في «المقاومة الإسلامية»: هكذا خططنا.. ودخلنا القرى مع الأهالي في التحرير

في مطلع شهر آذار من عام ,2000 تلقّى مسؤول احد المحاور المتقدمة لـ«حزب الله» تقريراً أمنياً يفيد بأن الجيش الإسرائيلي بدأ بإخلاء مواقع متقدمة له في المنطقة الحدودية المحتلة، وتحديداً في محيط بلدة القنطرة.

تم تكليف البعض من شبان المقاومة بالتسلل إلى القنطرة و«شرب استكانة شاي».

في طريقهم الى البلدة، عبر مسالك جبلية محددة، لم يصادفوا أي إسرائيلي أو لحدي في المنطقة كلها.

بعثوا بتقريرهم للمسؤول الميداني، فكرر عليهم الطلب بأن يتوجهوا إلى البلدة للتأكد من الأمر ودراسته، من ثم ـ في ضوء النتائج ـ الإيعاز بأولى الخطوات.

في الأروقة المغلقة للقيادة العسكرية لـ«حزب الله»، بدأ نقاش المعطيات والاحتمالات في القنطرة وغيرها، لا سيّما موقع ثكنة الريحان في منطقة إقليم التفاح، حيث تم رصد عمليات تفكيك للتجهيزات الإسرائيلية ـ اللحدية.

يقول أحد القيادين في «حزب الله»، الذي كان من المتابعين الميدانيين في صفوف المقاومة أثناء التحرير، إنه تم التركيز على تلك المعطيات التي سبقها تكتيك من المقاومة اعتادته لفترة طويلة من الزمن، عندما حاول الإسرائيلي اعتماد سياسة نصب العملاء اللحديين متاريس له، للدفاع عن جيشه. في تلك المرحلة، كانت المقاومة قد استطاعت توجيه ضربة موجعة للبنية العسكرية للعملاء في جيش انطوان لحد، مما أدى إلى خلل في السيطرة على المواقع الأمامية من جهة، وتسجيل حالات فرار في جسم العملاء من جهة أخرى.

يشير القيادي في الحزب، إلى أن المقاومة استغلت الفرصة لـ«توظيف وتجنيد» العملاء. «طلبنا منهم البقاء في مواقعهم وإيفادنا بالأخبار والمستجدات لقاء مغريات مادية وضمانات أمنية».

يضيف القيادي في الحزب أنه «كان لكلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الأثر الكبير عندما دعا العملاء إلى ترك المواقع وتسليم أنفسهم، وبذلك ينالون العفو الذي يريدونه».

«حقيقة الأمر»، يضيف القيادي نفسه، أن المقاومة كانت تهدف، من تجنيد العملاء، الى جرّ الإسرائيلي إلى مستنقع المواجهة المباشرة وإنزال أفدح الخسائر به، وقد نجحت في الاستدراج، حيث انعدمت الثقة بين العسكر الإسرائيلي واللحدي، إذ أصبح الإسرائيلي يفضل تأدية المهمات العسكرية والأمنية متجاوزاً العملاء.

تضافرت التقارير الميدانية ـ العسكرية عند القيادة وغرفة العمليات، وكان الجواب من الأمين العام بالتريّث والصبر، احتياطاً من أن يكون الإسرائيلي قد نصب فخّاً. إلا أن المعلومات من شباب المقاومة في نقاط الرصد المتقدمة، أكدت أن الإسرائيلي فك العدة عملياً وانسحب من ثكنة الريحان.

ثلة من شباب القنطرة ومحيطها، قاموا بمحاولة لتكريس الأمر وترجمته إلى الواقع. حيث طلبوا من القيادة السماح لهم بدخول البلدة. في ذلك اليوم، أقيم احتفال تأبيني في بلدة الغندورية لمناسبة وفاة أحد الأشخاص، من بلدة القنطرة. هناك كانت تقام منذ عام 1978 مراسم التشييع لأهالي القنطرة المجاورة للغندورية.

في هذا اليوم، أي 23 أيار من عام ,2000 تم التنسيق بين القيادة والشباب المقاومين.

أوعزت القيادة لهم بتجميع عائلاتهم نساء وأطفالا استعداداً للتوجه نحو القنطرة. الحماس تجاوز المقاومين ليعمّ الأهالي كلهم لحظة بدء التنفيذ. تقدم العشرات بعد انتهاء الاحتفال التابيني نحو الوادي الفاصل بين البلدتين سيراً على الأقدام، بيد أن قوات الطوارئ الدولية وقفت عائقاً بوجههم حيث أقفلت الباب الحديدي لبلدة القنطرة.

لكن، سرعان ما فُجرت البوابة، بعبوة زرعها أحد المقاومين، وبدأ الزحف البشري بالدخول ومن ثم بدأت هيصة التحرير وانطلقت العبارة الشهيرة عبر الفضائيات اللبنانية والعربية «الحمد لله تحررنا».

أكمل الزحف البشري طريقة نحو بلدة الطيبة، التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول التعدي، لكنه انسحب. يلفت القيادي المسؤول في «حزب الله» الى أنه: في الأيام التي سبقت بداية التحرير، كنا نناقش في القيادة بأن الإسرائيلي، وفق المعطيات الميدانية، بدأ يغرق وينهار. يتابع المسؤول «ما يسمى بجيش لحد أصبح مفككاً وعبئاً على الإسرائيلي، وكنا نبحث مع إخواننا في حركة أمل تفاصيل آليات الدخول إلى المنطقة الحدودية المحتلة»، لأن الإسرائيلي ـ كما يشير المسؤول الميداني ـ كان وحسب الخطة التي وضعها، يهدف الى الانسحاب من بعض المواقع تخفيفاً من الضغط عليه. وأن يبقي مربعات مقفلة أمام المقاومة، خاصة المربعات التي تحمي قيادات عملائه في القطاعين الشرقي والغربي، مما يعني أن الإسرائيلي يحاول فرض الحصار على مربعات معينة كعمق استراتيجي يخوله الدخول إلى مربعات أمنية. وعليه، «كان دخول المقاومة بحذر وترقب. إذ أن الإسرائيلي راهن على عدة أمور، كاقتتال داخلي بين حزب الله وحركة أمل. الأمر الذي أدى لقرار يقضي برفع العلمين (الحزب والحركة) في كل سيارة.

النقطة الثانية التي راهن عليها الإسرائيلي هي التعرض للمسيحيين كانتقام وردة فعل من الأهالي والمقاومة على بعض الأعمال الدموية السابقة. جيش لحد كان من ضمن الرهانات أيضاً، إذ أن الإســــرائيلي ظنّ بأننا سنستل سيوفنا وننقض على العملاء ونذبحهم»، يقول القيادي في الحزب.

الاقتحام الأول تم من بوابة التحرير الأولى، أي بلدة القنطرة. تم بنجاح كبير وفُرض التحرير بشكل دائري وموسّع، إذ أنه سرّع التحرير لبقية المناطق واختصر الزمن. عندما حُررت القنطرة وأصبح الذهاب والإياب إليها أمراً عادياً، أخذ قرار بفتح محاور أخرى، منها محور حولا ومركبا.

القرار حلّ في اليوم الثاني بعد دخول القنطرة. طُلب من المجاهدين أن يكونوا على استعداد لاقتحام المواقع. لم يكن ببال أحد، أن الإسرائيلي سيستسلم أو ينسحب من «وادي جهنم» بسهولة.

انطلاقاً من ميس الجبل باتجاه بنت جبيل ربطاً بالغربي للناقورة، من الطيبة باتجاه العديسة وكفركلا، أخذ القرار باقتحام المواقع. الاقتحام كان من محاور متعدّدة: حولا، مركبا، ميس الجبل، المحور الشرقي (يبدأ من الخيام). سبق دخول حولا عملية عســـكرية ناجحة، حيث أُعطبـــت دبابة إسرائيلية وآليتان وسقط عدد من القـــتلى والجرحى في صفوف العدو، علماً أن العملاء كانوا متواجــدين في البلدة.

حينها كرّت السبحة. إذ استمرّ الزحف باتجاه الطيبة ومركبا ثم العديسة. يقول المسؤول الميداني، أنه تمّ إعداد مجموعات عسكرية كبيرة جداً، وفق تطورات الوضع الميداني ومستجداته، على قاعدة أنه مع توفر معطيات معينة تتيح فتح محور ميس الجبل.

طُلب من الأهالي، ابتداءً من الساعة الرابعة حتى العاشرة صباحاً، أن يجهزوا مواكب سيارة لكل أهالي البلدات، من ميس إلى بليدا ومحيبيب وعيترون والعديسة...

وصل رتل السيارات إلى أكثر من مئتي سيارة عمّت حولا كلها. تم رصد تحرّكات العملاء في بلدة ميس الجبل، وكانت الأخبار تفيد ـ عبر وسطاء ـ بأن العملاء مستعدون لتسليم أنفسهم بعدما عاشوا في قوقعة من الخوف والضياع. إلا أنهم، أي العملاء، طلبوا ضمانات من الوسطاء تضمن عدم تعرّض المقاومة لحياتهم، وأتت الموافقة. بعد ساعات قليلة، عدل العملاء عن قرارهم وفضلوا الصمود والمواجهة. عززت المقاومة الإسلامية مجموعة من الكمائن العسكرية، نصبت مواقع لها في الأماكن المتقدمة لرصد التحركات عن قرب من جهة، والاستعداد للهجوم من جهة أخرى. قرابة الظهيرة، اتصلت مجموعة من النقاط المتقدمة بالقيادة وأعلمتها بأن ثلّة من العملاء تريد أن تسلم نفسها، فما كان للقيادة إلا أن أخبرت غرفة العمليات.

بدأت قوافل العملاء تسلم نفسها للمقاومة وفق أعداد هائلة، واستفادت القيادة من بعض المعلومات.

استقبل أهالي القرى المقاومين، وذهلوا بالمشهد الذي أوحى لهم بفرحة لم تصدق.

في اليوم نفسه، وعلى جهةٍ أخرى، توجهت قوافل سيارة مؤلفة من عناصر عسكرية للحزب من البقاع الغربي باتجاه بلدة الخيام. تعرضت هذه القوافل لعبوات مشرّكة عند الطريق الجنوبي، إلا أنه تم تفكيك معظمها من قبل المقاومين. لم تنفع العبوات، فبدأت القوات الإسرائيلية بالقصف عندما وصلت القوافل إلى دبّين الجنوبية، كانت المقاومة الإسلامية قد جنّدت عدداً كبيراً من العملاء في معتقل الخيام لصالحها. التف المقاومون حول العملاء وفرضوا طوقاً معززاً أدى إلى استسلامهم فوراً.

توالت الحشود البشرية بالزحف من كل حدب وصوب باتجاه المعتقل وتم تحريره.

يجزم القيادي في «حزب الله» بأن الإسرائيلي فشل في كل رهانـاته، إذ أنه «لم تحصلضربة كف واحدة بين اللبنانيين».

تعليقات: