بشرى شكر: الناجية الوحيدة من غارة النبي شيت

بشرى (حسن عبد الله)
بشرى (حسن عبد الله)


النبي شيت :

بشرى شكر هي الفتاة التي نجت وحدها من غارة استهدفت منزل عائلتها في النبي شيت في البقاع يوم التاسع عشر من تموز .2006 فقدت أمها وأربعة أشقاء أكبرهم كان في الثانية والعشرين من عمره، ولم يكن أصغرهم يتجاوز الرابعة عشرة.

تطلّ بشرى اليوم من جلبابها الأسود، وتفرض على الناظر إليها هيبة آتية من نعمة الصبر. مصابها كبير، لكنه لم يكسرها.

تنظر تارة إلى صورة معلقة على الجدار تجمع أمها بقريبها الأمين العام السابق لـ«حزب الله» الشهيد السيد عباس الموسوي، وطوراً إلى صورة أخرى يجتمع فيها الشهداء: أفراد العائلة الواحدة.

تتحدث ابنة الثانية والعشرين بلغة متماسكة، تستوعب جيداً ما ألمّ بها بعد عام على الغارة، وتدرك ما تريده.

انتسبت الى مهنية بريتال ـ قسم الإدارة والتسويق. تتابع علومها بحماسة، وتعيش في كنف جدتها لأمها. تحمل هاتفاً خلوياً يصلها يومياً بوالدها الذي يعيش في بيروت. يرسل لها ما يعيلها، من هناك. هو النبض الوحيد الذي ما زال يمنحها حياة عائلية جميلة يفتقدها الحي الشرقي في البلدة، منذ عام.

تتحدث عن والدها المفجوع حسين. عندما سافر إلى كندا، لم يكن يعلم أن عودته ستكون على وقع خبر استشهاد عائلته. لم يستوعب المصاب بعد، ما زال مـــنذاك عاطلاً عن العـــمل. وما زال عاجزاً عن العيش في القرية الى جانب ابنته، التي أصبحت وحيدته. افترقا قسراً.

تقول بشرى: «ما بقى يحب يعيش بالضيعة، وأنا ما بحب عيش ببيروت، جامعتي هون ولازم كمّل تعليمي».

ترفع بشرى صورة أمها خديجة الموسوي وأخوتها الأربعة. تحبس دمعها وهي تعرّفنا إلى وجوههم. تشكر الله على شفائها من إصاباتها في بطنها وقدميها، بعدما رفعتها غارة الصواريخ لأربعة أمتار، هي وسريرها، وألقتها على بعد عشرين متراً في الجلّ.. قبل أن يشتعل المنزل بالعائلة.

تتذكر بشرى ذلك اليوم: «غبت عن الوعي من السابعة صباحاً حتى السادسة مساء. عندما استفقت، سألت عن أمي وأخوتي في المستشفى، فقيل لي إنهم هنا، في المستشفى أيضاً. بعد ثلاثة أيام، اتصلت بي صديقتي تعزيني، فرحت أصرخ، وشاهدت في اليوم ذاته جثث أفراد عائلتي على التلفزيون». تتمتم بحسرة: «بضلني اشتاق لأمي واخوتي.. شو بعمل؟».

تتجنب الابنة الثانية بعد البكر استرجاع «شقاوة» أخوتها، وهي البنت الوحيدة المدللة بينهم. تقول: «يجب أن أواجه الحـــياة بقوة». تعينها على ذلك جدّتها التي لا تقل عنها صلابةً.

الاثنتان تستعينان بهيئات محلية: «مؤسسة الجرحى ومؤسسة الشهيد بضلوا يسألوا عنا»، تقول بشرى وقد خانتها دموعها للمرة الأولى خلال اللقاء: «بدي رحمة الله وبدي ترجع امي واخوتي.. لو بيرجعوا».

الشهداء الخمسة يرقدون بسلام اليوم في الثرى الذي جُبل بدمائهم. جُرف منزلهم، وتقام مكانه اليوم ورشة، لكن ليس لإعادة بناء بيت، بل لتحويل قسم من الأرض إلى «روضة شهداء» دُفن فيها شهداء البلدة السبعة (العائلة، ومحمد شقير وزوجته).

تحيط بالروضة تصوينة ومجسم هو عبارة عن كف كُتبت عليه مقولة شهيرة للسيدة زينب: «لن تمحوَ ذكرنا». فيما يستثمر القسم الآخر من الأرض في بناء حديقة عامة للأطفال.

تعليقات: