مشكلات الجنوبيين بالجملة على أبواب الشتاء الثاني بعد الحرب

علبة الهاتف كانت هنا
علبة الهاتف كانت هنا


ارتفاع الأسعار يأكل الراتب والهواتف خرساء والمياه مقطوعة..

يحاول الجنوبي، ومنذ 14 آب 2006 ، «تدوير» عجلة عربته الحياتية، وعبثا يحاول، فقد كثرت العصي فيها لاسيما الرسمية منها، وهو ما ان يتمكن من رتق «فتق» هنا، يفاجئه « مزق» اكبر منه هناك، يحيل يومياته الى صراعات دائمة بين الحاجة والقدرة، بحيث ان الغلبة الدائمة للثانية على الاولى. وان كان هذا المواطن قد يئس من توجيه اللوم او حتى العتب للدولة، ولان المطالبة تتوه بين الغلاء وانقطاع الهاتف هنا والكهرباء والماء هناك، «يبقي ما يقوله الجنوبي من باب فشة الخلق فقط مع علمه بان صوته لا يتردد الا في اذنيه فقط».

نار الغلاء تأكل الراتب

لعل اولى تلك المشكلات اليوم تتمثل بنار الغلاء التي التهمت نصف قدرته الشرائية، خاصة مع دخول شهر رمضان المبارك «وهو الموسم السنوي الذي يستغله التجار لزيادة ارباحهم على حساب الصائمين» وطبعا بغياب اي رقابة رسمية»، يقول ابراهيم حجازي، ويشير هذا الموظف المحدود الدخل «راتبي الشهري يعادل 450 دولارا ولي طفلان، ومطلوب مني الطعام والشراب والطبابة والمصاريف المدرسية، هذا دون احتساب الملبس والمصاريف الاخرى كالهاتف والسيارة وغيرهما»، مع العلم ان هذا الراتب هو من الاجور المرتفعة في هذه المناطق، الا ان حجازي ومنذ ثلاثة اشهر تقريبا بدأ يشعر بعجز في ميزانيته الشهرية رغم انه لم يكن يعيش اصلا في بحبوحة، ولكنه كان يقتصد في المصروف.

ويحاول التجار التنصل من مسؤولية ارتفاع الاسعار، خاصة وانهم مجرد وسطاء بين المستورد والمستهلك، فيشير عباس شرف الدين الى ان «تاجر الجملة يبرر الغلاء بارتفاع الاسعار عالميا واذا عجبنا نشتري واذا لا فسيبيع لغيرنا»، ويتابع التاجر الجنوبي، «من المعروف ان نسبة ربح تاجر السمانة هي قليلة وتتراوح بين 50 ليرة واحيانا اقل و 500 ليرة لبنانية في احسن الاحوال عن كل سلعة وبالتالي لا يمكننا التلاعب كثيرا بالاسعار بينما التاجر الرئيسي هو من يتحكم بالسوق، والسعر تعود مهمة ضبطه على عاتق الدولة».

الا ان الغلاء لم يقتصر على السلع المستوردة وانما للانتاج المحلي نصيبه من هذا الجنون في الاسعارخصوصا السلع المستهلكة يوميا على الفطور الرمضاني، فسعر «الخسة» تجاوز 1500 ليرة وتلحق بها اسعار باقي انواع الخضار. وحده الراتب ومن ورائه المواطن يبقى مقصرا عن بلوغ حد الاكتفاء الشهري في معيشته بحيث تتحول العين الى مساعدة من هنا او قريب مغترب هناك علما ان الحالة الاقتصادية للمغتربين كما يصفونها هم «اسم كبير والمزرعة .....».

هواتف تحن الى حرارتها

وامام كثرة المشكلات الحياتية يتحول الحديث عن الهاتف بنوعيه من الكماليات لدى البعض رغم اهميته القصوى بالنسبة للبعض الاخر. فهذه السلعة التي وصفت يوما بانها نفط لبنان، لازالت تدر نفطها رغم ضعف الخدمات التي تؤديها بالمقابل، لاسيما منذ وقف الاعمال الحربية، فقد مضى الشهر الثاني بعد السنة الاولى على ذلك التاريخ، كما مضت السنة الاولى ايضا على إعادة تشغيل السنترالات الهاتفية الأرضية في بنت جبيل والمحيط والتي اجريت لها العديد من الجولات والاحتفالات والخطابات، ورغم ذلك فإن الحرارة اقتصرت على تلك اللقاءات والاحتفالات ولم تنتقل إلى المئات من هواتف المشتركين حتى الان بالرغم من انهم واظبوا على تسديد ما عليهم من فواتير واشتراكات عن الفصول المتلاحقة رغم قرار الاعفاء المبهم الذي اتخذته الوزارة منذ فترة ليست قصيرة، فيما تمتنع حتى الان عن اعادة قيمة الفواتير التي دفعت قبل صدور القرار.

ويتساءل سليمان رضا «هل هناك مناطق ، باستثناء بنت جبيل، لا تزال تعيش دون هواتف بعد هذه المدة على وقف العمليات الحربية»، مشيراً إلى أن هذا الوضع هو عبارة عن نموذج من التعاطي الرسمي الدائم مع هذه المناطق الحدودية منذ ما قبل التحرير. والواقع أن هناك العديد من القرى لا تزال دون هاتف كليا، لاسيما بلدة عيتا الشعب وقسم من مارون الراس وبنت جبيل حيث تعيد مصادر في هيئة اوجيرو الموضوع الى شدة الدمار الذي اصاب تلك القرى وطرقاتها من جهة ونقص في العديد من قياسات الكوابل من جهة اخرى دون وجود سبب واضح ورغم توفرها في مناطق اخرى.

كما يعاني مركز بنت جبيل، التابع للهيئة والذي يؤدي خدمات لحوالي 50 قرية مجاورة ولالاف المشتركين، من عدم وجود اجهزة الحاسوب اللازمة لاجراء المعاملات للمواطنين مما اضطرهم في مرحلة اولى الى مراجعة مكاتب صور ومرجعيون لاجراء معاملاتهم قبل ان تتم الموافقة على ارسالها بالفاكس من بنت جبيل الى تلك المكاتب بعد ان علت الاصوات المحتجة على هذا الاهمال من قبل المشتركين.

ولا تقتصر مشكلة المواطنين على الهواتف الارضية بل ان للهاتف الجوال حصته من العذاب اليومي الذي يسببه للمشترك فالتحميل الزائد على الشبكة يؤدي الى مشاكل تقنية متعددة مما يجبر المشترك على تكرار محاولة الاتصال اكثر من مرة لاجراء مكالمة واحدة حتى تتكلل بالنجاح مع ما يرتبه ذلك من ارتفاع اكيد في الفاتورة او ضياع الوحدات دون الاستفادة منها، ويشير محمد فران صاحب محل لبيع هواتف الخلوي الى «اننا اعتقدنا في بداية الامر ان الموضوع متعلق بعطل في الهاتف الا ان تكرار الشكوى اكد لنا بان المشكلة تعود الى التحميل الزائد على الشبكة مما يؤدي الى تداخل الخطوط وضعف في الارسال والتغطية بحيث يتطلب اجراء مكالمة واحدة عدة محاولات».

مشكلة المياه حاضرة دائما

تبقى مشكلة المياه التي تعتبر من المشكلات المزمنة في بنت جبيل والتي لم تقدر او لم تعمل الحكومات المتعاقبة على ايجاد الحلول المناسبة لها رغم كثرة المشاريع الورقية التي اقرت منذ عقود والتي يأتي على رأسها مشروع الليطاني (فوق 800 متر) والذي حسب النصوص المكتوبة سيشكل حلا مثاليا لهذه المشكلة على الصعيدين الزراعي والمنزلي.

فيلخص رئيس بلدية مارون الراس مصطفى علوية المشكلة بالقول «طوال ايام الصيف تقل الكمية التي تضخ الى خزان البلدة من مصلحة المياه مما يؤدي الى تفاقم المشكلة لاسيما مع انخفاض منسوب المياه المخزنة في الابار الخاصة، ويشير علوية الى ان البرنامج المتبع في تحويل المياه من خزانات صديقين يقضي بتزويد كل بلدة يوما في الاسبوع فقط وبمعدل حوالي 8 ساعات وهي اصلا كمية غير كافية، فكيف اذا وقع الخلل في برنامج التغذية كما هو حاصل اليوم بحيث ان المياه تغيب احيانا لايام طويلة وبحجج مختلفة كفقدان مادة المازوت او انقطاع الكهرباء واخيرا بسبب الاشغال على الطرقات وفي حال عدم وجود اي عذر مما ذكر سابقا فان عذر المشكلات الفنية هو حاضر دائما.

وقد كررت مصادر مطلعة في شركة المياه ما ذكره رؤساء البلديات فكشفت عن أن مشكلة التقنين هي ابرز المشاكل التي تحول دون وصول الكمية المطلوبة إلى خزانات البلدات اضافة الى الاشغال الجارية على بعض الطرقات التي تضررت جراء العدوان الاسرائيلي، اما بخصوص برعشيت، «فان موقعها على اعلى نقطة في خط التغذية يؤدي الى نقص في عملية الضخ اليها كما وانها اول من تنقطع عنها لذلك، تابعت تلك المصادر «نحاول مؤخرا تأمين بعض الكمية من مياه الوزاني عبر شبكة بلدة شقراء التي لم تستعمل منذ اكثر من 10 سنوات».

اما الكهرباء فللبناني واياها قصص وحكايات طويلة وان كانت تلك الحكايات اكثر ظلمة وسوداوية كلما اتجهنا جنوبا، بحيث ان الجنوبي يطلب مساواته بالظلم الواقع على باقي المناطق ولا يكون «مميزا» في هذا الحرمان ايضا.

تعليقات: