في يوم المرأة العالمي: أين المرأة اللبنانية من القرار الوطني ؟

احتفال بمناسبة  يوم المرأة العالمي
احتفال بمناسبة يوم المرأة العالمي


في الاستحقاقات الوطنية، لا سيما عند اقتراب موعد تشكيل الحكومات او اقرار قوانين الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، يفرض عنوان المرأة في مواقع القرار نفسه على النشاطات والناشطين في قضايا المرأة في لبنان، فكيف اذا كانت المناسبة خاصة بالمرأة ويومها العالمي. (1) يوم المرأة العالمي يعني الكثير للمرأة اللبنانية حين نسرد تاريخ نضالها في انتزاع حقوقها خلال مسيرة نصف قرن من العطاء والتضحية والكفاح، كذلك حين نعرض واقعا اصبح من المعيب السكوت عنه. ان مشاركة المرأة في مواقع القرار السياسي في لبنان لها شجونها لارتباطها بعوامل عميقة ومؤثرة في المجتمع اللبناني، كما لها ابوابها الموصدة امام محاولات حثيثة لم تنجح في وضع حلول جذرية لاشكالية تغييب المرأة القسري عن مواقع القرار. فكيف السبيل الى التغيير؟

في الواقع

بداية يجب الاقرار بوجود اشكالية تتمثل في اقصاء المرأة عن مواقع القرار، وتاليا وجود خلل في قيادة شؤون البلاد، حيث السلطة في يد الرجل بينما المرأة تنفذ ما يقرره الرجل في المطلق. وتبرز اشكالية اقصاء النساء عن مواقع القرار امام المعطيات الرقمية التي تبين ان المرأة غير قاصرة عن تبوؤ المراكز القيادية والعمل السياسي. في هذا المجال نورد بعض الامثلة، ففي عام 2005 بلغت نسبة المنتسبين الى الجامعات من الإناث 53% ولم تتدن نسبة التحاق الاناث في المراحل الثانوية بين 1995 و2005 عن 53 – 56%. كما تشكل النساء 32,2 % من القوى العاملة المقيمة منها 11,2% صاحبات اعمال، وان 75,5% من القوى العاملة النسائية هن موظفات براتب شهري (2). في المقابل نلاحظ النسب الخجولة التي تتسم بها نسب مشاركة المرأة في مراكز الفئة الاولى (جدول رقم 1)، وفي السلطة اللامركزية الادارية (جدول رقم 2)، وفي مجلس الوزراء (اول وزيرتين في لبنان عينتا عام 2004 ووزيرة واحدة في الحكومات المتعاقبة منذ 2005). ومن اللافت هنا تطور مشاركة المرأة في السلطة القضائية (جدول رقم 3) حيث ارتفع على سبيل المثال عدد القضاة العدليين من النساء من سبع عام 1980 الى 127 عام 2004. وترد بعض الآراء هذا التطور الى التشدد في اعتماد معايير الكفاية في تعيين القضاة فتتفوق حينها المرأة وتفرض نفسها.

فالاعتراف بحق المرأة في الوصول الى مواقع القرار يبدأ باقرار السلطة السياسية بوجود هذه الاشكالية في لبنان كذلك الاقرار بعجز القوانين عن تقليص الفجوة المجحفة في حق المرأة مدى عقود.

ولا نأتي بجديد حين نقول ان المرأة المؤهلة للوصول الى مواقع القرار او للمشاركة في السلطة في لبنان هي من اكثر المتضررين من اعتماد قانون انتخابات على اسس النظام الاكثري، وفي ظل نظام سياسي قائم على الحصص الطائفية والمناطقية والارث العائلي. وبين الجدول رقم 4 تأثير النظام الاكثري على وجود المرأة في الندوة النيابية منذ اقرار الحقوق السياسية للمرأة عام 1953 حتى عام 2005، الذي اوصل ست نائبات الى البرلمان من اصل 128 نائبا.

واذا كان المدخل للاصلاح السياسي في بلد مثل لبنان يبدأ باعتماد قانون للانتخابات النيابية والبلدية عصري يؤدي الى اللحمة بين اللبنانيين الى اي طائفة انتموا، ويدفع في اتجاه الغاء الطائفية السياسية، وتحقيق المساواة عبر تصحيح الخلل القائم في توازن الادوار بين المرأة والرجل، فان رجال السياسة في لبنان منذ عام 2004 واستجابة لضغط المجتمع المدني، بدأوا بمقاربة بعض الاقتراحات الاصلاحية في قوانين الانتخابات النيابية، الا انهم لم يتمكنوا من تحديد اي قانون انتخابي يريدون لبلادهم. ولم تجد الاصلاحات التي تضمنها اقتراح القانون الذي اعدته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب في عام 2006 والتي تضمنت النظام النسبي بشكل جزئي (39% من عدد النواب) وحصة للمرأة على اساس الترشيح اي 30% من المرشحين على اساس النظام النسبي وغيرها، طريقا للتنفيذ والتطبيق.

ولا بد من التوقف امام الفرص التي يتيحها تطبيق النظام النسبي امام المرأة لما يؤمنه من صحة التمثيل وعدالته، ويسمح بوصول كلفة شرائح المجتمع الى السلطة وتداولها لا سيما اذا ما بني على الدوائر الكبرى. هذا النظام تتوافق عليه الهيئات النسائية والاهلية الناشطة والمطالبة باعتماد الكوتا النسائية، اذ يفرض التنافس بين المرشحين على برامج وطنية وليس مناطقية، وينظم العلاقة بين الناخب والنائب لجهة عدم الارتهان لمصالح محددة، كما يساهم في تقديم الخدمات الوطنية على حساب الخدمة الشخصية والفردية. وتبرز اهمية تحديد سقف اعلى للانفاق الانتخابي يؤمن المساواة بين المرشحين، خصوصا ان عنصر المال هو احد الاسباب الرئيسية التي اثرت على تنحي النساء المرشحات عن خوض المعركة الانتخابية.

ان اعتماد النظام النسبي وتحديد حصة للمرأة ضمن اللوائح ووضع ضوابط لهذه الحصة من شأنه ان يشكل فرصة ذهبية لمجموعة من النساء اللواتي يردن الدخول الى الندوة النيابية، واختراق القلاع الطائفية والمذهبية.

في تطبيق نظام الحصة للمرأة (الكوتا) مع الضمانات

لا بد من تكرار تعريف بسيط لمفهوم نظام الحصة للمرأة، وهو تدبير استثنائي مؤقت يحدد للنساء نسبة مئوية كحد ادنى مقبول لتأمين مشاركة فاعلة لها في البرلمان، والهياكل المنتخبة ومواقع صنع القرار بهدف تصحيح خلل قائم بين المواطنين في ممارسة السلطة. ان الكوتا النسائية هي احدى الوسائل المشروعة التي اقرها المؤتمر العالمي الرابع للمرأة كتمييز ايجابي في حق المرأة نص عليه اتفاق القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، بهدف تأمين العدالة الاجتماعية بين الجنسين.

كذلك ان تحديد نسبة مئوية (30%) لا يعني اطلاقا تحديد سقف اعلى لمشاركة المرأة في السلطة والقرار، بل انه الحد الادنى المقبول لتشكيل كتلة حرجة من النساء لضمان مراعاة مصالح المرأة والتعبير عنها بشكل تام. يبين الجدول رقم 5 بعض الدول التي طبقت نظام الحصة والتي بلغت حتى عام 2004 اكثر من 84 دولة في العالم، والاجراءات التي ترافق تطبيق نظام الكوتا سواء كضمانات او اجراءات تأديبية تتخذها الدول عادة لضمان تحقيق الكوتا. ان دولة متقدمة مثل فرنسا اتبعت نظام الكوتا على اساس الترشيح مناصفة بين الجنسين اي 50%، ووضعت اجراءات تأديبية للوائح غير الملتزمة. وفي المغرب توافق المعنيون على ان تخصص اللائحة الوطنية للنساء فقط. وفي بلجيكا التي تتبع النظام الانتخابي النسبي، حددت الكوتا للمرأة على اساس ثلث اللائحة من احد الجنسين، اي ان المرأة قد تنال ثلثي اللائحة، كما ان الحزب غير المتلزم للكوتا يخسر حكما المقاعد المحددة له والتي تبقى شاغرة.

اما في لبنان فقد طرحت نظام الحصة في البرلمان الهيئات النسائية بعد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي انعقد في بيجينغ عام 1995، وكما هو معلوم لم يقر في مجلس الوزراء آنذاك واعيد الى وزارة الداخلية. كما قدمت الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات اقتراحا باعتماد حصة للمرأة ضمن النظام النسبي لكنها لم ترفقه بآلية وضمانات محددة تؤمن تطبيق الكوتا النسائية فسقط امام حائط الممانعة والرفض الكلي لمحاولات اصلاح النظام الانتخابي. واخيرا تقدمت اللجنة النيابية للمرأة والطفل باقتراح اعتماد كوتا نسائية 30% حدا ادنى ضمن العدد الحالي لمجلس النواب، بحيث تعتمد الكوتا كمعيار آخر يضاف الى كوتا الطوائف والمناطق، وتطبق على مراحل ابتداء من 10% في الدورة الانتخابية 2009 ولمدة ثلاث سنوات متتالية.

قد تتناقض وجهات النظر في شأن اعتماد الحصة النسائية حتى بين النساء انفسهن، وقد تتفق احيانا، الا ان هذا التدبير يبقى افضل من الواقع الحالي، والمطلوب تضافر الجهود لتحقيق الكوتا ليس كهدف بحد ذاته انما كمرحلة في مسيرة النهوض بالمرأة. وتفيد التجربة العملية ان المرأة في لبنان لن تتمكن من ولوج مواقع القرار من الباب العريض الا من خلال اتخاذ تدبير استثنائي مرحلي يصحح الخلل القائم، اي يجب ان تتدخل الارادة السياسية لتغيير واقع تغييب المرأة قسرا عن حقها في ادارة شؤون البلاد.

على اي حال ان الجهود التي بذلتها الهيئات النسائية مجتمعة لم تتمكن حتى تاريخه من احداث التغيير وباءت بالفشل، والخروقات المحدودة التي نجحت الهيئة الداعمة لـ"الكوتا" في تحقيقها عبر ايصال الاقتراح الى مجلس النواب في تشرين الاول 2008 وطرحه للمناقشة للمرة الاولى في الهيئة العامة، سقطت في المجلس. وقد بينت المناقشات التي دارت في الهيئة العامة التخوف الشديد الذي يبديه بعض النواب من امكان خسارة مقاعدهم امام اي تغيير مقترح، وهذا ليس بجديد خصوصا اذا عدنا الى مناقشة ادخال تعديلات اصلاحية على قانون الانتخابات النيابية، حيث معظم النواب جاهروا وصرحوا بدعم تلك الاصلاحات ولكن اختلف الامر عند التصويت. اذا كان اعتماد "الكوتا" من شأنه ان يستقطب النساء الى الشأن العام، واذا كان وصول المرأة الى هذه المواقع هو بحد ذاته تغيير وكسر للقوالب التي وضعت حول دور المرأة، كذلك هو استفادة من طاقات وقدرات ابداعية لدى المرأة في معالجة قضايا مجتمعية قد تكون بعيدة عن ذهنية الرجل الذي تم اختبار قدراته فيها. الا ان التغيير المنشود يبقى مرتبطا بقدرة النساء على فرض ارادتهن التغييرية فلا يتحولن "كمالة عدد" او جسر عبور للذكور او مجرد رقم في لائحة.

المطلوب من النساء في موقع القرار تحقيق ما عجز الرجل عن تحقيقه. المطلوب تشكيل جبهة سياسية تطرح وتنفذ رؤية متطورة تكرس مفهوما جديدا للعمل السياسي في لبنان، باختصاصاته المتعددة في ادارة الشأن العام، وفي الاستفادة من الموارد الانسانية الغنية للمرأة والرجل، باختصاصاته المتعددة في ادارة الشأن العام، رؤية ذات بعد انساني قائمة على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والمواطنات، رافضة للوراثة السياسية والعائلية، تعالج قضايا الانسان واوجاعه اليومية. رؤية تحقق الشركة التامة في السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء ومراكز الفئة الاولى وفي كل مرافق الحياة. رؤية تعمل لازالة العراقيل القانونية والمفاهيم الاجتماعية التي تعيق تطور المرأة، وتاليا تطور المجتمع.

مسؤولة مشتركة للمرأة والرجل

من ناحية ثانية، هذا الواقع لا يعني اعفاء المرأة من مسؤولياتها سواء كوالدة ومربية للأجيال او اعفاء الرجل من مسؤولياته الاسرية. ان بذور التمييز على اساس النوع الاجتماعي تبدأ في المنزل، ومن خلال العلاقة بين المرأة والرجل، كذلك من خلال ممارسة الام الدور النموذج امام اولادها، ومع زوجها وضمن عائلتها.

والمسؤولية ايضا على مستوى ممارسة المرأة حقها كمواطنة وكقوة ناخبة تشكل نصف عدد المقترعين، فواقع ان عددا كبيرا من النساء المقترعات لسن صاحبات قرار في خياراتهن الوطنية، تستوجب تكثيف العمل لتوعية المرأة لممارسة حقها كقوة ناخبة بامكانها تغيير المعادلة. والدعوة موجهة اليوم الى نساء لبنان لاثبات ان اصواتهن في المعركة الانتخابية المقبلة لها القدرة على احداث التغيير وقلب المعادلات. نعم ان لدى النساء اذا اتحدن وهن يشكلن 53% من الناخبين (3) قدرة لا يستهان بها في فرض مرشحات او مرشحين يعبرون عن تطلعاتهن وآمالهن في بناء مجتمع عادل ومنصف لقضاياهن.

واخيرا ان قضية المرأة تستأهل الالتفاف الوطني حولها، انها تعني كل بيت، وكل سياسي وكل رجل دين، وكل صاحب قرار، وكل عامل، انها تعني كل امرأة ورجل. المطلوب اليوم مساندة النساء في مطالبهن المحقة وتجنب تشتيت الجهود وتحويل قضية المرأة، والكوتا جزء منها، مادة نقاش على صعيد الوطن، والتكاتف لتذليل العقبات امام اقتراحات الهيئات النسائية. ان حزب المرأة في لبنان لم يتبلور بعد، فتحركات الهيئات الناشطة لا تزال مرتطبة احيانا بسقف انتمائها السياسي والطائفي وليس بقضية المرأة كانسان او حتى بقدرة هذه الهيئات على تشكيل قوة ضاغطة تحتاج اليها اكثر من اي وقت مضى لفتح ابواب القرار المحكمة الاغلاق.

يقول فيكتور هوغو: "ثمة شيء اقوى من جيوش العالم، الا وهو الفكرة التي حان وقتها".

نعم لقد حان وقت التغيير...

هوامش

(1) معدلة عن كلمة القيت في ندوة المرأة اللبنانية في مواقع القرار في تاريخ 26/2/2009.

(2) التقرير الرسمي الثالث عن اتفاق القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، 2006.

(3) من كلمة لوزير الداخلية زياد بارود، جريدة "النهار"، 3 آذار 2009.

تعليقات: