«عدالة» بين قوسين

يختلف كل طرف في تفسير وتحليل المعطيات المتوافرة التي سببتها المحكمة الدولية
يختلف كل طرف في تفسير وتحليل المعطيات المتوافرة التي سببتها المحكمة الدولية


تشهد الساحة اللبنانية حالة من الغليان السياسي بين طرفي النزاع، إذ يختلف كل طرف في تفسير وتحليل المعطيات المتوافرة التي سببتها المحكمة الدولية وقرارها الإتهامي المتوقع صدوره. هذه المعطيات تصطدم مع مساعي التسوية التي تحاول سوريا والسعودية إنتاجها تلافياً للسيناريوهات المتداولة.

قد لا ينعقد مجلس الوزراء أو هيئة الحوار نتيجة تمييع فريق رئيس الحكومة في بت المسائل العالقة بانتظار القرار الاتهامي أو حصول التسوية وفقاً لرغباتهم أو الانتظار لاستعمال القرار كسيف مسلط على رأس المقاومة لابتزازها واخضاعها لإملاءاتهم أو لفرض التسوية وفقاً لتوجهاتهم. إن صدور القرار الإتهامي من المحكمة عما قريب هو منتظر وذلك مرده إلى التعديلات الابداعية التي أدخلتها المحكمة على نظام المحاكمة أمامها حيث أصبح (1) يمكن الاستماع إلى المُشهَدين دون معرفة هويتهم الحقيقية ودون مثولهم امام هيئة المحكمة شخصياً أو عبر إفادة خطية (2) والتعديل الثاني أتاح ملاحقة المتهمين غيابياً خلال شهرين من تاريخ صدور القرار ومحاولة إبلاغهم. كما أن البدعة التي تثير مخاوف البعض (وهي محقة) – وهذا ما هو أخطر ما يحمله القرار من تسييس بهدف الضغط على المتهمين- أن القرار الاتهامي غير ملزم بأن يتضمن العناصر/ الأدلة التي يعتمد عليها بل يمكن فقط أن يصدر متهما فلانا وعلانا بارتكاب الجريمة على أن تعرض/ تنشر الأدلة أمام المحكمة فيما بعد. عندها ليس بحاجة لا إلى أدلة الاتصالات المفبركة والمخروقة ولا إلى الشهود المفبركين وآخر صرعاتهم أن الجنرال الإيراني علي أصغري المهرب/ المخطوف من تركيا مع عائلته قد أدلى بإفادة تشير إلى تورط حزب الله في ارتكاب الجريمة. إذاً في حال أرادت الولايات المتحدة الأميركية استعمال صدور القرار خلال الأيام القادمة وذلك لكي تنفذ مخططها الذي يعتمد على أنه خلال الأيام المقبلة تسود حالة من الحزن في الطائفة الشيعية بسبب إحياءها لمراسم عاشوراء حيث إذا كان المخطط إصدار القرار الإتهامي خلال هذه الأيام ومن ثم سيقوم أحدهم بالانتقام من حزب الله عبر الإقدام على تفجير نفسه في إحدى الحسينيات التي تحيي مراسم عاشوراء ماذا سيكون الحال من بعدها؟ هل يمكن ضبط الوضع داخلياً؟

هذا من جهة، من جهة ثانية في حال كانت محاولات التسوية تأخذ مجراها، وخصوصاً ما تم تسريبه مؤخراً في الوسائل الإعلامية من أن النقيب وسام الحسن هو في دائرة الشك وأن القرار سيتهم بعض العناصر الحزبية أو القريبة. هذا الطرح يحمل في طياته نفحة مخابراتية، التي تميل وتهدف الى (1) طرح اسم الحسن لتبرئته من زج/ تركيب الاتهام إلى عناصر حزب الله (2) وصول التسوية المخابراتية إلى اتهام الحسن والشك به في اغتيال الحريري بالإضافة إلى عناصر تحمل أسماء وهمية ولكنها ترتبط بحزب الله وتوصف بالغير منضبطة عندها تكون المعادلة التالية جائزة وهي عبر رفض الرئيس سعد الحريري للقرار لأنه "يثق بالحسن" بحسب قوله وبطبيعة الحال حزب الله سيرفض القرار لاعتماده على معطيات وأدلة قوامها الشهود والاتصالات وهذه الأدلة منهدمة القوة الثبوتية للفضائح والخروقات التي اعترتها.

هذا في حال كانت المقاومة قد اعتمدت مقاربة التفرقة بين التكتيك والاستراتيجية. الاولى تقوم على مبدأ الدبلوماسية والمهادنة وأخذ الأمور بروية عبر قبول التسوية بعد صدور القرار. لكن إذا ما وجدت قيادة المقاومة أن الوضع خطير وما يحضر للمقاومة لا يستدعي اعتماد التكتيك بل يرتبط باستراتيجية خيار ومبدأ المقاومة عندها لن تساوم ولن تقبل أقل من موقف واضح ومتقدم ومسبق لصدور القرار الإتهامي يقوم على انعقاد مجلس الوزراء وإحالة ملف "شهود الزور" إلى المجلس العدلي بداية، ومن ثم صدور موقف واضح من الرئيس الحريري برفض هذا القرار لأن المقاومة "يثق بها " أيضاً ولا يمكن إدانتها باغتيال رفيق الحريري لأن الأخير كان في داعما ومنسجما مع المقاومة. ولكن هل يمكن الوثوق بفريق 14 آذار وهل أن الرئيس الحريري قادر على تطييعهم وهل اتخاذ هكذا قرار هو على جدول أعماله؟ الوقائع وتصريحات فريق 14 آذار تشير إلى عكس ذلك.

إن الرئيس سعد الحريري غير ناضج سياسياً ولا يتمتع بالخبرة الكافية للتعامل مع الملف المأزق المطروح حالياً كما ولإيجاد مخرج مشرف للجميع بعكس قيادة المقاومة التي خبرت حروباً عديدة انتصرت فيها كما لها من الخبرة الدبلوماسية والباع الطويل في الالتزام بمبادئها دون التعنت والتصلب والتحجر والتقوقع في زاوية الطروحات التي لا تثمن ولا تغني عن جوع. إن خيار سيد المقاومة عند استذكاره لاجتماع الطغاة من الحكام عام 1996 في شرم الشيخ للتواطؤ على المقاومات وأرهبتها لا يمكن قياسه على واقعنا بل يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المرحلة الماضية لم تكن الفتنة والحساسية السنية الشيعية تطل برأسها أما الآن وبعد احتلال العراق وشرذمته طائفياً وبعد انتصار تموز الذي أوجد لأول مرة قائداً ترفع صوره من جاكرتا إلى الرباط مروراً بالأزهر، رفع هذه الصور لا يتماشى مع المخطط الأميركي ما دفعهم إلى المسارعة إلى التحضير بعد عام 2006 لتوريط حزب الله لأن حروب وجيوش العالم لا يمكنها قهره بعكس توريطه في صراع مذهبي سني شيعي داخلي يدور في الأزقة وبين طوابق البناء الواحد.

إن حكمة المعارضة وقيادة المقاومة خصوصاً وتلقيها للمؤشرات الموجودة يجعلها ملزمة باتخاذ الخيار المناسب هل اعتماد التكتيك والمساومة؟ اي هل يسمح الواقع الراهن باعتماد هكذا خيار ما يرجعنا إلى المقولة التاريخية للإمام الخميني عند قبوله بإنهاء حرب العراق عندما قال " لقد تجرعت السم"!! أم أن الحالة هذه لا تسمح بالمساومة لأن رأس المقاومة وكرامة دماء شهدائها على المحك ما يوجب والحال هذه اعتماد مقولة " سنقطع اليد التي تمتد إلى المقاومة".

على أي حال من الجيد معرفة أن المقاومة في وضع مريح لخياراتها لا سيما بعد معرفتنا أن ساعات نوم سيدها قد زادت ساعة واحدة وذلك مؤشر على اطمئنانها إلى الخيار التي ستعتمده خصوصاً وأنها تعدنا بالنصر دائماً ....

تعليقات: