في عيد المعلم: أي دور في صناعة جيل الغد ومواجهة الضربات الموجعة ؟

نسرين شبيب عبدالله
نسرين شبيب عبدالله


تتبدل المعطيات وتتغير من حولنا، فيما لايزال المعلم متشبثاً بدوره يجاهد ليبني جيلاً بات على دراية بأمور التواصل وفتح أبواب المعرفة قبل غيره، فلم تبق أمامه أبواب موصدة..

في هذا الزمن الذي تتعدد فيه طرق التعليم وأساليب التواصل، أثبت صناع المستقبل أن حراك قواه نجحت في إختراق أنظمة الحكم، رغم تشارك اللغة بينهما، لكن يبدو أن وضوح الدعوات بوسائل شبابية لم تكن مفهومة للبعض أو قلل البعض الأخر من قوة وقعها..

نعم، تفوق التلميذ على معلميه، فأي دور بقي للمعلم؟ وكيف يستطيع مواجهة التحديات، وهو يقع أسير الوضع الإقتصادي والمناهج التي وإن استحدثت، أحدثت فجوة في تطلعات الطلاب، أما رسالة العلم فهل باتت كافية في زمن عزت فيه لقمة العيش، ومعها تحولت مسيرة بعض المؤسسات التربوية من الرسالة الى مسايرة "زبائنها" على حساب المعلم وكرامته، فبعدما كانت معركة المعلم غرس القيم في مواجهة التحديات، بات اليوم يتلقى الضربات الموجعة من كل حدب وصوب..

أما "عيد المعلم" الذي يأتي في الثامن من آذار في كل عام، فهو أيضاً يفرق بين معلمي الناشئية ومربي الشباب، وكأن طلاب الجامعات تركوا لمصيرهم دون معلم، فلم يحتفى بهم كمعلمين رغم تأثيرهم الفاعل في صنع شباب الغد..

"لـواء صيدا والجنوب" يحتفي بالمعلم في عيده من خلال هذه الإنطباعات..

***

لأن المعلم كاد أن يكون رسولا، فإن معلم البشرية ورسولها محمد "صلى الله عليه وسلم" يرسي أسس التربية بطلب العلم منذ المهد وحتى اللحد بالقول: "داعبه سبعاً وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم دعه على الناس ولا تبالي"، ويؤكد السيد المسيح عليه السلام معاني التربية بالتسامح والصفح بقوله "أدر له الخذ الأيسر"، ويقر نبي الله موسى عليه السلام تواضع الأنبياء بالسعي لإتباع أعلم أهل الأرض في زمانه، ويعجز عن مرافقة الخضر عليه السلام، الذي أعلنها صراحة "إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا".. لأن مسيرة العلم تتعب تابعيها ومعلميها، وبها تبتغى سعادة الدنيا والأخرة..

مراد: التعاون مع الأهل والتركيز على العملية الأكاديمية

* المدير الإداري لـ "الجامعة اللبنانية الدولية LIU" في صيدا خالد مراد قال: كان من المفترض على الدولة اللبنانية أن تعتمد عيد المعلم كعيد رسمي تعطل فيه المؤسسات الخاصة والرسيمة لإعطاء قيمة للمعلم الذي يقوم بأهم شيء في هذه الحياة، فهو يبني الأجيال وكاد أن يكون رسولا، والمؤسسات التربوية للأسف لا تقوم بدور كبير لتعزيز دور المعلم، ويجب أن يكون هناك تكريم للمعلم وفي كل مؤسسة يعطي لأحد الأساتذة تقديراً وتنويهاً".

وقال: طبعاً شخصية الطالب تبدأ في التكون خلال الجامعة وهنا يفترض أن يكون للمعلم الدور الكبير، فيفترض أن تكون في مناهج الجامعات مواد كالتربية المدنية وغيرها، وخصوصاً في النظام الأميركي الذي يشعر الطالب خلاله بالحرية، ولكن ذلك كما يوصف بالسهل الممتنع، فإما أن يتم تنمية شخصيته أو تدمر، وهنا دور المعلم والإدارة التي تشجع الطلاب على الإندماج والتواصل مع الأخرين.

وختم مراد بالقول: نحن كان لنا تجربة مميزة في التعاون مع الأهل والتركيز على العملية الأكاديمية، ومثال على ذلك أنه من الضروري أن يحصل الطالب في المعدل العام على 2 من 4 وفي معدل التخصص أيضاً كي يتخرج، وهناك احدى الطالبات حصلت على النجاح ولكن لم تحصل عليه في تخصصها، لذلك طلب منها بالتنسيق مع الأهل اعادة بعض مواد التخصص كي تزيد معدلها، ولكن بما أن أحوال الناس معلومة لدى الجميع فتبرعنا كجامعة بأن تعيد المواد المطلوبة مجاناً، وحين يعلم الطلاب ذلك يكون لديهم ثقة بالجامعة والشهادة، فنحن نرفض من هم دون المستوى الأكاديمي، وكذلك نتواصل مع الأهل سواء في لبنان أو خارجه، ونتابع نتائجهم بشكل مستمر مع ذويهم، وخصوصاً الطلاب من خارج لبنان.

جان داود: غريب في أرض غرباء

* رئيس "مدرسة الفنون الإنجيليّة" الدكتور جان داود قال: بالأمس استضفنا الملتقى التربوي الثالث لـ "الشبكة المدرسيّة" في صيدا والجوار، وكان لهذا المؤتمر وقعٌ كبيرٌ وصدى طيّب في الأوساط التربويّة وخاصّة لدى الأساتذة المشاركين. فإنّ مشكلةَ الأستاذ الأساسيّة في لبنان هي أنّه مظلومٌ من نواحٍ عديدة. وممّا يزيد الأمور سوءاً هو أنّه حتى حين يتسنّى للمسؤولين التفكير فيه، ينحصرُ تفكيرُهم في النواحي المادّيّة وبزيادةٍ في الراتب في أحسن الأحوال.

وأضاف: إنّ ظلمَ المعلّمِ الأساسيّ، أيّها الأخوة، هو في وضعيّته التي لا يُحسَدُ عليها معنويّاً وتربويّاً. تأمّلوا معي أنّنا أخذنا من الجنديِّ سيفَه وترسَه وأرسلناه إلى المعركة من دون سلاحٍ بديلٍ. لقد منعنا عن المعلّمِ استعمال القسوةِ الجسديّةِ واللفظيّةِ، وتمادينا أكثر وحرّمنا عليه حتى استعمال مفرداتِ العقاب والقصاص. ثمّ أرسلناه إلى معركةٍ، نعم أُسمّيها معركة، لأنّ واقعَ الحالِ هنا اليوم هو أنّه داخلَ كلِّ صفِّ مواجهةٌ مع جيلٍ من الطلاب توغّلَ في الأساليب التكنولوجيّة كالإنترنت ومتفرّعاتها: Facebook, Twitter, U tube وما إلى ذلك، وأصبح مواطنَ شرفٍ في عالمٍ افتراضيٍّ أين منه واقع المدرسة في لبنان. يدخل المعلّم إلى الصفِّ فإذا هو غريبٌ في أرض غرباء: من جهة يريد الاستمرار في عمله التقليدي وفرض سيطرته على الصفّ كما هو مطلوبٌ منه تقليديّاً لهدفٍ واحدٍ وهو إنهاءِ مقرّرات مادّته وتهيئة الطلاب لإنهاء عامهم الدراسيّ بنجاح.

وتساءل "بالله عليكم أيّها الأخوة، ودون الدخول في التفاصيل، ما هي احتمالات نجاح هذا المعلّم في وضعيّة كهذه؟".

وقال: لن أطيل الكلام ولن آخذ منحىً تشاؤميّاَ. في عيد المعلّم وإجلالاً له ولدوره الرسولي الراقي، علينا جميعاً حكومةً وشعباً أن نعيدَ ترتيب أولوياتنا وأن نضع المعلّم وحاجاته في أعلى اهتماماتنا، وأن نؤمّن له الحدّ الأدنى من الدعم المعنويّ ومن الدعم التربويّ والكثير الكثير من التدريب التكنولوجي. إذا سلّمنا جدلاً أنّ طلابنا وأبناءنا قد مضوا قُدُماً في عالم التكنولوجيا لدرجة أصبحت جزءاً طبيعيّاً من تفكيرهم وعاداتهم، هل الحلّ يكمن في دفن رؤوسنا في الرمال وتجاهل هذا الواقع، أم في وقفة عزّ وإباءٍ متسلّحين بشجاعة الرأي كما قال المتنبي: "الرأي قبل شجاعة الشجعان...."؟

وأضاف: إنّ الطالب البارع المتفوّق والمتقدّم في عالم التكنولوجيا يبقى طالباً تعوزه خبرة الحياة وسلّم القيم الحياتيّة التي من دونها لا نفع لعلم وتقدّم. إنّ التكنولوجيا هي هامّةٌ جدّاً ولا يُمكن الاستغناء عنها، إنّما حجمها الفعلي هو نظرتنا إليها كوسيلة لا غاية. فالغاية واضحةٌ كعين الشمس وهي: الطفل، الطالب، المواطن، الإنسان.

وأكد "أن أستاذ اليوم بحاجة إلى سلاح جديد هو التكنولوجيا كلغة جديدة ووسيلة تفاهم مع أجيال جديدة اعتمدت رسميّاً هذه اللغة".

وقال: أمّا السلاح الأقوى والأمضى للأستاذ فهو ثقته بالله تعالى وبسلّم قيم مشتركة لنا جميعاً نعمل على غرسها وترسيخها عند أبنائنا كي يصبحوا أبناء مجتمع واحد يتواصلون بإيجابيّة وتعاون وتضامن مع أخوتهم في المجتمع ضمن قاعدة أساسيّة هي الاحترام المتبادل.

وأضاف: إنّ هذا القول على بساطته يرتفع بنا وبمجتمعاتنا إلى مصاف المجتمعات الراقية ويجنّبنا الكثير الكثير من المشاكل والتحدّيات في الشارع والعمل والبيت، ويزرع فينا احترام الآخر ورأي الآخر دون الضرورة إلى التوافق كلّيّاً معه، كما يزرع فينا فكرة العمل الفريقي والابتعاد عن الأنانيّة لأنّ العالم واسعٌ جداً والحصاد وافرٌ جداً، وفرص النجاح متاحةٌ لنا جميعاً دون اللجوء إلى معادلة بالية أسمها رابح وخاسر. فهل هناك أجمل من معادلة رابح - رابح: نتشارك انتصاراتنا سويّة ونبتهج لإنجازاتنا جميعاً جاعلين من مجتمعنا اللبناني ومن وطننا الصغير الرابح الأكبر وبالتالي المثال الأفضل في محيطنا العربي والشرق أوسطي.

وختم الدكتور داود: هذا الحلمُ الجميلُ قوامُه معلّمٌ متفانٍ يكفيه فخراً في الحياة أنّه مُقدّرٌ في مجتمعه ومُقدّرٌ دورُه الأساس في زرع قيمٍ ساميةٍ وفي تثقيف أجيال. هنيئاً لك أيّها المعلّم ولك منّا كلّ محبّة وتقدير.

سمر الحلاق الددا: كي تبقى أجيالنا وأمتنا بخير

* مديرة "مدرسة أجيال صيدا" التابعة لـ "جمعية رعاية اليتيم" في صيدا سمر حلاق الددا شددت على "أن عيد المعلم هو أحد الاعياد التي تخلد العطاء الذي لا يقابله عطاء، وتمجد البذل الذي لا يرقى إلى مستواه أي بذل. فالمعلم كان ولا يزال الشعلة التي تضيء، لنقتبس منها النور والمعرفة. فليس هناك من حضارة شهدها التاريخ إلا وقامت على جهود المربين والمعلمين، وما من قائد أو عالم أو شاعر إلا وغرس المعلم في نفسه منذ الصغر حب المعرفة والثقة بالنفس، ليكون أكثر صلابة وقوة وعزيمة في تحدي كل الصعوبات التي تواجهه في الحياة. فالمعلم لا يقتصر دوره على تمكين الجيل من مواجهة المستقبل وأعبائه، بل يتعداه إلى مساعدته في بناء هذا المستقبل".

وقالت: في ظل تحديات العولمة، وفي إطار التغيرات الاجتماعية والتأثيرات الإعلامية الجاذبة والقيم الإنسانية المتبدلة والتطور التكنولوجي الهائل، تعاظم دور المعلم وأصبح عليه أن ينجح في ما قد تخفق فيه الأسرة. ففي ظل هذا كله أصبح الطالب أكثر عرضة لأن يتنكر لقيمه ويتمرد على عاداته وتقاليده، وبالتالي يفقد أصالته ويبتعد عن جذوره. وتقع مسؤولية درء خطر كل ذلك عن الطالب على عاتق المعلم في الدرجة الأولى، وذلك عبر توعية الطالب ومساعدته على التمييز بين التطور والانحلال وبين البناء والهدم. وهنا تكمن قيمة المعلم في بناء الإنسان، وبالتالي المجتمعات. لذا على المعلم أن يكون واعياً لمسؤولياته الجسام على نحو يتناسب مع روح العصر الذي يحيا فيه.

ورأت "أنه من هنا يترتب علينا إبراز دور المعلم وتقديره، وإعطاؤه الأهمية التي يستحقها، وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم له، باعتباره الباني الحقيقي للأوطان، فالمعلم هو الذي يسهم في تقدم المجتمعات وازدهارها عبر بناء الإنسان، والإنسان وحده هو غاية الحياة".

وختمت: لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن أشيد بالدور الذي يؤديه المعلمون في "مدرسة أجيال صيدا". فهم يقومون بدور المعلم والمربي والمرشد لجيل، هو بأمس الحاجة إلى أشخاص يعززون ثقته بنفسه، ويؤمنون بقدرته على التعلم والتطور والارتقاء اجتماعياً. ومن واجبنا نحن كمسؤولين في المدرسة أن لا نألو جهداً في سبيل توفير البيئة التعليمية الملائمة لهؤلاء البناة، ليبدعوا في عملهم ويؤدوا رسالتهم النبيلة خير أداء. فكل عام وأنت بخير أيها المعلم، لكي تبقى أجيالنا وأوطاننا وأمتنا بخير.

حنينة: إيصال جنوده إلى معترك الحياة

* المدير الإداري لـ "جامعة الجنان" في صيدا نادر حنينة أوضح "أنه مع كل بزوغ فجر، تشرق شمس يوم جديد لحياة أفضل مع كل بسمة أم، تضيء بصيرة نفس بشرية بأمل واعد مع كل قرعة جرس، تعلن عن بدء رحلة جديدة تحمل على متنها رسالةً لمستقبل جيل جديد إنها رسالة الشرف، رسالة التضحية، رسالة الضمير، رسالة كل معلم أبى إلا أن يأخذ على عاتقه إيصال جنوده إلى معترك الحياة مزودين بسلاح العلم والمعرفة والأخلاق ليكون كل منهم قائداً يدير دفة المركب ليصل بها ومن معه إلى برّ الأمان".

وقال: التعليم ليس بمهنة أو وظيفة أو عمل من لا عمل له (كما يقال) إنها مَلَكة يضعها الله في أناس مختارين ليكون لهم دوراً في ايصال رسالة العلم بكافة علومه وميادينه، فليس كل من امتهن التعليم أصبح معلماً إلا أن حاز تلك الملكه، فكم من أناس حاولوا خوض ميدان التعليم إلا أنهم وجدوا أنفسهم غير قادرين على مواصلة الطريق لاعتبارهم أنها مهنة وليست رسالة وآخرين لم يستطيعوا أن ينقطعوا عنها بالرغم من وصولهم إلى سنّ التقاعد لأنها كانت ولا تزال تمثل لهم الحياة والأمل بمستقبل جيل واعد.

وأضاف: بعد تجربتي الخاصة من طالب إلى مدرّس إلى أستاذ محاضر إلى مدير في إحدى مؤسسات التعليم العالي أرى في رسالة المعلّم هبة من الله لعطاء غير محدود يبذل فيها الكثير وينتظر ثمراته في نهاية المطاف دون أن ينتظر كلمة شكر. وإن وقفة قصيرة مع النفس نتصور من خلالها دور المعلم في المجتمع يجعلنا ندرك ضخامة الدور الذي يقوم به وعظم المسؤولية التي تقع على كاهله فما هذه الألوف من أولادنا وفلذات أكبادنا إلا غراس تعهدها المعلم بماء علمه فانبعثت وأثمرت وفاضت علماً ومعرفةً وفضلاً.

وختم حنينة: مما لا شك فيه أن أولى الناس بالتبجيل والإجلال هو المعلم فالشكر والعرفان والحب والمودة وكل معاني الاعتزاز له لا تكفيه لرد جزء من تضحياته. فلكل زملائي وزميلاتي وكل من يحمل لقب معلم كل عام وانتم بخير.

نسرين شبيب عبدالله: احياء العلوم لإحياء الأمة

* نسرين شبيب عبد الله من "مدرسة نتاشا سعد" قالت: إن العلم يعد بمثابة الروح للجسد، واحياؤه يعد احياءً للأمة بكل أطيافها، فما شهدنا أمة قد ارتقت إلا بالعلم، وقد كثرت المقولات الشهيرة عن العلم ودور المعلم، ولا شك أن تعدد العلوم واختلاف مشاربها يحتاج الى تعدد لأدوار المعلمين في بلادنا، فمن العلوم الرياضية والكيميائية الى العلوم التطبيقية والتكنولوجية وصولاً الى العلوم الأدبية والفنون والموسيقى، كل تلك العلوم تتكامل مع بعضها البعض في احياء الأمة، وفي ذلك يقال: "من أحيا علماً أحيا أمة، ومن أمات علماً أمات أمة"، ولكن اليوم نحتاج الى احياء العلوم على اختلاف تنوعها وتشعبها لإيجاد جيل مثقف قادر على مواجهة التحديات، وللمعلم دور كبير في هذا المجال، خصوصاً أن عصر التكنولوجيا وتطور وسائل الإتصال جعل أبناءنا أكثر اطلاعاً على كل ما هو حديث.

د. جان داود
د. جان داود


سمر الحلاق الددا
سمر الحلاق الددا


نادر حنينة
نادر حنينة


تعليقات: