الغجر: أرجوحة «الخط الأزرق»


- أهالي الوزاني: حدودنا مفتوحة مع الغجر وإبل القمح وفلسطين والاحتلال هو المقسّم...

بلدة الغجر المحتلة، هي الوحيدة على امتداد الحدود الجنوبية التي يخترقها الخط الأزرق، الذي تم ترسيمه بعيد التحرير، تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة لبنانية، قدر له اختراق وسط البلدة وتجزئتها الى نصفين، شمالي يتبع الأراضي اللبنانية، وجنوبي يتبع الجولان السوري المحتل، يجمعهما تداخل سكاني لأنهما يشكلان كتلة بشرية واحدة بحكم القرابة والعلاقة التي تجمع بين أهالي القرى والبلدات. هذا الواقع لا يتناسب والوضع العسكري القائم هناك، فالجزء الشمالي من البلدة أقيم على حساب الأراض اللبنانية، بعد حرب العام 1967 نتيجة التوسع السكني البطيء، والانسحاب الإسرائيلي منه محكوم بالقرار 425 ومن حق لبنان استعادته كأرض محتلة.

وبعد ثماني سنوات على تحرير الجنوب، يبقى الجزء الشمالي من البلدة تحت الاحتلال، يشكل نقطة معلقة تشهد مستجدات ميدانية بين الحين والآخر، ما قد يعرض الوضع هناك للانفجار، خصوصا وأن القرار الإسرائيلي بالتمسك وعدم الانسحاب، يقابله في الجانب اللبناني اصرار على ضرورة تحرير هذه البقعة وإعادتها الى الجنوب اللبناني.

النائب قاسم هاشم

النائب قاسم هاشم أوضح، أن هذه القضية هي اليوم برسم المنظمة الدولية والمجتمع الدولي الذي أقر، ضرورة إعادتها الى لبنان. «الأسئلة كثيرة حول هذا الموضوع، لماذا التباطؤ والمماطلة والإستمرار في اعتماد المعايير المزدوجة مع القضايا اللبنانية؟ ولماذا ستبقى اسرائيل استثناء في المنطقة العربية؟ بعد الذي حصل في الغجر طوال 8 سنوات اعقبت التحرير، وصدور القرار 1701 والإلتزام اللبناني بموجباته؟! هناك عدم انصياع من العدو لقرار الأمم المتحدة بالإنسحاب من الجزء الشمالي من البلدة. المسؤولية باتت على عاتق المنظمة الدولية وبرسمها، فهل ينتظر ابناء الجنوب واللبنانيون من المنظمة الدولية ومؤسساتها اعادة الحق الى اصحابه في مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا واستعادة الأسرى، في وقت تبدو فيه المنظمات الدولية عاجزة عن تكريس الحق لأصحابه، لغياب ميزان العدالة في هذا العالم؟! القوة وحدها القادرة على استعادة الحق، وهكذا كانت تجارب لبنان المريرة مع القرار 425 وواهم من يعتقد أنه يستطيع تضليل اللبنانيين بأن إسرائيل انسحبت من الجنوب تنفيذا للقرار الدولي، بل تحت وطأة ضربات المقاومة، وصمود أبناء الجنوب كعامل مساعد لها».

إن استمرار العدو في احتلاله للجزء الشمالي من الغجر، وعدم قبوله الإنسحاب من مزارع شبعا يعود في نظر النائب هاشم إلى ما تتمتع به المنطقة، ليس فقط على مستوى الموقع الجغرافي الإستراتيجي، بل لما تختزنه من ثروات مائية، خصوصاً منطقة الوزاني - الغجر، والمقصود مياه الحاصباني والوزاني التي تشكل هدفا رئيساً، من حرب اسرائيل على لبنان بهدف الإستيلاء على منابع المياه، وهذا تؤكده العديد من الدراسات، ومحاولات العدو الأخيرة في اختراق الخط الأزرق قرب النبع تندرج في هذا الإطار. اسئلة كثيرة يعرف اللبنانيون الإجابة عليها، والمجتمع الدولي يغض الطرف عنها في محاولة لتأمين مصالح العدو المائية. المؤسف أنه بعدما أثير ما أثير حول الوزاني مؤخرا، لم يسترع انتباه بعض المسؤولين، وكأن موضوع هذه المنطقة اصبح خارج انتباههم واهتمامهم، وغاب عن أذهانهم، أن العدو يبقى عدوا، وأطماعه هي هي.« الإنتماء الوطني الصحيح ينطلق من مبدأ الإهتمام بقضايا المنطقة والوطن، بوضع حد لأطماع العدو بالمياه والأرض، فأين المجتمع الدولي الغيور على لبنان؟ وكيف يحافظ لبنان على حقوقه في ظل غياب المجتمع الدولي وبعض المعنيين اللبنانيين»؟

لا لحدود الفصل

المواطن ذيب المحمد (85 عاماً من أهالي بلدة الوزاني) يؤكد: «أن أهالي قرى المنطقة لم يعرفوا يوما حدودا تفصل بين الأراضي اللبنانية من جهة والسورية من جهة ثانية، مشيراً إلى أن بلدة الغجر كانت سابقاً عبارة عن بضعة منازل متواضعة يعمل أهلها في الزراعة وتربية المواشي. كذلك الأمر بالنسبة للحدود مع فلسطين المحتلة فالحدود كانت مفتوحة مع جيرانهم، في ابل القمح إحدى القرى السبع وكانت التجارة آنذاك تقوم على مبدأ المقايضة، كما أن روابط القربى جمعت بينهم. ومع وقوع حرب العام 1967 برزت ظاهرة الحدود والشريط الشائك الذي فصل القرى عن بعضها وقطع كافة أشكال التواصل بين الأهالي».

وبلدة الغجر تقوم على كتف نبع الوزاني، وتتبع محافظة القنيطرة، احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967 وضمتها الى الأراضي المحتلة وأقامت شريطاً شائكاً آنذاك، فصلها عن الأراضي اللبنانية. يحدها شمالا بلدة عين عرب اللبنانية، وغرباً بلدة الوزاني ومجرى النهر، وشرقاً قريتا العباسية والمجيدية، ومن الجنوب مفتوحة على الأطراف الشمالية لسهل الحولة.

سميت بالغجر نسبة الى سكانها الغجر الذين كانوا يعتمدون تربية المواشي ويمارسون أعمالا زراعية بسيطة لعدم توافر الإمكانات سابقاً.

بعد دخول المقاومة الفلسطينية منطقة العرقوب، تعرضت الحدود اللبنانية الجنوبية الى مد وجزر نتج عنه الاجتياح الإسرائيلي الأول للمنطقة في العام 1971، أعقبه اجتياح العام 1978 واتخذ على أثره مجلس الأمن قرارا بنشر قوات للأمم المتحدة شكلت الكتيبة النروجية طلائع هذه القوات.

الجولان، المياه، الحدود

وفي بداية الثمانينات وبعد إعلان إسرائيل ضم الجولان بدأ التوسع العمراني لأهالي الغجر يمتد شمالاً على حساب الأراضي اللبنانية بعيداً من أية مراقبة وسط فلتان حدودي خيم نتيجة الاحتلال. وترافق حال الفوضى مع اجتياح العام 1982 ليتيح فرصة أوسع اتسعت معها بلدة الغجر شمالاً، أحاطها الاحتلال بشريط شائك ما زال موجوداً حتى اليوم، ليفصلها عن الأراضي اللبنانية. ومنذ نحو عامين فكر الإحتلال بإقامة جدار فصل وسط البلدة على الخط الأزرق، لكنه ما لبث أن تراجع تحت حجة "أسباب إنسانية"، كما أن هذا الأمر أثار غضب الأهالي الذين اعترضوا عليه بذريعة أن البلدة جسم واحد تربطه علاقات قربى وتواصل بين العائلات.

وفي أيار من العام 2000 تاريخ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، شكلت بلدة الغجر محطة رئيسة لفتت أنظار المراقبين المحليين والدوليين لسببين رئيسيين هما: المياه والحدود .

عملية ترسيم الخط الأزرق جعلت من بلدة الغجر أرجوحة حدودية تتحرك مع كل ارتداد أمني في منطقة تكثر فيها المفاصل الحدودية الرخوة لوجود ثغرات تسمح بتخطي الحدود كما حصل منذ فترة قصيرة، الأمر الذي ينذر بقيام فالق أمني يتعدى موضوع الغجر وجزءها الشمالي.

تعليقات: