مخايل الجبيلي أنقذ رفيقه وأسعف دركياً .. واستشهد

رفيقه يبكيه في تشييعه العام الماضي
رفيقه يبكيه في تشييعه العام الماضي


زحلة:

«الشهيد الوحيد في عدوان تموز، من أعظم الشهداء، هو شهيد الإنسانية، لم يكن مقاتلاً، بل كان مسعفاً ومنقذاً لأرواح الناس، ضحى بحياته إكراماً للآخرين». تلك هي صورته التي ترسمها جومانا الفرزلي، زوجة الشهيد مخايل الجبيلي، المسعف في «الصليب الأحمر اللبناني». تحكي عن «حبيب قلبها» فتقول إنه «كان ينقذ ويسعف من دون السؤال عن هوية المحتاج».

لم تمنح مخايل مهمته الإنسانية وبدلته ذات الشعار المتوهج، حصانةً ضد الاعتداءات الإسرائيلية، فكان هدفاً لإحدى المقاتلات المغيرة. استشهد ليلة الحادي عشر من آب ,2006 أثناء قيامه بإسعاف جرحى نازحي قافلة مرجعيون التي تعرضت للقصف عند حاجز الجيش اللبناني في كفريا ـ البقاع الغربي.

ولد مخايل في بلدة رياق في العام ,1971 وهو متأهل من جومانا الفرزلي، وله منها ولدان، نقولا (6 سنوات) وشربل (سنة ونصف).

غيابه الذي طال يطرح تساؤلات كثيرة على لسان نقولا، الابن البكر لمخايل، فلا يجد أمامه سوى إجابة والدته بأنه «في السماء مع الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل لبنان». لا يستوعب نقولا: «أريد بابا، ولماذا السماء بعيدة إلى هذا الحد؟».

تقول جومانا: «لا شك في أن العدو الصهيوني هو الذي قتل مخايل»، وتكمل: «لكن لماذا لا نعيش بسلام؟ فأنا لا أريد أن أخسر أحباء آخرين، أريد أن أعتني بولدي، بلا خوف من الحرب ومآسيها». عام مضى على استشهاد مخايل الجبيلي، والفراغ الذي خلّفه يبدو كبيراً، ويزداد اتساعه مع مرور الوقت، حسبما تقول جومانا: «كان محباً لأولاده، وعائلياً جداً، كان صديقاً لكل من التقاه وعرفه، لذلك تطوع في الصليب الأحمر اللبناني منذ تسع سنوات».

عند الأهل في رياق، لا مكان للحديث عن مخايل. لا يتسع المجال سوى للدموع والغصّة والحسرة تحاكي مأساة عائلة فقدت فلذة كبدها.

«ليلة استشهاد مخايل كانت غريبة جدا»، يقول مسؤول الصليب الأحمر ـ فرع زحلة، وليد الكيال الذي كان إلى جانبه لحظة الاستشهاد: «لم يكن مخايل ضمن عديد الصليب الأحمر وأفراده الذين توجهوا إلى كفريا لاستقبال موكب النازحين، لكنه أصر على مرافقتنا إلى كفريا، أنزل أحد رفاقه وصعد مكانه».

يحكي الكيال: «على الطريق، تعطلت الإنارة التي تضيء شعار الصليب الأحمر اللبناني، فأوعزت إليه وإلى أحد المسعفين معه ليصلحاها ويبقيا في قب الياس. بعد إصلاحها، أكمل مسيرته إلى كفريا، وبعد اتصال بموكب النازحين، أفيد عن ضرورة تقديم الإسعافات المطلوبة لجريحين، وتم الاتفاق على الانتظار عند حاجز الجيش اللبناني. ما هي إلا لحظات مرت على وصول الموكب حتى انهمرت قذائف طائرات الاستطلاع وصواريخها على السيارات. بعد توقف القصف، بدأنا بوضع المصابين في سيارات الإسعاف».

من المفارقات أن مخايل، وقبل استشهاده بثوان، أبعد وليد عن مكان السيارات، ودفعه باتجاه أحد الخنادق على جانبي الطريق، وأخلى دركياً مصاباً ووضعه داخل الإسعاف، فكان جزاؤه صاروخاً آخرَ من طائرة استطلاع. فاستشهد مخايل بفعل ضغط الصاروخ الذي دفعه أمتاراً في الهواء على مرأى من رفاقه.

في السابع والعشرين من نيسان الماضي، كرّم الصليب الأحمر ـ زحلة الشهيد مخايل الجبيلي خلال حفله السنوي المقام بمناسبة يوم شهداء الصليب الأحمر اللبناني. وأطلق آنذاك رئيس الصليب الأحمر اللبناني سامي الدحداح، وإلى جانبه ممثل الصليب الأحمر الدولي في لبنان جوردي رايك، صرخة. استعاد المجازر الإسرائيلية، واستذكر صور الضحايا من أطفال ونساء وشيوخ عزل، وعيون العالم تكاد تكون في غفلة من الزمن. قال: «إن نصوص القانون الدولي الإنساني لم تحترم، ولا اتفاقيات حقوق الإنسان، وبالتالي لم تكن الدرع لحماية الضحايا، فنام العالم كله، وبالنار والحديد مزقت القوانين، وعلى عدد الدقائق تلطخت صفحاتها بدماء الأبرياء».

دم بريء أريق ظلماً، ودم بريء يصعد إلى رأس نقولا الصغير الذي ليس بوسعه أن يفهم الإجابة على سؤال واحد: لماذا رحل والده؟

زوجة جبيلي وطفلاه وصورته
زوجة جبيلي وطفلاه وصورته


تعليقات: