بسّام الشكعة وداعاً

المناضل بسام أحمد الشكعة
المناضل بسام أحمد الشكعة


حياتك كانت كلها نضالا وعطاء وثباتا على المبادىء..

اختار الله موعدا لرحيلك عشية ذكرى ثورة ٢٣ يوليو التي بقيت، وانت البعثي، وفيا لقائدها ورمزها ومبادئها.. فما هادنت ،وما هنت، وما ساومت يوما... بل بقيت منتصب القامة "تمشي"... مرفوع الهامة "تمشي"...

كم كنت كبيراً في حياتك...

كم كنت عزيزا في رحيلك!

-------- --------- -----------

ولد بسام أحمد الشكعة في مدينة نابلس عام 1930 ودرس في مدارسها والتحق بصفوف جيش الإنقاذ الفلسطيني عام 1948 مع والده المناضل ضد الوجود الصهيوني في فلسطين. فر من الأردن بعد التضييق على الحركة الوطنية بعد أحداث عام 1956 وحكم غيابيا 15 سنة. دخل سوريا لاجئا سياسيا وكان من أنصار الوحدة بين مصر وسوريا. وعندما انهارت الوحدة عام 1961 شارك في المظاهرات ضد الانفصال فاعتقل ووضع في سجن المزة ثم أبعد إلى مصر وبقي فيها حتى عام 1965 حيث عاد إلى الأردن بعد العفو العام الذي أصدره الملك حسين ثم استقر في نابلس عشية حرب حزيران/يونيو 1967. بدأ ينشط في تعبئة الجماهير ضد الاحتلال وهو ما عزز من شعبيته لدى الجماهير الفلسطينية. سمحت إسرائيل عام 1976 لأول مرة أن تجري انتخابات حرة في المدن الفلسطينية الكبرى وإذا بالتيارات الوطنية القريبة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تكتسح الانتخابات. نابلس، كبرى المدن الفلسطينية آنذاك، انتخبت المناضل المعروف، بسام الشكعة ورام الله انتخبت كريم خلف والبيرة انتخبت إبراهيم الطويل والخليل فهد القواسمي وحلحول محمد ملحم وعنبتا وحيد الحمد الله. عام 1976 كان صفعة قوية للمحتل تزامن مع تحركات فلسطينيي الداخل فيما عرف بيوم الأرض الذي عمد بستة شهداء يوم 30 آذار/مارس 1976. سقط مع تلك الانتخابات مشروع «روابط القرى» التي طرحته إسرائيل لإدارة المناطق المحتلة عن طريق القيادات العشائرية التقليدية ودفن المشروع من يومها.

بدأ نضال بسام الشكعة ورفاقه ضد الاستيطان من جهة وبناء المؤسسات الوطنية في المدن والبلدات الفلسطينية من جهة أخرى. وحاول الاحتلال أن يثنيه عما يعمل، فهدده مرارا وتكرارا لكن لم تثن تلك التهديدات بسام ورفاقه عن متابعة النضال ضد الاستيطان ووضع في السجن عام 1979 فقامت نابلس والضفة الغربية كلها تعلن تضامنها مع القيادات الوطنية فاضطرت قوات الاحتلال أن تفرج عنه وعن رفاقه بينما أبعدت عددا منهم من بينهم القواسمي وملحم والشيخ أسعد بيوض التميمي، بترتيب من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قام عملاء الاحتلال بتفجير سيارات الشكعة وخلف والطويل يوم 2 حزيران/يونيو 1980. فقد الشكعة ساقيه الاثنتين في الانفجار وبترت ساق كريم خلق ونجا الطويل عند اكتشاف العبوة الناسفة قبل أن يدخل السيارة. وقال بسام عندها «لقد أصبحت الآن أقرب إلى الأرض». تحول الشكعة إلى رمز من رموز النضال الوطني الفلسطيني وعند عودته من العلاج في الأردن وبريطانيا حمله مئات الألوف من الجماهير الفلسطينية على الأكتاف رغم أن إسرائيل فرضت منع التجول في ذلك اليوم.

نعود لتك المرحلة لنستذكرها مع المناضل بسام الشكعة «أبو نضال» رئيس بلدية نابلس الأسبق بين عامي 1976 و1980 في بيته الواقع على سفح جبل جرزيم في مدينة نابلس المعروفة هنا باسم «جبل النار».

○ نبدأ من الوضع الراهن، ما هو تقييمك للوضع العربي والمشروع الوطني الفلسطيني؟

• المشروع الوطني الفلسطيني تعرض للهزات نتيجة التفكك والانقسام ونتيجة غياب أو تغييب منظمة التحرير الفلسطينية، لا ننكر أن المنظمة هي التي أحيت المشروع الوطني الفلسطيني والذي هو أكبر من الأراضي المحتلة. وعلينا أن نعيد التفكير في الوحدة الوطنية التي يجب أن تقترن بإعادة تفعيل المنظمة وتعزيز دورها. وأي دعوة للوحدة في غياب منظمة التحرير يبقى ناقصا وغير مؤثر.

على الفصائل الفلسطينية أيضا أن تساهم في عملية التقييم المطلوبة الآن للمشروع الوطني. أين كنا وأين وصلنا وإلى أين نحن ذاهبون؟ هذه أسئلة مطروحة على الجميع بدون استثناء فالمشروع الوطني الفلسطيني أهم من الأشخاص والفصائل والقيادات.

○ القضية تتعرض لعملية تهميش في الأمم المتحدة بسبب الخلافات الفلسطينية وتفكك الموقف العربي الموحد في دعم القضية الفلسطينية. فما رأيكم؟

• الدول الاستعمارية كانت على مر العصور مسيطرة على الأمم المتحدة. لم يكن للأمم المتحدة دور مستقل بل ظلت خاضعة لإرادة الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة التي ورثت دور بريطانيا. في البداية كانت بريطانيا المسيطرة واستطاعت أن تخلق الكيان الصهيوني على أرضنا والآن الولايات المتحدة هي التي تحمي هذا الكيان. أمريكا لها أهداف معروفة في السيطرة على منطقتنا بسبب النفط. أما عن الدول العربية فالحقيقة أنها محميات وليست دولا مستقلة. الدولة التي يحسب لها حساب هي عندما تكون السلطة فيها تمثل شعبها. كيف لا يتم تهميش القضية إذا تخلت الدول العربية عن اعتبار قضية فلسطين هي القضية المركزية؟ بل إنني أسمع أن رام الله تساهم في الحصار على غزة. وهذا شيء خطير إن كان صحيحا. على القيادة في رام الله أن تجرى تقييما شاملا لوضعها الفلسطيني والعربي والعالمي وتخرج باستنتاجات مهمة ورسم إستراتيجية جديدة بناء على تلك النتائج.

○ كيف يمكن أن نخرج من هذا المأزق الوجودي بالنسبة لفلسطين؟

• يجب أن ننتبه من أن القضية الفلسطينية لم يكن مقصودا بها فلسطين فحسب بل الوطن العربي برمته والشرق الأوسط كذلك. ففلسطين تقع في موقع القلب من الوطن العربي والسيطرة عليها تعني السيطرة على الأمة العربية والتمدد من داخل فلسطين إلى الدول المجاورة ثم التسلل إلى كل أرجاء الوطن العربي. لقد خسرنا ورقة التضامن العربي وسلاح الموقف الواحد. الدول العربية لم تعد معنية بقضية فلسطين. كل دولة تفتش عن مصالحها. لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية، وبدون موقف موحد داخل أطراف العمل الوطني الفلسطيني، وبدون موقف عربي ملتف حول قضيته المركزية فلا أمل بالخروج من المأزق الحالي.

غزة بالتحديد مستهدفة من الكيان الصهيوني. وقد يكون هناك استفراد بها لأنها ما زالت تتحدث عن فكر المقاومة. وأنا لا أبتعد عن الاتصال بالمواطنين الفلسطينيين في الضفة وغزة وفي الشتات وأتباع ما يجري من تطورات على الساحتين الفلسطينية والعربية.

○ كان لك موقف معارض وصلب من اتفاق أوسلو فهل تغير هذا الموقف الآن بعد كل هذه السنوات؟

• على العكس، أثبتت الأيام أن موقفنا من أوسلو كان صائبا. أنظر إلى الآثار التي خلفها أوسلو على مجمل القضية الفلسطينية. لقد فتح أولا الطريق أمام بعض الأنظمة العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ويعقدوا اتفاقيات معها. عندما وقعت اتفاقيات أوسلو كان الشعب الفلسطيني يخوض أعلى مراحل النضال الشعبي ضد الاحتلال لكن للأسف لم يؤخذ هذا النضال بعين الاعتبار، بل تم التخلي عنه، وقامت الدول الاستعمارية بتشجيع القيادات الماضية للتوقيع على اتفاقات مبهمة. للأسف استغل ذلك الاتفاق وأخذ منه فقط موضوع التصالح مع إسرائيل، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الغائب الأكبر في اتفاقيات أوسلو.

دعني أعطيكم مثالا حول عقلية إسرائيل، عندما كنت أعالج في الأردن بعد الانفجار هرع الناس إلى غرفتي في المدينة الطبية بالزهور والهدايا. رفضت كل هذه وطلبت مقابل ثمن الزهور والهدايا التبرع بقيمتها لبناء مدرسة في بلدة بلاطة. وبالفعل جمع المبلغ وأقيمت المدرسة وسميت باسمي «مدرسة بسام الشكعة» فجاءت قوات الاحتلال ونزعت الاسم. بعد اتفاقيات أوسلو جاء وزير التربية ودعاني للاحتفال بتسمية المدرسة باسمي فرفضت. قلت له لا يشرفني أن يتم احتفال بي تحت مظلة أوسلو. ظلت المدرسة قائمة واسمها قائم. بعد أوسلو أصبح لي موقف آخر من الذين قادوا العملية وانقطع الاتصال بيني وبينهم. وبعد توقيع «بيان العشرين» عام 1999 الذي طالب بمراجعة العملية السلمية وتصحيح المسار في ظل استشراء الاستيطان، أصدرت قيادة السلطة أمرا بحبس الموقعين على البيان، أما أنا فصدر بحقي قرار يطالبني بالإقامة الجبرية في بيتي. ضحكت كثيرا وطلبت من السائق يومها أن يقود السيارة ويتجول بي في كل شوارع نابلس.

○ وما هي نصيحتك للشعب الفلسطيني يا أبا نضال؟

• باختصار عليه أن يتحد خلف فكرة المقاومة. عليه أن ينهي الانقسام وعليه أن يتوحد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.

○ عندما وقع حادث التفجير من عرض عليك المساعدة في العلاج؟

• عندما كنت في المدينة الطبية في عمان، جاء جلالة الملك حسين إلى غرفتي ومعه طبيبان بريطانيان وعرضا علي متابعة العلاج في بريطانيا. ذهبت إلى لندن وبقيت هناك نحو خمسة أشهر من أجل تركيب أطراف صناعية. ودعاني الأمريكان أيضا إلى العلاج بناء على اعتبارات إنسانية فقط فرفضت الدعوة وقلت لهم «أدينوا أولا محاولة الإغتيال التي قام بها الإسرائيليون وعندها أقبل الدعوة». فلما أصروا على الاعتبارات الإنسانية رفضت الدعوة. ولما كنت في مستشفى في بريطانيا اكتشفت أن تحويلي للمستشفى أيضا كان لدواع إنسانية. وقلت انني أرفض هذا العلاج لأسباب إنسانية إذا لم تدن بريطانيا ما قامت به إسرائيل. وطلبت مغادرة بريطانيا. جاء أربعة موظفين من وزارة الخارجية البريطانية ليقنعوني بالبقاء. قلت لهم انني سأنتقل إلى باريس للعلاج هناك. ثم جاء الوزير البريطاني للشؤون الخارجية وناقشني في أهمية الاعتراف بإسرائيل وأهمية ذلك بالنسبة لحقوق الشعب الفلسطيني فقلت له لتعترف بريطانيا أولا بمنظمة التحرير الفلسطينية. توقف النقاش فورا. طلبت يومها مقابلة السفير الأردني والعودة إلى الأردن فلبى السفير الأردني طلبي وعدت إلى المدينة الطبية في عمان. وللعلم فقد عرضت 27 دولة استضافتي للعلاج ليس من بينها أي دولة عربية إلا سوريا التي لم تكن مؤهلة لمثل هذا النوع من العمليات المعقدة.

○ علاقاتك كانت مميزة مع النظام السوري أيام حافظ الأسد. فهل استمرت هذه العلاقة؟

• علاقتي بسوريا الوطن ما زالت جيدة علما أنني سجنت في سوريا عندما عارضت الانفصال وبقيت علاقتي مميزة مع جمال عبد الناصر. لقد انتقدت الرئيس حافظ الأسد بالإنضمام إلى تحالف «حفر الباطن» ضد العراق. وأستغرب الكثيرون هذه الجرأة وخافوا أن يعتقلني وأنا في تلك الحالة الصحية. لكنه ضحك وقال كنا على هامش الحشد. إن ما يجري في سوريا مؤامرة أمريكية ليس على سوريا وحدها بل على الأمة العربية بكاملها. ان هناك دولا عربية تتآمر على فلسطين كذلك وتقيم علاقات مع إسرائيل ويحاولون أن يصفوا النضال الفلسطيني بأنه إرهاب. هناك في الساحة الفلسطينية من يسهل زيارات وفود عربية لإسرائيل وهذا شيء يسيء للشعب الفلسطيني. النضال هو الجواب الصحيح. عهد انتصارات إسرائيل العسكرية قد انتهى بعد ما حدث في جنوب لبنان وغزة. ولكن هذه الانتصارات ناقصة ما دامت فلسطين تحت الاحتلال وما زال اللاجئون الفلسطينيون بعيدين عن مدنهم وقراهم وأراضيهم. الاستيطان الآن التهم الأرض ولم يبق ما يمكن أن تقام عليه دولة. المخطط الإسرائيلي يكاد يكتمل بالتهام الأرض كلها. ولا بديل للفلسطينيين إلا النضال لإنهاء الاحتلال.

○ هل تابعت انتفاضة الأقصى وانتصار المقدسيين على مخطط تقسيمه؟ الشعب نفسه تصدى للمخطط وانتصر. فماذا تقول في هذا الانتصار؟

• الشعب الفلسطيني لم يتوان يوما عن النضال والتضحية من أجل وطنه منذ انتفاضة البراق عام 1929 وإلى الآن. انتفاضات متواصلة ضد الاحتلال وضد الاستيطان وضد الانحراف عن بوصلة النضال. تابعت موضوع معركة القدس. القدس والأقصى هدف للمخططات الإسرائيلية وستستمر إسرائيل في التحايل واستخدام القوة والمؤامرات للسيطرة على القدس والحرم الشريف. التاريخ الفلسطيني الآن مستهدف وليس الجغرافيا الفلسطينية.

○ هل ترى أن هناك ضوءا في نهاية هذا النفق المظلم؟

• الوضع السلبي الذي نعيشه الآن نتيجة سيطرة المحميات العربية على شعوبها وقهرها لهم. الانتصارات الأخيرة في القدس مهمة وهي توضح سبيل التحرر. المقاومة والنضال هما الحل. النضال في القدس وحّـد الشعب الفلسطيني، مثلما المقاومة في جنــوب لبنـــان وحـــدت خــلــفها الشعب اللبناني. والمــقـــاومة في فلســـطين توحد الشعب الفلسطيني وتوحـــد الشـــعوب العربية خلف الشعب الفلسطيني. هذا هو الطريق لاسترجاع الحقوق ولا طريق غيره.

* حاوره عبد الحميد صيام (القدس العربي)

تعليقات: