تهجير السلاحف... تجارة غير مشروعة صنعت في لبنان

سلحفاة معروضة للبيع في محل تجاري في بيروت
سلحفاة معروضة للبيع في محل تجاري في بيروت


لبنان على اللائحة السوداء في الاتجار غير المشروع بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض. الخبر قد يغضب البعض ويثير سخرية البعض الآخر. القصة تبدأ بالسلاحف، حيث تكفّل تاجر واحد بتصدير 10 آلاف منها في سنة واحدة

قبل أربعة أيام، شهد مطار رفيق الحريري الدولي حادثة قد تكون الأولى من نوعها في لبنان. شحنة مؤلفة من 400 سلحفاة برية تم إيقاف تصديرها إلى الولايات المتحدة الأميركية رغم أنها حائزة الموافقة القانونية من وزارة الزراعة اللبنانية. واللافت أن الجهة التي أوقفت الشحنة بناءً على طلب من «رابطة الناشطين المستقلّين ـــــ إندي آكت» هي وزارة الزراعة نفسها التي أعطت الموافقة على التصدير. ويعدّ الإتجار بالحيونات البرية مخالفة صريحة للمادة العاشرة من قانون الصيد البري اللبناني والتي تنصّ على «منع تصدير بيوض أو فراخ سائر أنواع الطيور والحيوانات البرية، باستثناء تلك المربّاة في المزارع»، إضافة إلى أنها نوع مهدّد بالانقراض، ولو أن لبنان لم يوقّع على اتفاقية الإتجار الدولي المعنية بذلك.

القصة بدأت عندما قررت الناشطة في رابطة «إندي آكت» سومر دقدوق أن تتقصّى حقيقة التقارير الدولية التي تصنّف لبنان على اللائحة السوداء في الإتجار غير المشروع بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض، وخصوصاً السلحفاة البرية Graeca Testudo التي تعيش في دول حوض المتوسط وتحديداً في لبنان وسوريا.

دقدوق قالت في حديث إلى «الأخبار»: «تلقّينا العديد من الشكاوى من جمعيات دولية تفيد بأن هناك الآلاف من السلاحف البرية التي يتم تصديرها من لبنان إلى أوروبا وأميركا واليابان وأن المصدر هو شركة لبنانية واحدة».

ورغم أن لبنان لم يوقّع على اتفاقية الإتجار بالحيوانات المعرّضة للانقراض (CITES)، فإن الأمانة العامة لهذه الاتفاقية ومقرها جنيف ـــــ سويسرا، أنشأت مكتباً لها في وزارة الزراعة اللبنانية، ويتولّى هذا المكتب إعطاء شهادات منشأ لكلّ الحيوانات البرية التي يتمّ تصديرها من لبنان، والكشف على أي حيوان بري حيّ منوي تصديره، والتأكد أنه مهجّن في مزارع ولم يتم التقاطه أو صيده في الطبيعة. وفي مراجعة لسجلات الوزارة، تبين أنها منحت في عامَي 2003- 2004 شهادات تصدير لشركة Exotic World التي يملكها زياد أبو حمدان لما يزيد على 10 آلاف سلحفاة برية. ولقد أثار هذا الأمر استياء العديد من الباحثين وأطباء بيطريين من داخل الوزارة وخارجها.

الطبيب فضل الله منيّر، الذي كان يشغل منصب مدير مصلحة الحجر الصحي البيطري في وزارة الزراعة، كان واحداً من الذين عملوا على إثارة هذه المسألة.

منيّر قال لـ«الأخبار»: عندما بدأت ترد شكاوى إلى الوزارة عن رخص تصدير السلاحف، طلب منا المدير العام لوزارة الزراعة في حينها الدكتور لويس لحود أن نجري عملية كشف على مزرعة في بلدة الجاهلية ـــــ قضاء الشوف، والتأكد من أن السلاحف البرية تهجّن هناك عبر عملية تفقيس البيض بطريقة اصطناعية. ولقد زرت هذه المرزعة وتبيّن لي وجود ما يزيد على 500 سلحفاة، بعضها يزيد عمرها على 15 عاماً، وبالتالي يستحيل أن تكون قد تربّت داخل المزرعة. ولقد كتبت تقريراً طلبت فيه أن يتم التشدد في منح رخص التصدير بعد التأكد من أعمار السلاحف المصدّرة وأنها لم تلتقط من الطبيعة».

وأضاف منيّر: «منذ ذلك الوقت توقف صاحب هذه المزرعة عن طلب تراخيص تصدير.

وبعدما أحلت على التقاعد، علمت أن صاحب المزرعة تقدم بطلبات ترخيص من الوزارة لتصدير بضاعته، فأرسلت شكوى عاجلة إلى وزارة البيئة، المعنيّة الأولى بهذا الموضوع».

وتشير الشكوى التي أرسلت إلى وزارة البيئة في تموز الماضي إلى أنه «منذ شهرين صدر عن مديرية الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة شهادات تصدير سلاحف برية بعدد 1650 سلحفاة مقسّمة على ثلاث شهادات، وعندما طلبت الشهادة الصحية من رئيس مركز الحجر الصحي البيطري الدكتور نجيب برباري، وبعد الكشف عليها تبيّن أن أعمار السلاحف كبيرة جداً، ما يدل على أنها مأسورة من البيئة ووضعها غير طبيعي. وتم إيقاف الشحنة المصدّرة إلى الولايات المتحدة الأميركية وطلب من المصدّر أن تؤخذ بعض السلاحف للفحص المخبري في مختبر الفنار التابع لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، وبعد الفحص تبيّن وجود بكتيريا السلمونيلا التي تسبّب الضرر للإنسان والبيئة، بسبب أسر السلاحف ومنعها من قضاء حاجتها في البيئة الطبيعية».

وبحسب الناشطة البيئية سومر دقدوق، فإن «صاحب المزرعة لم ييأس، وخصوصاً أن تجارته مربحة جداً. حيث تفيد المعلومات بأن الشركة التي يصدّر لها في الولايات المتحدة الأميركية تدعى A&W Marketing service ولها علاقة وثيقة بشقيقه المقيم هناك. وأضافت: «استحصل أبو حمدان على شهادة من جهات معنية في أميركا تجيز استيراد السلاحف بدون الحصول على شهادات صحية من بلد المنشأ، وعاود تقديم طلب إلى وزارة الزراعة للسماح بتصدير السلاحف».

وأردفت: «زرت المزرعة ولم أجد أحداً هناك. وهي عبارة عن مبنى قيد الإنشاء. في الطبقة السفلية كان المشهد مروّعاً، مئات السلاحف البرية حجزت في ظروف بالغة السوء. العشرات منها ميتة. الروائح الكريهة منبعثة. لم أجد أي دليل يشير إلى أن عملية تهجين وتفقيس بيوض. لقد وثّقت الزيارة بعشرات الصور. أعتقد أنه آن الأوان لوضع الحدّ لهذا الإتجار غير المشروع».

المدير العام لوزارة الزراعة بالإنابة، المهندس سمير الشامي، قال في اتصال مع «الأخبار»: «بالفعل لقد تلقيت الشكوى من رابطة اندي آكت، واتخذت الإجراءات اللازمة لمنع تصدير الشحنة». وأردف: «أدعوك لزيارة المزرعة برفقة مدير مصلحة الثروة الحرجية شادي مهنا الذي كلفته شخصياً متابعة الملف، وإذا تبين لنا أن السلاحف أسرت من الطبيعة، فسأحيل جميع الموظفين الذين وقّعوا على شهادة التصدير إلى التحقيق».

بدوره، أكد المدير العام لوزارة البيئة، بيرج هاتجيان، لـ«الأخبار»: لا علاقة لوزارة البيئة بهذا الملف، لأن مكتب اتفاقية الاتجار الدولي بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المعرّضة للانقراض (CITES) موجود في وزارة الزراعة». وأضاف: «لبنان لم يوقّع على الاتفاقية، لكننا معنيون بالحفاظ على ثروتنا الحيوانية البرية، لأنها جزء من التنوّع البيولوجي، ولبنان موقّع على اتفاقية التنوع البيولوجي وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة».

بدوره، أعلن مدير رابطة «إندي آكت» وائل حميدان أن الرابطة بصدد إطلاق تقرير مفصّل بشأن الإتجار غير المشروع بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض. وأضاف: «التجار اللبنانيون لا يكتفون بحيوانات لبنان. هناك عملية «تبييض» للإتجار بأنواع عديدة من الحيوانات البرية التي يتم استيرادها من أفريقيا ويعاد تصديرها بعد الاستحصال على شهادة منشأ لبنانية». وختم «القصة تبدأ بالسلاحف ولا تنتهي بالنمور والأسود والفهود والسعادين وطائر البوم وغيرها. هذه التجارة يصنّفها الأنتربول الدولي ثالثة من حيث الخطورة بعد المخدّرات والأسلحة، ولبنان على اللائحة السوداء في هذا الملف».

الجدير بالذكر أن «الأخبار» حاولت الاتصال بزياد أبو حمدان، إلا أن خطه كان طوال الوقت مقفلاً.

لبنان على القائمة السوداء

يشير الاختصاصي في قسم علوم الأحياء في الجامعة الأميركية في بيروت د. رياض صادق أنه خلال دراسته لملف السلاحف البرية في لبنان، بالشراكة مع د. سعاد الهراوي بلوكيه، الاختصاصية في الزواحف في الجامعة اللبنانية، اكتشفا أن وضع السلاحف البرية في لبنان يدقّ ناقوس الخطر، وأنها مهددة بالانقراض ما لم تسارع الدولة لاحتواء الوضع. تماماً كما حصل عام 1998 حيث صدر قرار رقم 279/1 من وزير الزراعة آنذاك يقضي بحماية السلاحف البحرية وعدم الاتجار بها. وقال صادق «تبين خلال دراستنا، أن هناك مَن يزعم إنشاء مزارع تنتج هذه السلاحف في الأسر، علماً بأنه لا يمكن إنتاج الأعداد التي صدّرت من لبنان خلال السنوات الماضية في أضخم وأحدث مزارع العالم». وأضاف: أثار هذا الوضع تململاً على الصعيد الدولي، وخصوصاً من قبل مؤسسة «ورلد شيلونيا» World Chelonia العالمية التي تعنى بموضوع السلاحف في العالم. ويشير تقرير نشر على موقع المؤسسة www.chelonia.org إلى أن هناك تصديراً عشوائياً لهذه السلاحف من لبنان تحديداً.

سلاحف داخل مزرعة أبو حمدان في الجاهلية
سلاحف داخل مزرعة أبو حمدان في الجاهلية


تعليقات: