هلاك النحل في راشيا والبقاع الغربي... والدولة غائبة

مربيا نحل يرشان أدوية لقفران مريضة
مربيا نحل يرشان أدوية لقفران مريضة


البقاع الغربي:

يتعرض قطاع النحل في منطـقتي راشيا والبقاع الغربي منذ حوالى عامين لعملية تدمير قاتلة قد تؤدي إلى كارثة اجتماعية من شأنها أن تطال أكثر من 450 عائلة تعـتاش من هذا القطاع. وذلك نتيجة توسع نطاق الظاهرة المرضية الخطيرة التي اجتاحت هذه الثروة وقضت حتى الآن على حوالى 3700 قفير في منطقة راشيا، وأكثر من 2600 قفير في منطــقة البقــاع الغربي، نظراً إلى عدم تمكن النحّالين والمتخصــصين الزراعـيين من اكتشاف أسباب هذه الظاهرة، وإن كان بعضـهم يعزو الأسباب إلى تلوث المراعي الجبلية وانتشــار سمــوم قنابل الطـيران الإسرائيلي على قطاعـات ومناطق جبلية واسعة ترتادها قطعان النحل، خصوصاً خلال حرب تموز .2006 في حين يعتقد آخرون أن أسباب هذه الكارثة تعــود إلى تفـشي مرض «الفاروا» القـاتل، في ظل توقف وزارة الزراعة عن تزويد النحـالين بالأدوية المضادة له منذ أكثر من سنتين وعــدم تمكن هؤلاء من شرائه على نفقتهم الخاصة نظراً لارتفاع أسعاره من جهة وعدم توفره في السوق المحلية من جهة أخرى باعتباره مستورداً من فرنسا.

وتقدر الثروة النحلية في المنطقة بحوالى عشرة آلاف قفير، وأدى المرض، خلال سنتين، إلى هلاك ثلثي هذه الثروة، فيما الثلث الباقي مهدد، نتيجة تقاعس وزارة الزراعة عن البحث في أسباب المرض ووصف الدواء اللازم للتخلص منه، وذلك بالرغم من المراجعات العديدة التي أجراها النحالون مع مسؤولي قطاع الثروة النحلية في الوزارة.

وقد شهد قطــاع تربية النحل في منطقتي راشيا والبقــاع الغــربي تطوراً هامــاً وسريعاً في السنوات العشر الأخيرة، بعدما أنشئت عشرات المشاريع الصغيرة والمتوســطة والكبيرة، حتى فاق عدد قفران النحل العشرة آلاف قفير تنتج سنوياً حوالى 400 طن من العسل.

يقول الشيخ سهيل القضماني، وهو أحد أكبر مربي النحل ومنتجي العسل في لبنان، إن القطاع توسع بصورة لافتة في الســنوات الأخيرة، ليؤمن الاستهلاك المنزلي والتـوزيع المحلي، فيما تنتج المشاريع الكبيرة العسل بالأطنان، ليتم تسويقه محلياً وتصدير قسم منه إلى الخارج، لا سيما إلى دول الخليج العربي، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 15 و20 دولاراً أميركياً بحسب جودته وخلوه من السكر. ويؤكد أن السوق اللبنانية قادرة على استهلاك 1500 ـ 2000 طن سنوياً من العسل، واصفاً القرار الذي اتخذته الدولة لحماية هذا القطاع من المضاربة بالجريء، إذ فرضت ضريبة بقيمة 8 آلاف ليرة على كيلو العسل المستورد، «وهذا الأمر شكل حافزاً مهماً للنحالين، وحمى إنتاجهم من الكساد.

ويشير القضماني إلى أن الثروة النحلية في البقاع الغربي وراشيا تقدر بأكثر من عشرة آلاف قفير، وتتوزع على معظم القرى، لكن مدينة راشيا تمتلك القسم الأكبر من هذه الثروة. وبات النحالون اللبنانيون يربون الملكات المؤصلة التي تتفوق على الملكات الإيطالية والفرنسية التي قد لا تتناسب وطبيعة الطقس في بلادنا. يضيف القضماني: «إن نحالي المنطقة يمتلكون دراية واسعة في اكتشاف الأمراض، إنما تنقصهم كيفية وصف الأدوية اللازمة كونهم غير ملمّين بتركيبته الكيميائية».

ويقدّر القضماني الإنــتاج السنـوي من العسل، في هاتين المنطقتين من العســل بما يفوق الـ 400 طن، يتم تسويق هذه الكميات في الداخل اللبناني أو عن طريق تصديره الى الخارج».

ولفت القضماني إلى أن الأزمة الراهنة جعلت بعض النحالين يفقد 90 في المئة من مناحله، «وهذه كارثة تحل على مئات العائلات... وما يزيد الطين بلة أن بعض النحالين خسروا مواسمهم من العسل وخسروا مناحلهم أيضاً، وبذلك فقدوا أي إمكانية مادية لتجديد مناحلهم».

يبدو القضماني مقتنعاً بأن حشرة «الفاروا» هي من ألد أعداء النحل، إذ تتكاثر داخل نخاريب بيوض النحل وتبيض عليها، وتلتصق بأفراد طائفة النحل: «ففي حين لا يعمّر ذكر «الفاروا» أكثر من أسبوعين، تعيش أنثاه حوالى الشهر في موسم العمل، وستة أشهر في الشتاء، وتتغذى على دم النحل ومن بيوضه ونهش جوانحه، فلا تلبث النحلة أن تنهار وتموت باكراً».

أما النحال محمود القاضي فيلفت إلى أن الأعراض التي أصابت المناحل تتطابق مواصفاتها مع أعراض مرض «الفاروا»: «نرى جيوشاً من النحل زاحفة أمام الخلية، مع بروز تشوهات في الأجنحة والأطراف والبطن، إلى جانب أعداد أخرى ميتة». يضيف أن انتشار «الفاروا» هو نتيجة لعدم توزيع وزارة الزراعة للدواء اللازم المضاد له ( (apivar منذ حوالى السنتين، وهو غال وغير متوفر محلياً.

أما الشيخ حسن التقي، الذي قُضي على 90 في المئة من ثروته النحلية، وهو يقدرها بحوالى 250 قفيراً، فيرى أن «الجهاز العصبي للنحلة قد أصيب بغاز سام». ويؤكد، بخلاف زملائه، أن مراعي النحل أصيبت بالسموم والتلوث نتيجة الغازات السامة المنبعثة من القنابل الإسرائيلية في 2006 وما قبل ذلك. يضــيف التقي أن نحّالي المنطقة وقعـوا عريضــة ورفعوها إلى المسؤولين المعنــيين في وزارة الزراعة في البقاع، «لكننا لم نلق أي إجــابة حتى الآن.. فهل نحن أبناء جـارية في هذا البلد؟ ألا نستحق الزيارة للكشف على ما حلّ بمناحلنا؟».

اما النحال سامي الحاج، الذي قضى المرض على حوالى 70 في المئة من ثروته النحلية المقدرة بمئة وعشرين قفيراً، فيقول إن «المراعي التي يرتادها النحل في جبالنا كانت عرضة للقصف الإسرائيلي، ويبدو أن غازات القنابل تسببت بتلف أعصاب النحل الذي سرعان ما بدأ يصاب بالدوران والإنهيار ثم الموت». وناشد وزارة الزراعة اتخاذ التدابير اللازمة للتعويض على القطاع «لأنه مصدر رزقنا الوحيد».

تعليقات: