هكذا بدأت وهكذا تطورت... وكانت المجزرة!


الساعة تشير الى الرابعة عصراً. ثلة من الشبان تجمعوا قرب كنيسة مار مخايل، وتظاهروا احتجاجاً على قطع الكهرباء.التظاهرة بدأت عفوية و بمنأى عن أي قرار من «حزب الله» أو «حركة أمل». مرت عشر دقائق و تضاعف عدد المتظاهرين تزامناً مع قطع الطريق بالاطارات المشتعلة. في ذلك الوقت، كان شكل التظاهرة عادياً، واتسم من ناحية العدد كباقي الاحتجاجات الأخيرة.

أثر التظاهرة، توجهت قوة عسكرية من الجيش اللبناني لابعاد المتظاهرين، مع وصول عناصر من مخابرات الجيش اللبناني و«حركة أمل» للغرض نفسه، كما يشير مصدر قيادي في «حركة أمل». و يتابع المصدر عينه: فجأة، و من دون أي احتكاك من المواطنين ـ المتظاهرين، أطلق عناصر من الجيش عيارات نارية وسقط الشهيد أحمد حمزة.

شبان ملثمون يهرولون باتجاه الكنيسة. دراجات نارية تتدفق بكثرة من والى منطقة الشياح. في حي المصبغة، حيث مسقط رأس الشهيد حمزة، تجمهر الأهل والأصدقاء بغية التوجه الى الكنيسة ومستشفى الساحل.

أدى سقوط الشهيد حمزة الى خلق نوع من البلبلة في نفوس المتطاهرين، وسرعان ما انتشر الخبر حتى بدأت الأعداد تتزايد. السيارات تتجول بصعوبة من منطقة المشرفية الى أوتوستراد السيد هادي، وطغت زحمة سير خانقة. «مظبوط فيه شهيد وثلاثة جرحى ؟» يسأل أحد المارة. المشهد مازال يتكرر، و أشعلت الاطارات في المشرفية. الساعة تشير الى الخامسة عصراً، يشاع خبر بأن الطريق اقفلت في منطقة الكفاءات، و ينفى الخبر.

الأعداد تتزايد و تتضاعف. سحنات صفراء اللون. عمليات كر و فر. يردف أحد الشبان لصديقه «فيه قناصين على السطوح!».

حل الظلام وارتفعت ألسنة اللهب من الاطارات المشتعلة. في غضون دقائق، افترق المتظاهرون وامتزج صوت عويلهم مع صوت الرصاص المكثف. خمس دقائق ويتوقف صوت الرصاص، وتحوم الأسئلة حول ما اذا كان العيار الناري من «كلاشينكوف» أو «م ـ 16»، يأتي الجواب: صوت كلاشن ! فيرد الاخر مطمئناً «يعني مش جيش». مازلنا في كنيسة مارمخايل. يستعد بعض الشبان لاقتحام عين الرمانة «ثأراً للشهيد»، لكن سرعان ما يتراجعون عن الفكرة لأن «المسائيل ما عم يقبلوا» يردف أحد الشبان.

بعد سقوط الشهيد الأول، كرت السبحة وسقط شهيد آخر وعدد من الجرحى. المحلات التجارية الموازية للطريق أقفلت، و منع تجول السيارات. الدخول الى الكنيسة أصبح خطراً ونوعا من المغامرة. المشهد أشبه بحادثة الجامعة العربية. الطرق خالية من السيارات والفانات، باستثناء سيارات الاسعاف التي تمر كل عشر دقائق مذيلة بعبارة من المارة «ولعت !».

من مارمخايل الى طريق المطار. عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون بين أوتوستراد الأسد وطريق المطار القديم. نتقدم بضعة أمتار من أمام مطعم الساحة الى مستشفى الرسول. الصورة نفسها هنا، تماماً مثل المشهد في الكنيسة، بيد أن الفرق هو راحة البال التي طغت على وجوه المتظاهرين بسب «هوني ما فيه قناصين». الساعة تشير الى السابعة والنصف، عدد الشهداء وصل الى الثلاثة. المشهد يتكرر قرب مفرق العاملية، وجسر المطار ووصولاً الى الطيونة. تتقدم ثلاث سيارات من طراز «فولفو» أمام المتظاهرين قرب مستشفى الرسول، و يهتف الشبان من السيارات «ان حركة أمل وحزب الله يطلبون منكم اخلاء الطرقات والتوجه الى منازلكم». البعض يستجيب، و الاخر يتجاهل. دقائق قليلة ويفترش عناصر الانضباط الطريق ويباشرون باخماد الاطارات المشتعلة وتفريق المتظاهرين.

الى ذلك، يلفت مصدر قيادي في «حركة أمل» الى أن «الشهيد الأول سقط برصاص من الجيش، والباقون تضاربت الأخبار حولهم، ومنهم من سقط برصاص قناص مجهول». ويضيف «التطورات التي طرات كانت عفوية و عاطفية، و نحن وجهنا نداء لاخلاء الطرقات وسحب العناصر». وطالب المصدر الجيش بفتح تحقيق فوري بالموضوع. وعلمت «السفير» من مصدر أمني واسع الاطلاع، انه القي القبض على شاب مسلح على تخوم عين الرمانة. وأضاف المصدر بأن شخصا آخر لقي حتفه عندما حاول رمي قنبلة على المتظاهرين، وانفجرت بين يديه.

حتى العاشرة ليلا وصل عدد الشهداء الى ثمانية، حيث أضيف اليهم شاب من الهيئة الصحية التابعة لـ»حزب الله». والشهداء هم: احمد حمزة، محمود حايك، محمود منصور، محمود عثمان، يوسف شقير، احمد العجوز، علي أمهز ومحمد منصور (توفي اثنان لاحقا في المستشفى)

تعليقات: