سلامة يكذب مجدداً: علِم بتهريب الودائع ولم يوقفها

المجلس النيابي اقترف جريمة عدم إقرار الكابيتال كونترول منذ 2019
المجلس النيابي اقترف جريمة عدم إقرار الكابيتال كونترول منذ 2019


(المدن)

مع تحريك ملف الكابيتال كونترول في المجلس النيابي، ومع كل السجال الذي أثاره هذا الملف، كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار مجددًا إلى ملف تهريب سيولة المصارف منذ تشرين الأوّل 2019، عبر التحويلات التي جرت باستنسابيّة لمصلحة قلّة محظية نافذة من المودعين. والعلاقة بين ملف الكابيتال كونترول وهذه الأموال المهرّبة، تنبع تحديدًا من السؤال عن سبب مناقشة القانون اليوم في كانون الأوّل 2021، بدلًا من إقراره قبل سنتين وشهرين في تشرين الأوّل 2019، لمنع تهريب هذه الأموال منذ البداية.


مسؤوليّة سلامة والمجلس النيابي

ربما لهذا السبب بالتحديد، اختار رياض سلامة أن يشير مؤخّرًا إلى أن التحويلات التي تخرج من المصارف لا تمر بمصرف لبنان، في محاولة لإيحاء بأنّه لم يملك القدرة على ضبط هذه الأموال المهرّبة. أما إشارته إلى أنّه طلب من السلطة السياسيّة غطاء لتنظيم إخراج الأموال، فلم يكن إلّا محاولة للإيحاء بأنّه لم يملك صلاحيّة فرض هذه الضوابط، بغياب قانون الكابيتال كونترول.

في كل الحالات، بمجرّد مراجعة آليّات التحويل إلى الخارج، يمكن الاستنتاج أنّ سلامة يكذب. معظم هذه العمليّات المشبوهة مرّت بمصرف لبنان، وحتّى الجزء الذي لم يمر بالمصرف المركزي، كان يتم التصريح عنه يوميًّا للمصرف، وكان المصرف يملك صلاحيّة التقصّي عن أي تحويلات يشتبه في انطوائها على شبهة تهريب الأموال. أمّا مراجعة قانون النقد والتسليف، فكفيلة بإيضاح أن المصرف المركزي كان يملك صلاحيّة ضبط هذه التحويلات، ولو لم يقر المجلس النيابي قانون خاص للكابيتال كونترول.

مع الإشارة إلى أنّ هذه الحقيقة لا تبرّئ المجلس النيابي من الجريمة التي اقترفها، حين تقاعس عن إقرار هذا القانون منذ 2019، لفرض الضوابط على السيولة في ظل تقاعس مصرف لبنان عن أداء هذا الدور. كما لا تبرّئ هذه الحقيقة وزير الماليّة السابق غازي وزني من جريمة سحب مسودّة مشروع قانون الكابيتال كونترول عن طاولة مجلس الوزراء أيام حكومة دياب، "لأن مرجعيتي السياسيّة ترفض ذلك"، كما قال في ذلك الوقت.


تهريب الأموال من احتياطات مصرف لبنان

تنقسم التحويلات التي تجريها المصارف التجاريّة إلى الخارج إلى قسمين: القسم الأوّل يخرج من حساباتها الموجودة لدى المصارف المراسلة في الخارج مباشرةً، فيما يخرج القسم الثاني من احتياطاتها الموجودة بحوزة المصرف المركزي. ويمكن القول أن عمليّات تهريب السيولة شملت –حسب الأرقام المتوفّرة- القسمين معًا.

تظهر أرقام مصرف لبنان أن إجمالي احتياطاته انخفضت خلال العام 2020 وحده بنحو 10.95 مليار دولار أميركي، في حين أن حجم الدعم الذي قدّمه من هذه الاحتياطات لدعم الاستيراد –بكل أشكاله- وتمويل نفقات الدولة بالعملة الصعبة اقتصر على نحو 7.3 مليار دولار أميركي. وبذلك، يصبح من الواضح أن حجم الأموال التي خرجت من احتياطات مصرف لبنان، من دون أن يتضح مصيرها، بلغ نحو 3.65 مليار دولار خلال سنة 2020 وحدها.

هذا المبلغ تحديدًا هو ما يُشار إليه عند الحديث عن الأموال المهرّبة من احتياطي مصرف لبنان، والتي استخدمتها المصارف في التحويلات. يُضاف إلى هذه القيمة جميع الأموال المهرّبة من احتياطات المصرف المركزي خلال آخر شهرين من العام 2019، وخلال العام 2021. وهي أرقام يصعب تقديرها في ظل صعوبة فرز الأموال التي ذهبت إلى الدعم خلال هذه الفترات.

جميع هذه التحويلات، مرّت من داخل مصرف لبنان، وأمام عيني الحاكم نفسه، كون المصارف قامت بإجرائها من احتياطاتها الموجودة في المصرف المركزي، لا من المصارف المراسلة بشكل مباشر. لا بل كان بإمكان المصرف المركزي أن يمتنع عن تنفيذ أي حوالة لمصلحة أي مصرف، بمجرّد عدم اقتناعه بأسباب تنفيذ هذه العمليّة.

تهريب الأموال من حسابات المصارف في الخارج

بالنسبة إلى التحويلات التي جرت من حسابات المصارف لدى المصارف المراسلة بشكل مباشر، تشير الأرقام إلى أن أرصدة المصارف في الخارج انخفضت بنحو 6.4 مليار دولار من تشرين الأوّل 2019، من دون أن يتضح فعلًا مآل هذه الأموال. مع الإشارة إلى أن المصارف اللبنانيّة لم تعمد إلى استعمال هذه الأموال في عمليّات دعم الاستيراد أو إقراض الدولة، بخلاف احتياطات مصرف لبنان.

في ما يخص هذه التحويلات، ورغم عدم مرورها بمصرف لبنان مباشرةً، امتلك سلامة القدرة على تتبّع حجم كل حوالة ومآلها، من خلال نظام السويفت التي يعطي مصرف لبنان هذه المعلومات، وهو ما يسمح له باستشعار أي شبهات في ما يخص حجمها ووجهتها. وفي الوقت نفسه، امتلك سلامة صلاحيّة طلب كشوفات يوميّة من المصارف اللبنانيّة، لتتبّع حجم وطبيعة التحويلات التي جرت من كل مصرف على حدة. وفي حال لم يقتنع مصرف لبنان بأسباب إجراء هذه التحويلات، تمتلك لجنة الرقابة على المصارف حق التدخّل وكشف أسماء المستفيدين من العمليّات والفواتير المرفقة بها. باختصار، امتلك سلامة كل ما يحتاجه لمعرفة جميع المعلومات المطلوبة، من المراقبة العامّة والشاملة إلى الدخول في التفاصيل المملة.


صلاحيّات سلامة في القانون

بمعزل عن قدرته على تتبّع وكشف عمليّات تهريب الأموال، امتلك سلامة الصلاحيّة القانونيّة اللازمة لفرض ضوابط معيّنة على السيولة الموجودة في القطاع المصرفي، بهدف ضمان عدم وجود استنسابيّة في إجراء التحويلات والسحوبات النقديّة. فالمادّة 174 من قانون النقد والتسليف، تعطي مصرف لبنان صلاحيّة وضع "التنظيمات العامّة الضروريّة لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها"، كما تعطيه المادّة نفسها صلاحيّة وضع قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيّد بها حفاظًاً على حالة سيولتها وملاءتها.

بمعنى آخر، وحسب هذه المادّة تحديدًا، من الطبيعي أن نعتبر أن المصرف المركزي كان يمتلك صلاحية فرض ضوابط معيّنة على السحوبات النقديّة أو التحويلات، بموجب تعاميم أساسيّة جديدة، طالما أن هدف هذه التعاميم حماية المودع من استنسابيّة المصرف وتكريس التساوي بين عملاء القطاع المصرفي. وهذا تحديدًا ما تشير إليه المادّة بعبارة "حسن علاقة المصارف بمودعيها".

في خلاصة الأمر، كان لدى سلامة القدرة على مراقبة عمليّات تهريب السيولة، تمامًا كما امتلك صلاحيّة التدخّل لوقفها. لكن من الناحية العمليّة، تقاذف كل من مصرف لبنان والمجلس النيابي والحكومة مسؤوليّة المبادرة في هذا المجال، وتركوا الباب مفتوحاً لكل هذه العمليّات المشبوهة من دون أي قانون يضبطها، ومن دون تعاميم تتعامل معها. وبعد أن تم تهريب ما استطاع كبار النافذين تهريبه من أموال النظام المصرفي، باتت غاية قانون الكابيتال كونترول اليوم تشريع الإجراءات المجحفة بحق المودعين، بدل أن تكون لإنصافهم وحمايتهم من استنسابيّة قرارات المصارف.

تعليقات: