صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان

صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان
صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان


ثمة اطمئنان أمني في الضاحية، لدى سكان المنطقة، مردّه الدوريات الأمنية التي ينفذها «حزب الله»، في الليل والنهار، وعلناً. وكان ثمة قناعة لدى غالبية سكان الضاحية، مفادها أن الجماعات التكفيرية تريد تنفيذ أعمال إرهابية في منطقتهم، سواء كان الحزب قد قاتل التكفيريين في سوريا أم لا.

صاروخا الأمس كرّسا هذه القناعة، لدى جمهور الحزب. وهو جمهور يتحول أفراده، شيئاً فشيئاً، إلى أشخاص يعرفون في شؤون الأمن، إذ سرعان ما يبلّغون عن أي شخص «مشبوه»، أو سيارة غريبة مركونة في زقاق أو شارع عام.

الحظّ في منزل الشياح

خلف الشرفة المهدّمة المهشّمة في المبنى المتصدّع بالشياح، ثمة صالون لاستقبال الضيوف. في هذا الصالون الصغير المتواضع بأثاثه، اعتاد ثلاثة أطفال النوم، ليل كل سبت، بالقرب من جدّهم سهيل حجازي.

واعتاد هؤلاء الأطفال أن يستيقظوا، في هذا الصالون الصغير، صباح كل أحد، فيتوجهون إلى الشرفة لإلقاء تحية الصباح على جدّهم، إذ جرت العادة أن يشرب كوب القهوة هناك.

أمس، كان ثمــة بقايـــا شرفـــة، وشظــايا مبعــثرة في الجدران، وأطفـــالٌ منعهـــــم الحــظ مــن زيــارة جدّهم في العطـــلة، فلم يوجــدوا في المكــان لحــــظة سقوط الصاروخ. «عبـــوة ناســفة، أو انفجـــار فــي الشــارع، هــكــذا ظنــــنــا»، تقـــول زوجـــــة حجــــازي.

هي لم تتخيل، وفق ذاكرتها المتيقظة والمصدومة، أن يكون «الانفجار في منزلنا، إلا عندما أخبرنا الجيران بالأمر! إذ ظننا أن ما حدث ربما يكون قصف أو انفجار استهدف الشارع بأكمله، وليس منزلنا!».

يفصل باب خشبي رقيق بين غرفة نوم واسعة، وبين الصالون. كانت زينب حجازي نائمة إلى جانب زوجها وشقيقها في الغرفة، حين سقط الصاروخ عند السابعة صباحاً. استيقظوا حينها وسط تشويش وضياع، بينما هرع سهيل ليطمئن عليهم، ثم اجتمعوا في المطـــبخ، وقال أحدهم: «لقد رأيت في الصالون بقايا صاروخ. ماذا يحدث؟».

بعد مرور نحو ساعة ونصف، تحوّل المنزل إلى ما يشبه المتحف الأثري: جموعٌ وحشود من المنطقة تتفقد الصالون والشرفة، وصحافيون يسألون حجازي عما حدث وكيف حدث ذلك. وحجازي سيكرر الرواية ذاتها، بتفاصيلها، حتى أصبح يرددها بلا فواصل أو لحظات توقف.

وسيسمع المرء، بين الفقرة والثانية، عبارة «فداء لحذاء السيد». هم يريدون أن يحطموا معنوياتنا وأن ننقلب على السيد، لكن فشر. حتى لو قتلنا لحظة سقوط الصاروخ، فلن نحزن، وسيقول أقاربنا إن ما حدث فداء لحذاء السيد! هذا قائدنا وفخرنا».

عند مدخل المبنى في شارع مارون مسك، يتجمهر سكان من المنطقة، وشبان من «حركة أمل». يحاول شباب الحركة تسهيل مرور مندوبي وسائل الإعلام، بينما يتجاذب بعض سكان الحي أطراف الحديث. يقول شاب عشريني، مخاطباً صديقه: «الحمد لله، لا أضرار بالأرواح. هل مازال مشوارنا إلى البحر قائماً؟ الشباب يسألون». يومئ صديقه موافقاً، وهو يقول: «ماذا سيحدث؟ وما الفرق إن كنا هنا أو في البحر؟ سنذهب طبعاً، فاليوم عطلة».

من الشياح إلى المشرّفية، مروراً بالغبيري وحارة حريك، ثم برج البراجنة وطريق المطار، تبدو الضاحية هادئة: سكون، سببـــه يوم العطلة. والعثور على ردة فعل شعبـــية ملموسة، تحاكي آراء أبناء المنطــقة اثـــر ســـقوط الصـــاروخين أمس، يبـــدو أشــبه بالبحــث عن بشــر في يــوم كســوف.

مع ذلك، ثمة من يتحدث بنبض يحمل مزيجاً من آراء أبناء المنطقة، مثل حسن نزيه، الذي يعمل في أحد أفران الضاحية. يقول إن «خطاب السيد أمس، منع عنصر المفاجأة عندنا. فهو توقع أن يحدث ذلك. ونحن هنا، نعرف أن التكفيريين لن يضيعوا أي فرصة كي يحاولوا أذيتنا. لكن ما لا يعرفوه، هو أننا بذلك نزداد قناعة أنهم لن يتركوننا بحالنا».

يشير حسن بإحدى يديه إلى الطريق في الغبيري، سائلاً: «من عاش حرب تموز 33 يوماً، تحت أقوى الصواريخ في العالم، هل سيخاف من صاروخين هدفهما الفتنة؟ لو خاف اليوم أحد، كان هذا الطريق سيعجّ بالمارة والسيارات الهاربة، لكن الناس اعتادت هكذا أمور».

شظايا في رأسه

كان فادي بلوط يشتري بعض الأدوية من الصيدلية المواربة لمعرض السيارات الذي يملكه، إلى جانب شريكه هيثم يوسف في مار مخايل، عندما سقط الصاروخ في وسط باحة المعرض، عند السابعة إلا ربعاً صباحاً.

نجا الرجل من الأذى، لكن 4 عمال سوريين كانوا قد استيقظوا باكراً، وانطلقوا إلى العمل في المعرض. عامان وهؤلاء يعملون هنا، في هذه الباحة، وفق روتين يتكرر كل يوم.

غير أن أمسهم كان مباغتاً: أصيب ثلاثة منهم بجروح، نقلوا على اثرها إلى المستشفى ثم غادروها ظهراً، فيما جُرح زميلهم بشظايا أصابت رأسه، فظل في العناية المركّزة في «مستشفى جبل لبنان». أما الأضرار المادية، فيقول بلوط إنها طالت نحو 17 سيارة.

خلف السياج الذي يزنّر المعرض، توجد ثياب ممزقة. قبل رؤية صاحبها ثم إسعافه وزملائه، سمع بلوط صــوتاً مدوياً، عندما كان في الصيدلية. لم يكترث للأمر، إلا عندمـــا أخـــبره أحــد الموظفين: «يبــدو أن الانفجــار وقــع بالقرب من المعرض».

ركض بلوط لاهثاً. كان الطريق مقفراً من المارة والسيارات. ولما وصل، شاهد العمال يحاولون الزحف والنهوض لكن عبثاً. ورأى ثياباً ممزقة، ودماء، وسيارات مهشّمة. كانت رائحة البارود قوية، وكان فادي مصدوماً. اتصل بالإسعاف والجيش، فيما كان يسأل نفسه: «ماذا يحدث؟ هل هذه عبوة ناسفة؟!».

بعد مرور نحو ساعة ونصف، تحول المعرض إلى محطة توقف من السيارات، ومركزاً أساسياً لمندوبي وسائل الإعلام، فضلاً عن السياسيين، الذين وصل أولهم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل.

في عين الرمانة

أبو داني رجل خمسيني يملك مطعماً صغيراً في عين الرمانة. هدوء الشياح يشبه السكون هنا. الأحد يوم عطلة. لا مارة ولا حشود ولا سيارات في الضاحية، مثلما تعيش شوارع عين الرمانة، وبيوتها، إجازتها.

الناس نيام هنا وهناك. ومن عرف بالخبر متأخراً، ظل في منزله، مستكملاً طقوس يوم العطلة، خصوصاً قبل الظهر. لكن أبو داني ينتظر يوم الأحد، لأن «الناس تطلب المشاوي إلى منازلها، في العطلة». وهو، لا يريد أن يتحدث في السياسة: «لماذا نتحدث في الأمر؟ ما الفائدة؟ الأمن حلو. البلد جميل. لبنان مرتاح كتير. صحيح؟».

يقع المطعم في شارع بيار الجميّل. يحاول ايلي براكس، ابن المنطقة، أن يهدئ من انفعال جاره، فيقول: «يا أبو داني، نحن في وضع صعب، وكلنا هنا أهل، ونحن نحزن لألم أبناء وطننا جميعاً».

ينهمك أبو داني في إعداد الطعام، بينما يقول أحد الزبائن: «نحن سمعنا صوتاً قوياً في الصباح، إذ أن الشياح على بعد مرمى حجر عنا. نزل بعض السكان إلى الشارع، ثم سرعان ما عادوا إلى البيوت. اعتدنا في لبنان على الانفجارات. لم نعرف حينها أين وكيف. مع ذلك، توقعنا أن يكون انفجاراً استهدف شخصية سياسية. عدنا إلى النوم. اليوم عطلة، أنظر، لا أحد في الطريق».

يستكمل أبو داني إعداد وجبات الطعام. يسمع تحليلاً من هنا وآخر من هناك. يحاول الرجل الابتعاد عن التعليق، لكنه ينفجر غضباً: «عين الرمانة تضم كل الطوائف. نحن نعيش بود بين بعضنا. اليوم لا نريد سوى أن نعيش، لا نريد أن تحكمنا أي جهة سياسية. ومن يريد أن تهبط الصواريخ عليه، فليتحدث عن نفسه فقط».

ينتصف النهار، وعين الرمانة، كما الضاحية، نائمة وهادئة. يجلس ثلاثة رجال أمام دكان، بالقرب من شارع بيار الجميل. تطلب صاحبة الدكان، وهي سيدة ستينية، عدم تصويرها. يقول أحدهم مازحاً: «لن يطالك صاروخ إذا تصورّتِ».

يجلس الرجل، طالباً من أصدقائه المشاركة في الحديث. يعبّر عن رأيه قائلاً: «الصاروخان رسالة لحزب الله، خصوصاً بعد خطاب السيّد. الخوف الآن بدأ يحوم حول فرضية بدء تفجير سيارات مفخخة. مع ذلك، نحن لسنا ضد أي لبناني هنا، مهما كان انتماؤه أو انتماءنا السياسي».

صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان
صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان


صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان
صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان


صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان
صاروخان يصيبان الشياح ويقلقان لبنان


تعليقات: