طائرتي.. جنة الله

طائرتي.. جنة الله
طائرتي.. جنة الله


كثيرة هي المرات التي أركب فيها بالطائرة، وأشكر الله عز وجل إنه سخّرها لراحتي بالتنقل. وكثيرة هي المرات التي أختار بها الدرجة السياحية العادية، فأنا لست مسرفاً، وأحبذ أن أكون في المقاعد الخلفية، بعيداً، بعيداً خلف الستار. هذة هي حياتي بعيداً ومنظّراً، أعرف الكثير من الناس، لا يعرفني الكثير، ويعرفني الله.

عادة حسب تعبي أحجز درجة رجال الأعمال، ليس بهورتاً، بل لإن مسافة الرحلة تتعدى ال ١٢ ساعة وأريد أن أكون جاهزاً لعملي ومحاضراتي، أو ما شابه. كثيرة، وقليلة هي تجربتي في ركوب درجة الأعمال في الطائرة.

للذي لا يعلم، في الدرجة السياحية، الراكب يصل، يضع حقيبة يده في الخزانة المخصصة لأغراضه المحمولة باليد ويجلس إلى أن يحين موعد خدمته من قبل طاقم الضيافة في الطائرة. عادة الراكب في الدرجة السياحية هو أقل طبقة من درجة رجال الأعمال. وثمن البطاقة السياحية هي أقل ثمناً من بطاقة الركوب لدرجة رجال الأعمال. في الدرجة السياحية المقاعد أصغر، والخدمة قليلة ومتفاوتة بالوقت. الراكب في هذة الدرجة لا يحق له او لها بالإنتقال إلى الدرجات الأخرى أو الجلوس في مقاعدها. والراكب في هذة الدرجة يخدم بقيمة ما دفع ثمناً للبطاقة.

أمّا في حجرة رجال الأعمال فالمقاعد أكبر، والخدمة أفضل. وبأقل من خمسة دقائق عصير الليمون يقدّم للراكب في هذة الدرجة. منشفة مسخّنة تقدم له، وطلبه من ما يرغب هو حاضر للطلب. الجرائد بأنواعها معروضة للراكب منها يختار وحرية حركته ليست محجوزة. فهو أو هي بإمكانه التوجه إلى الدرجة السياحية والرجوع ولكنه لا يستطيع الذهاب والجلوس في الدرجة الأولى، ومع الدرجة الأولى لنا حكاية.

لم أجلس لهنيه وعصير البرتقال بيدي في درجة رجال الأعمال وإلا بالمضيف بإبتسامة يتوجه نحوي ويطلب مني أن أجلب أغراضي وأتبعه. ظننت في نفسي إلى أين أتبعه؟ أريد الخلود للنوم، فأنني مرهق! ولكن، إلى أين أتبعه؟ فمهما أسرع الكابتن فسنصل سوية :)، إننا في نفس الطائرة. توكلت على الله وحملت أغراضي واتبعته. بلطف قال لي، "سيدي، الكابتن أرادنا أنّ نضعك في هذة الكرسي في الدرجة الأولى وأهلاً وسهلاً بكم على طيران ........"...قلت له شكراً. وجلست على الكرسي مستغرباً هذا التصرّف اللطيف الغير متوقع، وبينما أنا شارد أفكر بتصرّفهم وإذا بأول صحن سلطة يحط على الطاولة التي أمامي. وبمضيف خاص أنيق الملامح والإبتسامة محاولاً أن يوضع الفوطة أمامي. "سيدي هذة الشوكة هي للسلطة وهذة للأكل"، ويغيب للحظات ويرجع وبيده كوبان، كوب ماء، وكوب عصير. سميّت وبدأت بالأكل. وما هي إلا لحظات وإلا بمضيفة أنيقة تتقدم إتجاهي تسأل إذا أردت إي شيء. أوميت بالنفي، شاكراً لطفها. تابعت أكلي، "إن هذه السلطة لذيذة،" خاطبت نفسي. لم أكمل محادثتي لنفسي، وإذ بي أصبحت محاطاً بثلاثة مضيفين. بأدب تقدموا ووضعوا أربعة أصناف من الأكل، وكوب أخر من الماء وكوب من عصير الطماطم. تبسّمت وشكرتهم. مشهد حضورهم وشكري لهم تكرر ستة مرات إلى أن أكملت وجبتي وحمدت الله على نعمته. طلبت من المضيف

أنني اريد الخلود للراحة وأحبذ أن لا يزعجني أحد في هذة الفترة من الراحة. أحترم طلبي ولكن ليس قبل أن يعرض علي خدمة تدليك الأرجل، شكرته مستغفراً ربي. وخلدت إلى الراحة. وبينما أنا ضمن مخيلتي، وفي الطائرة ما بين الأرض والسماء ذهبت بتفكيري بعيداً إلى حضرة الله ورسوله. لقد دخلت جنة الله من باب كابتن طائرتي.

لقد فكرت بطائرتي وتجربتها وبهذة الحفاوة. فكرّت بكل شيء، إلاّ لماذا حصل هذا.

لقد فكرت ملياً بركاب الدرجة السياحية، وقليلاً بركاب درجة رجال الإعمال. وفكرّت بمفهوم الطائرة وهذا الترابط الطبقي. إذ إنه لولا ركاب الدرجة الأولى أكثرية شركات الطيران ستقع بخسارة. ولن ينتعش ركاب درجة رجال الأعمال وركاب الدرجة الأولى. إعتماداً على الحكمة الإسلامية، ما جاع فقير إلا بما تمتع به غني.

قلت لنفسي هذا التفاوت الطبقي هو تفاوت مصطنع، ولكن في جنة الله هذا التفاوت هو من صنع أيدينا.

الدرجة الأولى هي مكان الأنبياء والمرسلين والأتقياء

درجة رجال الأعمال هي للمصلحين

والدرجة السياحية هي للمؤمنين والرعاع

وكل طبقة وثوابها بحسب ما قدّم العابد في سبيل الله


بقلم: د. إبراهيم محمد خريس

تعليقات: