البقاع يستعدّ لموسم أعراس حافل: حجوزات بالجملة.. قبل الموعد بسنة!

 بعيداً عن هذا البذخ كله، أعراس جماعية تحيي ليل بعلبك (عباس سلمان)
بعيداً عن هذا البذخ كله، أعراس جماعية تحيي ليل بعلبك (عباس سلمان)


الزواج «صيحة»، والزفاف «تشبيح»، والكلفة تحصيل حاصل، والمغتربون يحيونه.

في عز فصل الشتاء، يعيش البقاع أعراسه الخاصة. منذ اللحظة تحتار العرائس بين عشرات التصاميم لفساتينهن، لشعورهن، لتبرجهن، لصالات أفراحهن، لبطاقات الدعوة.. في حفل سيتم بعد أشهر قليلة. وأما الشبان فيحتارون من أين تهبط عليهم هذه الفواتير، والدفعات.. وبالكاد يملكون الوقت لحساب ما ينفقون وما يتحمّلون إنفاقه كلما تقدم موعد عرس الأحلام.

أما الصالات والفنادق فتعيش نعيما جميلاً، اسمه: الحجوزات المسبقة لكل نهاية أسبوع في موسم الصيف المقبل، وأحياناً في معظم أيام الأسبوع أيضاً!

ما الذي يجري في البقاع، من غربه إلى وسطه وشرقه؟ لماذا أصبح الحديث اليومي عن الحجوزات «الكومبليه» لكل القاعات والشرفات المجهزة لحفلات الأعراس، يشغل كثيرين من أهله؟ هل ازدادت نسبة المتزوجين؟ أم ازداد عدد المغتربين الذين يزورون لبنان في هذه الفترة؟ أم أن السبب الأبرز، كما يقول صاحب متنزه ومطعم «التلال» ـ كسارة جورج سماحة، «الاتجاه أكثر فأكثر خلال السنوات الماضية إلى إقامة حفلات الأعراس خارج المنازل، خلافاً لما كان عليه الحال في السابق، حيث كانت الإمكانيات والعادات تقضي بسهرة ليلة السبت في منزل أهلها، على أن «تُرد» (الردة إلى بيت زوجها) ظهر الأحد حيث تستمر الاحتفالات حتى المساء، والأمر نفسه تقريباً على الطائفة المسيحية حيث تنطلق الاحتفالات بعد عقد القران الكنسي».

هذه الأسباب، مجتمعةً، تشرح الإقبال المرتفع على حفلات الزفاف والبذخ، برأي مديرة المبيعات والغرف في «بارك أوتيل شتورا» لينا قاضي. لكن السبب الأهم، وكما الحال في كل لبنان، يبقى «تشبيحاً أو كما نقول Show off.. علماً بأن البقاع، لا سيما الغربي، فيه فئة مغتربين في أميركا اللاتينية الميسورة الحال، وهي فئة تستطيع تحمل نفقات زفاف تصل إلى ثلاثمئة ألف دولار».

هل هذا هو أعلى رقم يمكن توقعه؟ تجيب قاضي: «في ظل تنامي الاهتمام بالبذخ على تفاصيل صغيرة، من نوع خشب الطاولات والملاءات، وصولاً إلى نوع الشمع المرفوع فوق الطاولة، إلى رزمة ضخمة من المفرقعات النارية.. لم يعد من الممكن وضع سقف لأي عرس ولا لهذه الصناعة عامة.. ولم تعد تفاجئنا أي تكلفة أو أي طلب». ما يحب مدير إدارة التسويق والمبيعات في «غراند أوتيل قادري» داني جدع أن يصفه بـ«تحول الزواج من سنة الحياة، وإكمال نصف الدين والإعلان الرسمي للحب فحسب، إلى كونه «ترند» (صيحة موضة)، متنقلة تتبعها الجماهير».

وهكذا، يصبح قطاع أو «صناعة» الأعراس متضخمة في البقاع، وهو سيناريو مشابه لذلك الذي تعرفه العاصمة، حيث كل شيء إلى تزايد، من: عدد الصالات المخصصة لهذا النوع من الاحتفالات، إلى الحد الأدنى لتكلفة الزفاف عامة وكلفة الشخص الواحد تحديداً، كلفة منظم الأعراس، كلفة البذخ في الزينة، والإضاءة، والأزهار، وفساتين العرس وبطاقات الدعوة، الزفة، الألعاب النارية..».

ويبدو أن الصالات والفنادق الأساسية في البقاع من «بارك أوتيل شتورا»، «التلال»، «غراند أوتيل قادري»، و«فندق مسابكي»، تقف متفاجئة عند الحجز المبكر والمرتفع لأعراس الموسم المقبل (أيار ـ أيلول 2010)، وتترواح التوقعات أن تشهد كل منها ما بين سبعين ومئة زفاف في الموسم.

وتلفت قاضي إلى أنه «من المعتاد أن تبدأ الحجوزات منذ بداية العام أي الشهر الحالي، أما هذا الموسم فحجوزاته بدأت منذ أيلول الفائت، وحتى اللحظة باتت كل ليالي الجمعة والسبت والأحد محجوزة، وقسم كبير من أيام الأسبوع الباقية، علماً بأننا لا نستقبل أي زفاف يقل عدد ضيوفه عن 800 خلال حفلات نهاية الأسبوع».

بدوره، يؤكد مدير المأكولات والمناسبات في «فندق مسابكي» بشارة بشارة أن «الضغط الأساسي يأتي من كون الصالات المجهزة لأعراس كبيرة ومرتبة معدودة في البقاع، وبدأ الحجز في الفندق منذ بداية أيلول المنصرم. وبناء عليه، نتوقع أن تصل أعراس موسم 2010 إلى تسعين حفلاً مقابل خمسين حفلاً في الموسم الماضي».

أما في ما يتعلق بالكلفة فلا يبدو، نظراً للحجوزات المؤكدة للموسم المقبل، أنها تشكل عائقاً أساسياً يحول دون إقامة حفلات الزفاف، حتى لو اضطر العروسان وأهلوهما إلى الاستدانة أو التقدم بقرض شخصي لتحمل نفقاتها!

وتبدي قاضي تعجبها من «الضغط على الأعراس، على الرغم من رفعنا أسعارنا بنسبة خمسة في المئة. أما السنة الفائتة، ومع زيادة الحاصلة في تكاليف كل شيء من المواد الأولية واليد العاملة، فكنا قد حددنا زيادة أكبر تصل إلى ستة دولارات على الشخص الواحد، أثرها يضاف إلى زيادة السنة!». تتحدث قاضي إذاً عن تكلفة تبدأ من 30 دولاراً على الشخص وقد تتعدى 45 دولاراً.

إذاً، بعملية حسابية بسيطة، نلحظ أن الحديث يدور حول تكلفة وسطية تصل إلى 37 دولاراً تقريباً عن الشخص الواحد. حتى لو ضربناها بعدد مدعوين يتراوح لدى «بارك أوتيل شتورا» بين 400 و800 شخص، واكتشفنا أن تكلفة المدعوين، وحدها، تتراوح بين 15 و30 ألف دولار، لا نصل إلى رقم مؤشر وعام لتكلفة حفل الزفاف، من ألفه إلى يائه، ولا إلى حجم هذه الصناعة عامة. وهو ما تؤكده قاضي، التي تشير إلى أن «المعدل الوسطي لكلفة الزفاف تصل إلى سبعين ألف دولار».. وبمعنى آخر، تكلفة المدعوين لا تتعدى نسبة ثلاثين إلى أربعين في المئة من التكلفة العامة لكل زفاف.

والتكلفة هذه لا تتغير في «فندق مسابكي»، إذ يلفت بشارة بشارة إلى أنها تتراوح بين 30 و40 دولاراً للشخص الواحد، وقد تصل في حالات استثنائية إلى 65 دولاراً، علماً بأن المساحات («الصالة» و«التراس» و«الحديقة») التي تشهد الأعراس في الفندق، تتراوح قدراتها الاستيعابية بين 150 و1400 شخص.

أما داني جدع من «فندق القادري» فيوضح أن تكلفة الشخص الواحد في الفندق تبدأ من 35 دولاراً وقد تصل إلى سبعين دولاراً للشخص الواحد، علماً بأن القدرة الاستيعابية للفندق تتراوح بين 200 و1000 شخص للزفاف الواحد.

ويبقى متنزه «التلال» الأكثر استيعاباً لشريحة واسعة للطبقة الوسطى والوسطى العليا، إذ يشير مديره جورج سماحة إلى أن «تكلفة الشخص الواحد تصل بمعدلها إلى 26 دولارا للشخص الواحد، ويستقبل المتنزه خلال موسم الصيف ما معدله مئة زفاف، يبدأ عدد المدعوين فيها من 400 شخص.. وقد يتخطى الألف مدعو».

ويلفت سماحة إلى أن «الغالبية العظمى من المتزوجين باتت تعتمد أساسا على هدايا الزواج («ليست دو مرياج») التي لولاها لما استطاع عدد كبير منهم تغطية نفقات حفلات زفافهم ولا أثاث منازلهم».

وعلى الرغم من أن الأسعار المذكورة أعلاه تبدو معقولة ومقبولة بالنسبة لكثيرين، وتجعلهم يتهافتون على الحجوزات خلال موسم الصيف، حيث يستغلون فرصة حضور الأقارب والمغتربين.. إلا أن فكرة دفع عشرين أو عشرة دولارات لكل مدعو تبدو خيـــالية بالنسبة لآخرين كـــثر، وفي البقاع تحديداً. فهؤلاء لا يتجرأون حتى على التفكير بأن خمــــسة آلاف أو عشرة آلاف دولار يمكن أن تختفي في ليلة واحـــدة.. وإن كـانت ليلة العمر.

هؤلاء هم أيضاً من أبناء الطبقة الوسطى، لكنهم يرتبون أولوياتهم بطريقة مختلفة، فيكون أحياناً الحل بزفاف في المنزل أو بزفاف جماعي، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الهدايا النقدية ضمن «لائحة الهدايا» لم تتكرس فعلاً في البقاع كما هي الحال في العاصمة. وهي لا تزال تبدو حتى اللحظة مثار نقد من أناس كانوا وما زالوا يعتبرون أن هدية الزفاف تكون بـ«النقوط».. وهو يتراوح بين أغطية صوفية وقميص نوم قطني.. والله يرحم أيام «الليرة الذهب».

تعليقات: