إسرائيل تنصّتت على بعبدا واليرزة عبر محطة الباروك

محطّة الباروك: فساد وتنصّت إسرائيلي
محطّة الباروك: فساد وتنصّت إسرائيلي


ربما الصدفة هي المُخرج الذي جعل الحلقة الأولى من قصة «محطة الإنترنت في الباروك» تبدأ عشية شهر الدراما التلفزيونية، ومع ذلك تكشف أحداثها وتصاعدها الدرامي وتفرعها كشبكة العنكبوت أنها جديرة بالمنافسة وأبطالها «جذابون»، وها هنا اليوم بعض الملامح

في إحدى رسائله التفاوضية المباشرة، قال سعد الدين الحريري لحزب الله: أناشدكم المساعدة لمنع جبران باسيل من العودة إلى الحكومة المقبلة. لا لشيء، بل لمجرد إنقاذي من نكبة توزير فارس سعيد وميشال معوّض، بحجة أنهما راسبان في الانتخابات أيضاً.

لم تكن المناشدة الحريرية المذكورة لتقنع المعنيين بأنّ هذا هو السبب الوحيد للتعنّت في قرار إبعاد باسيل. ووسط جسّ النبض المتبادل، انفجرت فضيحة المحطة الإسرائيلية في الباروك، أو ـــــ كما يصرّ مطّلعون وعارفون على تسميتها ـــــ أكبر فضيحة استخبارية ممكنة في تاريخ لبنان.

في الوقائع أولاً أنه في 4 نيسان الماضي، بعد إصرار جبران باسيل على وقف الشركات غير الشرعية وغير المرخصة التي تقدم خدمة إنترنت مقرصنة، قامت أجهزة الوزارة والجيش اللبناني بتفكيك محطة إرسال في جبل الباروك، مركّبة على عمود إرسال تابع لمحطة «إم تي في» التلفزيونية. وعند التفكيك، لاحظ القائمون بالمهمة أمرين غريبين: أولاً توجيه الصحون اللاقطة صوب الجنوب، من نقطة توفّر «الرؤية اللاسلكية» المباشرة من إسرائيل عبر جهاز «مايكرووايف». وثانياً وجود أجهزة متطورة في المحطة، من صنع أجنبي لم تألفه السوق اللبنانية المعنيّة بهذا القطاع.

فور توقيف المحطة، انهالت المراجعات على باسيل، طالبة التوسّط لديه للسماح بإعادة تشغيلها. وكان بين المراجعين مسؤولون أمنيون تابعون لمراجع عليا ووزراء سياديون. لم يردّ وزير الاتصالات على محاولات ثنيه عن قراره، لا بل عمد بعد أسبوع، أي في 11 نيسان 2009، إلى إحالة ملف المحطة المذكورة إلى النيابة العامة المالية، طلباً للتحقيق واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية. وسجّلت إحالة باسيل تحت الرقم 255. بعدها، حوّل النائب العام المالي القضية إلى القاضي المنفرد الجزائي في دير القمر، بعد حوالى 50 يوماً، وتحديداً في 30 حزيران الماضي. ونظّم في القضية محضران صادران عن مكتب مكافحة الجرائم المالية. ومع ذلك، ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر على الموضوع، لم يبلغ الملف بعد النيابة العامة التمييزية، ولم يُستمع ـــــ كما قيل ـــــ إلى أي معني به، وهو ما دفع رئيس الجمهورية، قبل يومين، بناءً على مراجعة باسيل له في بعبدا، إلى متابعة القضية شخصياً، والسؤال عنها لدى المدّعي العام التمييزي سعيد ميرزا. لكن لماذا هذا التأخير في جلاء الموضوع؟ هنا تبدأ الحلقة السوداء.

عسكريون وسياسيون استخدموا الشركة المشغّلة التي بدأت العملً في عهد مروان حمادة

الشركة المستفيدة من المحطة مملوكة من أشخاص معروفين في الوسط السياسي

تكشف معلومات موثوقة أنّ للقضية بعدين: الأول مالي انتفاعي، والثاني أمني استخباري، وكلاهما من النوع الساخن جداً، والحساس بامتياز.

ففي البعد الأول، تشير المعلومات نفسها إلى أن محطة الباروك كانت تعمل بقوة استيعابية قدرها 300 ميغابايت في الثانية، علماً بأن خدمة الإنترنت المماثلة التي تقدمها وزارة الاتصالات محدد لها كلفة هي 2500 دولار أميركي لكل 2 ميغابايت، ما يعني أن محطة الباروك كانت تسرّب من خزينة الدولة اللبنانية 375 ألف دولار أميركي شهرياً. هذا لناحية هدر المال العام، أما لناحية انتفاع أصحاب المحطة منها، فتشير المعلومات إلى أن هؤلاء كانوا يشترون الخدمة من إسرائيل عبر شركة مسجلة في قبرص، بسعر 600 دولار لكل اثنين ميغابايت، ويبيعونها للمستخدم اللبناني بحوالى 1600 دولار. ما يعني تسجيلهم ربحاً صافياً قدره 150 ألف دولار شهرياً، حداً أدنى.

وتفتح المعلومات الموثوقة عند هذا الحد هلالين خطيرين قبل أن تنتقل إلى البعد الأمني المتعلق بالمحطة، لتطرح السؤال: مَن يملك هذه الشركة المشغّلة للمحطة؟

تكشف المعلومات أن الموجة الملتقطة من إسرائيل عبر الباروك، كان يعاد بثّها لتوزيعها على المستخدمين، من نقطة تلقّ وتوزيع مقرّها في بيت مري. وهذه المنطقة تملكها شركة أخرى غير قانونية، اسمها Dot Net، تعود ملكيتها إلى شخص يدعى و. ج. غير أن التدقيق في الأمر كشف أن هذه الشركة ليست غير واجهة لشركة أخرى، هي المستفيد الأكبر من المحطة الباروكية. أما أصحاب هذه الشركة فكثر. وعرف منهم كل من: هـ. ت؛ ب. أ. وثالث من آل س. ويردّد البعض أن الأخير ليس إلا واجهة لابن أحد المراجع الكبار في الدولة اللبنانية.

لكن ماذا في البعد الأمني والاستخباري للقضية وهو الأخطر؟

تقول المعلومات الموثوقة نفسها إنه لكون الشركة المستفيدة من المحطة مملوكة من أشخاص معروفين في الوسط السياسي اللبناني، ولكون الخدمة التي تقدمها أدنى سعراً من الخدمة الرسمية التي تقدمها وزارة الاتصالات، بادرت جهات رسمية سياسية وأمنية وعسكرية عدة إلى التعاقد مع هذه الشركة، لوفير خدمة الإنترنت الخاصة بها عبر محطة الباروك. وتذكر المعلومات أن من المرجّح أن تكون ثمّة دوائر في القصر الجمهوري، وأخرى في وزارة الدفاع الوطني، قد تعاقدت مع هذه الشركة واستعملت خدمتها الإلكترونية للوصول إلى الإنترنت واستخدام بريدها الإلكتروني، إضافة إلى عشرات المنازل العائدة لسياسيين وعسكريين كبار.

وهو ما يعني ـــــ في حال صحته ـــــ أن إسرائيل تمكّنت من رصد البريد الإلكتروني العائد لكل من هؤلاء المستخدمين، منذ إنشاء المحطة على عهد الوزير مروان حمادة في 8 تشرين الثاني 2006، حتى تاريخ وقفها على يد الوزير جبران باسيل في 4 نيسان الماضي. وهذا أمر مؤكّد وفق الخبراء، نظراً إلى الطبيعة المتطورة جداً للأجهزة المضبوطة في الباروك التي تسمح باتصال ذي نوعية عالية، بعيدة المدى، ومهما كانت الظروف المناخية الفاصلة بين المحطة وإسرائيل.

يبقى السؤال، هل كان أصحاب الشركة على علم بالمصدر الإسرائيلي لموجتهم؟

من الممكن ألّا يكونوا على علم، يشير الخبراء. فهم كانوا «يحاسبون» قبرص، وإن كانوا قطعاً على إدراك بعدم قانونية الخدمة التي يقدمون. غير أن المهندسين الذين أقاموا المحطة، كانوا على علم بالأمر من دون شك. فهم مَن وجّه الصحون اللاقطة وأشرف على كامل العملية التقنية، التقاطاً وإرسالاً. وهو في كل حال ما يفترض بالقضاء أن يكشفه، الأمر الذي لم يحصل بعد، في ظل معلومات عن عدم الاستماع إلى أي من المعنيين بالقضية، رغم مرور أربعة أشهر على إحالتها رسمياً.

ما هي التداعيات الأمنية للخرق الإسرائيلي، الأكبر والأخطر في تاريخ لبنان؟ مسألة تردّد أن اجتماعات عدة تعقد على أعلى المستويات الرسمية لكشفها وتحديدها ومعالجتها والحد من أضرارها.

... وفي الانتظار، يتحدث نائب من الشوف، أرض المحطة الباروكية، عن عقدة عون في وزارة الاتصالات، والحكومة. أما الجهات القضائية، فتنفي علمها ـــــ حتى الآن ـــــ بوجود نشاط أمني مع إسرائيل، لكنّ هذه الجهات لم تجب بعد عن النشاط غير القانوني في هدر المال العام والاعتداء عليه.

هل شارك إسرائيليون في تركيب المحطة؟

حسن عليق

يتحدّث مطلعون على ملف محطة الانترنت في الباروك أن المعدّات التي صادرتها الأجهزة المختصة في وزارة الاتصالات مصنعة لحساب شركة إسرائيلية تحمل اسم سيراغون (ceragon)، ومركزها مدينة تل أبيب. وتشير المصادر ذاتها إلى أن هذه المعدات مجهزة بأنظمة تشغيل فائقة التعقيد والتطور. وهي تتلقى سعة انترنت تصل إلى 10 غيغابايت، علماً بأن ما يحتاج إليه تشغيل الانترنت في المملكة العربية السعودية لا يزيد على 3.5 غيغابايت. ولفت نظر التقنيين أن محطة الباروك تبث بشكل رئيسي باتجاه مناطق الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية لبيروت، علماً بأن اختصاصين أكدوا أن أنظمة تشغيل المعدات تحوي برامج تمكّن من تحديد مواقع أجهزة الكومبيوتر المحمولة وأجهزة الهاتف الخلوي المتصلة بالانترنت، فضلاً عن متابعة المعلومات التي يجري تبادلها بواسطة أجهزة الكومبيوتر المتصلة بالمحطة. ويؤكد أحد المعنيين بالملف أن ضابطاً متقاعداً من جهاز أمني إسرائيلي، وهو يحمل الجنسية القبرصية، حضر إلى لبنان في تشرين الثاني 2006 وأشرف على تركيب هذه المعدات.

وتضم الشركة الإسرائيلية (ceragon) بين أعضاء مجلس إدارتها ومديريها عدداً كبيراً ممن خدموا في مراكز حسّاسة في وزارة الدفاع الإسرائيلية او الجيش الإسرائيلي، وأبرزهم:

زوهار زيسابيل (عضو مجلس الإدارة)، شغل بين عامي 1982 و1999 منصب رئيس قسم الأبحاث الالكترونية في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

أفشالوم باتير (عضو مجلس الإدارة) عقيد متقاعد من الجيش الإسرائيلي. إيال أسّا (مدير التشغيل والمبيعات) عمل ست سنوات في وحدة النخبة المختصة بالأبحاث والتطوير في الجيش الإسرائيلي. إران ويستمان (نائب مدير تنفيذي) خدم سبع سنوات في قسم الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

هل شارك إسرائيليون في تركيب محطة الباروك؟
هل شارك إسرائيليون في تركيب محطة الباروك؟


تعليقات: