جمال السعيدي: المصورون الصحافيون اختصروا الحرب بصورهم

جمال السعيدي
جمال السعيدي


في تحقيق أجرته السفير يتحدث نقيب المصورين الصحافيين في لبنان، جمال السعيدي (صهر بلدة الخيام)، عن انطلاقته المهنية وعن مصورو الحرب اللبنانية الذين

زادوا مصداقيتنا بكلام نقرأه، وضعوا الصور أمامنا وقالوا لنا «خذوا، اليكم الحقيقة».

مصورو الحرب اللبنانية، الذين ما كان عددهم يتعدى أصابع اليد قبل الحرب، وفي نهايتها تعدوا الأربعين، والآن وصل عددهم الى 400.

بصورهم اختصروا حربنا او اذا اردتم جمعوا تبعثرها. لم يجزموا بصورة واحدة، لم يقولوا «هذه صورة تختصر الحرب». آلاف الصور لمأساة واحدة.

مخاطرة كل منهم ورعبهم كانت تقول «كنا هناك.. في حرب فرضت علينا»، لم يخوضوها بإرادة، ورضخوا لانقسام فرض عليهم، فأصبح هناك مصور «للشرقية»، وآخر «للغربية». لم يحبذوا ان يكونوا كذلك، لكنهم قسموا بحسب خطوط التماس ولم يغيروا بعقيدة المهنة والصورة. هذا ما يتحدث عنه كل من نقيب المصورين في لبنان ورئيس قسم التصوير في وكالة «رويترز» جمال السعيدي، والمصور في وكالة الصحافة الفرنسية (فرنس برس) جوزف براك.

[[[

لدينا صورهما لتحكي لنا، ولديهم ما يحكيانه لنا. عما قبل هذه الصور، عن الوقوف فوق جثث، أو بجانب حاجز طيار، أو تحت القنص. لديهما ما يحكيانه لنا عن قضية جعلتهما هناك، يحصيان الجثث والجرحى احيانا، يساعدان في وصف المشهد وعدد الضحايا للصحافيين، لديهم ما يقولانه عن تجربة شخصية دفعتهما الى الصمود وراءها.. تلك الباردة والثقيلة.. التي تشبه السلاح بالبرودة والثقل ولا تشبهه بأي شيء آخر... تلك «الكاميرا» التي تجمّد الزمن مقابل سلاح يجمّد الحياة.

ما معنى الصورة الفوتوغرافية للحرب؟ ما معناها مقارنة بصور الفيديو وقتها؟ هل لا زالت على الأهمية نفسها مقارنة بتفشي الفضائيات وانتشار البث المباشر؟ في تجربة السعيدي وبرّاك نلامس هذه الأسئلة. ونقارب الامس باليوم.. ما أشبهه أو ما أقربه؟

لاحقا حرباً.. ولاحقتهما

تغير الحرب كل شيء. تغيرنا، وتغير أحلامنا. وأول ما تنسفه من جذوره هو تفاصيلنا. هكذا رسمت حياتهما بطريقة مختلفة. من هاوين التصوير الى مطاردين صور الحرب. لا احد يدري ان كانا يلاحقان الحرب أم كانت تلاحقهما.. المهم أنهما كانا فيها، يعملان من منطلق انساني بالدرجة الاولى والأخيرة. «كنا نعرف أن صورتنا هي وسيلتنا لإظهار الوضع المزري في الداخل، ونكسب عبرها دعم المنظمات الأهلية في الخارج»، يقول جمال.

صوّرا، طوردا، خُطفا، خاطرا ولزما المهنة، «لأن في تلك الأوقات تُسلب كثرة الخيارات.. ونواجه أنفسنا بأكثر ما نحب، فكان التصوير». ولكن حب جمال الأول كان لصور جميلة: للطبيعة، للشمس، للسماء وللفتيات الجميلات.. ثم غطت السماء غيوم من نوع آخر..

كان جمال في سن السابعة عشرة وهو «يتساير» مع صوره الأولى. لم تعطه الحرب الكثير من الوقت للتمرن. في 1977 أصبح مصوراً لجريدتي النداء والأنباء، «وضعت في الواجهة، فصوّرت فوراً أحداثاً أكبر مني، من اغتيال كمال جنبلاط، جنازته، ثم الاجتياح الإسرائيلي 1978 ثم 1982 الى الآن.. كنت خائفا، لا أعرف كيف أدخل الى المشهد او أنسحب منه، ولا أين أقف». كان الزملاء الأقدم هم ملجأ جمال لنيل مزيد من الخبرة، تحديداً جورج سامرجيان، صالح الرفاعي، عبد الرزاق السيد، وزهير سعادة. ولاحقا اصبح جمال مصورا لوكالة «اسوشيتد برس»، ثم رويترز.

طوال فترة عمل جمال، كان سؤال يشبه هذا ينال منه دوماً: أين ذهبت الوجوه الجميلة لتقف امام الكاميرا؟ الثياب الملونة؟ الحدائق كخلفية؟ قليل من الابتسامات؟ كان الحلم ممكناً، ولكن ليس الآن.

ليس عندما تكون قرب انفجار يكاد يقضي على حياتك. حدث هذا في العام 1980 أثناء انفجار سيارة استهدفت مكتب المقاومة الفلسطينية ـ أبو اياد ومكاتب الحركة الوطنية في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة. يومها سقط أكثر من مئة شهيد وجريح، وجمال أصيب في رقبته وصدره وعولج لمدة شهر في المستشفى.

أما جوزف فيسأل نفسه: «لماذا كنت هناك وكيف؟ هل فكرت إن كنت سأخاف؟ هل خفت؟» لا أدري.. بعيدة الأجوبة عنه الآن، ولكنها تعود مع كل صورة.. مع تذكر أن هذه الحرب أخذت شقيقيه، ريمون بعمر الـ17 الذي استشهد برصاص قنص في العام ,1976 وايلي وهو في خدمة الجيش في العام .1990

الحرب نفسها هي التي رمته في حضن التصوير الصحافي منذ العام ,1982 مع بدء الاجتياح الاسرائيلي على لبنان.. يومها كان جوزف يتأمل وجوه الجنود الإسرائيليين، ويخشى ان تهرب هذه اللحظات منه، ولا يملك منها صورة، فاشترى كاميراته الاولى بألف ليرة لبنانية. كان عندها يعمل مخرجاً في جريدة البيرق والأحرار، ثم بدأ التصوير. كانت صحف ومجلات عدة تشتري صوره، منها «الأحرار، البيرق، ماندي مورنينغ، رُيفي دو ليبان». بعد سنتين أصبح يصور لوكالة الأنباء الفرنسية أيضاً، وتفرغ للعمل لديها في العام .1986

اليوم والأمس

الحرب وراثة، الوجوه تتغير، أوجه الناس في الشارع اختلفت. هؤلاء أناس جدد في المناطق نفسها. ولكن لم يتغير شيء إذاً. اشتباكات مار مخايل، أحداث الجامعة العربية، رأس النبع.. كل هذه أسماء أماكن ارتُكبت فيها اشتباكات مؤخراً، ولم يصعب ربطها بصور الماضي. «لم احتج الى كثير من الوقت لأعيش الحرب اللبنانية مجدداً، كنت منذ أشهر عند مار مخايل، ارفع آلتي وأصور وأصاب بلغط زمني. ظننت أني عدت سنوات الى الوراء. سمعت صوت الرصاص من ناحية عين الرمانة، قلت جاءت الحرب القديمة.. لا شيء تغير». الكلام لجمال.. يكرر مقتنعاً: «ما أشبه الحاضر بالأمس».

«هل نعود أحياء؟»

بين الماضي والآن اختلاف أساسي على صعيد التقنية، صار التصوير أسهل، من تحديد سرعة الضوء وسرعة فتحة العدسة وإخراج الصور، ولكن التكتيكات على الارض ذاتها. يقول جوزف إنه «عند اي اشتباك الآن عدنا لنتحرك، كما كنا نفعل في الماضي، مجموعات من المصورين، ندعم بعضنا ونغطي ظهور بعضنا». في الحرب الاهلية أيضاً كنا نتبع خطة الخروج مجموعات الى المناطق الساخنة».

في بيروت «الغربية» كانوا ينقسمون مجموعات تضم كل منها أربعة أشخاص، يتنقلون بسياراتهم الخاصة. يخرجون في مهماتهم ثم يعودون الى اللقاء في مبنى جريدة «السفير»: «كانت «السفير» آمنة الى حد ما، وكنا نحب اللقاء فيها أنا وكامل لمع ورمزي حيدر ونبيل اسماعيل وعباس سلمان، ربيع مغربي، يوسف بدر الدين ومعين معتوق وأسعد جرادي، ميشال برزغال، وعلي حسن سلمان».

كان التنقل بجرأة وبحذر دائم. «في بالي دوما اكرر ما قاله لي زهير سعادة «لا تسمح للصورة أن تكلفك حياتك».. كنت أتذكر المقولة أحياناً وأعود لأنساها في دائرة الخطر».

لا شيء أبعد من الدقيقة التي كانوا يعيشونها، «كل دقيقة بدقيقة، حتى لم يكن لدينا مخطط لنهار كامل.. ولم تعد لدينا فكرة عن المستقبل».. لو كانت لدى جوزف ثقة انه سينجو وسيلامس مستقبله «لكنت على الأقل ادخرت قليلاً من المال لهذه الايام الصعبة». ولكن في ذلك الوقت ما كان يمكن التفكير بهذه الطريقة، لأن وقتها كانت القيمة للحياة فقط، والمال ما كان ينفع لشراء أنفاس جديدة في حرب قائمة.

عن قتل يسبقهم!

كانت المعلومات تتوافد طوال النهار حول المناطق الساخنة. وعند النزول إلى الشارع يلجأ المصورون الى طرق عدة للوصول الى هدفهم. يروي جمال أن المسلحين أحياناً من الحركة الوطنية وحركة امل «كانوا يرشدوننا ويدلوننا على أماكن وجود القناصين. كنا نختبئ عند مداخل الأبنية، ونعرف الهدف عندما نلحق رائحة البارود، وصوت «رشق» الرصاص.. ونتبع سيارات الإسعاف ونستفسر من القوى الأمنية والصليب الأحمر عن الاتجاهات».

الخوف من الموت لا يختفي وراء الأصابع، لكن روائح أخرى من الخوف كانت تتسلل إلى أنوف المصورين. كان الخوف من أن تسبقهم الجريمة. ان يسبق القتل كاميراتهم وكان يفعل. التنافس موجود لكن شرعي، وهو بتعبير آخر حسب جمال، «تنافس لجمع كل عناصر الصورة الناجحة: الدخان، النار، الدم، الصراخ، البكاء..»، هذه عناصر اثارة مأساوية، عاشوها بشكل شبه يومي في حروب الشوارع اليومية.

«المعابر» كانت كلمة السر عند جوزف. «هدفي الاول كان التواجد عند المعابر، كانت خبزي اليومي. والامر كذلك بالنسبة الى جمال، «التواجد عند مار مخايل، كاليري سمعان، شياح، عين الرمانة، وكثيرا عند رأس النبع ـ أشرفية».

أما عندما يبتعدان عن خطوط التماس، فكان جوزف يقتنص حياة الشرقية اليومية، او اشتباكاتها الكبيرة. مثل انقلاب سمير جعجع على الاتفاق الثلاثي بين القوات (وقعه ايلي حبيقة ونبيه بري ووليد جنبلاط في 1985). وصور ايضا الاشتباكات بين الجيش والقوات عند خطوط التماس في القليعات ـ بكفايا والقليعات ـ يسوع الملك.

ولا ينسى الخوف الأكبر الذي كان يعيشه عدد من المصورين الذي اخترقوا بكاميراتهم خطوط التماس، وبحسب جمال، أكثر هؤلاء كانوا من مصوري الزميلة «النهار» اذا كانوا من الطائفة الارمنية غير المحسوبة على طرف دون آخر وهم: جورج سامرجيان، سام مزمانيان، أمبار ناكزيان، ادوار تامريان، سركيس بيكاريان وهاروت جورجيان. هؤلاء عاشوا رعب منطقتين وقوى عدة.

أما من التزم بمنطقته فكان يلتقي بزملاء الطرف الآخر في مناسبات سياسية، أغلبها تقع في مجلس النواب الموقت في قصر منصور عند المتحف. قلة بينهم كانت على معرفة مسبقة، أما المصورون الذين «ولدوا» في الحرب، فكانت هذه التغطيات مناسبة للتعارف. ولاحقاً كان يتم التواصل فيما بينهم عبر الاتصالات على الهواتف الأرضية واللاسلكي وجهاز «الجيني» الذي كانت بعض وكالات التصوير تمنحه لمصوّريها.

أين كان الانقسام منهما؟ وأين كانت السياسة؟ جوزف يجزم أنه كان هناك كره غير مبرر من عدد قليل من الزملاء بسبب الانتماء السياسي، ولكن «أغلبنا كنا نتجنب الحديث في السياسة.. ونتلهى بأحاديث أخرى تتعلق بالمهنة الخطرة، كنا نريد أن نتمم مهنتنا، ونعكس غرقنا في الحزن اليومي». وجمال يرى ان «الانقسام السياسي لم يكن موجوداً بين المصورين، وان كانوا منتمين سياسياً لأي طرف كان فهذا يبقى رأياً شخصياً.. كنا نتبادل الصور عبر الدراجين، ونحصل منهم على أفلام جديدة».

«صوّرني وجبلي الصورة»

لا يقتل المصور الصحافي على الهوية، يقتل على هوية مؤسسته او ترخيص الحزب المركون في إحدى الجيوب. وهذه كانت تختنق بالبطاقات. اليمنى لترخيص من الحزب الاشتراكي واليسرى لترخيص من حركة أمل، أو اليمنى لترخيص من القوات واليسرى للجيش، او بطاقة من القوات المشتركة وأخرى من السوريين.. كان من الأهمية بمكان الا يجد الحاجز او المقاتل البطاقتين المضادتين مع مصور واحد وإلا كانت «علقة».

يتحرك المصورون تبعاً ليوميات الحرب.

لكل متراس بطاقة. لم يكن هناك مجال للاستخفاف بهذه اللحظات، فالأسئلة كانت تنهمر مثل انهمار الرصاص: «لمين بتصوّر ولا؟ مع مين أنت ولا؟» كان هذان السؤالان متوقعين كل لحظة مع كثير من الكلام البذيء.. والجواب يجب أن يكون مقروناً ببطاقة تثبت ذلك. «لم يكن مقبولاً ان نغضبهم أو نزعلهم.. زعلهم وسخ.. كنا بنظرهم تابعين لحدا بالضرورة، كان كل من الشبان في 16 أو 17 سنة ويهددنا بسلاح يفوضه على روحنا». وكانت قاعدة المصور انه «ليس من العقل مناقشة سلاح»..

هذه واحدة من تجارب جوزف التي أنقذته منها حلوى «البرازق» السورية. كان ذلك في حرب الإلغاء في ,1990 بعد عودته من تغطية لزيارة مبعوث دولي في سوريا. عاد جوزف الى بيروت محملاً بالحلوى الشهيرة، زار أخ زوجته في الأشرفية، وعندما وصل الى الحاجز تذكر الحلوى وارتعب من ان يكتشف الحاجز ما بحوزته. كانت ستؤكد وجوده في سوريا، وتقضي عليه بالتالي. غير ان الله ستر. بعدها اتجه الى الشمال لمقابلة زوجته التي تبيت لدى بيت خالها. أوقف عند حاجز البربارة من قبل السوريين. طلب الجندي أوراقه. هدده بالضرب. قال له إنه آت من سوريا علّه يفرج عنه، لكن العسكري لم يصدقه، حتى تذوق «البرازق» ورأى بطاقة ترخيص من الداخلية السورية.

الامور لم تكن دائماً بهذه «السهولة»، فقبل هذه الحادثة بسنوات، تحديداً في العام ,1984 كان جوزف يصور عند المتحف عندما خرج المسلحون من خلف متاريسهم، جذبوه وسرقوا آلة التصوير وسحبوا الأفلام. صرخ بأعلى صوته لقوى الأمن القريبة. حصلت مشادة بين الطرفين وجوزف بينهما. أخيراً استطاع الضابط في قوى الأمن آنذاك أشرف ريفي أن ينقذه عبر إصدار الأمر بحجزه في المحكمة العسكرية، ليظن المسلحون أنه اعتقل فيخلون سبيله. لاحقاً أطلق ريفي سراح جوزف وأعاد له آلته.

مشاهد متنوعة تروي لنا مضايقات تعرضوا لها، أوقفوا عند الحواجز، ضربوا، خطفوا، وحرقت أفلامهم..

لكن للحرب حيلها والمصورون يخضعون لها. أهمها حب المقاتلين للتفاخر بأنفسهم. هؤلاء كانوا يشترطون على المصورين إبراز تراخيصهم، ثم التقاط الصور للمقاتلين والوعد بجليها لهم لاحقاً، قبل أن يسمحوا لهم بأداء علمهم. «هذا ما كنا نعتبره رشوة للمقاتل، نرضخ لطلبه، فيسهل لنا عملنا في الأيام التالية». يقول جمال.

وإن لم يكن اللجوء إلى هذه «الرشوة» ممكناً في سياق معين، كان يحصل أمر يشبه أحداث تلك الليلة مع جمال. ففي إحدى ليالي العام 1986 أوقف جمال عند حاجز لحركة أمل، «بينما المسلح يستجوبني، أرداه قناص «المرابطون». رفاقه ظنوا أني أنا من قتله. نزلت تحت سيارتي وزحفت نحو 15 متراً فزحفوا خلفي.. اعتقلوني لساعات، هددوني، ولم يطلقوا سراحي إلا بعد أن أقنعتهم بأني أعرف رئيس حركة أمل، الوزير حينها، نبيه بري، وسبق أن صوّرته».

وفي اليوم العشرين من حرب الإلغاء، تحديدا في 20 شباط ,1990 كان جوزف في الواجهة. كل أوصال لبنان مقطوعة وهو محتجز في شمال لبنان. جل ما كان أمامه هو سيطرة القوات اللبنانية على قاعدة الجيش في أدما. «صورت أكثر من أربعة أفلام، حملت نفسي وطرت الى بيروت عبر «ميدل ايست»، حمضت الصور في الوكالة. وكانت الوحيدة الى جانب LBC التي صورت «أدما».

فيديو.. فوتو

في ذلك الوقت، كانت «الرهجة» الكبرى للتصوير الفوتوغرافي، وفي اليوم التالي كان الناس يهرعون الى شراء الصحف، ولم يكن هناك إلا تلفزيون لبنان، لحقته في السنوات الأخيرة من الحرب القنوات الأخرى. ماذا عن الآن؟ ماذا عن العلاقة والتنافس بين تصوير الفيديو والفوتوغرافي؟ «اليوم وفي ظل كل الفضائيات انسحبت صورتنا الى الدرجة الثانية بالنسبة الى الجمهور، لكن بالنسبة للتوثيق فما زالت صورتنا هي الأهم، وهي التي يمكن استخراجها والعودة اليها وقت أردنا وبطريقة اسهل». هذا ما يوافق جمال عليه، لكن يرفض مقولة ان الفيديو «غلبهم»، «ما زالت الصورة الفوتوغرافية بالاهمية ذاتها، لأنها بلقطة واحدة يمكن أن تعبر عن قصة كاملة، وصورة واحدة على الصفحة الاولى تختصر تقريراً مصوراً كاملاً». ويلفت جمال الى ان الدليل على استمرار الاهتمام بالصورة الفوتوغرافية هو التطور الحاصل على صعيد آلات التصوير، والاهتمام الدائم والمتزايد بتحسين التقنيات، التي تساعد في تصوير الحروب والأحداث الكبيرة.

الصورة الفوتوغرافية «خلقت الحرب على طريقتها، سكنت في وجوه الحزن وتعابير الناس وافتقادهم للسكينة، أعطتها حقها، عسى ألا نتركها تفرض علينا مجدداً». هذا ما يتفق عليه جمال وجوزف.

وإن عادت..؟

«لن أكون في الشارع ألاحقها»، يقول جمال. بكلمات أخرى «بالكاد سيحظى أحد بفرصة ليصور، الأمور متشابكة أكثر مما يمكن التخيل، ولن ادخل في تفاصيلها، لن أصور مقاتلين.. قد أصور مخلفاتها فقط».. ويقول جمال إنه يمكن أن نرى مجدداً مصورين يخضعون للانقسام الطائفي او المناطقي، فيكون كل في منطقته أو ابن طائفته، لدواع أمنية مهنية فقط».

وإن عادت..؟ سيكون جوزف فيها، مجدداً، كمصور طبعاً، «أمارس قناعتي التي مارستها وقتها، لأني أنتمي إلى صورتي، لا لأي شيء آخر، انتماء للصورة.. ولكن أتمنى ألا نرى بوسطة جديدة فكل حلمي أن أكون مصوراً عادياً..».

جمال يحلم بالوجوه الجميلة. جوزف يحلم أن «يلحّق يوم حلو».. الاثنان يهابان صمتاً جديداً للمدينة. صمت الماضي وصوره لم تهدأ حتى اليوم، ما زال في الواجهة، حتى بعد تغطيتهما وزملاءهما، أحداثاً مختلفة منها الحرب على العراق والحروب الإسرائيلية على لبنان، التفجيرات في لبنان..

في آذانهم جميعاً أصوات كثيرة، لا يعرفون إلا أن يترجموها على شكل صورة تُرى. لكن المشكلة تبقى في ان ما رأوه في الحرب كان أكبر من أن يُجمع في عدسة، فجُمع في ذاكرتهم وعيونهم.. وهذه يريدوها أن ترتاح قليلاً.

أنقر هنا للولوج إلى ألبوم صور الحروب الداخلية لجمال السعيدي:

تعليقات: