تربية الأبقار: قطاع حيوي مهدَّد بالزوال


اعتمد اقتصاد الريف اللبناني تاريخياً على الزراعة وتربية المواشي، وارتبطت الزراعة عضوياً بتربية الماشية التي تستخدم في الفلاحة والنقل والحصاد وغيرها. ومن هنا ينسحب الإهمال الواقع على الأرياف على قطاع تربية الماشية في قرى الجبل، حيث تحولت تربية الماشية إلى مهنة نادرة فيها بعدما كانت ملازمة لكل منزل تقريباً

يعاني قطاع تربية الماشية حالة تردٍّ، بل انهيار تام من مختلف الجوانب، وخصوصاً من ناحية تذمر المواطنين من زرائب الأبقار أينما وجدت، بدواعي الروائح وتكاثر الحشرات، ونظراً لتمدد الأبنية في القرى على حساب المساحة الخضراء والمراعي، فإنه لمجرد وجود منزل تُرَبّى الماشية في المساحة المحيطة به، يصبح محط انتقاد وشكوى. إذ يقول كمال متى الذي يمتلك مزرعة في مدينة عاليه لـ«الأخبار» إن «الملاحقات التي نتعرض لها بضرورة إغلاق المزرعة لقرب بعض المباني الجديدة منها والغلاء الفاحش في الأسعار سيدفعنا إلى ترك هذه المهنة والنزوح مجدداً إلى بيروت، ولم تعد الحالة تحتمل». وأدت المشاكل المزمنة والمتراكمة في هذا القطاع إلى تخلّي قرى الجبل بمعظمها عن تربية الماشية، باستثناء بعض القرى التي ما زالت تحافظ على أعداد كبيرة من المزارع، وأهمها بلدة مجدليا في قضاء عاليه، وبلدة رويسة البلوط في قضاء بعبدا، وأكبر المزارع الموجودة فيها لا يتجاوز عدد الأبقار فيها 25 إلى 30 رأساً.

خصوصيات تربية الأبقار

تتطلب الأبقار عناية خاصة في معاملتها، وتنظيماً كاملاً في إدارتها اليومية من حيث حلبها ورياضتها وتنظيفها وتغذيتها بأعلاف متوازنة وغنية بالعناصر الغذائية اللازمة لنموها وإنتاجها على الوجه الأكمل.أبقار في احدى مزارع الجبلأبقار في احدى مزارع الجبل

والتغذية أحد أهم العوامل التي تؤثر في إنتاج الأبقار من الناحيتين الكمية والنوعية، إذ لا يمكن الحصول على الحد الأقصى من الإنتاج الذي تتيحه الصفات الوراثية إلا إذا وضعت الأبقار في ظروف تمكنها من الحصول على كل ما تحتاجه لجسمها أو لإنتاجها من العناصر الغذائية، وهنا تبرز مسألة الغذاء والكميات المستهلكة والتكلفة المترتبة على ذلك في ظل ارتفاع حاد بأسعار المواد العلفية الأساسية، لكونها مستوردة ومرتبطة بتذبذبات أسعار اليورو، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام من العلف نحو 500 ليرة لبنانية والتبن 400 ليرة لبنانية، في حين أن البقرة البالغة بحاجة إلى ما يزيد على خمسة عشرة كيلوغراماً يومياً من العلف، وبذات الوقت لا يتجاوز سعر كيلو الحليب ألف ليرة لبنانية.

ارتفاع كلفة الطبابة

أما الطبابة فتمثِّل مشكلة حقيقية لمربي المواشي، نظراً لارتفاع أسعار الأدوية البيطرية بشكل جنوني، إضافة إلى قلة عدد الأطباء البيطريين وارتفاع أجور معاينة الأبقار، بحيث تصل إلى أكثر من 150 ألف ليرة.

ويوضح مشهور زيدان، وهو يمتلك مزرعة في بلدة رويسة البلوط لـ«الأخبار» أنه «حتى الأبقار التي قدمتها وكالة التنمية الأميركية مساعدات، ودفعنا ثمنها غالياً بالأقساط الطويلة الأجل لم تتناسب مع طبيعة بلادنا على ما يبدو ومعظمها قد مات نتيجة تغير المناخ والطقس، بالإضافة إلى أسعار الأدوية المرتفعة في لبنان التي لا يمكن مقارنتها مع الأسعار المنخفضة في سوريا مثلاً».

بين الإنتاج والمردود

ويغلب على أنواع الأبقار الموجودة في لبنان النوع المهجن، وإنتاجها دون المستوى المطلوب، في حين أن تصريف الإنتاج أزمة كبيرة على مستوى الأرياف في ظل غياب أي عمل تعاوني أو تعاونيات تتكفل بمعالجة هذه الأزمة المستمرة. كما أن الأبقار التي تربى لإنتاج اللحم غير متوافرة أبداً، حيث يعتمد لبنان دائماً على الاستيراد من الخارج، مع العلم أن اللحم البلدي بالمفهوم الشعبي العام أفضل بكثير من المستورد على كل المستويات.

ويلفت عدنان مطر من بلدة مجدليا إلى أن «الجهد المبذول في هذه المهنة لا يساوي أبداً مردودها، نحن نعمل في أيام عديدة من دون مقابل على أمل تغير الأحوال، ونعاني أزمة تصريف إنتاج الحليب، إذ تراجع اهتمام الناس بالإنتاج الطبيعي، ويلجأ العديد منهم إلى شراء الحليب المجفف الذي لا نعرف من أين هو مستخرج، بأسعار مضاعفة عن الحليب البلدي الطبيعي المغذي.

تعليقات: