الشيف رمزي: أنا خارج المنافسة .. ولا أحد يستطيع أن يحقق ما حققته

الشيف اللبناني رمزي الشويري (تصوير حاتم عويضة)
الشيف اللبناني رمزي الشويري (تصوير حاتم عويضة)


بيروت:

يعتبر «الشيف» اللبناني رمزي الشويري من أوائل الطهاة في العالم العربي، إن لم يكن الأول، الذي كرس بإطلالته عبر الشاشة الصغيرة ما تحول اليوم إلى ظاهرة أبطالها طهاة عرب يطلون في بعض البرامج أو يتولون تقديم برامج خاصة عن الطبخ وأصوله. فبعد 17 عاما من الخبرة في هذا المجال الذي اختاره ليرسم به مسيرته المهنية ويتولى إدارة مدرسة الكفاءات الفندقية التي أسسها والده، يؤكد أن الشهرة لم تكن يوما الهدف الذي سعى إليه، معتبرا نفسه خارج المنافسة التي يخوضها طهاة في وسائل الإعلام العربية، لأن ما يقومون به اليوم ليس إلا تقليدا لما سبق أن قام به منذ سنوات طويلة. بدأت مسيرة الشيف رمزي الشويري في عالم الطبخ بعد عودته من فرنسا في عام 1992، حاملا شهادة في الاقتصاد والحقوق من جامعة ليون وشهادات أخرى تفيد بخضوعه لدورات مكثفة في المجال الفندقي في إحدى جامعات لندن، إضافة إلى ممارسته للعمل الفندقي في فرنسا لمدة 4 سنوات، الأمر الذي أتاح له فرصة أن يصبح عضو شرف في نقابة الأفران الفرنسية. لكن هدف شويري من دراساته هذه لم يكن سلوك طريق الشهرة بقدر ما كان حبه لـ«عالم الطبخ» والسير قدما في مسيرة والده الاجتماعية التي بدأها من خلال تأسيسه مدرسة الكفاءات الفندقية التي كانت تهدف إلى مساعدة الفتيات في العائلات الفقيرة والمعدمة ليتعلمن مهنة، وينطلقن بها في حياتهن، ثم توسعت بعد ذلك لتكون مدرسة مهنية لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة بفروعها السبعة المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية. وفي عام 1995 حقق هدفه وتولى منصب مدير عام فندقية الكفاءات بعدما صار واحدا من مجلس أمناء مدرسة الكفاءات، ولا يزال اليوم في هذا المنصب واضعا نصب عينيه الوصول في هذا الهدف إلى درجات متقدمة من المهنية، متجاوزا كل الصعاب التي تواجه القطاع المهني في لبنان بشكل عام والفندقي بشكل خاص. لكن إصراره على التطوير مكنه من عقد اتفاقية توأمة مع أهم مدرسة فندقية في جنوب فرنسا في عام 1997، وتم بموجبها تطوير البرنامج الفندقي وتدريب أساتذة لبنانيين في فرنسا، إضافة إلى استقدام أساتذة فرنسيين إلى لبنان، الأمر الذي انعكس إيجابا على مستوى الطلاب واليد العاملة اللبنانية.

وفي عام 1994 بدأت مسيرة شويري في عالم الشهرة الفندقية من خلال شاشة تلفزيون «المستقبل» اللبناني الذي اختاره كي يتولى تقديم فقرة خاصة يحضر خلالها أطباقا لبنانية، إضافة إلى أطباق عالمية أخرى، وكانت خطوة شويري الثانية هي تلقيه اتصالات مباشرة على الهواء خلال تحضيره الطعام، الأمر الذي تحول في ما بعد إلى عادة يتبعها الطهاة الآخرون على الشاشات العربية واللبنانية بشكل خاص. وفي عام 1997 أطلق كتابه الأول الذي بيع منه حتى اليوم ما يفوق 650 ألف نسخة، ثم أطلق كتابا آخر عن المأكولات اللبنانية التراثية في عام 2003 ترجم إلى 5 لغات وحصل في برشلونة على جائزة أفضل كتاب طبخ تراثي في العالم. لكن اليوم وبعد هذه النجومية التي استمرت سنوات طويلة، وفي ظل ظهور موجة برامج الطبخ في العالم العربي التي يتولى تقديم عدد منها متخصصون في التغذية، لا سيما تلك التي تعتمد على مبدأ «الصحية» و«المناسبة للحمية الغذائية»، لا يزال الشويري مرتاحا على «وضعه المهني»، معتبرا أنه خارج المنافسة التي تدور حماها على شاشات التلفزيون ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا خارج المنافسة، لا أحد يستطيع أن يحقق ما حققته. معظمهم لا يملكون شهادة، وهم دخلاء على المهنة». وعلى الرغم من رفضه الدمج بين الوصفات، يقول: «المطبخ اللبناني هو القاعدة الأساسية التي أنطلق منها، لكن بصمتي الخاصة في هذا الأمر ترتكز على كيفية ابتكار وصفات جديدة من أطباق مختلفة، شريطة الأخذ بعين الاعتبار مبدأ التوازن في النكهات والألوان واحترام هوية الطبق»، وخبرتي في «الابتكار» أنتجت وصفات عدة لأطباق جديدة مختلفة «قد أجمعها قريبا في كتاب خاص». وعن كيفية تطوير خبرته المهنية وإذا كان يتابع برامج الطبخ العربية والأجنبية يجيب «أسافر كثيرا وأتنقل من دولة إلى أخرى وأحرص على التعرف على الثقافة الغذائية لكل بلد، لكن لا أهوى ولا تهمني متابعة برامج الطبخ على الشاشة». وفي كلامه عن ظاهرة برامج الطبخ التي يعتبر أن القيمين عليها في معظمهم من أصحاب شركات ورجال ونساء أعمال يسوقون لأعمالهم، يعترض الشويري على ما يحاول هؤلاء تقديمه تحت تسميات مختلفة، لا سيما «الصحي» منها، ويطالب بتوعية المجتمع وتثقيفه غذائيا وبوضع تعريف واضح «للمطبخ الصحي»، الذي يجب أن يعني المأكولات والأطباق المطبوخة بطريقة تقليدية، مع احترام التوازن الغذائي ونسبة الوحدات الحرارية التي تحتويها كي لا تفقد نكهتها.

وفي تقويمه للمجال الفندقي بشكل عام وللطهاة الذين يطلون عبر البرامج التلفزيونية إضافة إلى الذين يتولون إدارة مطابخ المطاعم والفنادق يقول «لا يزالون بعدين عن المستوى المطلوب. من يحمل لقب الطاهي عليه أن يحترف تحضير الأطباق، وليس فقط الاكتفاء بما يسمى المقبلات التي يحصر بعضهم المطبخ اللبناني بها، لأن النجاح في تحضير الأطباق الرئيسية على أصولها هي التي تعكس مدى حرفية الطاهي أو عدمها». وفي الوقت عينه يعتبر أن موقع الطاهي اللبناني المحترف في المطبخ العربي شبه غائب، ويعزو الأمر إلى استغلال المؤسسات العربية واللبنانية لحرفيته، مشيرا إلى اعتماد هؤلاء، على مبدأ أساسي وهو الاستعانة بالطاهي اللبناني لفترة محددة من الزمن يتعلم خلالها من يعمل معه التقنية ويتم الاستغناء في ما بعد عن خدماته، نظرا إلى راتبه المرتفع، ليتولى هذا الفريق الذي يكون بشكل عام من جنسيات آسيوية مختلفة، المهمة، من دون أن يملك حرفية هذا المطبخ، وتتحول الأطباق إلى خليط من مطابخ مختلفة تفتقد إلى روحها الأساسية. ويعزو انفلات هذا الوضع إلى عدم التعاون الذي يفترض أن يتم بين إدارات المدارس الفندقية المهنية والمؤسسات اللبنانية بالدرجة الأولى والعربية بالدرجة الثانية.

لكن وبعد إطلالته على شاشة المستقبل لفترة 17 عاما، شعر الشيف رمزي بالتعب من التصوير اليومي، إضافة إلى أمور أخرى متعلقة بعدم تطوير برنامجه، قرر اتخاذ قرار الانتقال إلى المحطة اللبنانية للإرسال (LBCI) التي يطل عبرها يوم الجمعة في فقرة أسبوعية خلال برنامج «حلوة ومرة». وعن مشاريع الشويري المستقبلية يقول «سأكمل في الخطة المهنية التي كنت قد بدأتها في عام 1989 التي تعتمد على تحضير الأطباق التقليدية اللبنانية وبيعها مجلدة في جميع السوبر ماركت في لبنان، وفي المحل التابع لـمدرسة كفاءات، بعدما استقدمت معدات خاصة من الخارج لهذا الهدف وستكون الخطوة المقبلة الانفتاح على الخارج وتصديرها إلى العالم العربي، كما نستعد لإطلاق خط جديد تحت عنوان (Diet Line) وهو يرتكز على تحضير الأطباق ذات السعرات الحرارية المنخفضة ولكن بنكهتها الأصلية اللذيذة، وهذا تحد في حد ذاته».

لكن وعلى الرغم من حرفية الشيف رمزي في تحضير الأطباق وتعليمها للمشاهدين، لا تزال الأطباق التي تحضرها والدته هي الأحب إلى قلبه قائلا: «هناك دائما رابط عاطفي بين الولد وأطباق والدته. وهذا ما ألاحظه كذلك عند أولادي». ولا يعني هذا أيضا أنه يقوم بمهمة تحضير الأطباق والمأكولات في بيته، بل اختار أن يترك هذه المهمة لزوجته التي «سلحها» بكتبه لتسير على خطاها، وإن كان وبعد نحو عشر سنوات من الزواج وإصداره كتابا خاصا كهدية منه لزوجته يحمل عنوان «شهر عسل» يقول عنها «لم تصل بعد إلى درجة الاحتراف. فهي إذا نجحت في تحضير الطبق وكان لذيذا تعزو الأمر إلى حرفيتها، وإذا فشلت في ذلك تلقي اللوم على وصفة الكتاب وعلى واضعها».

تعليقات: