مشروع الليطاني: الخرائط جاهزة والسدود سياسية


مع بداية أيام 2010 كان من المقرر الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع المنسوب 800 من المخطط التوجيهي لارواء أكثر من 12 قطاعاً من أرض الجنوب وتأمين مياه الشفة لـ105 بلدات جنوبيّة، للبدء بمرحلة السدود وأبرزها: كفرصير وبسري. ولكن المرحلة الأولى تأخرت، ومعها تأجلت المرحلة الثانية إلى أجل غير مسمى، هنا ملف بالخرائط والأرقام يُظهر مدى أهمية «الإنجازات المؤجلة» ومخاطرها على مستقبل الجنوبيين.

تكاد لا تمرّ مناسبة رسميّة إلا ويؤكد فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على ضرورة تنفيذ خطط الإنماء المتوازن، طبقاً لاتفاق الطائف. وآخرها ما أعلنه الرئيس من اليمونة في 14/11/2009، ومن القصر الجمهوري بمناسبة عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني. فأكد الرئيس سليمان على فكرة إنشاء السدود في كل لبنان، لتحقيق الرخاء المطلوب والإنماء المتوازن طبقاً لاتفاق الطائف. ويأتي التوثيق لهذه الأرقام والخطط من باب التذكير بها، ليس لأهميتها فحسب بل للتأكيد بأنها تحقق للجنوبيين قوة في الإنماء وثباتاً في الأرض وتمنع الهجرة وتؤكد أسباب القوة وثقافة الانتماء. فما هو مخطط المشروع 800؟؟ وكيف يستفيد منه الجنوبيون في الزراعة مسطح مصور عام يظهر تفاصيل مشروع ري وإنماء الجنوب والري ومياه الشفة للتقلب على الظروف الصعبة ومواسم الشحائح.

المخطط والسدود

يتلخص المخطط باستغلال مصادر التربة والمياه في نطاق تجهيز مصلحة حوض نهر الليطاني الجغرافي الذي يشكل 40 في المئة من مساحة لبنان والذي يتشكّل بالأساس من أحواض الليطاني والأوّلي والحاصباني، بواسطة مشاريع إنماء متكاملة: سدود وتجهيزات مائيّة كبرى، محطات توليد طاقة كهربائية، خطوط نقل الطاقة، مشاريع ري وبزل زراعي، وتأمين مصادر مياه شفة إضافية لكل من مؤسسات مياه البقاع ولبنان الجنوبي، وبيروت وجبل لبنان طبقاً لمخططات توجيهية مترابطة ومتناسقة.

ولعلّ أبرز ما يهمّ الجنوب هو استثمار مصادر المياه المتاحة لاستغلالها خلال فصل الصيف. ولعل من أهم هذه الاستثمارات المحدية السدود التخزينية للمرحلة الثانية من مشروع 800، وأبرز تلك السدود: استكمال الخردلي 85 مليون م3، كفرصير 12 مليون م3، بسري 106 مليون م3.

ويبلغ عدد القرى والبلدات التي ستستفيد مباشرة من مشروع ري لبنان الجنوبي بشقيه (القناة 800 وقناة أنان – النبطية) 105 بلدات موزعة كالآتي: أقضية جزين (2)، صيدا – الزهراني (13)، صور (22)، النبطية (14)، مرجعيون (27)، البقاع الغربي (2)، حاصبيا (2)، بنت جبيل (23). ويقدر مجموع سكانها بحوالى نصف مليون نسمة.

ويرتكز مخطط مياه الشفة والصناعة والخدمات على لحظ 20 مليون م3/ سنة من القناة 800 لقرى وبلدات قطاعات الري بين المنسوبين 800 و400 م. و7 مليون م3/ سنة، من سد الخردلي، لقرى وبلدات قطاعات الري بين المنسوبين 500 و200م (و7 مليون م3/ سنة من حوض أنان منذ العام 1970 لمختلف الاحتياجات).

أما سد بسري فسوف يؤمن ما مجموعه 106 مليون م3/س لغايات مياه الشفة والصناعة لمناطق شمال الأولي (وبيروت الكبرى) في إطار المخطط التوجيهي لهذه الغاية. وكانت أجازت المصلحة مؤخراً (نيسان 2009) لمجلس الجنوب تنفيذ مشروع ضخ مياه عين الزرقا لتزويد حوالى 70 بلدة بمياه الشرب الإضافية في مناطق البقاع الغربي وجزين، جرى تنفيذ قسم منه، وهناك قسم قيد التنفيذ غير ان المياه لم تصل بعد إلى القرى لأسباب تقنية وسياسية؟!!

سد بسري

التمويل والعوائق

مشاريع القناة 800 لم تقلّع بعد مع العلم أن مصادر التمويل مؤمنة وجهاتها معروفة. وكانت عقود الخدمات الهندسية الاستشارية للدراسات التنفيذية والإشراف جرت جميعها منذ 18 شباط 2003 على أن تكون المرحلة الأولى لمشروع ري ومياه الشفة للبنان الجنوبي مؤمنة مع اطلالة العام 2008، وبإشراف فني مباشر من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني. ومن تلك المشاريع مع الملزَّمة والتي كان من المقرّر تنفيذها في الجنوب مشروع سد بسري بطاقة 131 مليون م3. وتصاميمه جاهزة وكذلك ملف استدراج العروض لدى مجلس الإنماء والإعمار، وكذلك التمويل.

800: المرحلة الثانية

سد وبحيرة كفرصيرأما المرحلة الثانية من القناة 800 منه تجهيز قطاعات الري (12 قطاع بمساحة 14700 هكتار) بشبكات التوزيع الثابتة وتهيئة الأراضي والحيازات والغرس والري، بمعونة فنية من الصندوق العربي، وهذه المرحلة تلحظ المرحلة الأولى بدءاً من نهاية 2004 والتي بدورها لم تُنفذ.

ومشروع ري القاسمية – راس العين المرحلة الثانية بين المناسب 100 – 200 متر لإرواء 2000 هكتار. وفي هذا المجال يأتي تنفيذ سد كفرصير (10 – 12 مليون م3) ومصادر المياه الجوفيّة. وكذلك تنفيذ المرحلة الثانية من سد الخردلي (128 مليون م3)، وتحديث الدراسات بتمويل في برنامج السدود. ولا يفوتنا في هذا المجال ذكر بعض مشاريع الري الصغرى خصوصاً في سهل الحاصباني – الماري وبعض إقليم التفاح.

12 قطاعاً مروياً

سدود بحيرة الخردليإن تنفيذ المرحلة الثانية من القناة 800 تجعل هضاب وسفوح مرجعيون وبنت جبيل وصور بمعظمها مروية وموزعة على 12 قطاع أساسي بمساحة تجهيز إجمالية قدرها 14700 هكتار وتشمل 76 بلدة وقرية ويقدر عدد سكانها المسجلين بـ400 ألف نسمة من المقرّر تزويدها بمياه الشرب الإضافية لآفاق العام 2030، إلى جانب 23 بلدة مجاورة، ليبلغ عدد السكان المستفيدين حتى تاريخه حوالى 518 ألف نسمة.

242 مليون دولار هي كلفة المرحلة الأولى (لمشروع المنسوب 800م مؤمّنة) حتى الآن، مع العلم أن مجلس الإنماء والإعمار ومصلحة مياه الليطاني والصناديق العربية والكويتية كلها جاهزة للتنفيذ، وقد وعد الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية أن يبدأ التنفيذ في العام 2007 على أن يكون مكتملاً خلال 3 سنوات وهذا لم يحصل لأسباب كثيرة، تردها أوساط علمية في المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إلى ارتفاع حاد في سعر المواد الأولية واليد العاملة، ممّا ضاعف تكلفة المشروع وأعمال التنفيذ. إضافة إلى مشكلات قانونية وواقعية على الأرض لتنفيذ الاستملاكات وما يمكن أن تلعبه المحسوبيات السياسيّة (الحزبيّة) من دور سلبي في هذا المشروع، وكيف السبيل بالتالي للانتقال إلى إنهاء المرحلة الثانية التي كانت كلفتها مقدرة في العام 2004 بحوالى 207 مليون دولار أ.؟!! ناهيك عن النقص الحاد الذي تعاني منه الإدارة من عناصر خبيرة وتأثيرات الحروب ونتائجها السلبية على الواقع اللبناني وانعكاساتها على تنفيذ مثل هذه المشاريع. وتأتي عملية إنشاء السدود في المرحلة الثانية من مشروع المنسوب 800. وإذا كانت الكويت وفت بوعودها المالية حيال المرحلة الأولى، فإنها لم تبصر النور لهذه الأسباب الواقعية والتقنية حتى الآن. وكأنه مكتوب على الجنوب ان يعيش العطش إلى زمن آخر، مع أن بلداته تتربّع على عروش برك المياه الجوفية والينابيع.

اقتراحات للسدود

ترزح قرى النبطية واقليم التفاح تحت وطأة التقنين القاسي في المياه جراء الشح الذي يصيب الينابيع التي تغذيهم وخاصة نبع الطاسة ومجرى نهر الزهراني الذي تنضب مياهه فترة الصيف في حين تذهب مياه الليطاني إلى البحر دون الاستفادة منها على رغم وجود العديد من المشاريع التي إن نفذت لروت الجنوب بأكمله والتي يأتي في طليعتها إقامة سدود على مجرى النهرين لتجميع المياه عبر بحيرات أو برك صغيرة وضخها إلى القرى ولا يتوانى المهندس المائي الدكتور يوسف حمزة عن القول «أن أهالي الزوطرين ويحمر الذي يمر النهر بمحاذاتهم يغسلون أرجلهم في النهر وهم عطاشى»، هذا فضلاً عن المعاناة القاسية التي يعانيها المواطنون مع كل فصل صيف من انقطاع للمياه. وتتفاقم المشكلة عاماً بعد آخر دون المبادرة إلى وضع الخطوات العملية لحل المشكلة جذرياً.

ويعيد رئيس لجنة المتابعة لمشروع نبع الطاسة محمود حسن سبب الشح إلى قلة المتساقطات إذ أن الأرض لم تخزن المياه بالشكل المطلوب الأمر الذي انعكس سلباً على نبع الطاسة ومجرى نهر الزهراني ويأسف إلى أنه لم يتم اخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي هكذا أمر بل "نترك المياه تذهب هدراً إلى البحر دون الاستفادة منها لافتاً إلى أن النبع يعاني شحاً والمياه مقطوعة بالنهر ما يعني أن الازمة متجهة نحو التفاقم.

لسدود صغيرة

تعود مشكلة المياه لتتصدر واجهة المطالب الملحة لأهالي قرى النبطية وإقليم التفاح خاصة وأن هناك مشروع الليطاني الذي يحل المشكلة أن بوشر العمل على تنفيذه والذي ينتظره الأهالي ليتنعموا بمياه ينابيعهم والتي لم تنفع كل مساعيهم بتحريك المسؤولين للنظر إلى هذه المشكلة التي تحتاج إلى حل جذري وكيف لا فالحل متواجد وفيه دراسات لكنها تقبع في الأدراج بحجة أن لا أموال لتنفيذها ومن بينها السدود التي تبلغ كلفة السدود الصغيرة مليون دولار بحسب المهندس حمزة، وسد الليطاني يكلف 150 مليون دولار ودراسته جاهزة ويعطي بحيرة سعتها 112 مليون متر مكعب لإرواء الجنوب. ويبدي حمزة استغرابه من عدم تنفيذ مشروع سد الليطاني حتى الآن فيقول: حرب تموز كلفت لبنان 3 مليار دولار فليكونوا 3 مليار و300 مليون دولار لإقامة سد الليطاني.

سد الخردلي

ويقترح حمزة أيضاَ أما إقامة سد على نهر الليطاني على الخردلي حسب اقتراح الدولة أو حسب ما نحن اقترحناه كجامعة لبنانية على منطقة ما بين يحمر والطيبة لبناء السد بارتفاع 80 متر فيتكون بحيرة لتخفيف الاستملاكات وللاستفادة من مشاعات الطيبة ودير ميماس والخردلي. وعلى ارتفاع 45 متر يتم تركيب "توربين فلنسيس" لضخ المياه وتوليد الكهرباء، ويقام بجانبة محطة الطيبة لضخ المياه التي تروي جنوب الليطاني. وكذلك يمكن إقامة سد شمال الليطاني ومحطة لتحلية المياه وخزان في اعلى نقطة لجهة قلعة الشقيف مع محطة كهربائية صغيرة تروي منطقة النبطية وزوطر وكل الجنوب.

وإلى حين المباشرة بتنفيذ مثل هذه السدود، التي أخذت حيزاً كبيراً من البيانات الانتخابية يبقى الأهالي ضحايا العطش والشح واستنفاد الاحتياط المائي عسى أن تأتي صيفية العام 2010 لتكون صيفية مشاريع المياه بامتياز في الجنوب.

تعليقات: