الكــهــربـــاء فــي الــضــاحـــيــة الجــنــوبــيـــة

موظفون من \
موظفون من \"مؤسسة الكهرباء\" يفحصون الشبكة.


ساعات التقنين تتجاوز الـ 12 ساعة يومياً و"التعليق" على الشبكة الوجه الآخر لدفع الفواتير

الكــهــربـــاء فــي الــضــاحـــيــة الجــنــوبــيـــة: قـضــيــة مـطلـبيّة

أم عـــنـــوان ظـــاهـــر لــقــضـــايـــا ســـيـــاســـيــة غـــيـــر مــســتـــورة ؟

مرة اخرى تسيل الدماء في الضاحية الجنوبية. بالأمس سقط 8 ضحايا برصاص هو مجهول المصدر حتى الساعة، بعد مواجهات بين الجيش اللبناني وعدد من الشبان الغاضبين على الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في الضاحية الجنوبية. فما قصة الاحتجاجات في هذه المنطقة وهل صحيح ان التيار الكهربائي لا يزور اهالي الضاحية الا في المناسبات؟

ارتفعت في الآونة الأخيرة وتيرة التحركات الاحتجاجية لأهالي الضاحية الجنوبية لبيروت وغيرها من المناطق الرافضة قطع الكهرباء المتواصل عن عدد من المناطق.

الضاحية الجنوبية تخضع لتقنين قاس في التيار الكهربائي منذ اعوام، الا ان ساعات التغذية انخفضت في الأسابيع الماضية الى اقل من 8 ساعات يومياً، مما يطرح السؤال عن حقيقة التحركات الشعبية التي تشهدها هذه المنطقة.

الكهرباء: الحلم في القرن الـ 21

الكهرباء في لبنان في القرن الحادي والعشرين تشبه قصة ابريق الزيت. "مؤسسة كهرباء لبنان" لا حول لها ولا قوة، بعدما استهلكت مئات ملايين الدولارات خلال عقد ونيف من عمرها المثقل بالظلام.

لكن هل صحيح ان الضاحية الجنوبية لبيروت متمردة ولا يدفع ابناؤها فواتير الكهرباء وبالتالي تضطر المؤسسة الى "تأديبها" عبر قطع التيار عنها؟ ام ان في الأمر استهدافا لما تمثله الضاحية الجنوبية وغيرها من مناطق الجنوب والبقاع وصولاً الى بعض احياء بيروت؟

حي السلم: انقطاع دائم "وتعليق"

في هذا التحقيق جولة على الضاحية الجنوبية للوقوف على حقيقة وضعها لجهة الخدمات وعلى رأسها الكهرباء.

اخترنا منطقة حي السلم المكتظة بالسكان في مستهل هذه الجولة. المنطقة المذكورة يتكدس فيها السكان كيوم الحشد الموعود، وطرقاتها الضيقة مليئة بالحفر ويتربع الحرمان والبؤس على جوانبها. هي منطقة منسية لم تظهر الى الواجهة الا في 27 ايار 2004، يومذاك تمرد سائقو الفانات في حي السلم على ارتفاع اسعار المحروقات واعتصموا في ساحتها، وسقط من بينهم 5 شهداء برصاص الجيش اللبناني.

يقول شحادة ج. "تنذكر وما تنعاد حادثة حي السلم" وعن اوضاع منطقته يشرح "نحن نعيش في عالم سابع او اكثر لا تزورنا الكهرباء الا في المناسبات. تصور انه في ليلة رأس السنة قطعوا الكهرباء ولم نر النور الا في الساعة الثانية عشرة والنصف من بداية العام الجديد. وعندما اتصلنا بـ"مؤسسة الكهرباء" اجابونا ان التيار سيعود ربما الى الضاحية اعتباراً من التاسعة مساء. لكن ارادوا ان نستقبل عيد رأس السنة من دون كهرباء" .

اما عن التعليق والفواتير فيجيب شحادة "نحن ندفع الفواتير بانتظام"، ويحضّر كدسة من الفواتير ويقول "هذه آخر فاتورة دفعتها قبل ايام وقيمتها 23 الف ليرة لبنانية" لكن المبلغ المدفوع قليل نسبياً ويوضح "نعم رسم الساعة 10 آلاف ليرة، واستهلكنا خلال 30 يوماً 17 الف ليرة، اي ... Kw".

لا يقنعنا المواطن غير الملتزم بالقوانين باجاباته. ونصرّ عليه ان يشرح لنا حقيقة الأمر. في نهاية المطاف يقر بالآتي "يا اخي ان الفاتورة 27 الفا تعادل نحو 10 في المئة من قيمة الحد الأدنى للأجور. انظر الى اي دولة في العالم ولنأخذ فرنسا مثلاً: هل يدفع المواطن الفرنسي 500 أورو شهرياً فاتورة الكهرباء!"

في الأمر قليل من المنطق وكثير من التعليق، ويأبى محدثنا الاعتراف بما نريد سماعه.

لكن جارته كانت اكثر صراحة منه لأنه لا يهمها ماذا سنكتب عن حي السلم. تقول "نعم، زوجي لا يدفع اكثر من 25 الف ليرة في الشهر لمؤسسة الكهرباء، ولدينا "شريط تعليق" على العمود المقابل لمنزلنا، وعندما يحضر موظفو مؤسسة الكهرباء يقطعون الشريط، ولكن سبق لنا ودفعنا مخالفة قيمتها 430 الف ليرة، وبالتالي لنا في ذمة المؤسسة هذا المبلغ". وصراحة الجارة تقودنا الى استطلاع حقيقة ما يجري في غرفة الكهرباء في المبنى المؤلف من ثلاث طبقات ويسكنه زهاء 80 شخصاً!

في الغرفة غابة من الأسلاك، وبالكاد ترى العدادات التسعة المنتظمة في ثلاثة صفوف. اما الـposte فتجتاحه الأسلاك بشكل يهدد السلامة العامة. وعلى الأرض بعض المحاضر الممزقة وثمة ثلاثة عدادات تم ايقافها من المؤسسة.

في حي الليلكي، المشهد لا يتغير كثيراً.لكن الطرقات هنا اوسع والمنازل بعيدة عن بعضها بعض الشيء. ونقصد احد المنازل. هنا غير مرغوب فينا، وخصوصاً بعد التحقيق الذي نشرته "النهار" عن الأبنية المخالفة للقانون.

المريجة: التزام محدود بالفواتير

من الليلكي غير المرغوب فينا في زواريبها نقصد المريجة.

هذه المنطقة كان سكانها قبل الحرب من المسيحيين اضافة الى اقلية مسلمة. اليوم تغيرت الديموغرافيا فيها. هجر المسيحيون معظم احياءها وباعوا عقاراتهم للشيعة بعيد انتهاء الحرب الأهلية وحروب الآخرين على ارضنا. لكن فقط 25 عائلة مسيحية لا تزال تقيم قرب كنيسة المريجة التي انجز ترميمها قبل اشهر.

اما وضع الكهرباء فهو كالآتي: في كل يوم تقنين يصل الى 12 ساعة يومياً، ولا ينعم اهالي المريجة بالكهرباء ليلاً اكثر من يومين في الأسبوع.

اما "التعليق" في هذه المنطقة فهو اقل نسبياً من حي السلم، لأن مؤسسة الكهرباء وبلدية المريجة تحويطة الغدير الليلكي تسيّر دوريات بانتظام لمكافحة التعليق على الشبكة.

في هذه المنطقة يواظب الأهالي على دفع الفواتير شهرياً، ومعدل الفاتورة الواحدة يصل الى حوالى 35 الف ليرة شهرياً وترتفع شتاءً الى 50 الفاً.

عصيان دائم أم ظلم متعمد؟

في كل مرة تثار فيها مشكلة الكهرباء توجه اصابع الاتهام الى اهالي الضاحية الجنوبية لبيروت انهم لا يسددون الفواتير، وبالتالي ليس من حقهم الاعتراض على قطع التيار الكهربائي.

ولا بد من الاشارة الى ان "النهار" نشرت تحقيقاً ميدانياً مفصلاً عن حقيقة التزام اهالي الضاحية الجنوبية دفع فواتير الكهرباء والمياه والرسوم البلدية، وبحسب احصاءات "مؤسسة كهرباء لبنان" فان نسبة الجباية في دائرة الشياح التي تتبع لها الضاحية ادارياً تصل الى 97 % وان قيمة محاضر المخالفات في هذه الدائرة تتعدى مئات المليارات (ل. ل.).

ولا يخفي بعض اهالي الضاحية انهم يعلقون بصورة غير شرعية على الشبكة، مما يفاقم ازمة الكهرباء في هذه المنطقة.

لكن ما لا يعلمه البعض انه لا يوجد مبنى في الضاحية الجنوبية يخلو من العدادات، حيث ان كل الشقق والمنازل تم تركيب عدادات الكهرباء فيها، ولا يمكن أي صاحب عداد ان يتخلف عن دفع فاتورة الكهرباء.

من 15 ألف ليرة الى مليون ليرة

لكن السؤال: كم تبلغ قيمة هذه الفاتورة مقارنة مع ما يدفعه اهالي بيروت مثلاً؟

بالتأكيد ما يدفعه اهالي الضاحية اقل مما يدفعه سكان العاصمة. لكن هل يمكن التعميم؟ في الواقع نذكر ان هناك فواتير كهرباء في الضاحية الجنوبية تفوق المليون ونصف المليون ليرة شهرياً! وثمة فواتير لا تتعدى قيمتها الـ 25 الف ليرة، وايضاً هناك قلة لا تدفع اكثر من 15 الف ليرة شهرياً. وهؤلاء عمدوا الى التعليق على الشبكة ليلاً ويعودون الى وضعهم القانوني في ساعات النهار، ومنهم من لا يعير اهتماماً لموظفي مؤسسة الكهرباء فيعلقون على الشبكة جهاراً نهاراً. وسبق ان نشرت "النهار" الصور التي تظهر التعليق على الشبكة في الضاحية، وتحدثت بالتفصيل عن عملية سرقة التيار في منطقة الليلكي. في المحصلة لا يمكن التعميم على ان جميع اهالي الضاحية الجنوبية متخلفون عن دفع فواتير الكهرباء او المياه او حتى الرسوم البلدية .

اما المحال والمقاهي التجارية فان اصحابها يدفعون الفواتير بانتظام وتصل قيمة بعضها الى مليون ليرة شهرياً، بحسب ما يفيدنا صاحب "مقهى الجسر" رضا حمود.

قد يكون في الامر مبالغة، الا ان حمود يحضر لنا الفواتير المدفوعة ومنها ما تزيد قيمتها على مليون ليرة لبنانية شهرياً.

الرصاص الى صدور شباب الضاحية

لكن، ومهما تكن اسباب الاحتجاج، هل يجوز الافراط في استعمال السلاح في مواجهة المتظاهرين في الضاحية الجنوبية للمرة الخامسة على التوالي بعد حادثتي الرمل العالي (1982و2006)، وجسر المطار (1993)، وحي السلم (2004) وبالأمس في مار مخايل ليسقط 28 قتيلاً وعشرات الجرحى في تلك المواجهات، عدا عن سقوط عدد من الضحايا برصاص القوى الأمنية في مطاردات قوى الأمن الداخلي؟ لعله كتب لما يسميه البعض "الغيتو الشيعي" او المربع الأمني ان يدفع الدماء في كل محطة مطلبية، وكأن الدماء اضحت بديلاً من الفيول او من البنزين الملتهبة اسعاره في هذه الأيام.

تعليقات: