حسن لن يستبدل منزله بمئة ألف دولار وعلي يريد دراجة جديدة: خمس عائلات ما زالت مهجرة في مدرسة بيت ليف


بنت جبيل :

بلغ الحاج عبد العزيز عقيل السبعين من عمره، وبدا وكأن العمر رماه في منتصف الطريق.

مضى العمر ورماه وهو في العقد السابع في زوايا المدرسة الرسمية في بيت ليف، يتقاسم غرفها مع أربع عائلات أخرى دمر العدوان منازلها.

سنة أولى تهجيرا، للمرة الثانية في حياة الحاج عقيل.

سنة أولى تطوي حكايات تنتشر روائحها مع نسمات تموز الحارة، سنة أولى غيابا عن دروب الحقول التي اعتاد زراعتها، فتحولت الى بور تنتظر الأيادي الخضر في الآتي من الايام.

«مرت على تهجيرنا، والله وحده يعلم عدد السنوات التي ستليها»، يقول الحاج عقيل، «رمونا هنا ونسونا، أو .. تناسونا».

تبدو له الأيام المقبلة قاتمة، لونها يشبه لون ثلاثة وعشرين يوما قضاها محاصرا في بلدته مع 25 آخرين من أفراد أسرته أثناء الحرب العام الماضي. يسأل كيف له أن يؤمن «مسكنا لائقا لهؤلاء الاولاد، ينامون فيه من دون أن ينشغلوا بما يمكن ان يتسلل نحوهم من حشرات خلال الليالي الطويلة». يشرح الحاج أنه «في المدرسة، يكاد لا يمر يوم الا ونقتل أفعى أو عقربا حتى أصبح الأولاد يخافون النوم، نهارا وليلا».

معه في المدرسة ولدان وأسرتاهما، أحدهما دون عمل والآخر اختار مهنة البحث عن الموت في عمليات تنظيف الألغام بعد الحرب.

عاش الوالد طوال عمره يقتات من الزراعة ورعاية الماشية ولما عصفت الحرب، خسر إلى منزله، المحصول الذي تلف والماشية التي نفقت، وزرع جنود العدو حقله الذي يملكه في محلة وادي التنور، بالقنابل العنقودية.

سبعيني يسأل عن مستقبله. هذه ليست طرفة.

يقول انه لا يعرف مصيره، ولا التعويض الذي سيحصل عليه، ويبوح بأنه يشعر أحيانا أنه متأكد أنه ربما سيمضي ما بقي له من عمر بين جدران هذه المدرسة المتهالكة، تبلله وأفراد أسرته مياه الأمطار شتاء، فينامون على الكراسي، وتتكفل حشرات الصيف ببقية أيام وليالي السنة، فيما هم لا يملكون أي بديل.

يشارك الحاج عقيل الإقامة في المدرسة، أسرة مصطفى.

قررت الأسرة أنه لا يمكنها انتظار التعويض، إن أتى. فضلت الأسرة الاستدانة على «الشمشطة والبهدلة»، وشرعت تعيد بناء منزلهما على انقاض ما تهدم منه.

ويجمع أفراد الأسرة على أن «الحياة هنا لا تطاق، ولسنا على استعداد، بأي حال من الأحوال، لقضاء شتاء آخر تحت هذا السقف».

لم يعد يغري الأولاد اتساع ملعب المدرسة، ولا الحرية التي تتيحها الحقول المحيطة بها.

يقول حسن (10 سنوات) انه بعد اكــــتمال بناء منزله، «لن أعود الى هنا ولو أعطوني مئة ألف دولار». يقول انه مشتاق للعوم في البركة البلاستيكية التي اشتراها والده مع حلول الصيف الماضي ولم يتسن له ولأشقائه أن يجربوها قبل انــدلاع الحرب.

يعتقد حسن انه سيجد البركة في مكانها عندما يعود الى منزله بعد اعادة بنائه.

أما علي (7 سنوات) فيقول انه ينتظر الدراجة الهوائية التي وعد بها عندما يعود الى منزله الجديد ايضا.

أولاد مدرسة بيت ليف موعودون بحياة جديدة بعد الاعمار. أو أنهم ينتظرون فقط إمكانية باستئناف حياتهم.

وفي الانتظار، يعيشون على الأمل، ويتعلمون في كل يوم دروسا جديدة في الحياة، دروسا فحواها أن عدوهم لا يفرق بين طفل وبين عجوز، و«أن عين دولتنا ما زالت على الخارج».

أما الدرس الذي خبره جيدا الحاج السبعيني فهو أن هذا الزمن هو زمن المثل القائل «ما بيحك جسمك الا ظفرك».

تعليقات: