يوم النازحات: أعمال شاقة مقابل الطعام

طفلة نازحة ترعى شقيقها في غياب والدتها (طارق أبو حمدان)
طفلة نازحة ترعى شقيقها في غياب والدتها (طارق أبو حمدان)


تنهمك النازحة من إدلب جميلة حلمي (50 عاماً)، في إشعال موقد الحطب تمهيداً لإعداد وجبة الغداء لعائلتها المؤلفة من 8 أشخاص. أصغر فرد في العائلة عمره عام واحد، وأكبرهم يبلغ 15 عاماً. تقول إن طعامهم يومياً يشمل حفنة من الأرز المجبول بالسمنة، إذ ليس لديهم سوى الأرز والبرغل والمعكرونة والعدس، وهي مواد غذائية تصــلهم من الجهات المانحة.

تتخوّف حلمي من احتمال انخفاض كميات المساعدات الغذائية مع مرور الأيام، حيث «أصبحنا نخاف اليوم المشؤوم، الذي يقولون لنا فيه إن المساعدات توقفت وعلكيم تدبير أموركم بأنفسكم»، تقول حلمي، مشيرة إلى أن «الهاجس من توقف المساعدات يؤرقنا ونتعاطى معه بشكل جدّي، وإذا حصل فإننا سندخل في مرحلة حياتية صعبة تتأرجح بين الحياة والموت».

هموم الحياة ومشاكلها، في النزوح القاسي، تتحمّل الجزء الأكبر منه ربات العائلات النازحات، التي تحار في تأمين قوت العائلة اليومي، بالإضافة إلى المشاكل الصحية للأطفال. تقول النازحة من ريف حلب الى سهل سردة، سوسن الصفيدي: «إننا نعيش في حالة يُرثى لها. الحاجيات، في مختلف المجالات، إلى تفاقم، في ظل انخفاض واضح للمساعدات، وما يزيد من خوفنا قرارات الدولة اللبنانية بمنع النازح من العمل، إلا بعد حصوله على اجازة بذلك، فالحصول على إجازة عمل في لبنان أصبح بكلفة مادية عالية ومن شبه المستحيل، وذلك جعل نسبة كبيرة من النازحين من دون عمل».

أما النازحة محبوبة حسن، التي فقدت زوجها في معارك حلب منذ عامين وهي أم لستة أطفال، فتؤكد أن «تحصيل القوت في لبنان أصبح صعباً جداً، فالمجتمع اللبناني ينظر الينا بعين الغضب، لأنه يعتبر أننا نقاسمه فرص العمل ونحد من طموح أبنائه. لقد بتنا نحار كيف نسرق ساعات عمل قليلة تؤمن لنا قوتاً محدوداً، نسدّ به بعض الحاجيات».

مع ساعات الفجر، تترك النازحة فاطمة الحمداني أطفالها في خيمة نزوحهم عند الطرف الشرقي لسهل الوزاني، وتتوجه للعمل كمساعدة منزلية في المنازل المجاورة. كانت منذ أشهر تتقاضى خمسة آلاف ليرة لبنانية عن كل ساعة عمل في تنظيف المنازل، وتعمل في النهار بين 5 الى 7 ساعات. لكن المضاربة بين النازحات، خفضت بدل ساعة العمل الى النصف تقريباً، فأصبحت بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة. تقول: «وصل بنا الأمر إلى حدّ الطلب من ربات المنازل تزويدنا بما يبقى عندهم من طعام مقابل عملنا. هكذا بتنا نؤمن قوت يومنا».

«نطلب الموت»

تشير النازحة من إدلب سميرة الفريدي إلى أن «وضعنا المعيشي يتّجه إلى الأسوأ». تقوم بحياكة قميص عتيق لطفلها، تمزّق بسبب عراك مع شقيقه على قطعة صغيرة من الكعك. توضح: «مثل هذا العراك يتكرّر بين الأشقاء في الخيمة الواحدة. إنه نموذج عن معاناتنا اليومية المضنية. اللائحة تطول وتطول، ونأسف على سردها. إننا هنا لا نلاقي سوى البرد والثلج والفقر والتعب والشمس الحارقة. إنها مفارقة تجعلنا ننكر ذاتنا حقاً، ونطلب الموت، لنريح ونرتاح من عذاب يبدو أنه في طريق طويلة ومضنية».

تقول شادية الشامي، النازحة من دير الزور إلى بلدة الماري، إن «الأرض الطيبة هي التي تعطينا من دون منّة»، لافتة إلى «أننا اعتدنا أن نقصد السهول القريبة من مخيم النزوح، ونقوم بجمع النباتات البرية الصالحة لوجبات طعام مغذّية، أو لتسويقها عند جوانب الطرق». تضيف: «في فصل الشتاء نجمع الفطر البرّي الذي يكثر في المناطق الجبلية. ومع حلول الربيع نقتات من الأعشاب البرّية. أما في الصيف، فنجمع الخضار والفاكهة التي يتركها أصحابها في بساتينهم وحقولهم، ومنها البطاطا والشمام والبطيخ والخس. وفي الخريف، نجهد داخل بساتين الزيتون، فنقطف القليل من الثمار المتروكة على الأشجار، أو نلملم حبات الزيتون المتسربة بين الحجارة والأعشاب. لكن ما نحصل عليه لا يغني عن جوع، ولا يسد نافذة عوز صغيرة».

تدلّ خطوات سلمية العوني البطيئة على أنها أمضت ساعات الليل مستيقظة. هي نازحة من ريف حلب. توضح انها ظلت ساهرة إلى جانب طفلها حسن (3 أعوام)، الذي أصيب بزكام حاد منذ أكثر من أسبوع، من دون أن تتمكن من عرضه على طبيب، وقد انخفض وزنه نحو كيلوغرام خلال هذه الفترة، وحرارته مرتفعة.

تقول العوني: «كل ما أستطيع فعله في هذه الحالة هو الدعاء الى الله ليشفيه سريعاً. أضع رجليه في مياه باردة، وأقدّم له القليل من الشاي. لا يوجد في محيط المخيم طبيب أطفال، وإن وُجد فليس لديّ ما أدفعه كبدل معاينة وثمن دواء. حالات المرض المشابهة هذه كثيرة، وبالعشرات. لجأت إلى علاجه هكذا حسب ما اقترحت عليّ جارتي السبعينية». وتشير إلى «وجود خوف في المخيم من ارتفاع عدد المرضى مع تقلبات الطقس، ومع انتشار كميات كبيرة من النفايات حول المخيم، بالإضافة إلى ظهور الحشرات القاتلة والتي بدأت بالتكاثر مع مطلع الصيف».

أما نجوى العزي، فتؤكد أن «خيبة الأمل والذل والتعب، كلها عوامل سيطرت على المرأة السورية النازحة، وجعلتها تنسى أنوثتها وحنانها، فالعنف المنزلي وعنف الحروب والدمار والقتل بالإضافة الى الجوع والعوز، حوّلت المرأة الى سلعة رخيصة»، مشيرة إلى أن «هم النازحة أصبح تأمين لقمة العيش وحبة الدواء بأي ثمن، حتى ولو كان شرفها، وهذا ما يحصل على أرض الواقع».

تعليقات: