القرى الحدودية: النازحون ينعشون الأسواق الشعبية

سوريون نازحون في أحد أسواق القرى الحدودية (طارق ابو حمدان)
سوريون نازحون في أحد أسواق القرى الحدودية (طارق ابو حمدان)


حركة النازحين السوريين وتوجّههم الى السلع الرخيصة المناسبة لميزانياتهم، تنعش الى حد ما الأسواق الأسبوعية الشعبية في المنطقة الحدودية، التي باتت تعتمد بشكل أساسي على العائلات السورية التي تجد في معروضاتها، المنخفضة أسعارها ما يناسب وضعها الاقتصادي، في ظل تراجع تقديمات الدول المانحة.

يشير تجار هذه الأسواق المنتشرة في الخيام، ومرجعيون، وكفركلا، وسوق الخان، وبنت جبيل، وميس الجبل، الى ان نسبة كبيرة من زبائنهم تتجاوز الـ60 الى 70 في المئة باتوا من النازحين السوريين، والذين نعوّل عليهم في هذه الفترة، حيث الركود الاقتصادي يحاصرنا منذ سنوات عدة. يقول احمد العربي صاحب بسطة ملابس، ويقصد سوق الخان كل يوم ثلاثاء منذ أكثر من عشرين عاماً، «حركة النازحين السوريين رفعت نسبة البيع، لكنها خفضت أرباحنا، كوننا نشعر بوضعهم، لذا نرضى بالربح القليل، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها كتجار متجولين».

«النزوح السوري أعطى هذه الأسواق جرعة حركة مقبولة»، يقول تاجر المكسرات حسن الزويني مضيفاً: «إنهم يجدون في بسطاتنا، متنفساً اقتصادياً، يساعدهم على تدبر امورهم وحاجياتهم المعيشية بأسعار منخفضة، ففي هذه الأسواق مختلف الأصناف الشامية التي تعودوا عليها في بلدهم ايام العز، ومنها الملابس، البياضات، المحارم، مواد التنظيف، الأحذية، الأقمشة، عدا الحبوب والحلويات والمأكولات».

ابو علاء احد تجار سوق الخان، يشير الى ان «النازحين السوريين باتوا يشكلوا النسبة الأكبر من حركة الزبائن، وان عددهم الى ازدياد، يتسوقون مختلف البضائع المعروضة، ومنها البطاطا والبصل والثوم والحشائش والتفاح والاجاص والسفرجل وبقية أصناف الفاكهة التي تنتج في القرى الحدودية، يضاف اليها مختلف أنواع الاقمشة والالبسة والخرضوات وحتى الألبان والأجبان والادوية العربية والمواد التموينية والغذائية وأصناف المونة. انهم يجادلون في الأسعار وهذا من حقهم، ونحن نشعر بوضعهم المعيشي الصعب».

«بالرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، فقد صمدت الأسواق الشعبية في وجه المؤسسات التجارية والاستهلاكية الكبيرة»، كما يؤكد احمد الذي يواصل منذ اكثر من 15 سنة عرض بسطة مكسرات في سوق كفركلا. ويوضح أن «زبائن هذه الاسواق عادوا مجدداً بعد فترة كساد قاسية، فرفوف الخضار والفاكهة المزينة في المحال الكبيرة، لم تمنع زبائننا من زيارة أسواقنا وبشكل اسبوعي، فالزبون هنا يوفر ما بين الـ20 الى 25 في المئة من فاتورته الأسبوعية، وهذا الرقم يعني مبلغاً هاماً للفئات الشعبية الفقيرة وللنازحين، الذين يمرون بضائقة مالية صعبة، بعدما حجبت عنهم الدول المانحة الكثير من المساعدات بحجة انخفاض الميزانية».

لا تقتصر زيارة الأسواق الشعبية على النازحين فقط، بل هناك حركة وإن كانت خجولة لعناصر اليونيفيل، الذين يجدون في هذه الأسواق، فسحة للتمتع ببعض المعروضات الحرفية والصناعات اليدوية اللبنانية، ومنها صناعة الفخار والصابون والخناجر الخشبية، كما يستمتعون في هذه الأسواق بالسياحة الريفية في الهواء الطلق ويشدهم صراخ الباعة والشارين والمجادلات والمفاصلات في الأسعار، اضافة الى نكهة اللحم المشوي والفراريج على الفحم.

«المفاصلة والمجادلة تسري على كل بسطات الاسواق الشعبية»، كما تردد هلا من كوكبا، «وقد تكون العنوان الأساسي لعملية الشراء، فليس هناك من سعر محدد ونهائي، بل يعود السعر الى قوة المجادلة والمفاصلة، انها أسواق لم يمحها الزمن، بل زاد عليها أصنافاً، وزبائن هجروا شراء وتبضع «الديكور والإنارة»، ليكتفوا بما هو «مرمي» على البسطة، همهم السعر الأرخص الذي لا يزال متوفراً فقط في مثل هذه الأسواق».

...

موضوع ذات صلة:

النزوح يترك بصمة سورية بين البسطات

الأسواق الشعبية البقاعية «حكاية عمر»

سامر الحسيني

لا يمكن حصر «تراث» الأسواق الشعبية في البقاع التي تتوسّع جغرافيتها وأماكنها وأيامها في إطار القيمة الاقتصادية والمعنوية التي توفّرها هذه الأسواق الشعبية التي تشهد زخماً متصاعداً مقابل تردي الواقع الاقتصادي وما فعله في توسيع رقعة انتشار هذه الأسواق الشعبية، في ظل لمسة طبعها النزوح السوري على واقع هذه الأسواق التي على ما يبدو قد تحوّلت حارات وأسواقاً سورية وشامية، بفعل الاكتظاظ السوري.

يحفظ البقاعيون الكثير من الحكايا التراثية والتاريخية التي رافقت علاقتهم القديمة مع هذه الأسواق الشعبية التي اعتاد عليها جوارها البقاعي في اطار علاقة «عمر» تتجاوز حدود الـ90 سنة، كما هي الحال مع سوق المرج الذي يُعَدّ الأقدم تاريخياً في البقاع والأكثر شهرة.

عرف البقاع الأسواق الشعبية منذ عشرات السنين، وتوارث الأبناء والأحفاد زيارة هذه الأسواق في مواعيدها التي لم تتغيّر، بعد أن ارتبطت هذه الأسواق الشعبية بيوم من أيام الاسبوع، فسوق الاثنين هو سوق المرج، وسوق الثلاثاء يعني سوق تعلبايا، والأربعاء هو يوم ضهر الأحمر، أما يوم الخميس فيكون من نصيب سوق غزة، ويوم الجمعة هو موعد سوق سحمر. أما جب جنين فلا تزال تحافظ منذ اكثر من 20 عاماً على يوم السبت كموعد لسوقها الشعبي الذي لا يقل أهمية عن سوق الاثنين في المرج، وتحتفظ جب جنين بكثير من ذكريات هذا السوق الذي كان أيضاً سوقاً للمواشي، ثم توسّع ليحتوي على منتجات زراعية، وتختتم أيام الأسواق في البقاع مع سوق يوم الأحد في الصويري.

فسحة للنازحين

أضاف النزوح السوري، صوره وضائقته الاقتصادية على واقع هذه الأسواق الشعبية التي تضجّ اليوم بالبائعين السوريين والنازحين السوريين أيضاً الذين يجدون في هذه الاسواق متنفسا اقتصاديا يساعدهم على تدبر امورهم الاقتصادية واحتياجاتهم المعيشية.

كل الأصناف الشامية لها رفوف وبسطات في الاسواق الشعبية، بدءاً من المحارم السورية الى مواد التنظيف والألبسة والأحذية والأقمشة، عدا الحبوب والحلويات الشامية والبزورات والمأكولات.

يشكل النازحون السوريون أكثر من 70 في المئة من حركة زائري هذه الأسواق التي تطول مساحتها وبسطاتها الى ما يتجاوز سياج هذه الأسواق، كما هي الحال في مختلف أماكنها.

أسواق للجميع

انطلقت فكرة الاسواق الشعبية في بداية العشرينيات في اطار مبادلة وتجارة المواشي وبيعها لا أكثر، ثم تطورت وباتت اسواقاً زراعية لمختلف انتاجات حقول البقاع الزراعية من البطاطا والبصل والثوم والحشائش والتفاح والاجاص والسفرجل وبقية أصناف الفاكهة التي تنتج في البقاع، يضاف اليها اليوم مختلف أنواع الاقمشة والالبسة والخرضوات وحتى الالبان والاجبان والادوية العربية والمواد التموينية والغذائية وأصناف المونة البقاعية.

على مرّ السنين، صمدت هذه الاسواق الشعبية، مقابل توسّع المؤسسات التجارية والاستهلاكية، التي لم تؤد الى تراجع دور هذه الاسواق الشعبية، كما أن رفوف الخضار والفاكهة المزينة في المحال الكبيرة، لم تمنع صفاء من زيارتها الاسبوعية كل يوم ثلاثاء الى سوق تعلبايا لشراء الخضار والفاكهة، في تقليد دأبت عليه منذ 5 سنوات حسبما تقول، لا سيما أنها تخرج من زيارتها التسويقية بوفر يصل الى 20 ألف ليرة، في احتياجاتها الأسبوعية من الخضار والفاكهة، حسبما تقول صفاء.

يلاحظ البقاعيون في الفترة الأخيرة توسّعاً كبيراً طرأ على فكرة الاسواق الشعبية، التي بات عددها يتجاوز أيام الأسبوع، ومردّ هذا التوسع الى استفحال ظاهرة فلتان الأسعار وعدم ضبطها الا في مثل هذه الاسواق التي تشهد مزاحمة كبيرة، تفرض تراجعاً في اسعار المعروضات وان كانت مواصفاتها دون المستوى المطلوب من الجهة الصحية والبيئية.

يشبه البقاعيون أسواقهم الشعبية بـ «أسواق للفرجة»، يمكن ان تجد فيها ما لا يخطر على بال احد، بدءاً من الخرضوات والانتيكا والتحف والالبسة والحبوب والمعلبات وبقية الاصناف التي لا يمكن حصرها او تعدادها.

يتنقل احمد من سوق الى سوق وهو بائع «انتيكا» وخرضوات التي لها مريدوها وزبائنها الذين يهوون جمع بعض المقتنيات التي يمضي ساعات وساعات في عرض اصنافه على الرفوف التي «يبسط» عليها.

كثيرون يأتون اليه مفتشين عن قنديل من الكاز او عن ساعة قديمة العهد او راديو وغلافه القماشي الضخم او اي شيء غير متوفر في اي من المحال التي تنتشر على طول البقاع.

لا تنحصر الزيارة إلى السوق الشعبي إن كان في تعلبايا او جب جنين او المرج وسواها فقط في إطار عملية الشراء، فالعشرات من البقاعيين «يسوحون» داخل رفوف وبسطات هذه الاسواق ومنهم جمال الذي يرتاد منذ سنوات سوق الاثنين في المرج، يستمتع بصراخ الباعة والشارين والمجادلات والمفاصلات في الأسعار.

يسرد جمال مفاصلة في سعر دزينة من فناجين الشاي، دارت بين البائع وإحدى السيدات التي استطاعات أن تشتري الدزينة بـ3 آلاف ليرة، أي أقل بألفي ليرة عن السعر الذي كان قد حدّده البائع.

المفاصلة والمجادلة تسري على كل بسطات واصناف الاسواق الشعبية، وقد تكاد العنوان الأساسي لعملية الشراء، فليس هناك من سعر محدد ونهائي بل يعود السعر الى قوة المجادلة والمفاصلة.

هي أسواق لم يمحها الزمن بل زاد عليها أصنافاً وزبائن هجروا شراء وتبضع «الديكور والإنارة» واكتفوا بما هو «مرمي» على البسطة، لأن المهم هو السعر الأوفر الذي لا يزال متوفراً في تلك الأسواق.

بسطات من البزورات في أحد الأسواق الشعبية (سامر الحسيني)
بسطات من البزورات في أحد الأسواق الشعبية (سامر الحسيني)


من سوق تعلبايا الشعبي (سامر الحسيني)
من سوق تعلبايا الشعبي (سامر الحسيني)


تعليقات: