البقاع الأوسط: طائرات الاستطلاع كانت تغتال المدنيين

البقاع الاوسط :

«زلزال ونيران وتراب رطب من مجرى نهر الليطاني» هذا ما يتذكره رضوان أحمد الاحمد من جرحى مجزرة جسر تعنايل. كان يجلس مع قاسم محمد موسى عند طرف ملحمته التي تقع إلى جانب الجسر وكان بداخلها ابنه علي.

مجزرة جسر تعنايل، أولى المجازر الصهيونية في منطقة البقاع الاوسط، وقعت في اليوم الثالث لعدوان تموز 2006 وتحديدا عند الساعة الثانية عشرة والنصف، فسقط لبنانيان وفلسطيني وعدد من الجرحى.

يقول رضوان «لم نسمع هدير طائرات، استفقت في المستشفى على صوت دركي يسألني عن شقيقين من بلدة شمسطار كانا قد استشهدا في قصف الجسر».

أسفرت مجزرة جسر تعنايل عن فاجعة ومأساة عائلية تمثلت باستشهاد الشقيقين التوأمين محمد وحسن الامير من شمسطار، بالاضافة الى استشهاد الفلسطيني محمد عليان وهو ناطور أحد المعامل القريبة من الجسر. ولم يكن في المكان جثث، انما أشلاء كثيرة متناثرة على مسافة تتجاوز الكيلومتر الواحد.

في الخامس عشر من تموز الماضي، أمضى البقاعييون ليلة من أقسى ليالي العدوان الصهيوني على المنطقة التي استفاقت على مجزرتين. الاولى كانت في تعنايل، أما الثانية فوقعت في المنطقة الصناعية حيث دمرت الغارات الاسرائيلية عددا من المعامل ومنازل المدنيين، واستشهد المواطن خالد ابو عكر والطفلة ياسمين اللويس.

ثم استكمل مسلسل الغارات والاستهدافات الاسرائيلية. في رياق، وعند الثانية فجرا، أغار الطيران الحربي الاسرائيلي مطلقا ثلاثة صواريخ سقط أحدها على مبنى قيد الانشاء لجأت اليه عائلة الحاج مهدي بلوق من علي النهري خوفا من قصف وشيك لبلدتهم. إلا أن الموت الإسرائيلي طارده، فاستشهد هو وزوجته بسيطة، بالاضافة الى منال قيس، زوجة ابنه أحمد، وحفيده علي. أما أحمد، فأصيب بجراح خطرة مع بناته فيوليت، سماح وزينب وشقيقته فاطمة بلوق.

كانت مجزرة آل بلوق الاقسى والاكثر بشاعة ضمن مسلسل المجازر الاسرائيلية التي استهدفت البقاعيين في موارد رزقهم وفي بيوتهم وعلى الطرقات، وفي سهولهم الزراعية.

ومع ذلك، تسلم الناجي من المجزرة أحمد بلوق ثلاث استدعاءات من أجل التحقيق في موضوع تزوير الشهادات الصحية، على الرغم من التقارير الطبية المتعددة حول الاصابات البالغة التي لحقت به وببناته.

والآن، ينتظر أحمد للمثول أمام قاضي التحقيق في بيروت بتهمة اختلاس أموال عامة.

«يراد لنا ان نحاكم لان الطائرات الصهيونية قصفتنا، ذنبنا اننا الضحية». يقول أحمد بلوق والدموع تمنعه عن إكمال كلامه.

خضعت ابنته فيوليت، المتهمة معه باختلاس أموال عامة، لعشرات العمليات الجراحية في كل أنحاء جسمها، وتنتظرها عشرات الجراحات الاخرى من أجل تنظيف جسمها من الشظايا التي اخترقتها.

أما زينب، فتعاني من تنفخ في الدماغ وكسر في بداية فقرات رقبتها وغيرها من الاصابات. وسماح تعاني من انهيار عصبي.

«بنظر كل القوانين السماوية والانسانية نحن ضحايا». يؤكد أحمد بلوق، مضيفا «ماذا نفعل في بلد يحاكم الضحية فيذله ويتركه وحيدا يواجه مصيره وذنبه أن جسمه لم يستطع ردع الشظايا والصواريخ الذكية»؟

طائرات الاستطلاع للاغتيال

في السابع عشر من تموز، تحولت طائرات الاستطلاع الى كابوس أقض مضاجع البقاعيين: استعملها الاسرائيليون للمرة الأولى في عدوانهم على البقاع في استهداف السيارات المدنية والشاحنات، وحتى قافلة الاغاثة الاماراتية التي تعرضت للقنص على طريق زحلة ضهور الشوير.

وأدت تلك الغارة التي استهدفت ايضا شاحنة صغيرة، الى استشهاد بلال خير (30 عاما من طرابلس).

وفي الخامس والعشرين، استهدفت طائرة استطلاع على طريق سرعين ـ علي النهري سيارة «مرسيدس 280» يقودها احمد حسين وهبي الموسوي (52 عاما)، ما أدى الى استشهاده على الفور.

واستمر مسلسل ملاحقة البقاعيين على الطرقات، فاستشهد الدركي المتعاقد محمد ديب علي أبو حــمدان، بتاريخ 27/7/2006 إثر غارة جوية لطائرة استطلاع استهدفته بالقرب من مركز خدمته في محلة المعلقة ـ زحلة.

حتى «الفان» المخصص لتوزيع الخبز كان هدفا للطائرات الاسرائيلية. واستشهد كل من محمد علي البيطار وزهير ملدان اللذين كانا مع الكثير من أبناء بلدتهم يتفقدون أضرار الغارة التي استهدفت الفان، وما هي إلا دقائق حتى أغارت الطائرات الصهيونية مرة جديدة فقضيا متأثرين بجراحهما.

وأبى العدوان الصهيوني أن يودع بلدة الشهداء علي النهري إلا بسلسلة من الغارات عبر المقاتلات وطائرات الاستطلاع، فاستشهد في الغارات التي تمت قبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار ثلاثة: ففيما كان كل من عضو المجلس البلدي حسين علي الزين وحسين صادق المكحل يحاولان اللجوء الى مكان آمن استهدفتهما طائرة استطلاع «ام كا» بصواريخها فسقطا أشلاء. كما استشهد المسعف في مركز طوارئ النجدة الشعبية في رياق فؤاد محمد الفوعاني.

ومع ذلك، تقول ام حسن من علي النهري ان «الحديث عن المجازر الصهيونية قد استهلك ومضى عليه الزمن، اليوم الكلام فقط عن تموز النصر والفخر والصمود».

ومقابل هذا الاعتزاز، يبرز غياب الدولة التي تعجز بعد سنة على العدوان من إطلاق ورشة إعمار بلدة علي النهري وغيرها من القرى البقاعية التي تتنظر إعادة إعمارها، كما تنتظر من يرفع عنها تهمة الوطنية ويدافع عن حياتها اليوم وغدا.

تعليقات: