يبقى النقاش حول سلاح الحزب من أبرز القضايا الحسّاسة والمصيرية التي تحدّد ملامح مستقبل لبنان. ومع تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية، واستمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يعود هذا الموضوع إلى الواجهة بإلحاح، سواء في الأوساط السياسية أو الإعلامية أو حتى في النقاشات الشعبية.
بالنسبة لشريحة واسعة من اللبنانيين، يُنظر إلى سلاح حزب الله على أنّه جزء لا يتجزّأ من المقاومة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، لا سيّما بعد اجتياح الجنوب اللبناني (1978–2000) وحرب تموز 2006. في هذا السياق، يُمثّل الحزب وفق هذا الرأي قدرة لبنان على الدفاع عن نفسه في وجه عدوّ يتمتّع بقوة عسكرية كبيرة، في ظلّ ضعف الإمكانيات العسكرية للجيش اللبناني وتراجع ثقة البعض بالضمانات الدولية.
في المقابل، يثير هذا السلاح، الذي لا يدخل ضمن المنظومة الرسمية للدولة، تساؤلات لدى شريحة أخرى من اللبنانيين، تتعلق بسيادة القرار الوطني . ويخشى هؤلاء أن يؤدّي هذا الواقع إلى خلل في التوازن المؤسساتي، وإضعاف دور الدولة ، ما ينعكس قلقًا وتوتّرًا .
ولا يمكن فصل هذا الجدل عن السياق الإقليمي الأشمل الذي يعصف بالمنطقة: النزاع المستمر في فلسطين، التوتر بين بعض الدول العربية وإيران، هشاشة الوضع في سوريا، وغياب المبادرات الدولية الفاعلة. إن سلاح حزب الله يتداخل مع كل هذه المعطيات.
ورغم كل ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل يستطيع لبنان أن ينهض من أزماته المتعدّدة بينما لا يزال هناك طرف مسلّح خارج إطار الدولة؟ وإذا كان الهدف من بقاء هذا السلاح هو الدفاع عن لبنان، فهل يمكن التفاهم على تنظيم هذا الدور، أو على الأقل جعله أكثر شفافية، من أجل تهدئة النفوس وترميم الثقة الوطنية بين مختلف مكوّنات البلد؟
ليس المطلوب إنكار تجربة أو إلغاء دور، بل الدعوة إلى نقاش هادئ وموضوعي حول مستقبل وطن يطمح إلى السلام والاستقرار والعدالة. وهو نقاش لا يمكن فرضه بالقوة، بل يجب أن يبدأ بروح المسؤولية والاحترام المتبادل، من أجل دولة قوية عادلة تحمي جميع أبنائها تحت سقف القانون.
في جوهر الوحدة الوطنية: مشروع وطن لا يقبل التقسيم
الوحدة الوطنية هي الضامن الحقيقي للاستقرار، والسدّ المنيع في وجه الفوضى والتدخلات الخارجية. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي تنقسم على ذاتها تُنهك، وتلك التي تتوحّد تتقدّم، حتى في أحلك الظروف.
لبنان، بتنوعه الديني والمذهبي والسياسي، لا يمكن أن يُبنى إلا بالتوازن والمشاركة والاحترام المتبادل. فالوحدة الوطنية ليست شعارًا مناسباتيًا، بل هي فعل يومي يتجلى في العدالة، وفي توزيع الفرص، وفي الشفافية. وكل سلاح خارج إرادة الدولة، أيًّا كانت مبرراته، يجب أن يكون جزءًا من نقاش وطني مسؤول، يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
الوحدة ليست ضد أحد، بل هي مع الجميع، وهي الوحيدة القادرة على جعل اللبناني يشعر بالانتماء إلى دولة لا تفرّق بين مواطن وآخر، ولا تُلغي أحدًا، بل تصغي لكل الأصوات، وتضع الأمن الاجتماعي، في صدارة أولوياتها.
في هذا السياق، لا بدّ من التوجّه بكل إجلال إلى أرواح جميع شهداء لبنان، من مختلف المناطق والطوائف والانتماءات، الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن، أو في سبيل كرامته، أو في وجه العدوان والظلم. إن دماءهم الزكية ستبقى شاهدًا حيًا على تضحيات هذا الشعب المتجذّر في الأرض والعزة، وستظل نبراسًا يُضيء الطريق أمام كل مشروع وطني جامع.
وإلى ذوي الشهداء، الذين حملوا ألم الفقد بصبر نادر، نقول: قلوب اللبنانيين الشرفاء جميعًا معكم. أنتم أهل الشرف والصمود، وتحملون في وجدانكم قصة وطنٍ بأكمله. نسأل الله أن يمنّ عليكم بالصبر والعزاء، وأن يكون وفاء الوطن لتضحياتكم بحجم ما قدّمتم من محبة ودموع وأمل.
لبنان يحتاج إلى حوار وطني صادق ومنفتح لا يُلغي أحدًا ولا يُصنّف أحدًا، لأن السلام الحقيقي لا يُبنى على الخلاف ، بل على التوازن والتفاهم، وعلى مشروع دولة قوية، عادلة، تحمي جميع أبنائها تحت مظلة الدستور والقانون.
راشد خضر كمال شاتيلا
تعليقات: