الكرواسون.. رمز عثماني تحول إلى وجبة صباحية

شكله على هيئة الهلال
شكله على هيئة الهلال


(غرونوبل) فرنسا:

من الذي يخترع الأساطير؟ الكتاب يكتبون القصص والروايات لتخليد أفكارهم، الشعراء كذلك يكتبون القصائد التي تبقى على مر الزمن علامة على مرورهم في الزمن. لكن، هل فكر أحد من الناس في أن عمال المخابز، أيضاً، يكتبون قصصهم الموجودة كل يوم في فطورنا الصباحي؟ لعل هذا الأمر ميزة غربية خالصة. أو أنه يعود الى اهتمام الغربيين بغالبية الأشياء التي تتشكل منها حياتهم اليومية وغير اليومية. ذلك على خلاف العديد من الشعوب التي لا تبحث كثيراً ولا تعير أهمية الى الأشياء نفسها التي تشكل العصب اليومي للحياة. كغيره من الأشياء الضرورية، فإن للكرواسون ( croissant ) قصة جديرة بأن تروى. قصة تتداخل فيها قصص كثيرة بالطبع. فالبحث عن الأساطير التي تروي كيفية وجود الأشياء وحكاياتها, يفتح الأفق على روايات يدخل بعضها في خانة الغرائب. مع هذا فهذه الغرائب، هي التي تشكل الإرث الثقافي للشعوب المعنية بالأمر. وبالتقاليد التي تشكل في نهاية المطاف العصب الحقيقي للثقافات المحلية. لكن من هو الذي يهتم قبل أن يتناول فطوره الصباحي السريع بقطعة من الكرواسون مدهونة بالزبد أن يبحث عن الجذر الحقيقي لقصة هذه القطعة التي تشبه القمر في وضعية الهلال. فالبحث من عوامل الرخاء الثقافي يحتاج الى تراكم معرفي هائل. ما يلزم أولاً، وجود الاهتمام بالتاريخ.

في الغرب يعود جذر عدد كبير من المفردات الخاصة بالمأكولات الى أساطير تمت صناعتها والعمل على ترسيخها في قيم المجتمع. فهذا الجزء الذي يعمل عليه كتاب الموسوعات والمفكرون وصناع الأساطير، مهم جداً لتكوين الأنماط الثقافية التي تصبح مع مرور الوقت، جزءاً من حياة الشعب نفسه. فقط يلزم ذلك الوقت والكثير من الجهد العقلي لصناعة حدث يليق بالأسطورة ويؤكد صدقيتها. ويمكن لأي شخص أن يسأل لماذا قسمت مدينة باريس الى دوائر، وبدل أن يأتي الجواب بناء على نظرية هندسية فقط، يمكن أن يكون متبوعاً بأسطورة غاية في الأهمية. فهذه الأساطير عصب الحياة اليومي ونسيجها الوثيق الصلة بالعقلية الفرنسية والأوروبية على وجه التحديد. أما فيما يتعلق بالكرواسون فإن عدة قصص تتناقلها الموسوعات وحتى كتب المعجنات التي تحتوي على طريقة تحضير هذا النوع من المعجنات. تذكر القصة الأولى بأن صناعة الكرواسون بدأت في عام 732 ميلادية في بولندا ابتهاجاً بنصر جيوش الفرنجة على جيوش المسلمين. وبعد أن حسمت المعركة لصالح جيوش الفرنجة صنع أحد الخبازين نوعاً من الخبز يمثل رمز الهلال الذي كان على أعلام الجيش المهزوم علامة على انتصارهم عليه. مع ذلك فإن هذه القصة غير مثبتة إلا في مصدر واحد هو قاموس لاروس الذي يذكرها عرضاً من دون أن يؤكدها. وتروي القصة الثانية أن بداية صناعة الكرواسون بدأت في فرنسا في القرون الوسطى، وأن تناوله في ذلك الوقت كان مقتصراً على الطبقة الارستقراطية إذ كانت صناعته مكلفة جداً وتحتاج الى عدة أيام بسبب عدم وجود الخميرة في ذلك الوقت. فكان الزبد يضاف الى العجينة لكي تتخمر خلال أيام قليلة وبعدها تخبز. مع ذلك فإن المصدر نفسه لا يؤكد هذا الأمر. إنما يتناوله فقط كونه من القصص أو الأساطير غير المؤكدة التي تروى عنه. ثمة قصة أخرى تحشر ماري أنطوانيت الملكة صاحبة الجملة الشهيرة (mangez des brioches) أو (فليأكلوا البسكويت) الذائعة الصيت. والبريوش ليس البسكويت وإنما نوع من أنواع الحلويات يشبه البسكويت، وهو ذائع الصيت في فرنسا.

والحق أن الموطن الحقيقي للكرواسون هو عاصمة النمسا فيينا، المدينة التي تعتبر الأب الرمزي لكافة أنواع وأصناف وأشكال الخبز في أوروبا. وهي التي أصبحت مع مرور الوقت مصدر مهنة الخباز في كامل القارة العجوز. وبحسب العديد من المصادر ومن ضمنها الموسوعة الفرنسية، فإن صناعة الكرواسون تعود الى عام 1683 حين كانت جيوش السلطنة العثمانية تحاصر المدينة. في حين يقول مصدر آخر بأن الكرواسون صنع أولاً في بودابست في عام 1686 حين كانت المدينة محاصرة أيضاً من نفس الجيوش، لكن بفارق ثلاثة أعوام فقط. وتقول الحكاية بأن الحصار الذي استمر لفترة طويلة كان يجبر عمال المخابز على العمل تحت الأرض لكي تبقى المدينة يقظة ضد أي هجوم من الممكن أن يتم من تحت الأرض، إذ كان العثمانيون يحفرون الأنفاق للدخول الى المدينة، في محاولات يائسة. وكان يوم صد فيه هجوم كبير من خلال أحد الأنفاق مما دفع الجيش العثماني على التراجع عن حصار المدينة. لكن هذا الحصار دفع بأصحاب وعمال المخابز الى تخليد هذا الحصار الشهير، من خلال ابتكار قطعة من الخبز ترمز الى اندحار الجيش العثماني. فكان أن تم اختيار الرمز الذي يتوسط العلم العثماني وهو الهلال الذي هو أيضاً رمز إسلامي. وهذه تعتبر الأسطورة الرسمية التي تروى عن الكرواسون. لكن مع ذلك فإن للكرواسون أساطير أخرى كثيرة، تلتقي جميعها في نفس المضمون مع اختلال في الوقت ومكان ولادة الكرواسون. لكن اللمسة الفرنسية، وإن كانت لا تلغي الأصل الفعلي للكرواسون إلا أنها أضافت إليه إدخاله الى وجبة الفطور التي تحتوي كذلك على عدد من المعجنات السكرية الأخرى التي يعود منبعها الى مدينة فيينا، وهي جميعها تسمى (viennoiserie). وقد أضاف الفرنسيون الى قطع الكرواسون التألق الضروري كما غيرها من المنتجات، لكي تكون فرنسية وباريسية بالتحديد. فقد بدأت مخابز فيينا (boulangerie viennoise) في باريس في عام 1830 في منطقة مونمارتر (montmanrtre) الباريسية الشهيرة. حيث أسس أولا زانك (M. zank) أول هذه الأفران التي كانت تختص ببيع العديد من الأصناف المصنوعة من الطحين مثل الخز وغيره الى مكونات وجبة الفطور. ويذكر زانك في مذكراته نسبة الكرواسون الى مدينة فيينا وقصة الحصار التركي للمدينة. ورغم انتشاره الواسع في العالم كوجبة خفيفة وسريعة إلا أن الكرواسان يبقى وجبة فرنسية صباحية شهيرة. دخل الكرواسون الى مطاعم الوجبات السريعة في الولايات المتحدة في عام 1983، لكن ليس بطريقته التقليدية، إنما بطريقة تغميس العجينة بقشور اللوز قبل إدخالها الى الفرن، بحيث تصبح نوعاً من الحلوى تؤكل بعد الوجبات الدسمة السريعة. أما في الشرق الأوسط فإن للكرواسان طريقة مختلفة كلياً عن الطريقة الفرنسية. فغالباً ما تحشى العجينة بالجبنة أو الزعتر أو الشوكولا مبقية على شكلها الخارجي وطريقة تحضيرها. وفي شمال أوروبا تحشى باللحم بحيث تصبح طبقاً رديفاً للطبق الرئيسي في وجبة الغداء.

* طريقة التحضير الفرنسية التقليدية

* المكونات الأساسية:

- 500 غرام من الطحين الأبيض.

- 2 ملعقة صغيرة ملح بحر. - 40 غرام خميرة بيكر.

- 200 غرام زبد. - 60 غرام سكر.

- بيضة واحدة لتأخذ العجينة شكلها الذهبي البراق مخلوطة مع القليل من الملح. - 300 غرام أو أكثر قليلاً من الحليب المخفوق.

* طريقة التحضير:

* 1. يوضع الطحين والسكر والملح والخميرة والحليب والقليل من الحليب الساخن في وعاء. وتحرك مع بعضها بعضا حتى تصبح مزيجاً واحداً غير قابل للتفكك أو الالتصاق بحواف الوعاء. بعد ذلك يغطى الوعاء بقطعة قماش رطبة ويوضع في (الثلاجة) لمدة ثلاثين دقيقة. بعدها توضع في الخارج حتى يتم تهيئتها قليلاً وتأخذ الخميرة مداها في داخل العجينة. ثم تعود وتوضع في الثلاجة لمدة ساعة. 2. بعد إخراج العجينة من الثلاجة. يتم وضع الزبد في ورق الخبز شرط أن لا تكون قاسية جدا ولا لينة جداً، تأخذ العجينة وترق قليلا وتوضع الزبد في داخلها ويتم لفها بالطريقة التي ترمز الى الهلال، على أن تكون الزبد في الوسط. 3. لا يجب أن يتجاوز سمك العجينة الملفوفة أكثر من 2 سم، وبعد لفها وتحضيرها تدخل مرة جديدة الى الثلاجة لمدة عشرين دقيقة. (هذه الخطوة غير مهمة لكنها مستحبة).

4. يمكن في هذه الخطوة، وقبل لف قطع العجين المستطيلة الى قطعة العجين الأساسية المحشوة بالزبد إضافة الشوكولا أو عجينة اللوز. 5. توضع قطع الكرواسون على صينية خاصة بالفرن وتدخل الى فرن منظم الحرارة على درجة 240 درجة مئوية لمدة لا تتجاوز العشرين دقيقة.

تعليقات: