلام بالنسبة للشعب الفلسطيني "أظهرت" أن أغلبية الشعب الفلسطيني أعلنت معارضتها ورفضها لهذه المفاوضات.

إذاً هذه المفاوضات ليس لها أي قيمة حتى من الزاوية الفلسطينية الداخلية، وبمعزل عن النقاش في المبدأ أثبتت التجربة أيضاً، وتجربة أولئك الذين جلسوا بالأمس على طاولة المفاوضات ـ ولدينا تصريحات عبر التلفزيونات من بعض هذه القيادات ـ يتحدثون عن الخيبة الكبيرة من سبعة عشر عاماً من التفاوض. ما هو الجديد الذي سوف يأتي به هذا التفاوض؟

للأسف الشديد، المفاوضات مع هذا العدو الإسرائيلي بالتحديد المستعلي والمستكبر والطاغي والمستبد والذي يمتلك هذا المستوى من التأييد الأمريكي والغربي، ومن موقع الضعف، ليس له نتيجة سوى إعطاء المزيد من الحياة والعمر والشرعية التي ليست شرعية لهذا الكيان ولهذا الاحتلال.

في الحدث الثاني: الانسحاب الأمريكي من العراق هو بالتأكيد عنوان فشل، عنوان هزيمة. في الإدارة الأمريكية لم يجرؤ أحد أن يلقي خطاب نصر بل ما ألقي هو أقرب لأن يكون خطاب هزيمة وطرح تبريرات للانسحاب. حتى عندما تحدث بعضهم عن إنجاز، تحدث عن إنجاز متواضع وهزيل. كلنا يعرف أن الأمريكيين جاءوا إلى العراق للبقاء وللسيطرة وليس للخروج بعد سنوات، ولكنهم فُوجئوا. كانوا يتصورون (غير هذا) ـ وهم تحدثوا عن أخطاء هائلة واستراتيجية في قراءة الساحة العراقية ـ هم فوجئوا بعامل المقاومة الذي بدأ باكراً, وأنا عندما أتحدث عن المقاومة ويستمع إلي أخواني العراقيون يجب أن أميز وأجزم بشكل قاطع وحاسم: المقاومة تعني تلك العمليات الجهادية البطولية التي كانت تستهدف قوات الاحتلال، أما العمليات التي كانت تستهدف الشعب العراقي من كل الطوائف، من كل القوميات، المساجد والكنائس والحسينيات والمدارس ووزارات الدولة والأسواق، هذه عمليات إرهابية إجرامية، عمليات قتل منظم جماعي، جرائم حرب لا يمكن الخلط بينها وبين المقاومة ولا تحميل نهج المقاومة مسؤوليتها.

عامل المقاومة فاجأ الاحتلال الأمريكي، حجم الخسائر الأمريكية أكبر من أن يتحمله الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية، حجم الإنفاق لمواجهة هذه المقاومة وتثبيت الحضور العسكري أكبر من أن تتحمله الخزينة الأمريكية، فكان الخيار الوحيد المتاح أمام الأمريكيين هو الانسحاب التدريجي، وبهذا الشكل هناك عامل ثانٍ ومهم جداً ولا يقل أهمية عن عامل المقاومة، هو عامل صمود الشعب العراقي، صبر وتحمل الشعب العراقي.

منذ عدة سنوات هناك عوامل كثيرة وأجهزة مخابرات خطيرة جداً عملت من أجل أن تدفع الشعب العراقي إلى الحرب الأهلية، إلى الفتنة الطائفية، إلى صراع مذهبي وصراع طائفي وصراع عرقي, قتال بين الشيعة والسنة – قتال بين العرب والأكراد – قتال بين الأكراد والتركمان وهكذا. وهنا يجب أن نقف حقيقة بإجلال وإكبار أمام صبر الشعب العراقي .

من يستطيع أن يتحمل هذا المستوى من التفجيرات المرعبة يومياً أو (بشكل) شبه يومي وعلى مدى سنوات دون أن ينجرّ إلى الاقتتال، تفجيرات تصحبها شائعات وتصحبها خطب نارية وتصحبها اتهامات جاهزة وتصحبها وسائل إعلام لا تضع الملح على الجرح وإنما تضع السكاكين في الجراح، ومع ذلك استطاع هذا الشعب العراقي المظلوم بوعي وبتوجيه من مرجعياته الدينية ومن قياداته الدينية والثقافية والاجتماعية وبوعيه وإرادته وعزمه أن يفوّت هذه المؤامرة.

الإسرائيليون وأجهزة المخابرات الأميركية كلها على صلة بالتفجيرات التي كانت وما زالت تجري في العراق، حتى على صلة بمجموعات الانتحاريين، إذا كان هذا هو مستوى الاختراق الإسرائيلي في لبنان، فما بالكم بمستوى الاختراق المخابراتي الاسرائيلي في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، والعراق اليوم ساحة مفتوحة للموساد الإسرائيلي، لمحطات الموساد الإسرائيلي، للتجنيد الإسرائيلي، وكلنا يعرف أن إسرائيل لديها خط أحمر أن يكون هناك عراق موحد، عراق متماسك، عراق قوي/ عراق يقف في صف هذه الأمة وأن يكون جزءاً من هذه الأمة وقضايا هذه الأمة. هذا ما ينتظره الجميع من العراق، وهذا خط أحمر إسرائيلي، ولذلك هي عليها أن تعمل للتقتيل وللتفتيت.

الشعب العراقي صمد حتى الآن وبالرغم من المجازر المهولة استطاع أن يتجاوز هذه المرحلة. عندما يسقط مشروع الفتنة ويصبح الاحتلال مكلفاً فلن يكون هناك خيار أمام المحتلين سوى الانسحاب، هذه سنة الله الكونية والتاريخية وهذه هي الخيارات الواقعية والحقيقية من لبنان إلى فلسطين إلى العراق إلى فيتنام إلى كل بلد في العالم.

الموضوع لا يرتبط بدين أو وحضارة معينة وثقافة معينة، هذه سنة إلهية في أي بلد يتم احتلاله حتى من قوات كبيرة وضخمة وعالمية, إذا كان لدى هذا الشعب إرادة صمود، إرادة تحدٍّ، إرادة مقاومة، عطاء، تضحية، صبر، مواجهة، ومقاومة التي تجمع كل هذه العناوين. لا بد لهذا الشعب أن ينتصر ولو كانت تضحياته كبيرة، وما يجري في العراق هو أيضاً مكسب كبير وجدير لخيار المقاومة وليس لأي خيار آخر، طبعاً فقط للاستعراض وللتأكيد على أن الكثير من هذه الجماعات التي تمارس العمليات الإرهابية الانتحارية هي مرتبطة بأجهزة المخابرات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة ولا إلى المشروع الإسلامي بصِلة. (انظروا إلى) ما جرى اليوم أيضاً في مدينة "كويتا" في باكستان، أناس يتظاهرون، وباكستان التي فيها 20 مليون منكوب والتي فيها 4 ملايين فقدوا منازلهم وأرزاقهم، باكستان المنكوبة يتظاهر في بعض مدنها أناس ليدافعوا عن فلسطين والقدس وغزة، ثم يأتي انتحاري ليفجر نفسه في هؤلاء المتظاهرين، وقبل دخولي إلى الأستديو كانت الأخبار الأخيرة تعلن عن 42 شهيدا وأكثر من 100 جريح. هؤلاء شهداء القدس وشهداء فلسطين، شهداء تنظيم الأولويات الصحيحة، هؤلاء شهداء القضية الكبرى. أما أولئك فهم عمي بكم صم، أعمى الشيطان قلوبهم وسيطر عليهم، وتقودهم أجهزة المخابرات إلى قتل هنا وقتل هناك.

أيها الأخوة والأخوات: نعم عندما ننظر الآن إلى المشهد في بعض التفاصيل، ليس هنا شك أننا ما زلنا في قلب الصراع وأن هناك صعوبات في فلسطين، هناك صعوبات حتى أمام انطلاق المقاومة التي عاودت نشاطها مباركة وفي الشهر المبارك وفي الضفة الغربية، هناك صعوبات في فلسطين، هناك صعوبات في لبنان وفي العراق وفي المنطقة أيضاً، ولكن لو نظرنا من زاوية أخرى، أي بنظرة أكثر شمولية وسعة، أريد أن أقول أيضاً بالاختصار الممكن أن محور الممانعة والمقاومة، والذي إذا ما قيس بالمحور الآخر ـ يعني ما يسمى بالمحور الغربي الإسرائيلي والذي يتضامن معه بعض الاعتدال العربي ـ لا يقاس لا بالحجم ولا بالإمكانات ولا بالعدد، في السنوات القليلة الماضية، في هذا العقد الأخير استطاع أن يحقق إنجازاً تاريخياً كبيراً على مستوى المنطقة وله انعكاسه على مستوى العالم.

باختصار شديد، بعد 11 أيلول جاء المحافظون الجدد إلى الإدارة الأميركية ومعهم مشروع لكل هذه المنطقة، أميركا التي تربعت على عرش العالم وأصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم بعدما انهار الاتحاد السوفياتي، جمعت أساطيلها من كل أنحاء العالم وفككت الكثير من القواعد العسكرية لها في كل أنحاء العالم وجاءت بها إلى منطقة الشرق الأوسط إلى منطقتنا العربية والإسلامية حيث النفط، حيث الغاز وحيث الثروات الطبيعية الهائلة.

جاءت أمريكا بمشروع سمي لاحقا بمشروع الشرق الأوسط الجديد، وكانت يفترض هذا المشروع تثبيت الكيان الإسرائيلي، تثبيته نهائيا وترسيخه بشكل أبدي بالمعنى السياسي، ومن خلال تسوية تفرض على الفلسطينيين وبتوقيع عربي شامل. هذا المشروع جيء به إلى المنطقة، جاءوا بمشروع يهدف إلى تصفية المقاومة الفلسطينية كلياً، ليس فقط المقاومة التي تحمل السلاح، حتى المقاومة الشعبية وحتى المقاومة السياسية، وحتى المقاومة الثقافية، كان المطلوب عقد تسوية إسرائيلية فلسطينية، من يعترض عليها لا يقطع لسانه وإنما يقطع رأسه.

كان المطلوب تصفية المقاومة في لبنان ليدخل لبنان نهائياً أيضاً في المشروع الأميركي الإسرائيلي، كان المطلوب إسقاط النظام المقاوم والممانع في سوريا، كان المطلوب السيطرة والهيمنة المطلقة على العراق وأن لا تكون إرادة حقيقية للشعب العراقي، وكان المطلوب الوصول إلى مرحلة محاصرة إيران وعزل إيران وافتتان إيران وتخريب إيران، وفي نهاية المطاف ضرب إيران وإسقاط النظام الاسلامي في ايران، لتستتب هذه المنطقة كلها للمشروع الاميركي الاسرائيلي.

وأتمنى أن تؤخذ هذه الملاحظة بعين الاعتبار، أنا ادعي ان هذا المشروع كان يمتلك خلال 10 سنوات الماضية إمكانات هائلة لم يملكها أي مشروع استكباري طوال التاريخ،

أدعي ذلك، جيوش الآلة العسكرية الهائلة، ما يسمى بالمجتمع الدولي ولا وجود له (ما فيه شيء اسمه المجتمع الدولي، فيه اميركا وهي تسوق العالم وراءها) ، المال والاقتصاد، أخطر وأكبر قدرة إعلامية شهدها التاريخ من خلال ثورة الاتصالات والفضائيات والانترنت وووو... هذا المشروع سخّر له أكبر الجيوش وأقوى الاقتصاديات وأقوى الحروب النفسية وأجهزة المخابرات ولكنه خلال سنوات قليلة تمت مواجهته بمحور المقاومة والممانعة وانتم تعرفون هذا المحور من هو؟ المقاومة في فلسطين والمقاومة المعارضة في لبنان، سوريا ايران والمقاومة في العراق وبقية التيارات والقوى السياسية المؤيدة والداعمة في العالم العربي، صحيح هم قلائل بالعدد ولكن الحق معهم والله معهم والصدق معهم لذلك المشروع الآخر الآن إذا أردنا تقييمه أين هو؟

هذا مشروع فشل، هذا مشروع هزم ، عندما أتحدث عن الفشل والهزيمة هذا لا يعني أن الصراع انتهى، نحن انتقلنا إلى نوع آخر من الصراع، إلى ساحات، إلى نظرة مختلفة من الصراع، ولكن هذا مشروع هزم وتراجع وفشل وهو إلى مزيد من الفشل وإلى مزيد من الهزيمة, انظروا إلى تداعيات العسكرية والأمنية، تداعياته السياسية وتداعياته الاقتصادية والمالية على أميركا وعلى أوروبا التي يجمع كل الخبراء الاقتصاديين والاستراتيجيين أن كل محاولات معالجة الأزمات فيها إلى فشل . وإننا في السنوات القليلة المقبلة سنشهد تطورات هائلة على هذا الصعيد.

أميركا ليست قادرة، وهي لا تشن حروباً جديدة لأنها عاجزة عن شن حروب جديدة, ليس لأن عندها تعديل بنظام القيم وليس لأن عندها إعادة نظر بموقفها من حقوق الإنسان وحقوق الشعوب وليس لأن عندها مراجعة أخلاقية، أبداً، بل لأن لديها أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وعجز نتيجة فشل الهجمة الاستكبارية الضخمة التي شنت على هذه المنطقة.

لماذا نجح هذا المحور وسقط ذاك المشروع؟ صمود الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة، صمود المقاومة في لبنان وخصوصا في حرب تموز وصمود الإرادة السياسية الوطنية في لبنان وعدم خضوعها للإملاءات الأميركية الغربية على مدى خمس سنوات، صمود سوريا، صمود إيران، صمود الشعب العراقي ومقاومة الشعب العراقي، كل هذه القوى التي صمدت واستطاعت أن تحقق هذا الانجاز.

اليوم نحن مدعوون لمواصلة هذا الصمود، هذه الممانعة، هذه المقاومة. نحن اليوم رغم الصعوبات، وقلت قبل قليل هناك صعوبات في أكثر من ساحة لكن هذه الصعوبات تبقى تفصيل أمام المشهد العام ، نحن نشعر أننا نقترب من النصر أكثر من أي وقت مضى، لو درسنا إسرائيل هذه، إسرائيل عام 2010 هل هي نفسها إسرائيل عشية 12 تموز 2006 ؟ هل هي نفسها إسرائيل عشية الاعتداء على غزة ؟ هل هي نفسها إسرائيل عشية 25 أيار ؟ هل هي نفسها اسرائيل عشية 1982؟ أكيد إسرائيل 2010 مختلفة، إسرائيل الكبرى ذهبت، إسرائيل العظمى ذهبت أيضاً. إسرائيل التي نواجهها الآن تواجه وتعيش الكثير من المآزق والتحديات، ولا أريد أن أدخل الآن في تفاصيلها.

نعم نحن مدعوون الى هذا الصمود، إلى استمرار مقاومتنا وممانعتنا وتوحدنا وتماسكنا، ونحن معنيون كلنا جميعا أكثر من أي وقت مضى أن نساند وأن نقدم الدعم للشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية. عندما نفذ الأخوة في حماس العمليتين الجريئتين في الضفة الغربية وهم بحاجة إلى كل صوت في العالم العربي والإسلامي يبارك لهم بهذه العملية التي يدينها باراك أوباما ويدينها الأميركي ويدينها البريطاني.

كل أشكال التضامن المعنوي والمادي مع المقاومة يجب أن يستمر لأن الرهان الأساسي لتحرير فلسطين والقدس هو هذه المقاومة. من هذا السياق أود أن أدخل إلى الجزء الثاني من كلمتي في العناوين اللبنانية وأعتقد أن لها صلة عميقة بهذا السياق.

نحن في لبنان دائما نؤكد على المعادلة التي يسميها البعض بالذهبية والبعض الآخر بالمعادلة الماسية وهي معادلة: الجيش والشعب والمقاومة. أنا سآخذ من كل جزء من المعادلة عنواناَ لأعلّق عليه بالاختصار الممكن.

وسأبدأ من عنوان المقاومة أولاً. (هناك) نقطتان: النقطة الأولى، قبل أيام كان 31 آب, ذكرى اختطاف واحتجاز سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر أعاده الله بخير، ومعه اختطف واحتجز رفيقاه سماحة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ السيد عباس بدر الدين، الإمام الصدر هو إمام المقاومة, هذه نقطة من النقاط الكثيرة المتفق عليها بين حزب الله وحركة أمل, نحن جميعاً ننظر إلى الإمام موسى الصدر على أنه إمام المقاومة ومؤسس المقاومة وأنه هو الأب والقائد لنا جميعاً، وهو الذي أخذنا إلى هذا الطريق وأشار لنا بيده وبعينيه الجميلتين إلى القدس، وعلّمنا كيف نعشق القدس وكيف نحب القدس وكيف نقاتل ونُقتل ونستشهد على طريق القدس. كلنا يعرف أن الإمام موسى الصدر ورفيقيه كانا في ضيافة النظام الليبي وأنهم احتجزوا في ليبيا، في هذه القضية تحدث دولة الرئيس الأخ الأستاذ نبيه بري قبل أيام بالتفصيل, أنا اليوم لا أريد أن أعيد وإنما أؤكد على كل كلمة قالها دولة الرئيس في هذه المسألة سواء على المستوى القضائي أو على المستوى السياسي.

على المستوى القضائي فالقضاء يجب أن يتحمل مسؤوليته عن مواطنين لبنانيين بل عن قادة لبنانيين اختطفوا واحتجزوا في بلد عربي ونحن لم نذهب سابقاً ولم نذهب حتى في السنوات القليلة الماضية, أي كل من يعتبرون أنفسهم معنيين بقضية الإمام الصدر وبالدرجة الأولى عائلة الإمام الصدر وكل الأخوة، لم نذهب إلى خيار المحكمة الدولية والتحقيق الدولي, لأننا نعرف أن محكمة دولية في هذا المجتمع وفي هذا العالم تخضعها بضعة مليارات دولارات, فقد عرض على عائلة الإمام وعلى الرئيس بري أن يتم معالجة هذا الموضوع بأثمان كبيرة جداً بالمعنى المالي, مليارات الدولارات, لكن نحن لا نبيع ليس فقط قادتنا بل حتى أطفالنا الصغار لا نبيعهم بمليارات الدولارات، لم نذهب الى محكمة دولية أو تحقيق دولي بقضية الإمام موسى الصدر فنحن نعرف كيف تتم إدارة هذا النوع من المحاكم وهذا النوع من التحقيقات, فلجأت عائلة الإمام إلى القضاء اللبناني الوطني، الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته بالتفصيل الذي ذكره دولة الرئيس قبل أيام قليلة.

أيضاً على المستوى السياسي، نحن نؤيد بشدة الدعوة إلى مقاطعة أي قمة عربية في ليبيا، في القمة الماضية صار جدل في مجلس الوزراء أدى إلى مشاركة سفير أو قائم بالإعمال، فما هي الجدوى؟ ماذا قدمت أو أخرت هذه المشاركة لقضية الإمام الصدر, وماذا حرّكت في قضية الإمام الصدر, لذلك في مسألة إمام المقاومة أنا أقول نحن (لدينا) موقف واحد على المستوى القضائي، وعلى المستوى السياسي. ولنا كلمة واحدة: الإمام ورفيقاه أحياء محتجزون في ليبيا ويجب إطلاق سراحهم وإعادتهم الى ساحات جهادهم وعائلاتهم وشعبهم وديارهم ونقطة على أول السطر. فالموضوع لا يبحث عن تسويات ولا عن صفقات ولا يمكن أن يُهمل أو ينسى أو أن يضيّع. وفي نفس الوقت نحن إنما نريد ان يعودوا إلى ساحتهم ولا نريد الدخول في صراع مع أحد, نحن نريدهم أن يعودوا ليس أكثر ولا أقل.

النقطة الثانية في المقاومة هي مسألة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية: لا أريد أن أفصّل، بل هما كلمتان: قلنا قبل أسابيع أننا نشعر أن المقاومة مستهدفة من هذا الباب، طرحنا مجموعة أفكار,عرضنا مجموعة قرائن، علّق المدعي العام على هذه القرائن (والجيّد أنه فتح لسانه وبدأ يتحدث بالإعلام)، وقال غإنها قرائن منقوصة وانه لا زال هناك شيء باق لم يسلمنا إياه حزب الله, وأنا أريد أن أقول ما يلي: نحن قلنا سابقا إننا نحن غير معنيين بالتحقيق الدولي ولا بالمحكمة الدولية، وبالتالي نحن غير معنيين بالإجابة على أسئلة أو طلبات مدعي عام المحكمة الدولية، نحن قدّمنا ما لدينا من قرائن ومعطيات للقضاء اللبناني بناء لطلب القضاء اللبناني، من جديد إذا كان لدى القضاء اللبناني أسئلة ومتابعات تعنيه هو كقضاء لبناني يريد أن يحقق حولها فنحن جاهزون. أما إذا كان القضاء اللبناني دوره فقط صندوقة بريد بيننا وبين المدعي العام للمحكمة الدولية فنحن لسنا جاهزين لأننا لسنا معنيين بالمدعي العام وبالمحكمة الدولية. إذا كان القضاء اللبناني مهتما ومعنيا بهذه القرائن وبهذه المعطيات وبالتحقيق مع العملاء وشهود الزور وهذه وظيفته ومسؤوليته فنحن جاهزون لكل تعاون, إذا كان المدعي العام يهتم بالقرائن التي قدمناها أو لا فهذا شأنه ولكن اهتمامه أو عدم اهتمامه سيكون مؤشراً هاماً جداً يؤخذ في أي تقييم لسلوك وأداء المدعي العام والمحكمة الدولية (إلى هذا الحد يكفي الكلام في هذه النقطة)

الجزء الثاني من المعادلة الذهبية – الماسية هو الجيش: نحن جميعاً دعونا وندعو ونساند ونؤيد الدعوة إلى تسليح الجيش الوطني اللبناني وتمكينه ليدافع عن السيادة اللبنانية والأرض اللبنانية والشعب اللبناني، ونأمل أن يأخذ هذا الملف طريقه الجاد لا أن يبقى فقط في إطار الخطابات والشعارات والحماسات, ونحن نعتقد أنه يسلك طريقه الجدي, نحن قدمنا اقتراحاً في الإعلام وعلى طاولة مجلس الوزراء، نعيد التذكير به, نطالب مجلس الوزراء بتشكيل وفود وزارية لطلب مساعدة عربية، البعض قال إنه لا يريد طلب مساعدة عربية بل نريد أن نسلّح الجيش من موازنتنا، فأين هي هذه الموازنة؟ المعروف إنكم تقولون أن لا أموال لديكم, وعندما فتشنا على الطريق السهل أصبحوا يقولون هكذا, أنا خائف من أن يقول أحدهم غداً إننا لا نريد مساعدات من أحد, نحن نريد أن نأتي بالمال من الشعب اللبناني لكي نسلح الجيش اللبناني, وعندها تخرج القوى السياسية لتقول إن الشعب اللبناني لم يعد يتحمل ضرائب جديدة ورسوماً جديدة, ويصبح الأمر أنه لأننا نرفض الضرائب والرسوم الجديدة لا نريد أن نسلح الجيش اللبناني.

أتمنى أن يكون موضوع تسليح الجيش اللبناني موضوعاً جدياً ووطنياً وأخلاقياً وصادقاً, بعيداً عن المناكفات والمزايدات والخصومات السياسية الداخلية التي نشعر أحيانا أنها قذرة.

ما المعيب في طلب المساعدة, لا عيب، بل بالعكس واجبهم أن يساعدونا, لبنان رفع رأس العرب والأمة العربية عالياً، بسبب لبنان يستطيع كل عربي أن يعتز أنه عربي في هذا العالم، فما المشكلة؟ من واجبهم أن يساعدونا! وبالتالي يجب أن نشكّل وفودا ونذهب لنطالبهم بهذه الأسلحة المكدّسة في المخازن التي تكاد تصدأ أو صدئت لكي يعطونا إياها, فماذا يعطينا الأمريكيون؟ غير سلاحهم الذي يأتون به من ثكناتهم في ألمانيا وغيرها أي أن عمرها عشرون أو ثلاثون عاما أو أربعون عاما؟

ونحن قلنا إننا نساعد بطلب مساعدة إيرانية, الأخوة في إيران سارعوا بالإعلان عن استعدادهم للمساعدة بناء على طلب للحكومة اللبنانية، طبعا طلب تفصيلي وليس طلباً عاماً, أي أن يأتي اللبنانيون ليطلبوا بشكل محدد هذا النوع من السلاح وهذا النوع من الإمكانات وهذا النوع من المنظومات الفلانية, وبالتالي الأخوة في إيران يقولون هذا ما نستطيع أن نقدمه, المضحك أن لبنان الذي كانت تفرض عليه شروط أمريكية وغربية في التسليح ـ على الرغم من انه نحن في لبنان نقول أن لا شروط للتسليح ـ عندما تحدثنا عن تسليح إيران للجيش اللبناني خرج الناس ليضعوا شروطاً على إيران, أي أننا نقبل مساعدات إيرانية ولكن من غير شروط, إذا كان الشرط أن تكون مساعدة غير مشروطة فنحن نقبل، ولكن هناك من بدأ بوضع الشروط على إيران، مثلاً سمعت عبقرياً يقول: نحن نقبل بالمساعدة الإيرانية بشرط أن توقف دعمها للمقاومة في لبنان, "ما شاء الله عليك كم انك عبقري".

هذه فرصة الآن متاحة أمام لبنان, الحكومة الإيرانية أعلنت استعدادها, الرئيس الإيراني الدكتور أحمدي نجاد سيأتي بعد أسابيع فليلة، فلنكن جاهزين لنقاش جدي في موضوع تسليح الجيش.

الجزء الثالث في المعادلة هو الشعب، عندما أتحدث عن الشعب في لبنان، في الحقيقة فلنقل الشعب اللبناني وأيضاً الأخوة اللاجئون الفلسطينيون هم أهلنا وأحبابنا وشعبنا وأيضاً هم موجودون على الأراضي اللبنانية، لذلك أفتح عنوانين سريعين أيضاً أعتقد أنه يجب أن أتحدث فيهما:

العنوان الأول: حادثة برج أبي حيدر، عن هذه الحادثة نحن أصدرنا بياناً مشتركاً نحن والأخوة في جمعية المشاريع، قلنا: هذا حادث مؤلم جداً، مؤسف جداً، محزن جداً، هذه مشاعري ومشاعر كل إخواني، هذا حادث مؤلم جداً. أنا قلت للأخوة نحن لم يسقط لنا شهيدان، نحن سقط لنا ثلاثة شهداء في هذه الحادثة. ما حصل في حادثة برج أبي حيدر لا يحتاج إلى أي مكابرة. بالتقييم هو خسارة صافية، خسارة صافية، ليس فيها في أي مكان ربح أو مكسب. هناك بعض الناس حاولوا أن يقوموا ببعض التحليلات ليجدوا مكاسب؟ لا، أبداً. أنا أقول لكم هي خسارة صافية إنسانياً معنوياًً سياسياً أمنياً بشرياً، بكل المقاييس. وأيضاً أؤكد لكم أن هذه حادثة فردية تطورت بشكل محزن ومؤسف وليس لها أي خلفيات. كل الذي سمعتموه لاحقاً من تحليلات سياسية، هذا الذي اعتبر أن حادثة برج أبي حيدر هي تعبير عن الصراع الإيراني السوري، هؤلاء أناس فاشلون، هؤلاء أناس محبطون، هؤلاء لأنهم أدوات صغيرة في المشروع الكبير، (لست أنا من أقول عنهم هذا الكلام وإنما هناك من قال عنهم ذلك، أحد الزعماء اللبنانيين قال عنهم: أدوات صغيرة في المشروع الكبير). المشروع الكبير سقط ولم يبقَ شيء يراهنون عليه، على ماذا يريدون أن يراهنوا؟ على الأميركيين الذين يخرجون وينسحبون، المهزومين الذين بدأوا بالإفلاس! على من يراهنون؟ على الإسرائيلي وعلى حرب إسرائيلية أصبحت تحسب لها ألف حساب ومئة ألف حساب إذا أرادت أن تعتدي على لبنان. على ماذا يراهنون؟ على العداء مع سوريا؟ لديهم موضوع المحكمة الدولية وأنا أعتقد نحن قادرون على مواجهة هذا التحدي إن شاء الله. فماذا بقي لديهم؟!

بقي أنهم ينتظرون أن هذه الجبهة التي انتصرت في أخطر معركة تاريخية خلال العقد الماضي ربما تتفكك، هذا ما بقي لديهم فقط، يقولون ربما يتفككون، ربما يختلفون مع بعضهم، في يوم يتحدثون عن صراع إيراني سوري، وأنا أحب أن أقول لكم العلاقات الإيرانية ـ السورية الآن أفضل من أي زمن مضى وأقوى من أي زمن مضى، لأن هذا التحالف أثبت جدواه خلال كل العقود الماضية وخصوصاً في العقد الأخير، ولولا هذا التحالف لما هزم ذاك المشروع، لتكرّست إسرائيل نهائياً، لضاعت القدس وفلسطين نهائياً. القيادتان الإيرانية والسورية اليوم أشد قناعة وأقوى إيماناً بحقانية وضرورة وصوابية هذا التحالف.

العلاقة بين المقاومة وبين سوريا، هناك أطفال صغار يريدون أن يلعبوا بين هذه العلاقة، أنا أود أن أقول لكم: لم يأتِ يوم منذ تأسيس حزب الله في لبنان كانت العلاقة مع القيادة السورية ومع الأخوة في سوريا بهذه المتانة وبهذه الصلابة وبهذه القوة. (يريّحوا عديلتهم شوي ويخيطوا بغير هذه المسلة)، يريدون أن يفرحوا لأنفسهم مثل أولئك الذين يجلسون تحت المكيفات ويعيشون أوهاماً وأحلاماً بائسة، لا بأس بذلك.

لكن ما أود التعليق عليه في الحادثة هو الجانب الأخر: أولاً هذه الحادثة تم تضخيمها بشكل كبير في وسائل الإعلام، فحتى نحن في الساعات الأولى وفي اليوم التالي كنا لا زلنا مأخوذين بالحادثة، لكن عندما جلسنا ونزلنا على الأرض وألّفنا لجاناً وجاء الجيش اللبناني وبدأ بالتحقيق وباستدعاء الناس اكتشفنا حجم الذي حصل؟ طبعاً الذي حصل ليس صغيراً، لكنه ليس بالضخامة التي أثيرت في وسائل الإعلام، ودائماً يتم استباق التحقيقات وإطلاق أحكام كما يحصل في القضايا الكبيرة والصغيرة فوراً. يعني هناك أشخاص في لبنان، مثل قصة اغتيال الرئيس الحريري 14 شباط 2005، بعد ساعة حققوا وحكموا وأدانوا وأعدموا وسجنوا وفعلوا ما يريدون، برج أبو حيدر (على المصغّر) كان يصنع به في نفس الطريقة.

في النهاية هناك تحقيق وهناك أطراف معنية ومسؤولة ولا أحد يتهرب من مسؤوليته.

إذاً، أولاً التضخيم. ثانياً، التوظيف والاستغلال: أنا هنا أريد أن أقدم نصيحة، نحن سكتنا أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم، صمت كامل، لأننا متألمون نحن مجروحون، نحن وأخواننا في المشاريع، نحن كمقاومة بشكل خاص نعرف حجم الخسارة، لكن في المقابل كيف حصل التصرف؟ لا أتحدث عن رجال دولة وغير رجال دولة، نحن نتحدث كلبنانيين وشركاء ومعاً وقوى سياسية وهناك حد أدنى مطلوب من قيم تحكم العلاقات فيما بيننا. تم تضخيم الحادث بشكل كبير جداً وأخذوه وهجموا به وصدر التعميم، الذي أقول عنه دائماً أل "أس أم أس"، صدر التعميم وهجموا، إعلام وجهات وشخصيات وقوى سياسية. بدل أن يقوم هؤلاء ويقولوا هناك نار فلنعمل على إطفائها، قاموا ليصبوا فوقها الزيت وليزيدوها اشتعالاً، بدل أن ينظروا لهذا الموضوع على أنه موضوع خطير جداً كما نظرنا إليه نحن والمشاريع وكذلك بقية حلفائنا في المعارضة، أن هذا يحتاج إلى تقييم، هناك شيء خطير، هناك شيء جدي تجب معالجته، خصوصاً في الموضوع المذهبي، لكن أخذ يرمى ناراً وبنزيناً ومازوتاً على الموضوع المذهبي، هل هذه مسؤولية وطنية أم هذا استغلال خطر، لا أريد أن أعطيه الآن توصيفات أخرى، استغلال خطير جداً. الذي حصل يهدد الأمن ولا يحفظ الأمن، الذي حصل يهدد السلم ولا يحمي السلم، الذي حصل يمزق ولا يلمّ. أحب أن أعبّر عن مشاعري للذين أخطأوا في هذه الأيام بعد الحادثة ولم يعالجوها بشكل جيد، بعضهم لا نعتب عليه، لكن البعض الآخر نعتب عليه، أقول له أنت لم تأتِ وتضع ملحاً في الجرح، نحن من يوم الثلاثاء وما زلنا مجروحين في قلبنا من الداخل، أنت جئت ووضعت على السكين ملحاً ووضعت سكينك في قلبنا وأخذت تحركها. فليعرفوا ماذا فعلوا وحجم الذي صنعوه، ليس بهذه الطريقة تعالج القضايا الخطرة والحساسة في البلد، ليس هكذا يتصرف رجال الدولة ولا رجال السياسة ولا قادة أحزاب، هذا تقييمنا نحن للموضوع. نحن من أول لحظة جئنا وقلنا الجيش اللبناني، الشرطة، القضاء، الشرطة العسكرية، القضاء اللبناني يوقف، يستدعي، يحقق، وليأخذ كل الإجراءات وكلنا متعاونون معه، لا أحد يريد التمييع ولا أحد يريد أن يغطي لأننا نحن أمام قضية فيها خسارة، أمام قضية كما تحدث آباء الشهداء كلهم، أن هذا الموضوع يمس عنصراً في المعادلة الذهبية الماسية التي هي موضوع الشعب، بدل أن نلم كيف ذهبوا يتصرفون.

الشيء الأخير الذي أود قوله في هذا العنوان، هناك منهجية خاطئة، ليس بهذه القضية فقط وإنما بكل القضايا التي تتم معالجتها في هذا البلد. يحصل حادث ما فنأخذ الحادث لنفتح منه ملفاً كبيراً جداً، نعرف أننا لا نستطيع معالجته في المباشر.

ملف السلاح وانتشار السلاح في لبنان، كل بيت في لبنان فيه سلاح، هذا الموضوع لا يخص حزب الله ولا المشاريع ولا أية جهة، كل البيوت فيها سلاح، وهناك بيوت فيها "آر بي جي" و"بي كا سي" وهناك بيوت ربما فيها هاون 60 أيضاً، بيوت، منازل، عائلات، ليس أحزاب وقوى سياسية. هذا ملف عمره من الستينات من السبعينات وربما من الخمسينات، منذ زمن طويل هناك ملف شائك اسمه ملف السلاح، من قبل أن يخلق كثيرون منا. هذا الملف تعقد وتعقد أكثر في الحرب الأهلية اللبنانية، وزاده تعقيداً الاستحقاق الإسرائيلي ودخول عامل المقاومة على الخط. ملف في هذا المستوى من التعقيد والتداخل الإقليمي سواءً السلاح اللبناني أو السلاح الفلسطيني يحتاج إلى حكمة ووقت، ويحتاج إلى معالجات كبيرة، فإذا بنا نخرج من حادثة برج أبي حيدر بأننا نريد حل ملف السلاح، وفي يومين ثلاثة نريد أن نأخذ قرارات ونرى من سيتحدى هذه القرارات، هذه منهجية خاطئة، ليس بهذه الطريقة تعالج ملفات البلد. لا ملف السلاح يعالج بهذه الطريقة، ولا ملف المطالب العمالية يعالج هكذا أيضاً، ولا ملف الكهرباء يعالج بهذه الطريقة، ولا ملف الإصلاح السياسي والإداري يعالج هكذا أيضاً، هذه منهجية خاطئة.

أيام زمان كان للسيارة "ديركسيون" (مقود) عادي وبحاجة إلى جهد إضافي من السائق لكي "يفتل (يغيّر الاتجاه) شمال ويمين"، وعندما تأتي بحصة (حصاة) تحت الدولاب يظل يبقى "يهدي" (يبقى قادراً على التحكم)... اليوم "ديركسيون" زيت، البحصة تجعل السيارة "تفتل"(تغير اتجاهها)... أنا أرى أنّ الإدارة السياسية في لبنان "ديركسيونها" زيت، ترى البلد ماشي في اتجاه، ما القصة، فتل (غيّر الاتجاه)، ذهب يمينا، يحصل حادث يفتل (يغيّر الاتجاه) شمالا، يصير حادث آخر يرجع ويكمل... كلها ردات فعل ...

لكي لا نجلس ونشكو فقط أنا أدعو إلى التهدئة وإلى الهدوء والأمور أخذت وقتها وانتهينا، هناك أناس يحبون الإكمال "يصطفلو". أنا اليوم أعلن مبادرة من طرف واحد وأنا "مش عامل اتفاق مع حدا"، هذا الموضوع أخذ مساره الطبيعي والتحقيق ماشي وعملنا لجنة تعويضات ونحن وأخواننا في المشاريع نعالج الوضع والقضاء اللبناني وضع يده على الملف وانتهينا، لنضع هذا جانبا. فبالنهاية هؤلاء الناس سيكملون مع بعضهم البعض، ولا أحد يريد إلغاء أحد ولا أحد يريد شطب أحد ولا أحد يريد أن يتجاوز أحد ولا أحد غير معترف بأحد. لنعُد ونتفاهم ونضع منهجية لإدارة ملفات هذا البلد، ليست منهجية ردود الفعل، منهجية "ديركسيون" يعرف كيف يسوق ولوين رايح (أين هو ذاهب) "مش ديركسيون زيت". نضع استراتيجية واضحة لمعالجة ملفاتنا ونذهب لمعالجتها.

النقطة الأخيرة موضوع الحقوق الفلسطينية: اسمحوا لي أن أقول إنّ المقاربة التي تمت في الآونة الأخيرة لملف الحقوق الفلسطينية هي مقاربة تحتاج إلى نقاش. حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كانت دائما نقطة ثابتة في خطابات يوم القدس بالنسبة لي منذ العام 1992، القضية عمرها 62 سنة. حقيقة شعرت أنه في الفترة الماضية البلد انعجق وتخربطت الامور وانحشرنا بالوقت، (فاتت الأمور ببعضها). أي ملف عندما تدخل عليه المخاوف والمخاطر والمزايدات والمناكفات تكون نتيجته هي نتيجة ملف الحقوق المدنية للفلسطينيين اللاجئين في لبنان. كل الملفات هكذا. هذا الأمر لم يرضِِ اللاجئين الفلسطينيين وأخواننا الفلسطنيين في لبنان هذا صحيح وهو غير مرضٍ، لكن كيف علينا أن نعالج ذلك، أقترح أن يأتي فريق لبناني ـ وليس على عجل ـ أي فريق لبناني يتطوع ويمكن أن يتطوع حزب الله أو حركة أمل أو الحزب التقدمي الإشتراكي أو الحزب القومي، أي جهة تتطوع وتقول نحن كفريق لبناني سوف نعمل خلية تفكير وعصف أفكار ومقاربات وتلتقي مع أطراف فلسطينيين. أو فريق فلسطيني يذهب ويسلط الضوء على القلق من الحقوق المدنية، الجهات القلقة وقلقها مشروع وليس مداناً، وأحياناً تخرج بعض التعابير العنصرية وطبعا هذا مدان، فليذهبوا ويجلسوا إلى هذه الجهات ويناقشوها ويطمئنونها ويريحوها.

الذي أنجز في المجلس النيابي هو خطوة جيدة على الطريق ولكنه غير كافٍ وغير مرضٍ، ليذهب أحد من اللبنانيين أو الفلسطينيين أو فريق مشترك فلسطيني لبناني ويجري نقاشاً بعيداً عن وسائل الإعلام والأضواء والتوظيف السياسي والمزايدات السياسية ويجري نقاشاً جدياً وتعرض المخاوف على الطاولة وكيف يمكن أن نعالجها وكيف لنا أن نجمع ما بين الحقوق والحاجيات الإنسانية الطبيعية وبين المخاوف والمخاطر.

في يوم القدس نشعر أننا في المقاومة، في لبنان في الموقع الصحيح من المحور المنتصر، نحن اليوم عام 2010 أقرب ما نكون من القدس بعد 62 عاماً.

المسألة بيننا وبين المشروع الصهيوني كحركات مقاومة في المنطقة هي مسألة وقت ليس أكثر، هذا الكيان قَدَره بحسب السنن الإلهية والتاريخية وطبائع الأمور ومعادلات الصراع هو الزوال، قدره مع وجود الإرادة الشعبية، الإرادة المقاومة والصبر والتحدي، هذا الشعب الفلسطيني تحمل 62 سنة ولم يستسلم ولم يحبط ولم ييأس وغير مستعد للتنازل عن أرضه ومقدساته وحقوقه، هذه من أهم عناصر القوة التي دائما يتم التأسيس عليها لحسم المعركة مع هذا المشروع إن شاء الله. كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تعليقات: