عن المقاومة والإرهاب في العراق


هل هناك إرهاب في العراق؟ لا أحد بمقدوره أن يجيب بالنفي، فالإرهاب في هذا البلد المُبتلى متعدد الأشكال والوجوه، يتدرج من إرهاب المحتل وشركات الحمايات الخاصة، والاستخبارات الأجنبية، إلى إرهاب التكفيريين والعصابات، دون إغفال إرهاب الميليشيات والعناصر المجرمة المحسوبة على قوى السلطة. تحديد الإرهاب هنا لا يحتاج إلى جهد، فكل ما يمس أمن الناس وكرامتهم وحياتهم، سواء عبر استهداف البنى التحتية، أو المؤسسات الخدمية، أو الأجهزة الحكومية، أو المصالح العامة ومصالح الأفراد الخاصة، التي ينبغي أن تكون مصونة بحكم العرف والقانون، أو أي فعل من شأنه أن يُعقّد حياة الناس، ويتسبب بحرمان المواطن من حقه الطبيعي في أن يعيش آمناً مطمئناً وقادراً على مزاولة عمله وحياته اعتيادياً. كل عمل من هذا القبيل يُعدّ إرهاباً، مهما كانت الذرائع والحجج. والإرهاب بهذا المعنى على الضدّ من أي مصلحة وطنية أو إنسانية، وبالتالي لا يمكن لأي فرد أو جماعة يدّعون العمل على خدمة الوطن والمواطن جعل الإرهاب منهجاً وسلوكاً لعملهم ونشاطهم السياسي.

الإرهاب بهذا المعنى موجود في العراق، وعلى نحو لا مثيل له، ولم تشهده أية دولة أخرى في التاريخ المعاصر. وعليه، فإن المواطن العراقي خضع ويخضع الآن لقهر وعنت واضطهاد وقمع وسلب لآدميته كما لم يحدث لأي مواطن آخر في العالم.

من هنا، فإن إدانة أعمال الإرهاب والوقوف بوجهها، يندرجان في سلَّم الأولويات بالنسبة لكل القوى الحيّة، وعلى رأسها المقاومة الوطنية المسلحة. ولكن هل هناك مقاومة مسلحة في العراق؟

ليس سوى أعمى بصر وبصيرة ذاك الذي لا يرى الفعل المقاوم الذي أقر بوجوده وفاعليته العدو قبل الصديق، ومثلما فعل الإرهاب واضح وبيّن، فكذلك فعل المقاومة، نقيض لإرهاب الاحتلال وإرهاب الإرهابيين، ورغم كل التعتيم، فإن إنجازات المقاومة تتحدث عنها أرقام المحتلين، الخفية منها، والمُعلنة.

الاحتلال والإرهاب والمقاومة المسلحة، ثلاث قضايا ليس بمقدور أحد إنكار وجودها، أو إنكار وجود إحداها، علماً بأن هذا الوجود مُستحدث وطارئ في البلد. الثاني والثالث متعلقان بالأول، وهما نتاج للمُسبب وهو الاحتلال، وأغلب الظن أن وجودهما الطارئ سينتهي حال زوال المسبب ألا وهو الاحتلال، وهذه جدلية ليست مُعقدة، أو صعبة الفهم والإدراك، لمن لا يريد الدخول في دائرة البحث عن الأشياء خارج منطقها.

إزالة الاحتلال ستتسبب بداهة، إن لم يكن بإنهاء الإرهاب، فبإضعافه إلى أبعد مدى، كما أنها ستنهي المقاومة المسلحة التي لم تنبثق إلا بسبب وجود الاحتلال.

ليس من مصلحة المقاومة التي تحرص على سلامة البلد والمواطنين وجود الإرهاب. إنّ مشروعها التحرري والنهضوي هو على الضد تماماً من الإرهاب، وهو متناقض تماماً مع ما يستهدفه الإرهاب وما يخلفه. إنها تسعى لإعطاء قوّة المثل على قدرة المواطنين وطاقتهم على مواجهة الاحتلال. إنها تعمل على تفجير طاقات الرفض الخلاقة. أما الإرهاب، فهو يقضي عملياً على قدرات الناس، ويحيل حياتهم رعباً دائماً، ويضعف مقومات الصمود لدى عامة الناس الذين سيضطرون إلى الامتناع عن العديد من النشاطات الإنسانية الضرورية.

المقاومة تحرص على المواطن العراقي، وتحمي المواطن العراقي من أي مذهب كان أو إلى أي دين انتمى. تحميه لأنه عراقي، فهي ما وجدت إلا للدفاع عن كرامته وأمنه، والإرهاب يقسّم المواطنين إلى سنة وشيعة، كفار ومؤمنين، مسلمين وغير مسلمين، شعاره «كل من هو ليس منا فهو ضدنا يجب قتله».

المقاوم يترّصد المحتل وأذنابه، والإرهابي يترصّد السني لأنه ليس شيعياً، ويترّصد الشيعي لأنه ليس سنيّاً، ويترصد المسيحي لأنه ليس مسلماً. والذين قيّض لهم البقاء في البلد ومزاولة العمل السياسي المناهض للاحتلال، يستطيعون أن يدلوا بدلوهم في هذا المجال. يستطيعون أن يحدّثوا من هم في الخارج عن تعذر العمل، أي عمل، بسبب الإرهاب، وبسبب عدم قدرة المواطن على التحرّك، خلِّ عنك قدرته على الاتصال بغيره والتنسيق مع الآخرين.

إن إشاعة بيئة كهذه، أمر مناسب تماماً للمحتل لفرض سيطرته على البلد، وإجبار الناس على البقاء في بيوتهم أغلب الوقت. إنّ إلصاق تهمة الإرهاب بالمحتل وأذنابه، مسألة تمتلك الكثير من الوجاهة والراهنية، وتصل إلى حد اليقين، مع أن هناك (إرهابيين) غير مرتبطين بالمحتل، وربما هم، لحسابات مختلفة، معادون له. إلا أن الإرهاب يظل بمجمله في خدمة المحتل وفيه تبرير لوجوده، وهو إذ يشوّه صورة الكفاح المسلح، وإذ يعقّد الخريطة، وإذ يدمج العمل المقاوم النبيل بالعمل الإرهابي البشع، يعمل بمثالية على خدمة المحتل وأهدافه، ويسهّل له مهمته، ويعطي للخونة ومطايا الاحتلال حجة ومبرراً لحرف الصراع عن مساره الطبيعي، وإظهار الخونة بمظهر المدافعين عن المواطن وأمنه، وإظهار المقاومين بمظهر الذين ينتقمون من الناس لأنهم لم يثوروا بوجه المحتل.

الإرهاب الذي أطلقه أو رعاه المحتل هو ما أججج الصراع الطائفي، والإرهابيون العنصريون، والتكفيريون، والطائفيون هم من قتل على الهوية، وهجّر على الهوية. هم الذين فجّروا الجوامع والحسينيات والكنائس، وقتلوا الناس في الأسواق، وفصلوا رؤوس الضحايا عن الأجساد، وهؤلاء عملوا تحت سمع المحتل وبصره، وقاموا من حيث علموا أو لم يعلموا، بالمهمة القذرة التي كان يقوم بها جنود الاحتلال ومرتزقته، الهادفة إلى إضعاف الشعب وإذلاله، وتحطيم قدراته.

لم يكن بإمكان المحتل ولا أذنابه خلق كل هذا الكم من القتل والفوضى والدمار لو لم يجدوا تلك الأدوات الغبية المتخلفة، التي كانت خير معين لهم لتمرير مخطط الاحتلال الأسود. وبعدما كان جنود الاحتلال وعملاؤهم مذعورين ومحاصرين في أماكن محددة، يتصيدهم الأحرار عندما يغادرون مواقعهم المحصنة، بات المواطن العراقي هو المذعور والمحاصر في بيته وحارته ومدينته وبلده. باتت الأسوار تقف بوجهه أينما اتجه، والموت يترصده أنّى سار، فهل بعد هذا ثمة من لا يعرف الآن لزوم ما يلزم.

* كاتب عراقي

تعليقات: