حالات الطلاق في صيدا: العنف، البطالة وآخرها الـ واتس آب والإنترنت


حالات الطلاق في منطقة صيدا... بين عذابها ووجعها للزوجين

غالباً الإصلاح يكون مثل إبرة «البنج».. مُسكّن موضعي

الأطفال ضحايا الأهل

الضرب... العنف... سوء المعاملة... تدخّل الحماة والعائلة... البطالة وآخرها الـ «واتس آب» والإنترنت والخيانة... كلها أسباب تُساهم في عملية الطلاق في مدينة صيدا ومنطقتها، على الرغم أن المدينة تُعتبر من الأكثر التزاماً بالدين والعادات والتقاليد التي تحافظ على هذا «الرباط المقدس»...

إذا كان الزواج فرحة العمر، فإن الطلاق غصّة وحزن، وبينهما الزواج ليس أحلاماً وردية كما يعتقد الكثيرون، وليس مجرّد حب وعشق ورسائل غرام واتصالات هاتفية قبل الارتباط، بل تقبّل الواقع والتأقلم معه كي لا تتحوّل الأحلام إلى أوهام، والآمال إلى صدمة، خاصة إذا كان ينقص العروسان القدرة على معالجة المشاكل والحكمة والدراية في التعاطي مع أي طارئ يكون خارج عن نطاق الإثنين..

«لـواء صيدا والجنوب» يُسلط الضوء على ظاهرة «الطلاق» من خلال زيارة «محكمة صيدا الشرعية السنية»، ورأي الكاتب الشيخ عاطف قشوع، والمُصلحة الإجتماعية سهام كساب، وما تقوله عدد من النساء اللواتي يريدن الطلاق عن حكايا عذابهن...

أسباب الطلاق

{ لا يقتصر عمل «المحكمة الشرعية السنية» في صيدا على المدينة ومخيماتها الفلسطينية، بل ويمتد إلى عدلون العدوسية جنوباً، وجزين شرقاً، وإقليم الخروب ووادي الزينة شمالاً. وأكد الكاتب في المحكمة الشيخ عاطف قشوع أن «نطاق عملنا واسع. أما المستفيدون فليسوا فقط لبنانيين وفلسطينيين إنما سوريون ومصريون وأردنيون يقيمون في المنطقة».

وقال الشيخ قشوع: «من أهم أسباب الطلاق قلّة الوعي لدى الزوجين، والتأثيرات العائلية عن حسن نية، مثل تدخّل الحماة والأهل، والمشاكل الإقتصادية والمالية، وعدم الإنجاب، إضافة إلى قلّة الالتزام الديني، حيث يدخل الزوجان في المعالجات الخاطئة عند أي مشكلة، ناهيك عن الخيانة الزوجية».

وشدد على أنه «يُمكن التساهل في حالات الطلاق للذين لا يجمع بين الأزواج أولاد، على قاعدة من الآن بدأت المشاكل فكيف إذا انجبوا، نحن نعطي مهلة للصلح، ولكن في حالة الأولاد فإننا نتشدد أكثر كي لا يحرموا من حنان وعطف الوالدين أو تحصل مشاكل على الرعاية، علماً أن نظام أحكام الأسرة ينص بان الطفل حتى 7 أعوام يكون في حضانة أمه وينتقل إلى أمها (جدته)، في حال تزوجت الأم، والبنت 9 أعوام، ثم تبدأ معاملات الضم إلى والدهم. وهنا نواجه الكثير من المشاكل في أحقية الحضانة، منها إذا كانت لدى الأم الاستعداد للقيام بواجباتها، أو بسبب الرغبة في الزواج، أو العمل، يقابله ظاهرة انشغال الأب بالعمل، ويبقى الصلح خيراً».

وتوقف الشيخ قشوع عند حادثة طريفة أن «عسكرياً متزوجاً من امرأتين جاء إلى المحكمة وطلق الأولى ثم الثانية في الجلسة ذاتها، وقد بدأ بالبكاء بينما هما ضحكتا، وبعد عدة أيام عاد وأرجعهما لأنه اعتقد خطأ أن الحل بالطلاق، فبكى على فراقهما وهما ضحكتا على قراره».

الـ «واتس آب».. خَرَبان البيوت

{ وداخل المحكمة تجلس المُصلحة الإجتماعية سهام كساب في جمعية «إصلاح ذات البين»... تواكب الكثير من القضايا الخلافية بين الأزواج فقالت: «إن أغلب أسباب الطلاق تعود إلى الخيانة الزوجية هذه الأيام، أو تدخّل الحماة، أو العنف وضرب الزوجة، والآن أضيف إليها الـ «واتس آب» والهاتف والإنترنت، وهم مشكلة العصر، إذ أن استخدام التكنولوجيا لا يكون في المكان المناسب بل لـ «خربان» البيوت».

وأشارت إلى أننا «ننجح في تسوية المشاكل بين الزوجين، البعض يتقبّل الأمر ويعتبرها «ساعة شيطان» ويفتح صفحة جديدة، بينما البعض الآخر يرفض، وعادة نعطي فرصة شهر للإصلاح، ثم فرصة أخيرة، واعتقادي فإن الإصلاح غالباً ما يكون مثل «إبرة البنج»، مُسكن موضعي، إذ تعود المشاكل بين الزوجين عند أقل الأسباب وأتفهها. ورغم ذلك، وبالمثابرة نحقق نتائج مقبولة، خاصة إذا كان هناك أولاد كي لا يتحوّلوا إلى ضحية الفراق».

مرارة حكايا الطلاق

{ في داخل المحكمة، تكشف البيوت وداخل الجدران المقفلة، حكايات وأسرار كثيرة لا يعرفها إلا الذين يعانون منها، تجلس (فاطمة. ش.) بانتظار دخولها عند القاضي الشرعي في «محكمة صيدا الشرعية السنية»، تقول والدموع في مقلتيها «صعب عليّ الوقوف هنا في المحكمة، ولكن الظروف أجبرتني على ذلك، فأنا أم لـثلاثة أولاد، كانت حياتي طبيعية مع زوجي ولكنه تعرّف إلى امرأة ثانية، انقلبت حياتنا رأساً على عقب، وقد تزوجها وهي أكبر منه بأكثر من 10 سنوات».

وأضافت والألم يعتصر قلبها: «قال لي بصراحة، لا يريدني ورغم كل شيء تحمّلت الإهانة وتنازلت عن كرامتي كرمى لعيون أولادي، أصعب شيء على المرأة أن ينبذها رجل وهي التي كانت له زوجة وحبيبة ورفيقة درب، وبلحظة ما ينسى كل شيء ويصبح قاسٍ ويضرب ويصرخ ولا شيء يعجبه.. فانا أريد فقط أن أربّي أولادي وأحافظ عليهم، ولأنني لا أعمل وأعجز عن إعالتهم، وأهلي وضعهم المادي لا يسمح لهم أن يقدموا لنا المساعدة، تقدّمت بدعوى نفقة، لقد ذقت العذاب، إذ في بداية الأمر أخذ مني الأولاد وبات وضعهم صعبٌ جداً، فالصغيرة مرضت كثيراً، والصبي أصبح عدوانياً مع الجميع، بينما إبنتي الكبيرة أصبحت خادمة لزوجته الثانية والدموع لا تفارقها».

الأولاد ضحية

{ وبين «فاطمة» و«هبة خ.» وجع وألم واحد.. فعندما تزوجت هبة كانت تحلم وهي تلبس فستانها الأبيض بأن حياتها كلها ستكون بيضاء مثل لون فستانها، ولكن بعد سنوات قليلة تحوّل الأبيض إلى أسود ومعها حياتها، قالت والحزن في عينيها: «ليتني لم أتزوج ولم أنجب أولاد.. ما ذنبهم لقد اصبحوا ضحية هذه الدنيا! كانت لديّ فكرة خاطئة عن الأزواج بأنهم جميعهم سعداء، ولكن للأسف أكثر من 80% تعساء، وأنا واحدة منهن، لذلك قررت الطلاق فلم أعد احتمل الظلم والعذاب، كل يوم يعود زوجي إلى المنزل ويبدأ بضربي وإهانتي على أقل شيء تافه، تعبت من الحياة معه، لا يحترمني أمام الأولاد وأهلي وأيضاً أمام الجيران، حتى أن أولادي عندما يدخل والدهم إلى البيت ترى الرعب والخوف في عيونهم، فابني الكبير يقول لي «ماما» انتبهي لقد عاد والدي، يخاف عليّ كثيراً، وأما إبنتي فتقول لي لن أتزوج أبداً لأن كل الرجال مثل والدي».

موضوع ذات صلة للكاتب صبحي القاعوري "المرأة قبل الإسلام وبعده - الجزء الحادي عشر - الطلاق"

تعليقات: