استباحة علنيّة

اللواء أشرف ريفي في صورة تذكارية مع ميشيل سيسون
اللواء أشرف ريفي في صورة تذكارية مع ميشيل سيسون


مشهد أوّل:

الطريق من طرابلس إلى عكار مليئة بشعارات التأييد للّواء أشرف ريفي. واللواء، كما هو معروف، موظّف في الدولة (لا في الطائفة) برتبة المدير العام لقوى الأمن الداخلي. يمكن فهم حملة التضامن معه. ما لا يمكن فهمه، إلا من زاوية استباحة الطوائف للفضاء العام، أن تصرّح إحدى لافتات التأييد بأنّ كرامة اللّواء ريفي هي من كرامة الطائفة السنّية. وإذا أضفنا إلى ذلك أن اللافتات كلّها تحمل تصميماً «فنّياً» واحداً، عرفنا أنّها ليست حملة عفوية قامت بها «الجماهير»، بل حملة منظّمة. ولا عيب في ذلك. العيب ألا يكون اللواء على علم بتلك الحملة، فلم يرَ اللافتة المذكورة أعلاه. العيب الآخر أن يكون قد رآها، أو أُخبِر عنها، وتُركت مكانها.

مشهد ثانٍ:

الوزير السابق وئام وهاب، في مقابلة تلفزيونيّة أخيرة، يقول تعليقاً على دعوى قضائية مرفوعة ضدّه، إنّه لا يمثُل أمام أحد. طبعاً، إنّها لهجة التحدّي التي اعتادها اللبنانيون. ما ليس اعتيادياً هو أن يرى الوزير السابق أو أيّ زعيم سياسي أنّه يملك ما يشبه الحصانة «لأنّه يمثّل جزءاً من طائفة»، كما قال وهاب. فإذا كانت نهاية الحرب الأهلية قد حملت معها قانون العفو العام الذي منع محاكمة أمراء الحرب والطوائف، يبدو أنّ المرحلة الحالية تعطي حصانة لأي زعيم طائفة أو ممثّل لجزء من طائفة!

مشهد ثالث:

جبهة الحرية، برئاسة القائد السابق للقوّات اللبنانية فؤاد أبي ناضر، رفعت شعاراً يزيّن بلا خجل بعض الطرقات: «المسيحي بيستحق مشروع واضح». هكذا، باتت الأحزاب عندنا تؤلَّف وتعمل وتخاطب طائفة بعينها، وتطالب بمشروع للطائفة، وليس حتّى بمشروع للبلاد تحمله الطائفة.

المشاهد الثلاثة ليست من متن الحدث السياسي. لكنّها من ذاك النوع الذي يساعد في فهم التحوّلات التي أصابت الجمهوريّة في مرحلة ما بعد 8 و14. ولعلّ أبرز سمات هذه الجمهوريّة توسّع رقعة الطوائف على حساب الدولة، أي الانتقام من المرحلة الممتدّة منذ انتهاء الحرب الأهليّة حتّى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. آنذاك، لم تنكفئ الطوائف طبعاً، لكنّها اكتفت بحصّة إلى جانب الدولة (وسوريا)، وأدّت دوراً مكمّلاً في بعض الأحيان، ومناقضاً في أحيانٍ أخرى. حُلَّت الميليشيات، أعيد بناء مؤسسات عامة، تبنّت الدولة وجهة اقتصادية مركزية، بقيت صناديق الطوائف وتوزيعاتها، مُنع المس بالأحوال الشخصية، احتُرم التوزيع الطائفي للوظائف...

الأسوأ أنّ هذا الانتقام يجري اليوم بعدما أثبت المشروعان الوحيدان اللذان عرفهما لبنان في المرحلة السابقة، أي الإعمار والمقاومة، أنّهما أعجز من فرض هيمنة كاملة على البلاد. الطوائف تسبح اليوم في فضائها الخاص. وجودها وقوّتها غير مرتبطين بمشروع يخصّ البلاد نفسها. بات على الدولة، في حال كهذه، أن تبحث هي عن دور لها. دور يتجاوز إدارة الحوار بين الطوائف وأمرائها.

تعليقات: