مارون المنسية بقرار رسمي تواجه الثلج بـ«غطاء»

ألبسة سميكة وغطاء في مواجهة الثلج (علي الصغير)
ألبسة سميكة وغطاء في مواجهة الثلج (علي الصغير)


كيـف عـاش أهالـي القـرى المحاصـرة بالعاصفـة؟

بنت جبيل :

لمارون الراس الصامدة على حدود الوطن خصوصيتها مع الثلج. يتجمع النفاف الذي يتساقط عليها غزيراً فيلبسها الأبيض على شكل عمامة أو إكليل لا فرق. المهم أنه يزيد من جمالها هي الممسكة برأس قضاء بنت جبيل والمطلة على فلسطين المحتلة. فيها، وفي قلب ثلوجها آثرت بعض عائلات قليلة العيش هنا لرابط بهذه الأرض لدى البعض وخصوصاً كبار السن وبسبب «قلة الحيلة» في كثير من الأحيان. الفقر سبب رئيسي لعدم الهجرة في بلدة منسية «بقرار رسمي».

بيوت متهالكة أو شبه متهالكة، هياكل تسمى بيوتاً، مرت عليها الدهور والحروب وما تزال صامدة. جدران باردة رغم القلوب التي يملأها الدفء ووجوه تعلوها بسمة «أهلا وسهلا».

طريق وعرة الى منزل في حي فارس، اختلط فيها بياض السماء بوحل الأرض والطرقات التي لم تعبد منذ عدوان تموز .2006 بعض بيوت استعان أهلها وفي هذا الطقس العاصف والمثلج على «سترها» ببعض «النايلون» من الخارج. أما وراء الأبواب إلى الداخل فيمكن رؤية «شلال ماء هادر» من السطح و«تيارات هوائية» باردة تلفح الوجوه لا تعرف من أين تأتي، من أرض عارية حتى من البلاط، أو جدران ما تزال على بكارة باطونها (الاسمنت)، أو آثار دمار ما تزال شقوقه بارزة بعد أن رمُم على عجل ولقلة ذات اليد.

يواجه سكان أحد هذه المنازل الثلج بـ«غطاء ـ حرام». يعيش في هذا المنزل سبعة أولاد كبيرهم لم يتجاوز التاسعة وصغيرتهم شقراء ضاحكة لم تبلغ الثانية من عمرها، إضافة الى الوالدين. غطاء يتيم يلف الأطفال في الأيام الباردة التي طال مكوثها مؤخرا. الوالد يبحث عن رزقه اليومي في أي عمل متوفر في البلدة الصغيرة سعياً وراء دخل ولو قليلا. تستعين ربة المنزل على برد الايام بما يشغلها من الأعمال المنزلية. تقول انها تلبس أطفالها «أسمك وأثقل» ثيابهم وتبقيهم تحت «غطاء من ثلاثة فقط تملكها العائلة»، إضافة إلى ما يشبه الحصيرة «تستر» بها أرض غرفة المعيشة ووضعت فوقها اسفنجة للجلوس.

هنا لا مجال للسؤال عن أحوال المازوت وأسعاره، فالحال أسوأ من ذلك بكثير، ربما ما يتوفر أحيانا من الحطب يكون كافيا «وأفضل من بلاش» تقول الوالدة الثلاثنية، أما الكهرباء فإن توفرت فاستعمالها للانارة فقط ولا حاجة اليها عدا ذلك.

هنا في مارون الراس لملم أبو علي ما بقي من سنوات عمره في زاوية الدار لفّ غطاءه حول جسده وجلس ينتظر، نظرة إلى السقف وأخرى إلى الباب ونظرات يجولها في أرض البيت.

حاله كحال فارس وغيره، يعيشون هنا عند أعلى قمة في الجنوب، يكسوها البياض بصقيعه ويحرقهم إهمال من وضعوهم خارج حدود الوطن.

في مارون الراس الباردة، لكل من أهلها همه، ربطة خبز انزلقت على طريقها التي كدسها الجليد، بعض خضار تكفلت بإتلافها موجة الصقيع الماضية، ويبقى شيء من مؤونة الأيام لمثل هذه الأيام «البيضاء».

تعليقات: