الترفيه في الضاحية بديل لأهلها من الروشة والوسط التجاري

في مقهى »باب الحارة« وتبدو على الحائط صور أبطال المسلسل الرمضاني الشهير
في مقهى »باب الحارة« وتبدو على الحائط صور أبطال المسلسل الرمضاني الشهير


25 مطعماً وعشرات المقاهي خلال ٣ أعوام.. ومشروع تجاري في »الراية«؟

بعد حرب تموز العام ،٢٠٠٦ بدأت تنتشر في الضاحية الجنوبية بشكل سريع سلسلة مطاعم ومقاه، بعضها يحمل أسماء أجنبية مثل »سويت كافيه« و»سويس تايم«، وبعضها الآخر يتخذ أسماء عربية مثل »نسمات ومسايا«، فيما حمل أحدها اسم المسلسل السوري »باب الحارة«، والرابع إسم ملعب الراية المعروف في الضاحية، والخامس عدد أيام حرب تموز باللغة الأجنبية ـ »كافيه ٣٣«.

يزداد عدد تلك المطاعم والمقاهي، كما يزداد عدد روادها، في ظاهرة لا سابقة لها منذ نشوء الضاحية، ومن ثم تزايد عدد سكانها ومبانيها. ويشعر زائر المنطقة، أو القاطن فيها، أنه يكاد لا يمرّ شهر من دون افتتاح مطعم أو مقهى جديد، حتى أصبح بعض أصحاب المطاعم يبدون خوفهم من الركود، بسبب الوتيرة السريعة في افتتاح المشاريع الجديدة.

تتوزع تلك المطاعم والمقاهي بين طريق المطار وبين أوتوستراد السيد هادي نصر الله، وأتوستراد سانت تيريز، وصولاً إلى كلية العلوم في الحدث. بلغ عدد المطاعم فقط، حتى اليوم، ما يقارب خمسة وعشرين مطعماً، بينما المقاهي بالعشرات، ومن بينها مقاهي الإنترنت، ناهيك عن مطاعم الوجبات السريعة.

هكذا، يبدو أن الظاهرة تسبق إمكانية إحصائها، فضلاً عن أنها ليست مشمولة بالمناطق السياحية. لذلك لم يعتد أصحابها أو مستثمروها على تقديم طلبات ترخيص سياحية لها، إذ لا توجد معلومات عنها في المراكز البلدية ووزارة السياحة، ومن بينها: »التراس، باب الحارة، أمسيات، استراحة ملعب الراية، الكافييت، الكناري، كافيه ،٣٣ فانتازي وورلد، الساحة، قهوة أبو العز، الفاميلي هاوس، سويت كافيه، وسويس تايم« وغيرها.

أول ما يلفت النظر لدى ارتياد أحد المطاعم هو مساحته الكبيرة، مقارنة بمطاعم ومقاهي بيروت. وقد أتاح توفر المساحة إقامة استراحات صيفية وشتوية، تغرس على أطرافها وحول ممراتها الأشجار والزهور على سجادة من العشب الأخضر. ولعل ذلك من أجل خلق جو منعش للرواد، والتعويض الجزئي عن عدم وجود حدائق في الضاحية، كما في بيروت، لأن كل قطعة أرض يجري استثمارها من أجل البناء.

المطعم الأول الذي أنشئ ضمن السلسلة الحديثة، عند أوتوستراد السيد نصرالله، هو »مطعم التراس« الذي افتتح أواخر آب ،٢٠٠٧ وصودف حينها بداية شهر رمضان. اختار صاحبه الطابق الأول في أحد المباني مكاناً لمشروعه، وفرشه على طريقة الديوانية، أي المقاعد الشرقية المنجّدة بالقماش الأحمر والأسود، بالإضافة إلى الطاولات والكراسي.

وصاحب المطعم مغترب عائد من الولايات المتحدة الأميركية، وارتأى أن أنسب مشروع له في لبنان هو مطعم في الضاحية، بسبب قيمة الاستثمارات المرتفعة في بيروت. في البداية خشي ألا يكون موقع المطعم جذاباً للزبائن، خصوصاً أن الطابق الأول في مبنى لم يكن مألوفاً في المنطقة، وسيضطر الزوار إلى صعود الدرج للوصول إليه. لكنه وجد في المنطقة ميزتين عوضتا عن خصوصية المكان هما: طابعها الشعبي، وتصنيفها من المناطق الرئيسية في الضاحية مما يسهل وصول الزبائن إليها من مناطق متعددة. في البداية كان افتتاح المطعم يُعتبر مجازفة استثمارية، إذ لم يكن سكان الضاحية معتادين على وجود المطاعم فيها، وكانوا يقصدون منطقة الروشة بشكل خاص ومن ثم وسط بيروت، لكنه فوجئ لدى افتتاحه بكثرة الزبائن.

يعمل في المطعم حالياً ما يقارب خمسة وثلاثين موظفاً، ويقدّر صاحبه معدل الدخل اليومي بثلاثة ملايين ليرة. ويقول إنه لدى حصول الأحداث الداخلية، ازداد عدد الزبائن بشكل كبير. كانت أجهزة التلفزة مثبّتة على نشرات الأخبار و»العاجل«، والناس يشعرون أنهم في الضاحية آمنون.

وبعد »التراس« افتتح إثنا عشر مطعماً، بشكل متتال، خلال فترة زمنية لم تتجاوز العام الواحد.

يحمل مطعم واستراحة »الراية« إسم الملعب المعروف من خلال مهرجانات حزب الله التي تقام على أرضه. افتتح في رمضان الماضي قبل أن يجهز بشكل كامل، ويقول مدير المطعم حسين سلامة إن الشركاء في ملكية المطعم لم يكونوا ينوون افتتاحه في رمضان، لكن الناس عندما رصدوا الكراسي والطاولات أخذوا يتوافدون إليه، فقررنا بدء العمل.

يمتد المطعم والاستراحة على قطعة أرض كبيرة مواجهة للملعب، تبلغ مساحتها حوالى ثلاثة آلاف متر مربع، مسيّجة بغرسات الأشجار والعشب والورود بين الطاولات. وفي وسط الباحة، أقيمت غرف خاصة، جدرانها من زجاج، ووضعت في داخلها مقاعد وأجهزة تلفزة، وهي مخصصة للزبائن الراغبين في الابتعاد عن الضوضاء، وبالتالي ترتفع أسعارها عن باقي الأماكن داخل الاستراحة. كما شيّدت صالة مسقوفة بسطح من قرميد وجدران زجاجية، وضعت في وسطها مدفأة كبرى، من أجل الجلسات الشتوية. وتمتد فوق الاستراحة قطعة أرض ثانية، على شكل تلة صغيرة، مساحتها تقارب الألفي متر مربع، يجري تجهيزها لتكون صالة أعراس ومطعماً شتوياً.يقدم المطعم حالياً المأكولات الغربية، والنيّة تتجه إلى لائحة طعام شرقية في الصالة الثانية المرتفعة. يقول سلامة إنه يوجد مالك واحد للأرض، هو عادل دياب الذي يملك أيضاً ملعب الراية، فيما قدم مساهم آخر التمويل للمشروع. لكن المفاجأة التي تحدّث عنها سلامة هي أن الملعب سيتحول بدوره إلى مشروع تجاري سياحي، لكنه فضّل عدم الإفصاح عن التفاصيل.

افتتح مطعم »نسمات« في شهر رمضان الماضي، ويملك صاحبه مطعمين آخرين في الضاحية. يقول مديره، محمد بهجت، إنه لم يختر وقت الافتتاح، إنما تم شراء الأرض والتعاقد مع مهندسين من أجل الانتهاء من عملية البناء بسرعة. يعتبر أن موقعه مناسباً عند الاوتوستراد، وبرأيه أن اللبنانيين يقبلون التوقف عن الطعام والشراب، لكنهم لا يقبلون التوقف عن السهر.

عمل بهجت في مطاعم عدة في فنادق بيروت، في الفينيسيا والموفنبيك والريفييرا والشيراتون. لكنه اختار العمل أخيراً في الضاحية كي لا يضطر إلى تقديم الكحول للزبائن، ويقول إنه يشعر براحة نفسية لاختياره.

يعرف بهجت أن العديد من رواد المطعم هم من غير المتزوجين. يغض النظر عن بعض مشاهد العناق إذا كان الوقت ليلاً، وعدد الزبائن قليلاً، لكنه لا يستطيع السماح بذلك طوال الوقت، فينبّه الرواد لدى »وقوع« بعض القبل أو لحظات العناق، لأن المطعم يكتسب صفة مطعم العائلات. يضيف أن في الضاحية مقاهي ومطاعم صغرى تسمح بذلك، وهي موجودة بشكل خاص قرب كلية العلوم، ربما لأن غالبية روادها في عمر الشباب. لا يبث بهجت الأغاني بسبب وجود متدينين، لكنه يفكر ببث موسيقى هادئة في مرحلة لاحقة. اختار ترتيب الطاولات بشكل دائري، وليس مربعاً، مع العلم أن وضعها بشكل مربع يسمح بزيادة عددها، لكنه يقول إن تلك الطريقة أكثر جاذبية للزبائن، لأنها أكثر راحة بالنسبة إليهم. كما وضع الديوانيات عند الزوايا، ليبدو المشهد مريحاً في صالة واسعة، وخارج الصالة غرست الحديقة بالزهور، وقد تحولت في شهر رمضان إلى مكان سهر للصائمين.

أما مطعم »باب الحارة« فحاز على الشهرة منذ افتتاحه، بعدما استمد »تيمته« من المسلسل السوري الشهير. هو شراكة بين أربعة مساهمين، وقد اختاروا مكانه عند أول أوتوستراد السانت تيريز، لأن الموقع يشكل صلة وصل بين منطقتي الضاحية والحدث.

افتتح المطعم في بداية العام ،٢٠٠٨ لكن بعد افتتاحه بوقت قصير كرّت سبحة المطاعم في الشارع، ووصلت حتى الآن إلى خمسة، وهي مرشحة للازدياد. ينتقد أحد الشركاء في المطعم، نزار بعلبكي، الطريقة التي يتعامل بها اللبنانيون مع أي مشروع استثماري. ويقول بعلبكي، المتخصص في إدارة الأعمال، إن مقاهي الإنترنت مثلاً تكاثرت إلى درجة اضطر بسببها العديد من أصحابها إلى إغلاقها. ثم تكاثرت بعدها محلات بيع الهواتف الخلوية، فاضطر العديد من أصحابها إلى إغلاقها أيضاً. ويبدي خشيته من أن يؤول مصير المطاعم إلى مصير مثل هذه المشاريع التي حرقتها المنافسة غير المدروسة. يتمنى ألا يحصل ذلك. ويقول إن عدد زبائن »باب الحارة« كان، لدى افتتاحه، أكثر مما هو عليه حالياً. لكن العدد استقر حالياً، إثر اعتيادهم على طريقة الخدمة. ويوضح أن في المطعم صالتين، واحدة تقدم الأطعمة الشرقية والثانية متخصصة بالأطعمة الغربية، وإلى جانبهما حمام تركي، يزيد عدد زبائنه عن عدد زبائن المطعم، ويساهم ذلك في زيادة المدخول.

تعليقات: