«القدس العربي» تزداد شبابا

عبد الباري عطوان رئيس تحريرالقدس العربي
عبد الباري عطوان رئيس تحريرالقدس العربي


تكمل «القدس العربي» اليوم واحداً وعشرين عاما من عمرها، وتدخل عامها الثاني والعشرين، شابة قوية متنوعة، تحتل مكانة بارزة على الخريطة الاعلامية والسياسية العربية، بحكم كونها صحيفة مختلفة، وضعت هموم هذه الأمة على قمة اولوياتها، وعانت الكثير حجبا ومنعا من التوزيع وحرمانا من الاعلانات، ولا تزال، بسبب هذا الخيار الصعب لكن المشرف.

نعترف انها كانت مسيرة صعبة مليئة بالاشواك، بل والالغام الموقوتة، تعرضنا خلالها لحروب طاحنة، شنتها علينا قوى عظمى، اقليمية ودولية، تارة بالمنع والحظر، وتارة اخرى بالتحريض والتجريح، وثالثة في لقمة العيش، ولكننا ظللنا دائما صامدين، واقفين مرفوعي الرأس مثل نخيل او اشجار زيتون بلادنا، جذورنا عميقة في ارضنا الصلبة، ورؤوسنا تناطح السحاب.

نحن، وباختصار شديد، ندفع ثمن ثباتنا في موقفنا الراسخ الداعم للتحول الديمقراطي الوطني في بلداننا، ومعارضتنا لانظمة الفساد والمحسوبية، واصرارنا على القضاء العادل المستقل والفرص المتساوية للجميع، بعيدا عن الاعتبارات الطائفية او العشائرية او المناطقية. فلا يمكن لنا كأمة ان ننفض عن انفسنا ركام التخلف، ونحقق طموحاتنا في النهضة والارتقاء دون هذه القيم الاساسية.

لم نكن نقف مع الدكتاتورية عندما وقفنا في الخندق العراقي في مواجهة الغزة والاحتلال الامريكيين، وانما وقفنا مع الامة في مواجهة ابشع انواع الكذب والتضليل والاستكبار، وها هي الوقائع على الارض تثبت اننا كنا اصحاب رؤية استراتيجية بعيدة المدى. فها هم العرب الذين ناصروا العدوان والاحتلال يعضّون اصابعهم ندما وهم يرون هوية العراق العربية تتآكل، واستقراره يتبخر، ووحدته الترابية تتضعضع، حيث بات يضم اكبر نسبة من الارامل في العالم (مليون ارملة) والايتام (خمسة ملايين يتيم) ويحتل المرتبة الاولى كأكثر دول العالم فسادا.

' ' '

عندما قلنا ان الحرب على الارهاب في افغانستان لن تنتصر لأنها حرب على الاسلام والمسلمين، جادلنا الكثيرون، وشككوا في طروحاتنا، وها هي الايام تثبت، وبعد عشر سنوات على انطلاق هذه الحرب، ان الادارة الامريكية الحالية تبحث عن مخرج آمن من افغانستان، في اطار صيغة تنقذ ماء وجهها، بعد ان اكتشفت انها تتعامل مع رئيس فاسد وتواجه مقاومة شرسة.

وقفنا دائما مع المقاومة كحق مشروع في مواجهة الاحتلالات في العراق وافغانستان وفلسطين، وعارضنا اتفاقات اوسلو منذ اليوم الاول، لايماننا المطلق بأن اسرائيل لا تريد السلام، وتتخذ من العملية التفاوضية ذريعة لكسب الوقت ونهب الارض، وبناء المزيد من المستوطنات، وها هي السلطة، التي طالما طالبنا بحلها، تكتشف بعد سبعة عشر عاما، عبثية هذه المفاوضات والاهداف الخبيثة من ورائها.

دخولنا 'سن الرشد' لا يعني مطلقا اننا كنا طائشين، تحكمنا العاطفة، بل نفتخر اننا كظمنا الغيظ، ووقفنا دائما في خندق هذه الامة، وانتصرنا لقضاياها الوطنية العادلة، رغم الحملات الشرسة التي استهدفتنا من الآلات الاعلامية الجبارة لدى اولئك الذين وقفوا في خندق الاعداء.

ارتكبنا اخطاء..نعم.. تطرفنا في بعض المواقف.. ولم لا.. فمن لا يعمل لا يخطئ، وبالاحرى من يعمل في ظروف صعبة، وبامكانيات محدودة للغاية، ويواجه مؤامرات واحتلالاً وحروباً يشنها الامريكان وحلفاؤهم تحت ذرائع كاذبة، واسانيد مفبركة ضد امتنا وبعض بلدانها، من الطبيعي ان يتطرف او يتشدد في مواقفه. فكيف يمكن ان نكون باردين كثلج القطب الشمالي ونحن نرى عاصمة الرشيد تقصف بالحمم، او غزة هاشم تمطر بقنابل الفوسفور الابيض، واجساد اطفالها الطرية تتمزق وتحترق امام اعيننا.

' ' '

مواقفنا جميعها موثقة في مجلداتنا، لم تتغير مطلقاً منذ اليوم الأول لصدورنا، بينما تغيّرت مواقف كثيرة وتبدلت وفق اعتبارات كثيرة ايضاً، ولا نريد ان ننكأ الجراح، ونخلق المزيد من الاعداء، او نحيي عداوات نعتقد انها همدت قليلاً، فأجسادنا مثخنة، ولم تبق فيها اماكن لسهام جديدة.

في أحد الأيام جاء الى مقر هذه الصحيفة السيد انتفاض قنبر الذراع اليمنى للدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، وقال لي بالحرف الواحد: 'لقد ظلمنا 'القدس العربي'، فقد توفر لدينا اكثر من 25 طناً من وثائق النظام السابق، ووظفنا حوالى 14 شخصاً للبحث فيها، ولم نجد قصاصة واحدة تثبت ان هناك علاقة سياســية او مالية بيــــنه (اي النظــــام) وهذه الصحيفـــة'. وقــال اشياء أخرى لا نريـــد ذكرها فـــي هذا المقــام لانهــا تمس آخرين. ولعل الشـــهادة الأهم جاءت من السيد فخري كريم زعيم الحزب الشيوعي العراقي، في مقابــلة مع مجلة 'المجلة' حول كوبونات النفط، والتي نشرت صحيفة 'المدى' اسماء المتورطين فيها، وعندما سأله مندوب المجلة بان هذه الاسماء قد تكون 'مفبركة' اجابه السيد كريم بالحرف الواحد 'لو كانت مفبركة او مزورة لكان اسم عبد الباري عطوان على رأس القائمة'.

' ' '

ندخل العام الثاني والعشرين ببشرى للقراء وعهد: البشرى ان عدد قراء هذه الصحيفة على موقعها الالكتروني بلغ ثمانية ملايين قارئ شهرياً حسب احصاءات مؤسسة غوغل وقد اتصلت بنا وتعاقدت معنا شركات عالمية لنشر اعلانات على موقعنا اعتباراً من الاسبوع المقبل. فـ'القدس العربي' تُقرأ حالياً في 196 دولة في العالم، وحتى الدولة العربية الكبرى التي حجبت موقعنا لديها تحتل مرتبة متقدمة في عدد القراء، فشباب هذه الدولة وشيبها يعرفون كيف يصلون الينا رغم الحظر الظالم.

اما العهد الابدي الذي التزمنا به امام قرائنا، فهو نفسه، ان نظل دائماً اوفياء لهم، متمسكين بقيمنا وأخلاقنا الاسلامية العربية، وميثاق شرفنا المهني بعدم الانجرار مطلقاً الى الأحقاد، أو الخوض في الأمور الشخصية، وسنتحلى دائماً بكظم الغيظ، والوفاء لقارئنا الذي هو مالكنا الحقيقي، وبوصلتنا التي لا تخطئ ابداً.

هنيئاً لكم ولنا، في عيدكم وعيدنا، نطلب العذر اذا اخطأنا، ونعدكم اليوم، مثلما وعدناكم دائماً، اننا سنظل واقفين في خندق الأمة والعقيدة، خندق العزة والكرامة. والحياة وقفة عز في نهاية المطاف.

تعليقات: