عروبــة القــدس

فلسطين عربيّة
فلسطين عربيّة


مقدمـة:

عرفت فلسطين قبل أن تسمى بفلسطين (بأرض كنعان)، نسبة للكنعانيين العرب. وظلت طوال تاريخها تعرف ببلاد الشام وبسورية الجنوبية إلى أن جاءت اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية عام 1916 وفصلتها عن سورية مقدمة لتهويدها.

تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أن العرب أسسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهودية والمسيحية والإسلام. وبنى اليبوسيون العرب المدينة عام (3000) ق.م. وسميت آنذاك يبوس وأوروسالم نسبة للملك اليبوسي (العربي) سالم، وتعنى أور مدينة، أي مدينة سالم، ومن الاسم العربي هذا جاء اسمها جيروزاليم. وجاء الاسم أورشليم الذي يطلقه اليهود عليها من الآرامية، وبالتالي فإن الاسم (أورشليم) كلمة عربية وليست عبرية.

ورد اسم المدينة في نصوص الطهارة المصرية، في القرن التاسع عشر قبل الميلاد (يوروشاليم)، وفي رسائل تل العمارنة في القرن الرابع قبل الميلاد "يوروسالم"، وفي النقوش الآشورية بعد ذلك أوروشليمو". وسماها الإمبراطور الروماني إيلياء.

- القدس مدينة عربية إسلامية:

تعاقبت على المدينة بعد تأسيسها على أيدي اليبوسيين العرب أمم شتى، واحتلها داوود من الكنعانيين حوالي (1000) ق.م، ثم دمرها القائد الروماني تيطس.

فتحها العرب المسلمون لأسباب دينية واستراتيجية بعد انتصارهم على الرومان في معركة اليرموك. وطلب أهلها الصلح والأمان على أن يتولى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب.

ووصل الخليفة عمر إلى القدس، ووقع العهدة العمرية لبطريرك المدينة صفرونيوس. وضمنها شرطاً طلبه البطريرك وهو ألا يسكن اليهود فيها.

حافظت على طابعها العربي الإسلامي حتى إبان الاحتلال الفرنجة لها الذي دام مائتي سنة واستعادها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م. واستولى عليها العثمانيون عام 1517.

وأعاد سليمان القانوني بناء سور المدينة وطوله أربعة كيلو مترات وارتفاعه اثنا عشر متراً وله ثمانية أبواب.

بنى المسلمون العديد من القباب والمآذن والأروقة والأبواب والسبل في صحن الصخرة المشرفة وبجوارها وفي الحرم وحوله.

وبنوا في مختلف العهود الإسلامية مساجد بلغت (34) مسجداً معظمها داخل المدينة القديمة وعدداً كبيراً من الزوايا يؤمها الحجاج من مختلف البلدان الإسلامية، كالزاوية النقشبندية للحجاج القادمين من أوزبكستان، وزاوية الهنود للحجاج القادمين من الهند، والزاوية القادرية للحجاج القادمين من أفغانستان، ولكل زاوية أوقاف ومسجد وغرف للنوم.

وأنشأ المسلمون مدارس لطلب العلم، بلغ عددها (56) مدرسة للمسلمين من أهل المدينة ومن المشرق والمغرب، وأصبحت المدينة غنية بالأبنية والنقوش والزخارف الإسلامية والقناديل النادرة التي لا مثيل لها على الإطلاق.

وخصها الله بإسراء رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقال في كتابه العزيز: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله".

"وروي عن النبي قوله: "إن الله تعالى خص فلسطين بالتقديس وجعلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين، وأقام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسجده فيها.

وبنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد الصخرة، ورصد لبنائه أموال مصر لمدة سبع سنوات. ونقش أسمه على قبة الصخرة المشرفة مع تاريخ البناء سنة 72 ه‍.

وتعتبر قبة الصخرة والمسجد الأقصى من أهم وأقدم المعالم العربية الإسلامية في المدينة. جزءاً أساسياً من التراث الإسلامي ومن أكثره قدسية.

وصلى صلاح الدين في المسجد الأقصى بعد أن تم الفتح على يديه ونقل إليه المحراب الذي سمي باسمه من الجامع الأموي بحلب وبقي فيه إلى أن أحرقه اليهود في محاولة إحراق الأقصى في 21 آب 1969.

"فالدمشقيون الأمويون أقاموا قبة الصخرة المثمَّنة والمذهبة ومسجد الأقصى، واستخدمت أموال سبع سنوات من خراج مصر لإقامة قبة الصخرة. ومداخل مسجد الأقصى وأبوابه وقبته. أما تخطيط المسجد الأقصى الذي نراه اليوم فهو هندسة عباسية بغدادية".

والأيوبيون هم أيضاً من رمم حيطان الحرم. والأتراك العثمانيون هم من جهزوا الكسوة بالقاشاني الملون على أرضية زرقاء كان قبلها مزيناً بالفسيفساء التي اشتهرت بها المدرسة السورية.

والأتراك هم الذين بنوا سور المدينة القديمة، مما جسّد مساهمة الأمة الإسلامية بأسرها في بنائه والمحافظة عليه وعلى تاريخ القدس العريق وطابعها العربي الإسلامي.

إن تاريخ القدس يثبت أنها مدينة عربية أسسها العرب، وبعد تأسيسها احتلها داوود، ودمرها الرومان ثم شيدوها، وازدهرت في العهد الإسلامي، فهي بحكم التأسيس والبناء والتاريخ مدينة عربية إسلامية فالعرب هم الذين بنوها وعمروها، وانطلاقاً من حق الملكية فإن العرب والمسلمين هم الذين أسسوها وامتلكوها إلى أن جاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس الغربية عام 1948 والاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967.

إن تاريخ القدس لا ينفصل عن تاريخ فلسطين وعروبتها والأطماع الاستعمارية واليهودية في أهميتها الدينية والاستراتيجية والسياسية والتجارية منذ القدم.

وكانت القدس جزءاً لا يتجزأ من سورية والوطن العربي شاركت في صنع أحداثه وتراثه وحضارته فالتحالف بين الاستعمار والصهيونية في غزو البلاد المقدسة لم يكن مسالة دينية وإنما مصلحة استعمارية لاستغلال ثورات المنطقة والهيمنة عليها ومحاربة العروبة والإسلام، بالرغم من أن المسلمين قد حافظوا على حقوق الطوائف المختلفة وتراث المدينة الحضاري.

كانت فلسطين عبر التاريخ إلى أن جاءت اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، جزءاً لا يتجزأ من سورية وبلاد الشام.

اعتبر المؤرخ الإغريقي هيرودوتس فلسطين جزءاً من ديار الشام. وأجمع مؤرخو الفرنجة إبان الحروب الصليبية أن فلسطين ديار شامية.

وذكر مجير الدين الحنبلي صاحب كتاب "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، أن الأوائل قد قسموا الشام خمسة أقسام، الشام الأولى فلسطين وأوسط بلدها الرملة، والشام الثانية حوران، ومدينتها العظمى طبرية، والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق، والشام الرابعة حمص، والشام الخامسة قنسرين ومدينتها العظمى حلب.

سلخت الدولتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا "فلسطين" عن الوطن الأم سورية كمقدمة لتحقيق المشروع الصهيوني في الديار المقدسة.

حكم المسلمون مدينة القدس ثلاثة عشر قرناً وكانت اللغة العربية، لغة القرآن الكريم هي السائدة، حتى إبان الحكم العثماني. فالحضارة التي عرفتها القدس ترجع إلى فترة الحكم الإسلامي فيها. كان سكان المدينة عرباً لساناً وحضارةً. واليهود طارئون على المدينة، استوطنوا خارجها. وتعتبر الآثار المسيحية ذات أهمية بالغة لأنها آثار السيد المسيح والحواريين والشهداء، ولا مثيل لها في أي بقعة من بقاع العالم ومنها: كنيسة القيامة التي تضم قبر السيد المسيح، وطريق الآلام وما شيدت فيه من كنائس. فالمدينة القديمة مليئة بالمساجد والكنائس والمدارس والزوايا والمقابر، وأسندت حراسة كنيسة القيامة، وهي أعظم المقدسات المسيحية في العالم إلى أسرتين مسلمتين مقدسيتين ومعهما مفاتيح الكنيسة.

كان رؤساء بلدية القدس خلال المئة سنة الأخيرة قبل احتلال اليهود لها عرباً حتى إبان الانتداب البريطاني على فلسطين منهم: حسين الحسيني، موسى كاظم الحسيني، راغب النشاشيبي، مصطفى الخالدي وحسين فخري الخالدي.

وظلت القدس عربية، الشرقية منها والغربية، أي القدس القديمة والجديدة عربية بعدد سكانها وملكيتها ورئاستها، وما يحيط بها من قرى.

لقد ثبت إن الحفاظ على المدينة المقدسة والأماكن الدينية فيها كان بسبب حكم العرب والمسلمين لها. فلقد أثبت التاريخ أن وجود المدينة في أيدي العرب، من مسلمين ومسيحيين قد حافظ عليها وعلى المقدسات والأمن والسلام فيها، ولم تعرف في عهد اليهود إلا الخراب والدمار.

تدخلت بريطانيا في فلسطين باسم حماية اليهود واستيطانهم فيها، لحماية قناة السويس وخدمة مصالحها في المنطقة. وأنشأ اللورد بالمرستون قنصلية بريطانية في القدس عام 1838 لتأييد أماني اليهود في فلسطين وإقامة وطن لليهود فيها بحماية بريطانيا.

ووضعت بريطانيا عام 1905 تقرير كامبل لتجزئة الوطن العربي وعرقلة تقدمه والمحافظة على تخلفه وإقامة إسرائيل لمنع الوحدة العربية والمحافظة على المصالح الاستعمارية، وأصدرت عام 1916 وعد بلفور واحتل الجنرال اللنبي القدس في كانون أول 1917.

ووضع الحلفاء في مؤتمر (سان ريمو) فلسطين تحت الانتداب البريطاني، والذي التزم بتحقيق وعد بلفور وبفتح أبواب فلسطين على مصراعيها للهجرة اليهودية.

رفضت بريطانيا رغبة الفاتيكان عام 1917 وضع الأماكن المقدسة تحت إشراف إدارة دولية، لأن الفاتيكان لم يكن يرغب في وضع المصالح الكاثوليكية تحت رعاية بريطانيا البروتستانتينية وإخضاع أماكن الحج المسيحية تحت السيطرة اليهودية عند إقامة الوطن القومي اليهودي تنفيذاً لوعد بلفور.

- حائط البراق وقف إسلامي:

حاول اليهود عام 1929، اغتصاب البراق، أي الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف، أي ما يسمونه بحائط المبكى فاندلعت انتفاضة البراق، مما دفع بحكومة الانتداب البريطاني عرض القضية على عصبة الأمم.

شكلت عصبة الأمم لجنة تحقيق دولية للتحقيق في حقوق وادعاءات العرب واليهود في حائط البراق، أي للتحقيق في ملكية الحائط. وجاء في قراء اللجنة الدولية الصادر في 30 كانون أول 1930 ما يلي:

أولاً: للمسلمين حق الملكية وحدهم دون منازع في امتلاك الحائط الغربي أي البراق، كجزء لا يتجزأ من منطقة الحرم الشريف.

ثانياً: تعود ملكية الساحة أمام الحائط الغربي للمسلمين أيضاً، وكذلك حي المغاربة المجاور والمقابل، والذي يعتبر وقفاً ثابتاً وفق الشريعة الإسلامية، ويعود ريعه للأعمال الخيرية.

ثالثاً: يحق لليهود الوصول بحرية إلى البراق لأغراض العبادة في جميع الأوقات على أن يخضع ذلك لشروط معينة.

وبالتالي جاء قرار اللجنة الدولية ليؤكد أن حائط البراق، أي ما يسميه اليهود بحائط المبكى وقف إسلامي لا علاقة له بالهيكل ولا يمت لليهود بصلة.

وسمح المسلمون بدافع من تسامح الدين الإسلامي لليهود بالبكاء وقوفاً أمام حائط البراق منذ عام 1930 تطبيقاً لقرار اللجنة الدولية. ووضع قرار اللجنة الدولية كوثيقة من وثائق مجلس الأمن بتاريخ 23/شباط 1968 تحت رقم "س /8427/ 1 و 10".

- المزاعم والأطماع اليهودية:

زعم اليهود انطلاقاً من أطماعهم في الأرض والممتلكات والثروات العربية أن للقدس لديهم أهمية خاصة. ورسخ رجال الدين اليهودي وقادة الحركة الصهيونية هذه المزاعم والأطماع في أذهان اليهود، بالرغم من عدم وجود أي أثر ديني لهم فيها على الإطلاق.

لقد حوّل القادة الصهاينة وحاخامات اليهود الدين اليهودي إلى سلاح حاد في خدمة أهداف الصهيونية العالمية لتحقيق الاستعمار الاستيطاني في فلسطين والهيمنة على الوطن العربي.

ورفعوا إقامة إسرائيل الكبرى والاستعمار الاستيطاني والكذب والإرهاب والعنصرية والإبادة إلى مرتبة القداسة الدينية لفرص هيمنتهم على المنطقة والعالم بأسره.

كتب تيودودر هرتل، مؤلف كتاب "دولة اليهود"، ومؤسس الصهيونية كحركة سياسية عالمية منظمة يقول:

"إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قروناً".

وجاء في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة الصهيونية. "إن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك".

وأعلن الزعماء اليهود والمؤسسون الصهاينة أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو لليهود".

وتسخِّر الصهيونية الماسونية وشهود يهوه والمسيحية المتهوِّدة والكنائس البروتستانيتية في الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف. فالماسونية تعمل على إعادة بناء الهيكل، الذي تعتبره الرمز لعزة إسرائيل.

وتأتي في المرتبة الثانية بعد الصهيونية لتحقيق هذا الغرض. وتؤمن الماسونية الأوروبية أن روحها هي أنه: "يجب أن يكون كل محفل ماسوني رمزاً لهيكل اليهود. ويقرأ جميع الحاضرين من الدرجة (33) في المحافل الماسونية: "سنعود إلى عهد سليمان بن داوود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفذ كل ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد إسرائيل نبذل كل مجهود".

ويخطط اليهود منذ مدة طويلة لبناء الهيكل الذي دمره الرومان عام (70)م، إلا أن المعضلة المستعصية التي تواجههم إن المكان المزعوم يوجد عليه أقدس مقدسات المسلمين، المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وتدعم الكنائس البروتستانتينية التي ظهرت في الولايات المتحدة في القرن العشرين الأكاذيب والمطامع اليهودية في المقدسات الإسلامية. وتؤكد أن العهد القديم معصوم عن الخطأ لا في قضايا العقيدة والأخلاق فحسب بل وأيضاً في كل ما يتعلق بالتاريخ ومسائل الغيب".

وتعمل جمعية بروتستانتية وهي "مؤسسة هيكل القدس" ومقرها مدينة دينفر الأمريكية جنباً إلى جنب ويداً بيد مع اليهود المتعصبين في القدس من أجل تحقيق هذا الهدف الإرهابي المشترك وهو عودة السيطرة اليهودية على المسجد الأقصى.

وأعرب رئيس الجمعية عن أمله باستعادة موقع الهيكل وادعى بان دوافعه دينية وليست سياسية وتحدث عن الإسلام بازدراء قائلاً: "إن الدين الإسلامي ليس عدواً لليهودية فحسب بل هو عدو للديانة المسيحية أيضاً".

وعبر جيرشون سالومون، زعيم جماعة الأوفياء لجبل الهيكل عن الأطماع اليهودية في المسجد الأقصى قائلاً: "إننا لن نوقف نشاطنا إلى أن يتحقق هدفنا في الاستيلاء على جبل الهيكل (أي منطقة المسجد الأقصى) وسيطرة اليهود عليه".

يقول يشاياهو ليبوفيتس عن أطماع اليهود في مدينة القدس واستغلالهم للأساطير والخرافات الدينية لتبرير الاستعمار الاستيطاني: "إن التحجج أنه لا يمكننا التنازل عن سيادة دولة إسرائيل على جبل الهيكل بسبب مكانته المقدسة ليس إلا نفاقاً سياسياً مغلفاً بقناع ديني قومي… إن الطقوس التي تقام حول حائط المبكى وكهف الخليل هي طقوس وثنية، إنها فلكلور بدائي مخجل. إن هذه الأماكن المقدسة مزيفة، هذا أمر مؤكد. ليس لحائط المبكى أي قيمة في نظري لقد أصبح اليوم بمثابة مرقص ديني قومي. وكذلك الشأن بالنسبة إلى جبل الهيكل، وليس ما أقوله كفراً فالهيكل اختفى منذ ما يزيد عن ألف وتسعمائة وعشرين سنة".

- احتلال القدس الغربية:

كانت مجزرة دير ياسين الوحشية التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة في التاسع من نيسان 1948 نقطة تحول في الترحيل القسري للعرب من فلسطين.

وكانت مكبرات الصوت تبث في شوارع القدس الغربية وبشكل خاص في حي القطمون التهديد التالي: "إن لم ترحلوا عن بيوتكم سوف تلقون المصير الذي آلت إليه دير ياسين".

واعترف الكاتب الصهيوني هاري ليفين بأن اليهود استخدموا مكبرات الصوت لتهديد عرب المدينة المقدسة بالقول: "الطريق إلى أريحا مفتوحة أمامكم وسالكة! اهربوا من القدس قبل أن تقتلوا جميعكم.

وشكل حي الشيخ بدر العربي في القدس الغربية، حيث يقع حالياً مبنى الكنيست، هدفاً رئيسياً للتهديد والضغط والاعتداءات الصهيونية. واستخدام الصهاينة شتى الأساليب لإرهاب سكان الحي العربي، وتراوحت بين الملصقات والمنشورات التي تنصح بالإخلاء والمغادرة إلى التهديد بالقتل من أجل سلامتكم".

وأخذ أعضاء عصابة الهاغاثاة الإرهابية يتسللون في الليل داخل الحي ويقطعون خطوط الهاتف والكهرباء، ويقذفون القنابل اليدوية، ويرشقون الطلقات النارية لخلق جو من الذعر والرعب لحملهم على الرحيل من القدس الغربية.

وبالفعل نجحوا في مساعيهم وأجبروا سكان حي الشيخ بدر على الرحيل وطردوهم من القدس الغربية. وركزت عصابة الهاغاناة على حي القطمون، لأنه يشكل موقعاً استراتيجياً لتأمين السيطرة الكاملة على القدس الغربية.

وشكل فندق سمير أميس أهم المعالم البارزة في الحي، لذلك قام الإرهابيون اليهود بتفجير الفندق. ووصل عدد ضحايا الجريمة اليهودية في الفندق الأربعين. وبررت عصابة الهاغاناة تفجير الفندق بالقول أنه "مكان يستعمل كقاعدة انطلاق للعصابات العربية وكغرفة عمليات رئيسية لمنظمة الشباب العربي المسلح. "لكن التحقيق الذي قامت به سلطات الانتداب البريطاني، والتي كانت لا تزال تحكم فلسطين أكدا أنه "لا صحة إطلاقاً لادعاء اليهود". ووصف التقرير البريطاني تفجير فندق سمير أميس بأنه "مجزرة بالجملة لأناس أبرياء".

ويؤكد الكتاب المقدسي سامي هداوي أنه بينما كان عائداً إلى منزله شاهد مدرعة يهودية تبث عبر مكبرات الصوت باللغة العربية "الطريق إلى جسر اللنبي سالكة، اهربوا قبل أن يؤول مصيركم إلى ما آل إليه مصير دير ياسين".

ونجحت الصبابات الإرهابية اليهودية من ترحيل سكان حي القطمون، ونهب اليهود المنازل وسرقوا منها الطعام واللباس والأثاث.

وكانت مجزرة دير ياسين الوحشية والتي أباد اليهود فيها جميع سكان القرية وعددهم (276) نسمة منطلقاً لاحتلال القدس الغربية ومحطة أساسية للهجوم عليها.

واستولت العصابات اليهودية المسلحة في أيار 1948 على القدس الغربية، وعلى الأحياء العربية فيها ومنها حي الطوري، حي النبي داوود، وحي القطمون، وحي شنلر، والبقعا التحتا والفوقا. وشردت حوالي (60) ألف من سكان القدس الغربية العرب. وضم اليهود بعد احتلالها العديد من القرى العربية إليها ومنها بيت صفافا، والمالحة وشرفات وعين كارم وبتير. وكان فيها العديد من قطع الأراضي للوقف الإسلامي والعديد من المساجد والكنائس، مما شكل اعتداء على حقوق الإسلامي والمسيحية.

فالوجود الإسرائيلي في القدس الغربية قام على الاحتلال والضم والتهويد خلافاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وبنت إسرائيل فوق أراضي قرية عين كارم العربية التي ضمتها إلى القدس المحتلة مستشفى هداسا والنصب التذكاري لضحايا النازية (ياد فاشيم).

وتعود ملكية الأراضي التي بنيت عليها القدس الغربية للعرب، حيث كانت نسبة أملاك اليهود في محافظة القدس عام 1948 حوالي 2% بينما بلغت الأملاك العربية 84% وأملاك الدولة 14%.

أخذت العصابات اليهودية المسلحة في 14/5/1948 بمجرد مغادرة الجنود البريطانيين للمدينة باحتلال ما بأيدي العرب من أحياء خارج أسوارها وأهم المراكز الاستراتيجية. ولم يبق للعرب من الأحياء خارج السور إلا باب الساهرة ووادي الجوز.

وأخذوا يهاجمون أبواب المدينة القديمة لاحتلالها وتصدى المدافعون العرب لهم وردوا هجماتهم عن أسوار المدينة وأدى التعاون بين المجاهدين والجيش الأردني إلى تطهير المدينة من الحي اليهودي وصد محاولات احتلالها وأحكمت القوات العربية الحصار على القدس الغربية، مما أدى إلى نقص الذخائر والمؤن ومياه الشرب. فاتخذ مجلس الأمن قرار لوقف إطلاق النار في 22/5/48. وفرضت الأردن على اللجنة السياسية للجامعة العربية التي اجتمعت في عمان بتاريخ 25/5/48 قبول الهدنة بحجة أن الجيش الأردني لا يستطيع الاستمرار في الحرب بسبب نقص المؤن والمعدات والذخائر.

ووافقوا على أخطر خطوة في تاريخ القدس بفك الحصار عن اليهود في القدس الذين كانوا على وشك التسليم.

وبدأت قوافل المؤن والذخائر تتجه من تل أبيب إلى القدس على مرأى من رجال الهدنة. ونقلوا الرجال والعتاد والسلام وشقوا الطرق.

وقام قائد الفرقة الثالثة في الجيش الأردني البريطاني نورمان لاش بعقد اتفاقية مع اليهود ولصالحهم في 7/7/1948 لنزع السلاح في منطقة سكوبس الواقعة في المنطقة العربية وبها الجامعة العبرية ومستشفى هداسا، وجعلها منطقة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، وكانت خاضعة لسلطة العرب نظراً لانقطاعها عن الاتصال بالقدس الغربية المحتلة.

- تهويد القدس الغربية:

اقترحت الأمم المتحدة إعلان منطقة القدس منزوعة السلام. ووافقت الحكومة الأردنية في أوائل آب 1948 على مبدأ تجريد القدس من السلاح ورفضته إسرائيل.

ووقعت إسرائيل اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية عام 1949، ولكنها صعدت اعتداءاتها على المدينة المقدسة بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة من أراضيها. وأخذت تحتل المنطقة المجردة من السلاح بين القدس القديمة والقدس الغربية التي احتلتها وضمتها للقدس المحتلة.

حاولت الأمم المتحدة أن تضع منطقة القدس بكاملها تحت الإدارة الدولية. وأيدها بذلك الفاتيكان والدول الكاثوليكية والكنائس العالمية والدول العربية باستثناء الأردن. اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9/12/1949 القرار رقم (303 – 4)، أكدت فيه عزمها على وضع منطقة القدس تحت نظام دولي دائم يضمن حماية الأماكن المقدسة داخل المنطقة وخارجها، وعهدت إلى مجلس الوصاية تحقيق ذلك.

أعلنت إسرائيل رسمياً في 11/12/1949 نقل عاصمتها من تل أبيب إلى القدس.

ورفضت إسرائيل التدويل وأعلنت الكنيست بياناً جاء فيه: "أن القدس جزء لا يتجزأ من إسرائيل"، ونقل رئيس الوزراء الإسرائيلي وعدد من الوزراء مكاتبهم في 14/12/1949 إلى القدس المحتلة وانعقدت الكنيست فيها وأعلنت في 26/12/1949: "أن القدس عاصمة إسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل في 14/ أيار 1948" وأعلن بن غوريون، مؤسس "إسرائيل أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل".

وقاد الانتصار العسكري الذي حققته إسرائيل عام 1948، وانقسام العرب بخصوص التدويل بين الرفض والقبول وسكوت الأمم المتحدة على تحدي إسرائيل للقرارات الدولية إلى تشجيع إسرائيل في توطيد أقدامها في القدس الغربية المحتلة وفرض سياسة الأمر الواقع كمقدمة لتهويدها ونزع طابعها العربي الإسلامي.

استنكرت معظم الدول التي اعترفت بإسرائيل نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس الغربية، واحتج مجلس الوصاية الدولية على الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في القدس المحتلة. وأحال الموضوع في شتاء 1950 إلى الجمعية العامة. ولكن الأمم المتحدة انشغلت في الحرب الكورية التي أشعلتها الولايات المتحدة. وقدمت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة بتاريخ 9/7/1952 تحذر فيها من اعتزام نقل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى القدس.

وعززت إسرائيل مركزها غير القانوني في القدس الغربية من خلال عقد جلسات لجان الكنيست ونقل الوزارات والدوائر الحكومية وإعطاء التسهيلات لنقل السفارات الأجنبية، والتركيز على عقد المؤتمرات الدولية ومنح الامتيازات والتسهيلات للمستثمرين الأجانب في المدينة.

وبدأت عام 1961 ببناء مقر الكنيست في القدس بأموال تبرع بها الملياردير جيمس دي روتشليد وانتهى بناء المقر عام 1966.

واعتبرت الدول العربية أن بناء المقر الجديد للكنيست جزءاً من المخطط الإسرائيلي لجعل القدس المحتلة عاصمة فعلية لإسرائيل، مما يؤدي إلى تثبيت وجودها التوسعي والعدواني في مدينة الإسراء والمعراج، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبالتالي تكون قد سخرت المزاعم والخرافات والأساطير الدينية في خدمة الأهداف الاستعمارية لإسرائيل وإعلاناً عملياً صريحاً برفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وجريمة عظمى بحق المسلمين والمسيحيين.

اعتبرت الصحافة الإسرائيلية: "أن تدشين الكنيست هو تدشين لرمز السيادة الإسرائيلية وعيد قومي لإسرائيل ودليل على نجاحها في جعل القدس عاصمة لها".

وأكدت الدول العربية أن افتتاح مبنى الكنيست الجديد في القدس المحتلة إساءة (وإهانة واحتقار) للعرب، وأن حضور ممثلي البرلمانات والدبلوماسيين تشجيع "لإسرائيل" على الاستمرار في تحدي قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس وفلسطين.

وبالتالي تابعت "إسرائيل" مخططها في فرض الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة والعدوان والاحتلال والتهويد لانتهاك حرمة الأماكن الإسلامية والمسيحية وتغيير الوجه العربي الإسلامي لمدينة القدس العربية.

ضم الملك عبد الله في كانون الأول 1949، الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى الأردن، وحل البرلمان لإجراء انتخابات برلمانية في الضفتين، وصدر في 24 نيسان 1950 القرار الأردني بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية واعترفت بريطانيا بالضم بتاريخ 27/نيسان/1950.

وأعلن الأردن عام 1959 أن القدس الشرقية العاصمة الثانية للملكة الأردنية الهاشمية. وتبلور الوضع في المدينة المقدسة على الشكل التالي: القدس الغربية المحتلة عاصمة "إسرائيل" والقدس الشرقية العاصمة الثانية للمملكة الأردنية.

- احتلال القدس الشرقية:

أشعلت "إسرائيل" في الخامس من حزيران عام 1967 حرب حزيران العدوانية لتدمير القوات والمنجزات العربية وإقامة إسرائيل العظمى ولفرض الهيمنة الإسرائيلية والأميركية على النفط والثروات والأموال والأسواق العربية.

واحتلت في السابع من حزيران مدينة القدس الشرقية، وأسفر الاحتلال عن خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وإتلاف شبكات الكهرباء والهاتف وتشكلت إدارة عسكرية أخذت تعمل على ترحيل السكان العرب مما ا>ى إلى نزوح حوالي (30) ألف من المقدسيين. وأصدرت في 11/6/1967 قراراً ضمت فيه الضفة الغربية بما فيها القدس إلى الكيان الصهيوني. وأصدرت الكنيست والحكومة الإسرائيلية ووزير الداخلية في 27/28 حزيران 1967 عدة قرارات جعلت القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من القدس الغربية المحتلة.

بدأت إسرائيل والجرافات الإسرائيلية بتغيير معالم القدس العربية منذ الساعات الأولى للاحتلال، لتهويدها وخلق حقائق جديدة يستحيل معها الانسحاب منها، وذلك بتدمير الأحياء العربية، وبناء الحياء اليهودية، وسلسلة من المستوطنات التي تحيط بالقدس من جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب إلى أقلية، وخلق التواصل بين شطري المدينة والمستوطنات اليهودية حولها. وأزالت بوابة مندلبوم التي كانت نقطة العبور بين القدس الشرقية والغربية.

وضمت أحياء صور باهر، والشيخ جراح، ومطار قلنديا، وجبل سكوبس، ومنطقة شعفاط إلى القدس الغربية المحتلة عن طريق استخدام القوة والاحتلال وفرض الأمر الواقع خلافاً لمبادئ القانون الدولي.

وصلت الوحشية الصهيونية والأطماع اليهودية حداً طالب فيه مؤسس إسرائيل، دافيد بن غوريون في كلمة ألقاها في مركز رافي للدراسات في العشرين من حزيران عام 1967 بهدم سور القدس التاريخي لأسباب ثلاثة:

1- لأننا نريد قدساً واحداً لا اثنتين: يهودية وعربية.

2- يجب هدم السور فهو غير يهودي إذ بناه سلطان تركي في القرن السادس عشر.

3- سيكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية، إذ عندها سيعرف العالم أن هناك قدساً واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية.

اتخذت الجمعية العامة لأمم المتحدة في الرابع من تموز 1967 قراراً يعتبر أن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي غير مشروعة ويدعو إسرائيل إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس المحتلة.

وعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبحثت موضوع القدس مجدداً لإصرار إسرائيل على الضم والاحتلال والتهويد واتخذت قراراً تستنكر فيه رفض "إسرائيل" تنفيذ قرار المنظمة الدولية السبق وكررت دعوتها إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذتها والامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس.

ووصلت وقاحة أبا أيبان وزير خارجية إسرائيل حداً أعلن فيه أمام الأمم المتحدة أنه حتى لو صوتت جميع الدول الأعضاء ضد إجراءات ضم القدس العربية والقرى المحيطة بها إلى إسرائيل، فإن إسرائيل لن تتزحزح عن قراراتها أو تلغي هذه الإجراءات.

وأعلنت إسرائيل كذباً وبهتاناً وبوقاحة منقطعة النظير أنها تقصد من توحيد المدينة تحقيق المساواة القانونية والإدارية بين سكانها وتيسير الخدمات وسهولة المواصلات والاتصال بين الاقتصاد المتخلف في القطاع العربي منها بالاقتصاد الأكثر تطوراً في القطاع الإسرائيلي.

ووعدت الأمم المتحدة بالعناية برفاهية السكان العرب، ورفع مستوى حياتهم المعيشي إلى مستوى الحياة السائد في إسرائيل. ولكن الواقع يثبت أن اليهود أساتذة في فن الكذب.

أرسلت الأمم المتحدة أرنستو تالمان، الممثل الشخصي للسكرتير العام للأمم المتحدة في آب 1967 إلى القدس لوضع تقرير إلى الأمم المتحدة عن وضع القدس العربية.

وأكد تقرير المبعوث الدولي أن السلطات الإسرائيلية تصر على أن عملية توحيد المدنية لا رجوع عنها، ولا يجوز التفاوض بشأنها.

أما السكان العرب في المدنية العربية فأعلنوا للمبعوث الدولي رفضهم فرض السيادة الإسرائيلية على القدس العربية عن طريق ضمها أو توحيدها، وأنهم صعقوا لما قامت به إسرائيل من انتهاكات لقدسية الأماكن الإسلامية والمسيحية. وإنهم يعتبرون قيام كبير حاخامي الجيش الإسرائيلي بالصلاة داخل الحرم الشريف استفزازاً مدبراً للمسلمين.

واتخذ مجلس الأمن الدولي في 21 أيار 1968 القرار رقم (253) أكد فيه أن الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري أمر غير مقبول، ويأسف لعدم امتثال "إسرائيل" لقراري الجمعية العامة، ويعتبر أن الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي قامت بها إسرائيل، ومن بينها نزع ملكية الأراضي والممتلكات التي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني في القدس هي إجراءات وأعمال باطلة ولا يمكن أن تغير هذا الوضع. وطلب مجلس الأمن الدولي من إسرائيل أن تلغي بصورة عاجلة جميع الإجراءات التي اتخذتها فعلاً، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يهدف إلى تغيير الوضع في القدس.

وأعلنت إسرائيل في نفس الجلسة التي اتخذ فيها مجلس الأمن قراره أنها لن تنفذ القرار. وأعلن رئيس وزراء إسرائيل، ليفي اشكول في 28/5/ 1968 أي بعد أسبوع من اتخاذ قرار مجلس الأمن أن إسرائيل قررت نقل القيادة المركزية للجيش الإقليمي، وقيادة الشرطة الإقليمية ومكاتب البريد والعمل إلى القدس العربية، أي القدس الشرقية وظهرت خطورة الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس بمحاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 آب 1969 بتخطيط شيطاني، وعلى نطاق رسمي في ثلاثة مواقع من المسجد وقطع المياه عنه ومنع سيارات الإطفاء العربية القادمة من الضفة الغربية من القيام بعملها وزعمت أن يهودياً مجنوناً أقدم على محاولة حرق المسجد الأقصى.

وأدت ردود الفعل في العالم الإسلامي إلى عقد مؤتمر القمة الإسلامي الأول في الرباط في كانون أول 1969 لإنقاذ المسجد الأقصى ومدينة القدس من أخطار اليهود وأطماعهم.

اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 271 بتاريخ 15/9/1969 على أثر محاولة إسرائيل إحراق المسجد الأقصى عبّر فيه عن الحزن لما لحق بالمسجد الأقصى، والخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية. وأكد القرار على جميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن السابقة، وعلى مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالغزو العسكري. وطالب إسرائيل الامتناع عن خرق القرارات السابقة وإبطال جميع الإجراءات والأعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس. واتخذ مجلس الأمن القرار 298 في 25/9/1971 أكد فيه على أن جميع الأعمال والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس لاغية ولا تستند إلى شرعية قانونية. ودعا "إسرائيل" إلى إلغائها وعدم اتخاذ خطوات أخرى في القدس المحتلة.

ولكنها تابعت العمل على تغيير معالم المدينة العربية وتهويدها تحت شعار كاذب، ومضلل وهو إعادة توحيد المدينة. وظهر بجلاء تصميم العدو على البقاء في المدينة وعدم الانسحاب منها.

أقام وزير الحرب موشي دايان بعد احتلال القدس مباشرة الصلاة أمام حائط البراق، أي الحائط الغربي من المسجد الأقصى، وهو وقف إسلامي، ويزعم اليهود أنه حائط المبكى.

وعقد عدد من حاخامات اليهود في العالم اجتماعاً في القدس طالبوا فيه ببناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ورد عليهم وزير الأديان الإسرائيلي آنذاك: "أنه لا يناقش أحد في أن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل ولكن لم يحن الأوان بعد وعندما يحين الموعد لا بد من حدوث زلزال يهدم المسجد الأقصى ونبني الهيكل على أنقاضه".

وأكد شلومو غورين، حاخام الجيش انهم سيزيلون المسجد الأقصى ويستعيدون الهيكل. وكان هرتسل والمؤسسون الصهاينة قد طالبوا بإعادة العبادة إلى الهيكل مكان المسجد الأقصى.

أخذت المزاعم والأطماع اليهودية تتجسد على أرض الواقع بمجرد احتلال الشطر الشرقي من المدينة المقدسة، حيث استولت إسرائيل بعد أيام قليلة من الاحتلال على باب المغاربة، وهو أحد أبواب الحرم القدسي الشريف.

ووضعت مركزاً عسكرياً ثابتاً عليه لجيش الاحتلال، وأخذت مجموعات من الإسرائيليين بالدخول إلى المسجد الأقصى والحرم الشريف والساحة العامة للمسجد من باب المغاربة.

احتجت دائرة الأوقات والهيئة الإسلامية ورجال الدين والشخصيات العربية في القدس والضفة الغربية على ممارسات اليهود غير الأخلاقية والاستفزازية. وقام المسلمون والمسيحيون في القدس بمظاهرات الاحتجاج للتعبير عن سخطهم، ولكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قمعتها بالقوة. وأجابت على مظاهرات ومذكرات الاحتجاج العربية بتوجيه إنذار إلى الهيئة الإسلامية في القدس يطلب فيه موشي ديان، وزير الحرب الإسرائيلي بعدم الاعتراض على دخول اليهود إلى المسجد الأقصى والحرم الشريف جاء فيه "أن جيل البيت (منطقة الأقصى) هو مقدس عند اليهود ومن حقهم أن يمارسوا شعائرهم الدينية كما هو من حق المسلمين".

ودخل مجرم الحرب موشي ديان في نفس اليوم الذي نشر تهديده الحرم الشريف على رأس مجموعة من الإسرائيليين من باب المغاربة وخرج من باب آخر. ودخل يغال الون، نائب رئيس الوزراء الحرم على رأس مجموعة أخرى من باب السلسلة وخرج من باب الحديد، وذلك للتأكيد على أن جميع أبواب منطقة الأقصى (الحرم الشريف) يجب أن تكون مفتوحة أمام اليهود. وبدأت إسرائيل على الفور بتدمير المقدسات العربية المسيحية والإسلامية.

قامت سلطات الاحتلال بحفريات متعددة داخل سور المدينة المقدسة وبشكل خاص أسفل المناطق والعمارات الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي للمسجد الأقصى مدعية أنها تنقب عن بقايا هيكل سليمان، مما تسبب في تصدع العديد من العمارات الوقفية الإسلامية. وهدمت قوات الاحتلال معظمها، حيث كانت تستخدم للسكن وللأغراض الدينية والحضارية. وأزالت حارة المغاربة التي كان يعيش فيها ثلاثة آلاف من المواطنين العرب بحجة توسيع حائط المبكى.

ووصلت الحفريات إلى أسفل الحائط الجنوبي للحرم الشريف والأروقة السفلية للمسجد الأقصى وأسفل مسجد عمر، بالإضافة إلى حفر وفتح النفق الذي فجر انتفاضة الأقصى الأولى واستشهد على أثر ذلك مئة من سكان القدس العرب على أيدي السفاح نتن ياهو عام 1996، كما استشهد أكثر من الألفين من الفلسطينيين في انتفاضة الأقصى الثانية.

وتسخر إسرائيل الحفريات والتنقيب عن الآثار لتهويد القدس والاستيلاء على الأرض العربية واستيطانها، بعيداً عن حق الملكية والعدالة وروح العلم والمفاهيم الأخلاقية والحضارية والإنسانية والشرعية الدولية.

وتعمل سياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلية على إيجاد أغلبية يهودية في القدس بشقيها وفي المناطق الريفية التي تضمها المدينة العربية.

وأصبحت القدس الشرقية بحدودها الموسعة جزءاً من الكيان الصهيوني المغتصب وجزءاً لا يتجزأ من بلدية القدس الغربية المحتلة. وخضع سكانها العرب للقانون الإسرائيلي وما يفرضه من واجبات وبالتالي خضعوا لدولة العدو وقضائها وإدارتها.

بدأت إسرائيل منذ اليوم الأول للاحتلال بالاعتداء على المسجد الأقصى فقامت بالعديد من الحفريات والأنفاق حوله وتحته بحثاً عن أي أثر يمت إلى هيكل سليمان بصلة.

- تهويد المؤسسات التعليمية والقضائية والتراث الإسلامي:

بدأت قوات الاحتلال باتخاذ العديد من الإجراءات كمقدمة لتهويد المدينة العربية، حيث عملت إسرائيل على تهويد المؤسسات التعليمية والثقافية والحضارية العربية الإسلامية لتكريس التهويد الثقافي والنفسي. ومن هذه الإجراءات.

1- إلغاء البنية التعليمية العربية واستبدالها ببنية تعليمية إسرائيلية من خلال:

آ - إغلاق مكتب مديرية التربية والتعليم في القدس وإلحاق المدارس الحكومية الثانوية ببلدية القدس المحتلة والمدارس الإعدادية والإلزامية بوزارة المعارف الإسرائيلية، والطلب إلى المكتب والمدرسين والعاملين في المدارس التوجه إلى بلدية القدس الإسرائيلية أو وزارة المعارف لتقديم طلبات عمل جديدة.

ب- إلغاء المنهاج التعليمي الأردني. وتطبيق منهاج التعليم الإسرائيلي في كافة المدارس الحكومية بمراحلها الثلاث. وقد تضمن المنهاج الإسرائيلي:

1ً- فرض اللغة العبرية على الطلاب العرب كلغة أساسية في المنهاج الدراسي للمراحل الثلاث.

2ً- فرض مادة المجتمع الإسرائيلي وإلغاء مادة المجتمع العربي والتاريخ العربي وكل المواد الوطنية الأخرى، ويعني ذلك عزل الطالب الفلسطيني عن حضارته وتكريس القطيعة بينه وبين تاريخه وتراثه وفك الارتباط بقيمة الروحية والحضارية، وبث روح اللا مبالاة من خلال التوجه غير الوطني الذي تنشره المواد التعليمية الصهيونية، وغرس مشاعر اليأس والإحباط والفشل في عقول الطلبة الفلسطينيين من خلال التركيز على الخلافات العربية والضعف العربي وتأكيد عبقرية اليهودي وتفوقه على غيره من البشر، وإضعاف المستوى الثقافي والتعليمي لدى الطلبة الذي ينجم عن إغراق المدارس بالمعلمين غير المؤهلين وغير الأكفاء، لأن المعلمين القدامى رفضوا العمل في المدارس تعبيراً عن رفضهم للاحتلال وفرض المناهج الإسرائيلية على المدارس العربية وعزلت البرامج التعليمية الجديدة في القدس العربية عن بقية أنحاء الضفة الغربية.

وأخذت سلطات الاحتلال تضيق الخناق على النواحي الثقافية والرياضية العربية وحرمتها من التمويل الضروري لها. وأخذت تشجع الشبان العرب على التردد والانتساب إلى النوادي الرياضية اليهودية والمؤسسات الثقافية الإسرائيلية بهدف تفتيت روح الوحدة والتجمع والتضامن، والانتماء بين الشباب العرب وتكريس روح الإحباط الناجمة عن المقارنة بين المستوى الإسرائيلي والمستوى العربي.

وتمشياً مع عمليات التهويد الثقافية والحضارية قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتهويد القضاء النظامي والشرعي في المدينة من خلال الإجراءات التالية:

آ- فصلت جميع القضاة العرب في محاكم القدس وطلبت إليهم تقديم طلبات جديدة لقبولهم قضاة وفق أحكام القانون الإسرائيلي.

ب- دمجت المحاكم النظامية العربية في القدس بالمحاكم الإسرائيلية.

ج‍- فكت ارتباط المحكمة الشرعية في القدس بالمحاكم الشرعية الأخرى في الضفة الغربية واعتبرتها تابعة للمحكمة الشرعية في يافا.

د- فصلت النظام القضائي، في القدس عن النظام القضائي في الضفة الغربية.

ه‍‍- نقلت مقر محكمة الاستئناف العليا من القدس إلى رام الله.

و – نقلت مقر محكمة العدل العليا الإسرائيلية إلى مدينة القدس العربية.

ز- نقلت مقر وزارة العدل الإسرائيلية إلى مدينة القدس العربية.

وانطلاقاً من عنصرية الصهيونية وممارسة إسرائيل العنصرية كسياسة رسمية وانطلاقاً من أسطورة شعب الله المختار وأسطورة ارض الميعاد تعرّض التراث الحضاري العربي الإسلامي والمسيحي إلى التدمير والتهويد للتخلص منه وإبادته من خلال:

1- الحفريات حول المسجد الأقصى وتحته من الناحيتين الجنوبية والغربية لهدم المعاهد والمدارس والمساجد والمساكن والمقابر التي تقع في منطقة الحفريات، وربما هدم المسجد الأقصى نفسه.

2- محاولة إحراق المسجد الأقصى لتدميره والتخلص منه ومن المقدسات غير اليهودية.

3- الاستيلاء على متحف الآثار الفلسطيني وتحويله إلى متحف إسرائيلي ونقل بعض الآثار والمخطوطات منه إلى المتاحف الإسرائيلية.

4- انتهاك حرمة الأماكن المسيحية المقدسة كالاعتداء على كنيسة القيامة بالقدس، في عام 1971، وفي عام 1977.

5- مصادرة عقارات وأراض عربية إسلامية ومسيحية فيها 4 أحياء مجاورة لمنطقة الحرم القدسي ومصادرة مساحات واسعة من أراضي بطريركية الروم الأرثوذكس وبطريركية الأرمن الأرثوذكس وهدمها. ومصادرة (25) دونم لدير اللاتين.

6- إطلاق أسماء يهودية على الشوارع والساحات العربية بدلاً من الأسماء العربية والإسلامية التاريخية. وقامت سلطات الاحتلال بإجراءات تدمير البنية الاقتصادية العربية للمدينة المحتلة وتهويد المرافق والخدمات العامة وتطبيق قوانين الضرائب والجمارك الإسرائيلية على الصناعات العربية وإخضاعها للمنافسة غير المتكافئة مع الصناعات الإسرائيلية مما أدى إلى تعريضها للإفلاس كما حدث مع شركة كهرباء القدس. وقضت على دوائر الصحة والخدمات الهاتفية والبريدية والبلدية… وجمدت النقابات العربية وطرحت مكاتب الهستدروت كبديل لها، وقلصت عدد الجمعيات الخيرية العربية المسجلة وأجبرتها على فك ارتباطها مع الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في الضفة الغربية.

جرت عملية مصادرة الأراضي العربية وتهويدها في القدس الشرقية على خمس مراحل:

المرحلة الأولى: في كانون الثاني عام 1968 وصادرت سلطات الاحتلال (5.100)، دونم في الشيخ جراح وقلنديا.

المرحلة الثانية: في آب 1970 وصادرت سلطات الاحتلال (14.000) دونم من أراضي قرى بيت حنينا، بيت إكسا، بيت صفافا، حزما وصور باهر.

المرحلة الثالثة: في آذار 1980 وصادرت سلطات الاحتلال (5.000)، دونم من أراضي شعفاط وبيت حنينا.

المرحلة الرابعة: في نيسان 1991 وتمت مصادرة (19850) دونم في جبل أبو غنيم من أراضي أم طوبا وبيت ساحور.

المرحلة الخامسة: في نيسان 1992 جرت مصادرة (2000) دونم من أراضي شعفاط.

ووافقت الحكومة الإسرائيلية عام 1995 على بناء مستعمرة هار حوما (أبو غنيم)، وقررت في أيار 1997، البدء بإنشائها.

تركز إسرائيل على توحيد القدس ووجوب المحافظة على وحدتها وكأن احتلال الأرض العربية والتوسع والتهويد على حساب الأرض والحقوق والمقدسات العربية وترحيل العرب وإحلال قطعان المستوطنين محلهم يرمز إلى وحدة المدينة أو إعادة توحيدها.

إن ما جرى ويجري في مدينة القدس، مدينة الإسراء والمعراج هو تحقيق للأكاذيب والخرافات والأساطير والأطماع اليهودية ولا يمت لتوحيد المدينة أو لأي مفهوم إنساني أو ديني أو حضاري بأية صلة، بل يجسد الاستعمار الاستيطاني اليهودي بأجلى مظاهره.

- الكنيست وتهويد القدس الشرقية:

تصدى سكان مدينة القدس العرب للاحتلال الإسرائيلي البغيض. ورفضوا وقاوموا إجراءات وممارسات ومواقف إسرائيل بضم مدينتهم ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم والاعتداء على مقدساتهم المسيحية منها والإسلامية، ونهب الآثار وإقامة الحفريات تحت المسجد الأقصى لهدمه.

وأضربوا وتظاهروا وقاوموا الاحتلال. ورفعوا العرائض المذكرات والشكاوي للهيئات والمنظمات الدولية ولحكومة إسرائيل أعلنوا فيها رفضهم للاحتلال الإسرائيلي والتهويد والتمسك بعروبة مدينتهم المقدسة.

ووقف العرب والمسلمون والدول الاشتراكية والدول غير المنحازة بجانبهم في المحافل والهيئات الدولية.

وتحظى القدس بإجماع فلسطيني وعرب على عروبتها بشطريها الغربي والشرقي تَجَسدَ في جميع مؤتمرات القمم العربية والإسلامية. وبالتالي فإن على المفاوض الفلسطيني أن يتمسك بعروبة المدينة بشطريها مستقوياً بالموقفين العربي والإسلامي وبالموقف الدولي الذي يتمسك بقرارات الشرعية الدولية ومنها رقم 181 و 242 و 252 إلى تنص إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القدس ومن جميع الأراضي العربية المحتلة.

ويقوم الموقف الإسرائيلي على أساس "نعم للسلام بدون عودة القدس العربية".

وتتضمن برامج الأحزاب الإسرائيلية سواء كانت في السلطة أو المعارضة "أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة تحت السيادة الإسرائيلية".

وتتفق جميع الأحزاب الإسرائيلية اليمينية منها واليسارية على التمسك باحتلال القدس وتهويدها واستمرار الاحتلال والاستعمار الاستيطاني وبناء المستعمرات واستمرار سياسة البطش والإبادة والهيمنة.

وأكدت حركة السلام الآن في بيانها الصادر عام 1980 التزامها بان القدس هي عاصمة دولة إسرائيل الأبدية والموحدة تحت السيادة الإسرائيلية.

وشنت هجوماً شرساً بعد عام 1981 على الدول التي رفضت نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

إن مواقف ما يسمى باليسار الإسرائيلي من القدس مستند إلى ثوابت الفكر الصهيوني ومواقف النخبة الحاكمة، مما يفقدها القدرة والتأثير على بعض المطبعين والمثقفين العرب، لأنها حركة تخدم أهداف المشروع الصهيوني وتعطي وجه إسرائيل القبيح مسحة ديمقراطية. وثبت بجلاء عدم وجود أي فرق بين اليسار واليمين وبين ما يسمى بالحمائم والصقور وحتى بين السفاح شارون ومجرم الحرب بيرس عندما يتعلق الأمر بشان القدس وأهداف المشروع الصهيوني. ويؤكد اليسار على ريادة إسرائيل في المنطقة وأنها "لا تتحقق إلا بالتفوق الإسرائيلي على العرب اقتصادياً وفكرياً وإعلامياً، وأن قوة إسرائيل العظمى تُقاسم بحجم ما تسيطر عليه من أسواق".

صنع اليهود أهمية بالغة لمدينة القدس ورسخوها في نفوسهم ونفوس مؤيديهم بسبب موقعها الاستراتيجي ومكانتها السياسية والدينية وأهميتها السياسية والاقتصادية لتحقيق الخرافات والمزاعم اليهودية ولإذلال العرب والمسلمين وإخضاعهم والسيطرة عليهم وعلى ثرواتهم.

زعم وزير خارجية إسرائيل إبا ايبان عندما ضمت دولته القدس الشرقية من خلال القوانين الثلاثة التي أقرتها الكنيست في 27 و 28/ حزيران 1967 أنها تهدف إلى "تأمين الخدمات البلدية والاجتماعية والمالية لسكان جميع أجزاء المدينة".

ولكن النوايا الاستعمارية لدولة الاحتلال ظهرت بجلاء إزاء القدس المحتلة عندما سنت الكنيست في 30 تموز 1980 القانون الأساسي: "القدس عاصمة إسرائيل".

نصت المادة الأولى من القانون على أن "القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل". ونصت المادة الثانية على أن القدس (الشرقية والغربية) هي مقر رئيس الدولة والحكومة والمحكمة العليا".

أخذت سلطات الاحتلال تعلن منذ ذلك الحين وحتى اليوم وبوقاحة وعنجهية استعمارية وعنصرية منقطعة النظير أن القدس الشرقية والغربية مدينة واحدة وموحدة وهي عاصمة دولة إسرائيل الأبدية.

عمّ السخط والغضب والاحتجاج الشعوب العربية والإسلامية والأوساط الدولية كافة. وعبّر المجتمع الدولي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن استنكاره وانتقاده ورفضه لخطوة الاحتلال الإسرائيلي.

واتخذ مجلس الأمن الدولي بتاريخ 20/8/1980 القرار رقم 478 الذي أدان فيه "إسرائيل" وقرر المجلس أن "جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، القوة المحتلة، والتي غيرت معالم مدينة القدس ووضعها واستهدفت تغييرها، خصوصاً القانون الأساسي الأخير بشأن القدس، هي إجراءات باطلة أصلاً ويجب إلغاؤها".

ودعا مجلس الأمن "الدول" التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات وبالفعل لبّت 12 دولة من مجموع 13 دولة سحب سفاراتها من القدس ولم تبق سوى سفارة كوستاريكا.

ولعب الكنيست الصهيوني دوراً أساسياً في تكريس ضم القدس الشرقية وتثبيت الاحتلال وتهويد المدينة وتحقيق الاستعمار الاستيطاني اليهودي فيها من خلال التشريعات التي أصدرها ومن خلال القرار الذي اتخذه بتاريخ 28/3/1990 لمنع أي مفاوضات بشأن أي تغيير في سيادة إسرائيل الكاملة على القدس، وجاء فيه ما يلي:

يعود الكنيست ويقرر أن القدس الموحدة والكاملة وتحت السيادة الإسرائيلية هي عاصمة إسرائيل، وممثليه لا يشاركون في أية مفاوضات في شأن وحدتها والسيادة الإسرائيلية عليها.

2- يناشد الكنيست سكان الدولة والقادمين الجدد الاستيطان في القدس الكبرى، في جميع أجزائها.

وعاد الكنيست وأكد في التاسع من أيار 1994 وقرر أن القدس عاصمة إسرائيل ستبقى إلى الأبد مدينة موحدة تحت سيادة إسرائيلية القدس الموحدة ليست موضوعاً سياسياً أو أميناً وإنما روح الشعب اليهودي".

- الوضع القانوني لمدينة القدس الشرقية:

إن احتلال العدو الإسرائيلي للأراضي العربي في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يعني انتقال السيادة نتيجة الاحتلال من الطرف المهزوم إلى الطرف المنتصر والمحتل. تخضع الصلاحيات التي تمارسها سلطة الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة الاحتلال لقانون الاحتلال الحربي الذي كرسته لوائح لاهاي لعام 1907 ولاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين لعام 1949. ويحرم القانون الدولي ضم جزء من المناطق العربية المحتلة إلى دولة الاحتلال كما أن السيادة لا تنتقل نتيجة الاحتلال إلاّ عند التوصل إلى اتفاقية بين الطرفين العدوين تتضمن انتقال الأراضي المحتلة أو جزء منها من الطرف المهزوم إلى الطرف المنتصر، وذلك تحقيقاً للمبدأ القائل بعدم السماح للمعتدي من قطف ثمار عدوانه.

تنص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة على عدم جواز ضم منطقة محتلة إلى دولة الاحتلال حتى لو كانت في حالة الدفاع عن النفس. فالدفاع عن النفس يعطي الطرف المعتدي عليه الحق في الرد على الاعتداء ودرء خطر العدوان، ولكنه عند رد الاعتداء وزوال الخطر تنتهي حالة الدفاع عن النفس، ولا يجوز إطلاقاً التمسك بالأراضي المحتلة. فحق الدفاع عن النفس لا يشر عن الاستعمار الاستيطاني. ولا يولد حقاً في ملكية الأراضي المحتلة وبناء المستعمرات فيها.

زعمت إسرائيل كعادتها في الكذب لتبرير الحروب العدوانية والتوسعية والاستعمارية والاستعمار الاستيطاني أنها دخلت الحرب دفاعاً عن النفس في مواجهة عدة دول عربية اعتدت عليها.

لو صدقنا الكذب اليهودي وآمنا أن العدو الإسرائيلي في حالة الدفاع عن النفس ألا إن هذه الحالة لا تجيز له الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة وتهويدها وترحيل العرب منها.

إن قضية القدس جزء لا يتجزأ من قضية فلسطين ولا تنفصل عن مشكلة الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة. ولكن للقدس أهمية خاصة نظراً لوجود أهم الأماكن الدينية المقدسة للمسيحية والإسلام في المدينة.

عالجت الأمم المتحدة قضية القدس بشكل مستقل عن قضية فلسطين، وذلك تحقيقاً لرغبة الفاتيكان والدول الكاثوليكية التي تطالب بالتدويل وللأطماع اليهودية في المدينة العربية وللضعف العربي.

ينطبق على قضية القدس ما ينطبق على قضية فلسطين من حيث عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو العسكري وحق تقرير المصير والانسحاب الشامل وحق العودة والتعويض، وعدم الاعتراف بالتغييرات الديمغرافية والجغرافية التي كرسها الاحتلال.

أبدت الأمم المتحدة والأوساط الدولي اهتماماً خاصة لحماية المقدسات الدينية من العبث اليهودي وضمان حرية الوصول إليها والحيلولة دون تهويدها وتغيير طابعا الديمغرافي.

إن القانون الدولي لا يقر ولا يعترف باستخدام القوة والقيام بعدوان عسكري والاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو العسكري ونزع طابعها العربي وتهويدها بقوة الاحتلال وتأييد الولايات المتحدة.

فالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة يحرم استخدام الحروب كوسيلة للتوسع والهيمنة وتسوية المنازعات الدولية. ويحرم ميثاق الأمم المتحدة التهديد بالقوة أو استخدامها في غير الصالح العام.

وينظِّم القانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 صلاحيات سلطات الاحتلال إلى أن يزول الاحتلال وتعود السيادة العربية على القدس العربية، ويُلزمها بعدم استغلال حالة الاحتلال غير الطبيعية أو تسيء استخدام سلطاتها.

فالطبيعة المؤقتة للاحتلال تلزم المحتل بعدم القيام بإجراءات تغيّر المعالم الجغرافية أو الديمغرافية للإقليم المحتل، أو الشؤون الاقتصادية والقانونية والتعليمية والاجتماعية للإقليم. وتتنافى مع القيام بضم الإقليم المحتل ونقل السيادة عليه لدول الاحتلال.

وينظم ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية إلى الوسائل السلمية لفض المنازعات الدولي ويحرم استخدام القوة أو التمهيد بها في العلاقات الدولية. فضم القدس إجراء باطل وما بُني على باطل فهو باطل، كما لا يجوز إطلاقاً تبرير الضم لأسباب ومزاعم وخرافات دينية توراتية وتلمودية، لا يجوز إطلاقاً تبرير الضم نتيجة لحرب حزيران العدوانية التي أشعلها العدو الإسرائيلي خلافاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وانتهاك فاضح لحق تقرير المصير لسكان القدس العرب.

وانطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن يجب انسحاب القوات المحتلة وعدم جني ثمار الحرب العدوانية ومعاقبة إسرائيل المعتدية على حرب حزيران التي أشعلتها.

لذلك لا يمكن تبرير استمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، لا بحاجات إسرائيل الأمنية المزعومة والكاذبة ولا بالرغبة بالتوصل إلى السلام.

ويدل استمرار الاحتفاظ بالقدس الشرقية على تصميم العدو تحقيق الاستعمار الاستيطاني وتهويد المقدسات العربية.

ويتناقض استمرار الاحتلال والتهويد والمستعمرات اليهودية مع حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير والسيادة على الأراضي المحتلة التي كانت وما زالت تعود لأهلها سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين.

وبالتالي فإن بقاء الاحتلال الإسرائيلي في شطري المدينة المقدسة، الغربي والشرقي يخالف أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) تاريخ 22/11/1967 عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. ويشمل القرار ضمناً مدينة القدس العربية. واتخذ مجلس الأمن الدولي القرار (252) في 21/5/1967 الذي اعتبر أن جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية وجميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير وضع المدينة. ودعا القرار إسرائيل أن تلغي هذه الإجراءات وأن تمتنع فوراً عن القيام بأي عمل آخر من شأنه تغيير وضع القدس.

واتخذ المجلس القرار (267)، في 3/7/1969 وأكد على ما جاء في قراره السابق رقم (252).

ووافق مجلس الأمن الدولي في 22/3/1979 على القرار (446) الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة عقبة في وجه السلام. وتضمن قرار مجلس الأمن (452)، في 2/7/1979، الطلب من إسرائيل وقف النشاطات الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس لأنه ليس لها مستند قانوني وتشكل خرقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.

وأعلن مجلس الأمن في القرارين (465 و 467 لعام 1980) بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع القدس.

أكدت قرارات الشرعية الدولية على مبدأ عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة المسلحة وعدم الاعتراف باحتلال إسرائيل للقدس العربية والمطالبة بعدم تغيير الطابع التاريخي والديموغرافي والجغرافي للمدينة المقدسة. وصدر القراران (476 في 30/6/1980 و 478 في 20/8/1980 وأكد بطلان وعدم شرعية تغيير وضع القدس العربية وعدم اعترافه بقانون ضم إسرائيل للقدس، وأكد أن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي واعتبر مجلس الأمن رقم (672 في 12/10/1990) أي بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي وقعت في 18/10/1990 وأدان فيه أعمال العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ودعاها التقيد حرفياً بالتزاماتها ومسؤولياتها التي توجبها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وأكد أن القدس منطقة محتلة.

وشجبت الجمعية العامة في قرار اتخذته في 15/12/1994 قيام بعض الدول بنقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس. وأكدت أن الإجراءات الإسرائيلية لتغيير وضع القدس باطلة وغير قانونية.

وأقرت الجمعية العامة في الرابع من كانون الأول 1995 أن كافة الإجراءات التشريعية والإدارية والتصرفات الصادرة عن إسرائيل وقوات الاحتلال والمؤدية إلى طمس أو تغيير هوية ونظام المدينة المقدسة وبصفة خاصة تلك المسماة بالقانون الأساس للقدس أو إعلان القدس عاصمة لإسرائيل هي إجراءات باطلة خالية من أية قيمة.

تتضمن قرارات الشرعية الدولية حول القدس ما يلي:

· وجوب الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.

· إدانة إجراءات إسرائيل في القدس وإلغاء جميع الإجراءات الإدارية والقانونية التي تمت وأثرت على الوضع التاريخي للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي والعقارات وترحيل المواطنين.

· إلغاء كل الإجراءات التي اتخذت لتغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي والقانوني للقدس.

· تفكيك المستعمرات اليهودية في القدس.

· السماح للنازحين العرب الفلسطينيين الذي نزحوا عام 1967 بالعودة إلى القدس.

حدد القانون الدولي، والعهود والمواثيق الدولية، والمجتمع الدولي الموقف بشأن الإجراءات الإدارية والقانونية التي اتخذتها دولة الاحتلال "إسرائيل" تجاه القدس الشرقية وبقية المناطق العربية المحتلة. ويتجسد هذا الموقف باعتبارها مناطق محتلة ووجوب الانسحاب الكامل منها ورفض الخطوات الإسرائيلية واعتبارها غير شرعية وملغاة.

ولكن أثرت نتائج المفاوضات في دهاليز أوسلو المظلمة والظالمة ومن وراء الشعب الفلسطيني واتفاقات الإذعان التي وقعت بين ياسر عرفات وإسرائيل في 13/9/1993 واتفاق القاهرة في 4 أيار 1994 وإعلان المبادئ في واشنطون بتاريخ 28 أيلول 1995 على المواقف الدولية.

وأخذت سلطة الاحتلال تتخلص من المواقف القانونية وقرارات الشرعية الدولية بجعل نتائج المفاوضات بينها وبين القيادة الفلسطينية هي المرجعية.

كان الوضع القانوني لمدينة القدس قبل توقيع اتفاقات الإذعان في أوسلو وواشنطون يتلخص في الشكل التالي: "القدس الشرقية مدينة محتلة وضمها إلى إسرائيل غير قانوني ومناقض للأعراف الدولية، ويجب على إسرائيل الانسحاب منها، وإزالة الإجراءات التي اتخذتها، وللفلسطينيين فيها كجزء من الشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير".

أما القدس الغربية فكان موقف الأمم المتحدة فيها على الشكل التالي:

"وجوب تدويلها ووضعها تحت الوصاية الدولية، لذلك اعترفت معظم الدول بإسرائيل ولكنها لم تعترف بسيادتها على القدس الغربية".

- القيادة الفلسطينية والقدس:

تضمن قرار المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15/11/1988 إعلان استقلال الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك انطلاقاً من قرار التقسيم، ولكن المجلس الوطني لم يفصل عن أي قدس يتحدث.

ولكن عندما تطالب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 يستخلص بعض خبراء القانون الدولي أن حدود الدولة التي يعنيها إعلان الاستقلال ليست الحدود التي رسمها وحددها قرار التقسيم وإنما هي حدود المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

لقد أجّل إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في واشنطون بتاريخ 28 أيلول 1995: "القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود والترتيبات الأمنية" إلى مفاوضات المرحلة النهائية، مما أعطى دولة الاحتلال المزيد من الوقت لتهويد المدينة وتثبيت السيادة الإسرائيلية عليها وتغيير طابعها العربي الإسلامي. فاستمرت في مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات وشق الطرق والأنفاق، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية ومنع السلطة الفلسطينية من فتح مكاتب لها أو القيام بأي نشاط إلاّ بإذن مسبق من الحكومة الإسرائيلية.

وبالتالي خلقت وتخلق سلطة الاحتلال وقائع جديدة باستمرار على الأرض تعزز تهويد المدينة وإضعاف الموقف الفلسطيني في المفاوضات القادمة. فالطرف المحتل هو المسيطر والأقوى بينما الطرف الفلسطيني يقع تحت الاحتلال ويفقد يومياً ما لديه من أوراق بسبب الأطماع والأكاذيب والممارسات اليهودية، وضعف القيادة الفلسطينية وهزالة المفاوض الفلسطيني.

- الموقف الأميركي من القدس:

اتخذ الكونغرس الأمريكي في 22 أيار 1990 القرار رقم 106 الذي ينص على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وصدر قانون نقل السفارة في عام 1995.

جاء قرار الكونغرس والقانون الأمريكي بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق أوسلو 2 في البيت الأبيض، حيث تم الالتزام فيه بعدم المساس بوضع القدس وتأجيل بحث ذلك في مفاوضات الحل النهائي.

وجاء القرار القانون أيضاً في عشية انعقاد قمة عمان الاقتصادية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي دعتها الولايات المتحدة لفرض التطبيع والهيمنة الإسرائيلية على الاقتصاديات والثروات العربية.

احتوت ديباجة القانون الأميركي على كل المزاعم والخرافات والأطماع والأكاذيب اليهودية في مدينة القدس مع التنكر لتاريخ وواقع المدينة والسيادة العربية عليها.

يتضمن القانون ثلاثة بنود:

البند الأول: تبقى القدس موحدة غير مجزأة وبالتالي الموافقة الأمريكية على تكريس نتائج حرب حزيران العدوانية عام 1967 وتكريس الاحتلال البغيض وشرعنته في المدينة.

والبند الثاني: يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وذلك خلافاً للمواقف والتعهدات الأمريكية السابقة، مما يظهر بجلاء عدم صدقية الولايات المتحدة وانحيازها الكامل للعدو ومعاداتها للعرب والمسلمين.

البند الثالث: يلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس وإقامة مبنى للسفارة فيها. وخصص القانون المبالغ اللازمة لذلك. ووافق عليه مجلس الشيوخ بأغلبيته 93 مقابل 5 أصوات ضده، وأعلن الرئيس الأمريكي بيل كلنتون أنه لا يؤيد القانون، ولكنه يلتزم بتنفيذه.

صمتت معظم الدول العربية صمتاً مطبقاً، بينما وجه ياسر عرفات شكره للرئيس كلينتون، مما أظهر بجلاء إذعان العديد من الحكام العرب للمطالب الأمريكية والأطماع اليهودية في الأرض والمقدسات والثروات العربية، وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في المدينة العربية.

يعتبر قرار الكونغرس عام 1990 والقانون الأمريكي بنقل السفارة في عام 1995 الاعتراف الأمريكي الرسمي والقانوني للهيئتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة بالاحتلال الإسرائيلي لشطر المدينة الغربي عام 1948 والشرقي عام 1967. ويعني الاعتراف بالقدس الموحدة كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ويتناقض بشكل فظ ووقح مع قرارات مجلس الأمن الدولي وبقية قرارات الشرعية الدولية التي تعتبر القدس الشرقية أرضاً عربية محتلة ووجوب الانسحاب الكامل منها وإلغاء كافة الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال. ويمثل الانحياز السافر للعدو، وهي تقوم بدور الراعي والوسيط في عملية التسوية.

ويشكل تدخلاً وقحاً في الشؤون الدينية للعرب والمسلمين. ويخالف تعهدات الإدارات الأمريكية السابقة في كمب ديفيد ومدريد.

ويعبر عن أنانية ووحشية لإرضاء اللوبي اليهودي ولكسب أصوات اليهود في قضية تمس أقدس وأعدل قضية عربية وإسلامية.

ويشجع القرار والقانون الأمريكيين إسرائيل المعتدية على الاستمرار في تعنتها وتصلبها واغتصابها للأرض والحقوق والثروات العربية، وصفعة للارتباط الروحي للمسلمين في مدينة الإسراء والمعراج.

إن القانون الأمريكي الجديد الذي وقعه الرئيس بوش في 30 أيلول 2002 يعترف بأن القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني وينص على بناء السفارة فوق أرضنا المغتصبة ويشكل انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الأولية التي تطالب الكيان الصهيوني بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة وانحياز أعمى له والقضاء على إمكانية التوصل إلى تسوية، وخطوة أمريكية تمس مشاعر المسلمين والمسيحيين الذين يعتبرون القدس من أقدس المدن للديانتين الإسلامية والمسيحية.

وبالتالي يشكل القرار الأميركي الانحياز الأعمى لإسرائيل، وهو انتهاك فاضح للشرعية الدولية. واستهتار واحتقار وتحد للبلدان والشعوب العربية والإسلامية.

ويشكل القرار تدخلاً أمريكياً وقحاً وهمجياً في أقدس قضايا الشعوب والأمم، إذ ليس من حق الكونغرس والرئيس الأمريكي بوش إصدار مثل هذا القرار والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لقطعان المستعمرين اليهود.

لا يجوز على الإطلاق للكونغرس والرئيس الأمريكي إصدار قرارات وقوانين تمس الحقوق الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين في المدينة المقدسة ولأكثر من مليار ومئتي مليون مسلم ولثلاثمائة مليون عربي.

انتهكت الولايات المتحدة في القانون الجديد أحكام القانون الدولي ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية، مما يشكل تحدياً لمشاعر العرب والمسلمين وتدخلاً وقحاً في تاريخ وحضارة الشعوب وقيمها الدينية والروحية.

إننا نعتبر القرار الأمريكي خطراً يهدد الأمن والسلام والاستقرار والازدهار في المنطقة وفي العالم، وينذر بتصاعد الصراع العربي ـ الصهيوني والقلاقل والفوضى في العالم.

ويشكل القانون الأمريكي إخلالاً وتنصلاً من التزامات الولايات المتحدة الواردة في اتفاق أوسلو الذي وقعت عليه بصفتها شاهداً على ما ورد فيه والذي ينص على تأجيل موضوع القدس إلى مفاوضات الحل النهائي.

إن القانون الأميركي لا يمكن له أن يغير واقع التاريخ والجغرافيا والحقوق أو يطمس إرادة الشعوب والأمم، كما أنه لا يمكن أن يقضي على قرارات الشرعية الدولية ويقفز على التعهدات الدولية.

وجاءت المادة التاسعة من المعاهدة الأردنية الإسرائيلية لتدخل الأردن كطرف في تقرير المصير النهائي للأماكن الإسلامية في القدس إذ نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أنه "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن".

وكان الرد الفلسطيني على الأهداف الخبيثة لإسرائيل وهذه المحاولة بتصريح مصدر فلسطيني مسؤول يتلخص في أنه "ليس من حق إسرائيل أن تعطي أي دور أو أي تعهد بشأن القدس قبل بدء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك لأنها دولة محتلة".

- الخاتمـة

إن فلسطين بما فيها مدينة القدس أرض عربية إسلامية، وما طرأ عليها من حروب عدوانية واحتلال واستعمار استيطاني وتهويد واغتصاب للأرض والحقوق هو غير شرعي وباطل. ويجب التصدي له ومقاومته وإزالته بكل الوسائل مهما على الثمن وطال الزمن.

إن ما جرى من مصادرة للأراضي والأملاك العربية وإقامة الأحياء والمستعمرات والطرق الالتفافية عليها هو مظهر من مظاهر الاستعمار الاستيطاني، ولا يكتسب أية شرعية قانونية أو سياسية ولا يضفي الشرعية على الوجود الصهيوني.

إن مدينة القدس أولى القبلتين ومسرى الرسول العربي صلى الله عليه وسلم، والتي بطبعها المسجد الأقصى المبارك بطابعه، هي مدينة عربية إسلامية، يتمسك العرب والمسلمون بعروبتها وبحقوقهم التاريخية والقانونية والسياسية والدينية فيها، وبالسيادة عليها مهما بلغت التضحيات.

وإن الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربي والإسلامية يرفضون ويقاومون المساعي الصهيونية واليهودية (الماسونية والبروتستنتينية) لإفراغها من أهلها العرب، ومصادرة أراضيها وعقاراتها، وبناء الأحياء والمستعمرات اليهودية فيها وحولها لطمس هويتها العربية وتغيير معالمها التاريخية والدينية وطابعها العربي الإسلامي، ويتصدون لاعتداءات اليهود على المقدسات الإسلامية والمسيحية. لقد وضعت العهدة العمرية المرتكز الاستراتيجي للعلاقة بين المقدسيين من مسلمين ومسيحيين وتعايشهم كشعب واحد على مدى تاريخ المدينة، وهي تجسيد للامتداد التاريخي للثقافة والتراث العربيين. وإن علاقة العرب والمسلمين بالقدس وفلسطين ليست علاقة دينية فقط، بل هي أيضاً علاقة قومية، لذلك نرفض رفضاً باتاً أي شكل من أشكال السيادة الدينية على القدس الشريف بدون السيادة السياسية الفلسطينية عليها بأسرها.

وإن معاهدات الإذعان في كمب ديفيد واوسلو ووادي عربة هي اتفاقيات استسلامية فرضتها إسرائيل عن طريق الولايات المتحدة لاغتصاب الحقوق التاريخية للعرب في فلسطين وتهوديها، لذلك لا يمكن لهذه المعاهدات أن تضفي الشرعية على اغتصاب الأرض والحقوق والمقدسات العربية، وعلى العدوان والاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وهي لذلك غير شرعية وباطلة وغير ملزمة للعرب والمسلمين ويجب التصدي لها ومقاومتها وإسقاطها.

إن الولايات المتحدة الأميركية دول استعمارية معادية للعرب والمسلمين، والحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني وشريك فعال له في حروبه واحتلاله وممارسته للإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية. وتدعم مخططاته في الهيمنة على الثروات والاقتصاديات في البلدان العربية. لذا يجب ترسيخ الرفض والكراهية والعداء لممارساتها ومواقفها المؤيدة للعدو الصهيوني والمعادية للعرب والمسلمين، والوقوف ضد مصالحها ومقاطعة بضائعها.

إن حقوقنا في فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى حقوق طبيعية وتاريخية وقانونية وسياسية ودينية اكتسبناها من خلال تجذرنا في القدس وفلسطين وعلاقتنا التاريخية والدينية فيها، ولا نسمح للكونغرس الأمريكي والرئيس بوش المس بحقوقنا في القدس وفلسطين.

إن الواجب الوطني والقومي والديني يفرض علينا جميعاً حكومات وجماهير الالتزام برفض الاعتراف والصلح والتعايش مع العدو الصهيوني وتفعيل المقاطعة ورفض كل أشكال التطبيع معه ومقاطعة البضائع الأمريكية واعتبار الولايات المتحدة الأمريكية، العدو الأساسي لعروبة القدس، والعمل على إسقاط اتفاقات الإذعان التي أجبرت الأطراف العربية على توقيعها مع العدو الصهيوني.

إن الواجب يفرض علينا تقديم الدعم الفعلي والفعال للانتفاضة وللعمليات الاستشهادية وكل أشكال الصمود والتصدي والمقاومة في مواجهة الإرهاب والعنصرية والإبادة والاستعمار الاستيطاني اليهودي والمخططات الصهيونية في القدس وفلسطين وبقية أنحاء الوطن العربي.

يتذرع الكيان الصهيوني لتبرير أطماعه في القدس وفلسطين بالأكاذيب وبحق ديني مزعوم، ولكن الدين والعاطفة الدينية والإنسانية الناتجة عن الاضطهاد لا يشكل مصدراً من مصادر القانون الدولي ولا حقاً من الحقوق القانونية. فالوجود اليهودي في القدس، لا يستند إلى أي أساس قانوني، ولكن العدو استغل الزعم الديني والأساطير والخرافات والأكاذيب لأغراض دنيوية سياسية واقتصادية ومصلحية. فالقدس بالنسبة للعرب والمسلمين قضية مصيرِ، وأي تفريط فيها يعني التفريط في حق مقدس وقانوني وتاريخي للأمة العربية والإسلامية.

لذلك فالصراع على القدس صراع وطني وقومي وديني وقانوني، ولا تملك القيادة الفلسطينية أو القيادات العربية أو مؤتمرات القمة العربية حق التنازل عنها أو عن ذرة من ترابها المقدس أو التفريط بعروبتها.

تعليقات: