الإدمان.. صراع خفي ينتهي بالسجون لا بمراكز التأهيل


العودة الى تشريح قانون المخدرات في اليوم العالمي لمكافحتها كأحد العناصر الرئيسة في القضية امر بديهي لا بل ضروري، إلاّ أن طرح موضوع المتعاطي بعين القانون اللبناني قد يكون أكثر من ضروري في زمن تطور وسائل المكافحة والمعالجة والسلوكيات والذي انعكس تحسيناً في أساليب العقاب. بعين قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الرقم 673/98، ما زال ينظر الى المتعاطي في لبنان بوجهي المجرم والمريض معاً. تناقض وان بدا غريباً فهو الى حكم المجتمع المسبق وحكم القضاء الموصوم بالنقطة السوداء على سجله العدلي، يساهم في تثبيت وجهة حياة المتعاطي على الطريق السلبي ولو بعد برائه.

القانون حاول استدراك الوضع واعطاء فرصة لـ"المدمن" فعاد بعد تجريمه في المادتين 127 و130 ليلحظ في المواد (183 و191 و193 و194) الناحية الانسانية لجهة احقيته في طلب العلاج من "مرض التعاطي" وعدم ملاحقته اذا تابعه، كما حدّد طريقة العلاج وكلّف "لجنة مكافحة تعاطي المخدرات" مراقبته وتحويله الى مراكز الدولة للعلاج الجسماني والنفساني. استدراك لم يتعدّ حدود النصوص الى النفوس وبقي معلّقا برسم المراسيم التطبيقية ورصد الموازنة اللازمة وبمراكز مجانية للعلاج غير متوافرة وبلجنة غير فاعلة بسبب كل تلك العوامل، ما حال دون تحقيق القانون اهدافه الانسانية والعلاجية والرعائية المبتغاة. حتى اليوم لم يُعف اي متعاط من الملاحقة نهائياً باستثناء واحد كان أتى بشهادة شفائه من مصح في كندا، والنقطة السوداء لا تزال تسجل على السجل العدلي لكل موقوف بتهمة المخدرات.هذا عدا عن بعض الاحكام القضائية التي تصدر بحق المدمن أو المتعاطي وتنتهي الى حدود الاتهام بالترويج والاتجار.

اهل القانون يجتمعون على عصريته ويحصرون المشكلة بالتطبيق الذي يفترض ان ينطلق من دراسة واقعية ليحسم في مجلس النواب الذي بحسب مقرّر لجنة حقوق الانسان النيابية غسان مخيبر "لا تحرّك للنواب فيه الآن ولا مشروع قانون جديد". في المقابل يحاول اهل "الصحة" وضع "المريض المتعاطي" على سكة الشفاء بالتعاقد مع مركز التأهيل في "تجمع ام النور"الا ان الـ512 مليون التي تدفعها الوزارة سنويا ًلا تكفي لتغطية علاج 62مريضا من اصل 10 آلاف مصاب في لبنان.الجهود بحسب رئيسة مصلحة الصيدلة في الوزارة الدكتورة ساميا غزاوي "ما زالت حثيثة لتفعيل لجنة مكافحة تعاطي المخدرات والعمل جار لتحديد مركز لازالة السموم في مستشفى رفيق الحريري الجامعي". والى حين تحقيق هذه الجهود النتائج المرجوة يبقى "المرضى المتعاطون" أسرى النقط السوداء التي تجرّمهم وضحايا داء الادمان الذين يصارع معظمهم وأهليهم للخلاص منه بعد شطب اسمائهم من على لائحة الانتظار الطويلة المسجلة في مركز العلاج.

خرجت شيرين من إدمانها منذ خمس سنوات وهي تناضل اليوم بوجه المجتمع الذي حكم عليها بالعار بعدما رُفضت من قبل اهل حبيبها لتكون عروسه بسبب دخولها الحبس عدة مرات جراء الادمان. فعلى الرغم من تعافيها التام وإكمالها دراستها وتنظيم حياتها واسترجاع مكانتها بين الاهل والاقرباء، ما زالت تعيش معاناة مستمرة وخوفا من اكتشاف احد قصتها وقلقاً لجهة اخبار أو عدم اخبار الناس الذين تتعامل معهم. وكذلك حال رواد متعاف آخر من مشكلة الادمان، حاول التقدّم لوظيفة علّها تؤمن له مردوداً يعيله على إكمال حياته بشكل طبيعي إلاّ ان طلبه قوبل بالرفض بعدما تبينت الشركة الموظفة النقطة السوداء على سجله العدلي، تلك النقطة التي ربما تصبغ حياته كلها. ومثلهما رياض الذي ما زال هاربا من وجه العدالة بسبب حكم بقضائه فترة في السجن بعد ثبوت تعاطيه المخدرات، على الرغم من تعافيه وانخراطه في المجتمع بالعمل مع احدى الجمعيات على توعية الشباب من المخدرات فان أموره لا تزال معرقلة مع الدولة.

ومثلهم أمثال لا يكفيهم حكم المجتمع الذي هو "تحصيل حاصل" في المجتمعات المحافظة، لتزيد النقطة السوداء على سجلّهم العدلي صعوبة تحول دون اندماج المدمن المتعافي بطريقة صحيحة في المجتمع. حتى ولو اعتُبر قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف رقم 673/98 عصري لناحية تمييزه متعاطي المخدرات عن سواه ممن يخالفون القوانين تبقى المشكلة في معاملته التي لم تستطع الخروج من إطار الاجرام الى المرض؟ والى أي مدى؟

[بين المجرم.. والمريض

بالعودة الى القانون فقد نصت المادة 127 منه" على معاقبة من يحوز أو يحرز أو يشتري كمية ضئيلة من مادة شديدة الخطورة بدون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكذلك المدمن على هذه المادة الذي لم يذعن لإجراءات العلاج بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة من مليونين الى خمسة ملايين ليرة لبنانية. وخفف العقوبة في المادة 130 الى الحبس من شهرين الى سنتين وحدد الغرامة من مليون الى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية". اذن جرم القانون متعاطي المخدرات وانزل فيه عقوبات قاسية، الا انه وفي المادة 183 أجاز لكل مدمن على المخدرات قبل إجراء أي ملاحقة بحقه أن يتقدم تلقائياً أمام لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات لاخضاعه للعلاج الجسماني والنفساني من "مرض التعاطي" وعدم ملاحقته إذا تابع العلاج واستمر فيه حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام من التسمم الإدماني. وأقرّ في المادة 189 وفي حال ثبوت شفائه بصورة نهائية اعفاءه من الملاحقة ولكن إذا انقطع عن العلاج قبل الحصول على شهادة الشفاء فإنه يلاحق وفق الأصول. ونظم في المواد اللاحقة إجراءات العلاج التي يجب ان تتم في مصحات متخصصة وبإشراف مساعدة اجتماعية. كما اجاز القانون "العلاج الاجباري" الذي يسمح للأهل أو احد الزوجين الطلب من اللجنة ايداع "المريض المدمن" (المادة 191) كما اتاح احالته عند توقيفه الى اللجنة بموافقته (المادة 193) وطلب المعالجة حتى اثناء التحقيق والمحاكمة (المادة 194).

اذاً القانون الذي يجرّم المتعاطي من جهة هو ذاته يعتبره مريضاً من جهة ثانية ويعفيه من الملاحقة والادانة اذا تعالج محدّدا طريقة العلاج التي يفترض ان تتم باشراف لجنة مكافحة الادمان على المخدرات. لجنة ما زالت حتى اليوم غير فاعلة وهي المؤلفة بقرار من وزير العدل من قاضِ رئيساً ومن ممثل عن وزارة الشؤون الاجتماعية ومن طبيب من وزارة الصحة العامة ومن ممثل عن المديرية المركزية لمكافحة المخدرات ومن شخص من المهتمين بشؤون المخدرات في المؤسسات الخاصة ومن أعضاء تقترحهم الإدارة المختصة.

كما ان تقدّم المدمن من تلقاء نفسه لطلب العلاج أمر يندر حصوله، حتى الاهل لا يسلمون ابنهم خوفاً من الفضيحة ما يمنع من اعفائه من الملاحقة وعدم وضع نقطة سوداء على سجله. بالاضافة، الى ذلك فإنه لم يصر حتى اليوم الى تأسيس اماكن العلاج الجسماني والنفساني التي يلحظها القانون ما يحول دون خضوع الكثير من مرضى التعاطي للعلاج لعدم قدرتهم على تحمل النفقات خصوصا ان معظمهم معدوم الحال. وإزاء كل ذلك تبدو فرص تطبيق القانون غائبة ما يحول بالتالي دون تحقيق الاهداف المرجوة منه ويفرغه من مضامينه العلاجية والرعائية

عن القانون، "فلا تحرّك بالنسبة للقانون في مجلس النواب ولا مشروع قانون جديد" بحسب مقرر لجنة حقوق الانسان النيابية النائب غسان مخيبر. وبرأيه "يجب ان يفعّل النواب التشريع والتقييم والرقابة ويصلحوا الثغرات والبدء بتطوير قدرات رسمية بالاستفادة من تجربة المؤسسات الخاصة والعمل مع القضاة لحسن تطبيق هذا القانون والنظر في كيفية معالجة وتأهيل ضحايا المخدرات". أما عن لجنة مكافحة تعاطي المخدرات تقول رئيسة مصلحة الصيدلة الدكتورة ساميا غزاوي(رئيسة مصلحة دائرة المخدرات سابقاً) "ان هناك جهوداً حثيثة اخيرا لتفعيل اللجنة وتحديد مركز لإزالة السموم (Detoxification) لمرضى التعاطي "على نار حامية" في مستشفى رفيق الحريري الجامعي".

[.. والنقطة السوداء

مشوار المريض المتعافي من الإدمان مرصوف بالصعوبات. فبعد مسيرة طويلة يمضيها في العلاج ينتهي الى أن يبرء من الإدمان من دون أن يبرأ من النقطة السوداء التي توصم سجلّه العدلي وتصعّب عليه فرصة إيجاد عمل أو وظيفة مهما كان نوعها أو حتى مستواها. وإذا ما عاد الى التعاطي مرة أخرى يعاد عليه الحكم عينه ويوصم سجلّه مرة أخرى من دون الوقوف عند السبب وراء ذلك ومعالجته، فتذهب بذلك مساعي الجمعيات لمعالجته ومساعدته على تخطي المشكلة والعيش بطريقة بناءة. ولعلّ ابرز تلك الجمعيات المتخصّصة بشؤون العلاج، الى جانب اخرى كثيرة تهتم بالامور التوعوية، جمعية "تجمّع أم النور" التي ساهمت حتى اليوم برعاية أكثر من 3500 مدمن على التعافي والاندماج بالمجتمع، من خلال عدّة برامج تؤمنها ولمدة سنتين تقريباً كالاستقبال, والتأهيل, برنامج المتابعة وبرنامج الأهل في السلسلة العلاجيّة, بالاضافة الى خدمات برنامج الوقاية المتنوّعة. ويرى محامي الجمعية وليم مسكاوي انه "يجب وقف ملاحقة المدمن المتعافي وكأنه لم يقترف أي جرم لتسهيل عملية اندماجه في المجتمع "، لافتاً الى ان "الاشارة التي توضع على سجله العدلي وتظلّ 3 سنوات على الاقل تؤثر في حصوله على عمل أو وظيفة وبالتالي على مفاصل حياته ككل".

ويطلب مسكاوي "من القاضي ان يضع نفسه مكان لجنة مكافحة المخدرات المذكورة في قانون المخدرات الرقم 673/98 التي ليست فاعلة ولا مكاتب لها ولا مؤسسات حكومية وليعين طبيبا ومعالجاً نفسياً للاطلاع على وضع المتعاطي ولا يجعل الحكم ينزل على السجل العدلي لنستطيع إعطاء المريض فرصة الاندماج بالمجتمع بسجل نظيف". ويضيف "على الدولة ان تساعد المريض على الأقل من خلال ابطال الحكم حتى ولو أوقف المدمن للمرة الثانية والتفتيش عن سبب رجوعه الى المخدر خصوصاً اذا تقدم وطلب العلاج للمرة الثانية. في ظلّ عدم وجود جهاز للمراقبة لا يستطيع المدمن ان ينتظر الملاحقة لانه بحاجة للمعالجة لذلك يكون الحل بالاعتماد على قناعة القاضي ليأخذ القرار لاسيما لجهة تحديد طرق متنوعة للعلاج غير الطريقة الواحدة المحددة في القانون".

[تعاطي، اتجار وسجن

غالباً ما يمضي معظم الشباب وقتهم برفقة الاصحاب يتسكعون هنا وهناك ويتسايرون ويشربون ويدخنون. فريق منهم يمضي الليل يستنشق المواد المخدرة التي يتبادلونها فيما بينهم بعد حصولهم عليها من شخص من "البوطة". تراهم يحشرون في الزوايا بعيدا من الانظار وهرباً من كبسات رجال الأمن الموزعين في الشوارع المشكوك فيها بلباس مدني. أحداث ومراهقون يقتلون ربيع عمرهم بالسموم وتنتهي بهم اما الى القبر أو السجن حيث تلصق بهم الى تهمة التعاطي تهم الترويج أو حتى الاتجار ما يزيد وضعهم سوءاً ويزيد الطين بلّة.

وتعتبر المحامية بالاستئناف في نقابة المحامين وداد العبد ان" هناك مشكلة حقيقية في هذه القضايا، اذ ان الشخص الذي يتم توقيفه بتهمة التعاطي تنزل به ايضاً تهمة الاتجار أو الترويج وغالباً ما يكون سبب ذلك ان المدمن يتعاطى ضمن مجموعة من الرفاق ويتبادلون فيما بينهم المواد المخدرة فتُلصق به تهمة الترويج أو يكون احد الموقوفين اعترف انه اشترى المادة منه فيعتبر تاجراً". وتضيف "بعض القضاة لا يقرأ الملف كلّه من الداخل بل فقط من الخارج ويحكم على هذا الاساس من دون التأكد من ثبوت التهمة أو من وجود أدلة كافية لإدانة المدمن بتهمة الترويج والاتجار فيعلق هذا الاخير في الحبس لمدة طويلة الى حين صدور الحكم فيحسم المدة التي قضاها ويكمل الباقي أو يخرج. وفي هذه الحالة يطلب المحامي إخلاء السبيل لهذا الشخص وهو امر صعب جداً في حالة الاتجار".

[.. حكم مسبق

وعلى الرغم من ان عملية تأهيل المدمن في لبنان تبقى أسهل منها في بلدان اخرى، بسبب وجود الروابط العائلية والعلاقات الاجتماعية التي ما زال يمتاز بها البلد ما يؤمن فسحة امل للمريض المتعاطي في الشفاء، الا ان ذلك لا ينفي الاثر النفسي الذي يخلفه حكم القضاء ومعه حكم المجتمع على المدمن المتعافي. وتشرح المعالجة النفسية في "تجمّع أم النور" دنيز أبي راشد ان قانون المخدرات لا يخدم المدمن بعد تأهيله لأنه يسجّل نقطة سوداء على سجله العدلي خصوصاً ان معظم المؤسسات تطلب سجلاً عدلياً من طالبي الوظيفة. وتضيف ان هناك اشخاص يخرجون بعد التأهيل غير مسامحين أنفسهم وعندما يتقدمون بطلب وظيفة ويُرفضون يعيشون رفض المجتمع لهم ودلالة الناس عليهم بالاصبع. وتزيد الطين بلة تلك النقطة السوداء على سجلّهم العدلي التي تسبب لهم الاحباط والقلق من اخبار أو عدم اخبار الآخرين عن تورّطهم".

[.. ونقص في المؤسسات

والى ذلك فان النقص في مؤسسات الدولة المتخصصة في معالجة وتأهيل المدمنين على المخدرات بالمجان يساهم في تفاقم المشكلة خصوصاً عند ذوي الدخل المحدود القاصرين عن تغطية نفقات متطلبات العيش العادية فكيف بالعلاجات الإضافية والمكلفة الكفيلة بعودة المتعاطي المتعافي الى ممارسة حياته بشكل طبيعي. والى النقص في هذا الجانب يبرز نقص في القانون نفسه لجهة تحديده نوعاً واحداً من العلاج في عصر بات ينتج في كل يوم علاجاً جديداً وطريقة مختلفة للعلاج فضلاً عن العلاجات والطرق الموجودة سلفاً. ومن هذه العلاجات العلاج الخارجي الذي تعتمده جمعية "سكون" منذ العام 2003 ويتضمن متابعة للمتعاطي الذي يقصد مركز الجمعية بزيارات اسبوعية للعلاج مجانا على ان يتحمل كلفة الادوية. وتبقى المشكلة بحسب المدير التنفيذي في الجمعية ناديا مكداشي "بعدم وجود مراكز للدولة كما ينصّ قانون المخدرات لمعالجة ومتابعة المريض مجاناً اذ ان معظم المدمنين ليس معهم المال الكافي اولاً لاجراء تنظيف الجسم من السموم والذي يكلف 3500$ في المستشفيات فضلاً عن تكاليف الادوية. كما ان الدولة لا تدعم بشكل كافي المؤسسات الاهلية القائمة والفاعلة منعاً لازدياد اعداد المدمنين. لاسيما ان هذه الجمعيات ومنها جمعيتنا لا يمكنها تحمّل كلفة العلاجات خصوصا وان اعداد المدمنين في لبنان هائلة."

[.. وغياب المراسيم

من جهته، إيلي اعرج من "جمعية العناية الصحية" يقول ان" القانون اللبناني عصري ويلزم الدولة ان تتعاطى مع جمعية خاصة واختصاصيين لكن بعض القضاة لا يلتزمون والقانون لا يُنفّذ". والحلّ برأيه "اصدار المراسيم التطبيقية للقانون ورصد الموازنات لتنفيذه لتحقيق العلاج اللازم للمتعاطي بدلا من المساهمة ولو عن غير قصد في تحويله الى تاجر أو مروّج ليسدد كلفة المادة التي يتعاطاها كبديل من السرقة." و"جمعية العمل الصالح" من الجمعيات التي اصبح لها خبرة طويلة في مجال التأهيل والوقاية منذ تأسيسها في العام 1987 وقد بيّنت استراتيجية الحد من مخاطر استخدام المخدرات التي تعتمدها الجمعية انخفاض نسبة الاصابة بمرض السيدا عند الشباب الذين يتعاطون عن طريق الحقن، كما انخفاض في معدّل الجريمة والعنف عند المدمنين ومعدّل الجرعة الزائدة والموت من جرائها.

[.. رومية وأولوية الأمن

وفي الإطار نفسه يشكل المدمنون حالة كبيرة في سجن رومية اذ تتراوح اعمار السجناء مدمني المخدرات بين 18 و30 سنة ومن بين 500 الى 600 سجين يدخل يوميا 20% منهم مدمنين. وهم مرضى وحبسهم هناك ليس اقل وجعاً وخطورة من مرض الادمان.

وتواكب هؤلاء جمعية "عدل ورحمة" (AJEM) برئيسها الاب هادي العيا الذي يصف اكثر الصعوبات التي يواجهونها عند تغيير آمري السجن ومجيء اشخاص جدد لا يهمهم الموضوع وانما يهتمون فقط بالامن. ويطلب الاب هادي من قوى الامن المشاركة أكثر بهذا العمل والسماح بإقامة مركز خاص للمدمنين بدلا من المركز الحالي الموجود داخل السجن والمعزول في احدى طبقاته مع تغيير كلي بالديكور الداخلي وتواجد متخصصين من أطباء ومعالجين نفسيين واجتماعيين وصحيين وممرضة ومحامي".

وينطوي عمل الجمعية التي نشأت بمبادرة من الرهبة الأنطونية بفريق عمل نحو 50 شخصاً بينهم 35 متطوعاً ينتمون الى مجالات خدماتية عدّة منها الطب والحقوق والتعليم وغيرها، على مرافقة المساجين وذويهم منذ دخولهم السجن وخلاله وبعده ومن ضمنه الاهتمام بتأهيل المدمنين على المخدرات منهم ضمن برامج تؤمن وسائل علاجية ومرافقة نفسية واجتماعية خلال فترة الفطام وما بعدها. ويرى العيّا "انه يجب التنسيق ما بين قوى الامن وبين أرباب الاعمال ومنح المتعافين عند الخروج سجلات عدلية نظيفة تسمح لهم بالاندماج سريعاً بالمجتمع وجو العمل." ويشرح "كجمعية تقوم استراتيجيتنا على العمل على السلوكيات بمراعاة وضع المدمن الذي لا يُشفى نهائياً انما هو بحالة تعافي مثل مريض السكري تماماً، ويُعالج كل مريض بحسب طريقة التقائه بالمخدّر والاختبارات التي عاشها مع العودة الى أساس التراكمات والأسباب التي جعلته يستسلم للمخدر"..

برأت من حكم الإدمان.. ولم تقو على حكم المجتمع

تلميذة في الرابعة عشرة من العمر، ضعيفة الشخصية، غير قادرة على التعبير عن نفسها ومشاعرها، مفرطة الاحساس، قليلة التكلم وعاجزة عن الدفاع عن نفسها. تلقّت دروسها الابتدائية في مدرسة مرموقة في احد البلدان العربية حيث يعمل والدها وحيث كان اول لقاء لها مع سيجارة الحشيشة لعلها تقوّي ثقتها بنفسها وتعطيها من الشجاعة الكافية للدفاع عن نفسها بسهولة. بعدها قرّر الوالد ارسال العائلة الى لبنان ليعيشوا وسط الاهل ومعها انتقلت الى مدرسة مرموقة ايضاً في العاصمة لاكمال دراستها. خلال هذه الفترة كانت لجأت ايضاً الى شرب الكحول وكان من السهولة الحصول على سيجارة حشيشة اخرى من شلة المدرسة الجديدة بعد جمع افرادها المال من بعضهم البعض لشراء الكمية اللازمة واستمر الوضع على هذا المنوال حتى السابعة عشرة حين بدأت بتعاطي الهيرويين. في اول سنة جامعية كان التعاطي سهل للهيرويين في السيارة في الصباح أو عند اصحابها أو في دورات المياه في الجامعة "شمّة عَ السريع". اربع مرات من التعاطي كانت كافية لادخالها شباك الادمان وعدم الخلاص منه.اصبح جل همّها تامين مواد الشم التي باتت بالنسبة اليها الاكل والشرب والدرس.

اتجهت "ابتسام"، نحو التعاطي لأول مرة علها ترفع ثقتها بنفسها ولكنها بذلك أمّنت تحطّم شخصيتها وارسلت ثقتها بنفسها الى الحضيض والاسوأ انها اصبحت كاذبة ومقرفة وسارقة وهاوية الجنس. بعد عام ونصف العام تعبت كثيراً حاولت السفر للابتعاد عن الجو لكنها لم تنجح، فاتخذت القرار الصعب باخبار والدتها التي كانت بدأت تنهار امامها لحال ابنتها.

وتشرح "انها لتبعد الشبهة عن نفسها حرصت على المحافظة على علامات مرتفعة وساعدها على ذلك ان لا تواصل مع الاب بحكم سفره وعدم تواصل مع الام رغم وجودها. وتقول ان "امها وثقت بها ثقة عمياء وعوّدتها على "كسر كلمتها" والحصول على ما تريد ولم تحاسبها يوما.

بدأت مسيرة العلاج بقصدها عدة اطباء حاولوا العمل بالمثل القائل "داوني بالتي كانت هي الداءُ" وحولوها الى تناول الادوية المخدّرة مثل "subitex" و"Xanax" ما ساهم في تراجع حالتها. بعض الاطباء وليبرر فشل علاجه بدأ يعاملها كمريضة عقلية وشخّص حالتها بانفصام في الشخصية ونصح بإدخالها المصح العقلي ليبرر فشل علاجه. وبعد سنة نصف السنة وعلى اثر اصابتها بالجرعة الزائدة نُقلت الى مستشفى السان شارل حيث خضعت للعلاج لمدة شهر ومنه انتقلت الى مركز "تجمع أم النور" حيث بقيت لنحو سنتين. وتعترف "ابتسام" ان دخولها الى التجمّع غيّر حياتها اذ تعاملوا معها بطريقة صعبة نظمّت حياتها واعادت لها ثقتها بنفسها خطوة خطوة وساعدتها على التعافي واسترداد ما سلبه منها الادمان. بعد برائها من التعاطي تطوّعت في الصليب الاحمر حيث رافقها فريق من التجمع للتأكد من اندماجها بالعمل الاجتماعي والمجتمع نفسه بطريقة صحية. وخلال عملها تعرّفت الى زوجها الحالي ومعه أكملت دراستها في الجامعة اللبنانية وحازت على اجازة "مساعدة اجتماعية" وعملت بمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة. اليوم هي ام لولد في الرابعة من عمره تحرص على متابعته وتربيته بطريقة تعزّز له ثقته بنفسه وتقوي شخصيته. والنصيحة التي تقدّمها للأهل هي بالتكلم مع أولادهم ومراقبة شخصيتهم ليتمكنوا من تصحيح اي خلل ومحاسبتهم عند اقترافهم الخطأ مهما كان صغيراً ليتعلّموا من خطئهم.


تعليقات: